Friday, December 8, 2017

اصلاح الجامعة المصرية - دعه يعمل




دعه يعمل هو مبدأ مهم وضروري يجب تبنيه وإتاحه الفرصه له ليساهم بفعالية في تطوير الجامعة المصرية. رغم الأوضاع الصعبة التي تعاني منها الجامعات المصرية حالياً إلا أن إصلاح أحوالها لا يحتاج إلي معجزة بل يحتاج إلي إتاحة الفرصة للجامعات لتدير أمورها ومواردها وقرارتها بشكل مختلف عما يجري الآن. ما يجري الآن هو استمرار لسياسات وعادات وأعراف أدت بنا إلي ما نعاني منه الآن. ليست المشكلة الأساسية هي الزيادة الرهيبة في أعداد الطلاب ولا ضعف مستوى الطالب المتوسط الذي يلتحق بالدراسة الجامعية ولا ضعف المرتبات ولا العمالة الزائدة غير الفعالة ولا العمالة المؤقتة غير المدربة ولا عدم مراعاة معايير الجودة في العملية التعليمية ولا سوء توزيع الموارد المالية داخل الجامعة ولا جودة وسعر الكتاب الجامعي او الاعتماد عليه من الاساس ولا مشكلة قلة المراجع وعدم الاعتناء بالمكتبات إلى آخره من مشكلات حقيقية. كلها مشاكل مهمة لكن المشكلة الأساسية هي غياب الحوكمة الرشيدة كمبدأ في إدارة الجامعة كمؤسسة علمية. الحوكمة الرشيدة تعني بإختصار أن توجد شفافية وعلاقات صحية بين اهل الجامعة او في المجتمع الجامعي، وهم أصحاب المصالح المشروعة في المجتمع الجامعي. وأن يرتبط ذلك بشفافية وعلاقات صحية بين الجامعة وباقي أصحاب المصالح المشروعة في المجتمع المصري بصفة عامة وعلى رأسهم الحكومة التي ينبغي ان تدرك ما المقصود بإستقلال الجامعة وأهمية ذلك لتباشر الجامعة دورها بفاعلية في المجتمع المصري.

كانت ومازالت لي تجربة متواضعة في إدارة -ولا أقول تدريس- مادة قاعة البحث في دبلوم العلوم الجنائية في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية وهي التجربة التي اعتز بها واعتبرها ناجحة. أحمد الله أنه أتاح لي فرصة تدريس لعدة أعوام خلال إعدادي لرسالة الدكتوراه في إحدى الجامعات الأمريكية، وهو ما أتاح لي اكتساب عدة مهارات مهمة سواء في ورش العمل الخاصة بالمناهج والتدريس او استعمال التكنولوجيا او من خلال تجربتي في التعامل مع طلاب من خلفيات مختلفة سواء أمريكيين ومن جنسيات أخرى. وعقب عودتي إلي مصر، وبداية تدريسي مادة قاعة البحث القانوني، بدأت أطبق ما تعلمته بنكهة مصرية. فأخذت في الإعتبار عوامل عدة تتعلق بعدد الباحثين والمستوى العلمي المتباين و ظاهرة السرقات العلمية وكتابة الأبحاث بمقابل وقلة المراجع الأجنبية الورقية إلي آخره من عوامل. وبدأت في بناء نظام هدفه النهائي صقل بعض المهارات  الاساسية المطلوبة لسوق العمل القانوني وإتاحة بعض المصادر التي تمكن الباحث من الإعتماد على نفسه بعد اجتيازه المادة. ومن ضمن المهارات الأساسية التي يجب تنميتها لدى الباحث (الكتابة القانونية- البحث القانوني- القانون المقارن) جنباً إلي جنب مع مهارة استعمال التكنولوجيا ومهارة استعمال اللغة الإنجليزية القانونية. ومن المهم أيضاً تكليف الباحثين بمشاهدة فيديوهات عن التفكير المنطقي او أهمية الكتابة. وبسبب قصر فترة الدراسة وبسبب الواجبات الأسبوعية التي يجب ارسالها إلكترونياً قبل انقضاء ميعادها والصعوبة التي تواجه البعض في اكتساب مهارات ربما يكتسبها للمرة الأولى في حياته، يشعر بعض الباحثين بضغط كبير، وهو أمر طبيعي، لكن العلم لا يأتي إلا بالتعلم، وكما قال الأصمعي: من لم يحتمل ذل التعلم ساعة؛ بقي في ذل الجهل أبدًا. ويزداد حرصي على اختيار موضوعات مستحدثة وغير تقليدية ومرتبطة بالواقع العملي الذي نعيشه خاصة ما يتعلق بالقانون الجنائي الدستوري او القانون الجنائي الإقتصادي. واحاول جاهداً استضافة ضيف متحدث يعرض خبرته العملية على الباحثين. كما أحاول جاهداً أن أبقي الباحث مهتماً بالموضوعات البحثية قدر الإمكان، ومتابعاً للتطورات والمستجدات القانونية التي تقع في المجتمع المصري.

كل ما سبق واجهه جبل من التحديات والصعوبات. منها اعتياد البعض على اللجوء إلي الأبحاث سابقة التجهيز التي تعدها مكتبات مساعدة الطلاببمقابل مادي. ومنها لجوء هذه المكتبات إلي تحريض بعض الطلاب على هذا (النظام الأمريكاني الذي لا يصلح إطلاقاً للطالب المصري!!!!!). ومنها تكاسل الطلاب وتقاعسهم او انشغالهم عن الحضور إلي المحاضرات وعدم متابعة ما يتم نشره الكترونياً عن مستجدات المادة… إلي آخره. المهم في تطوير العمل الجامعي أن يكون هناك مساحة يعمل فيها الأستاذ الجامعي دون التدخل في عمله ودون أن نعرقله أو نعيقه.  

خلاصة ما سبق… اصلاح الجامعة ممكن. وحوكمة الجامعة تستدعي استقلالها وشفافيتها واعمال الشورى في قراراتها -من خلال برلمان الجامعة- ليتم تحديد اولولياتها وتوجيه مواردها بطريقة فعالة. والدعم الإداري والدعم المالي والدعم السياسي هو الاساس. والمهم هو أيضاً دعه يعمل...