Saturday, September 19, 2009

محتوي كتاب ج1: الدولة و القانون الإلهي

-->
الدولة
في ضوء مبدأ سمو القانون الإلهي
أ.د. أحمد محمد احمد حشيش[1]
الجزء الاول
مركز الدولة
مركز الشعب
مركز الرئاسة
مركز دولة سبأ
ضمانات الإلتزام بأوليات الدولة
مركز الشوري
آمل من القارئ ألا ينظر إلى هذا البحث، إلا على أن مؤلفه أستاذ جامعى، يعمل فى ميدان القانون، ويؤمن بالحقائق الثلاث التالية باعتبارها أطر أى دراسة علمية فى العالم العربى بوجه خاص:
1- فالحقيقة أن الحضارة الشرقية هى أصل الحضارة الإنسانية عامة، سواء فى الشرق أو فى الغرب([2])، بل – حتى – فى اليونان منذ قديم([3])، أى منذ يونان اليونان Gréce de la Grece وهى مدينة أثينا القديمة.
ومن أسف أن هذه الحقيقة فاتت الكثيرين حتى من الشرقيين أنفسهم(3). وفاتهم بالتالى أن الآثينيين لم يكن لهم تاريخ منظم إلا فى وقت متأخر للغاية(4)، بمعنى أنهم لم يعرفوا – حتى – أصلهم أو نشأتهم مطلقاً(5). ولو لم يفتهم ذلك ما صدقوا التاريخ اليونانى الذى لا يستحق عناء الكلام(6)، ولا – حتى – التاريخ الرومانى الذى لا يقل عنه خفة وتطيراً(7).
2- والحقيقة أن أصل الحضارة الشرقية هو العلم، وليس اللاعلم non-Science بقوامه من الخواء والعماء، وبأشكاله الكثيرة المنطوية كلها على خطر([4])، وبتناقضه الصارخ هدفاً ومنهجاً مع العلم([5]).
وهذه الحقيقة لم تفت الغزالى (1059-1111م)، فكان أول من كتب فى ضرورة التمييز بين العلم(3) وبين اللاعلم الذى يضم – حتى - الفلسفة(4)، وذلك على اعتبار أن العلم لم يكن قط تهافتاً، ولا كان قوامه من الخواء والعماء.
وبعد الغزالى بخمسة قرون كاملة، كان فرنسيس بيكون F.Bacon (1561 – 1626م) رجل القانون والبرلمانى وقاضى القضاة وكبير مستشارى الملكية وحامل أختامها فى إنجلترا، هو أول من كتب فى أوروبا عن ضرورة أن يقتصر عمل معاهد العلم على العلم دون اللاعلم الذى يضم – حتى – المنطق الأرسطى(5)، وذلك على اعتبار أن هذا المنطق لم يكن قط مدخلاً إلى العلم، إنما كان دوماً مدخلاً إلى الفلسفة باعتبارها من اللاعلم أصلاً(6).
بل – حتى – بعد قرنين من بيكون، كان نابليون أول من قال فى فرنسا بضرورة التمييز بين العلم وبين اللاعلم الذى يضم – حتى - الإيديولوجيا([6])، وذلك على اعتبار أن العلم لم يكن قط تحيزات تجريدية تشوه الواقع وتجرد الحياة من مذاقها وطعمها وتتمخض عن مسوخ باردة تكتم الأنفاس([7]).
3- والحقيقة أن أصل الحضارة الشرقية هو العلم الشرقى Eastern science تحديداً. وهذا العلم هو علم «لدنى» أصلاً، أى من لدن الله تعالى، مصداقاً لقوله سبحانه: )عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(([8]).
والمدخل إلى هذا العلم مقنن ومؤرخ له فى القانون الإلهى الحالى، أى فى الدستور الإلهى المعاصر وهو القرآن وفى لائحته التنفيذية وهى السنة المحمدية، مصداقاً لقوله تعالى:)وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ البحث تِبْيَاناً لّكُلّ شَيْءٍ(([9])
وسيلاحظ القارئ أن الالتزام بتلك الحقائق الثلاث فى العالم العربى بوجه خاص، هو أمر مثمر إن لم يكن ضرورياً. وهو ضرورى إن لم يكن واجباً، لكنه واجب فى كل الأحوال، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: [بلغوا عنى ولو آية .....]([10]).
1- تعد فكرة الدولة من أكثر الأفكار غموضاً فى الدساتير الوضعية المعاصرة، وفى مؤلفات الفقهاء المحترفين الذين لم يعرفوا بعد أصل الدولة تحديداً([11])، ولم يضعوها بالتالى فى وضعها الصحيح علمياً([12])، ومازالوا يُلقون فيها بكل ما هو مجهول الهوية من أفكار، ويفسرون بها – حتى – ظاهرة القانون، رغم أن القانون أسبق فى الوجود تاريخياً من ظاهرة الدولة([13]).
بل – حتى – فى مؤلفات الفقهاء المسلمين الذين يقال عنهم([14]) أنهم لم يعرفوا فكرة الشخصية المعنوية. ولا دورها فى استمرارية الدولة. ولا فكرة التمثيل representation . ولا فكرة الفصل بين السلطات. ولا – حتى – اصطلاح سلطات الدولة. لأنهم «كانوا قليلى العناية بها. اللهم إلا إذا استثنينا الأحكام المتعلقة بنظام الخلافة الذى أصبح – بصورته التى رسمها فقهاء المسلمين – موضعه اليوم فى متحف آثار أنظمة الحكم»([15]).
وصار يقال الآن أن القانون الإلهى الحالى – أى الدستور الإلهى المعاصر وهو القرآن ولائحته التنفيذية وهى السنة المحمدية - «لم يضنع ..... قواعد تفصيلية لنظام الحكم»([16]).
2- على أن أكثر غوامض فكرة الشعب والدولة والرئاسة، خلقها أدباء محترفون، هم أدباء السلاطين، أى أصحاب «الآداب السلطانية»([17]) جيلاً بعد جيل. وقديماً استهلها أفلاطون (427 – 347 ق0م) بمؤلفه عن «السياسى». ثم أرسطو (348 – 322 ق0م)، بمؤلفه عن «السياسة فى تدبير الرئاسة»، الذى اشتهرت تسميته مترجماً فى الغرب حديثاً بـ «السياسة»([18])، واشتهرت تسميته مترجماً فى العالم العربى فى صدر العصر العباسى بـ «سر الأسرار»([19]).
والفكرة الموجودة فى هذين المؤلفين لم تعدم من ينبهر بها، ويحاول أسلمتها دينياً وفلسفتها شرعياً وتطبيعها عربياً، تحت عنوان «السياسة الشرعية»، التى يجرى تداولها حتى الآن، وجنباً إلى جنب النظرة التقليدية إلى عصور آل أمية فآل العباس فآل عثمان (661-1924)، وكأنها عصور «خلافة» شرعاً، رغم أن الثابت قانوناً أن عصر الخلافة يقتصر على ثلاثين سنة فحسب بعد وفاة الرسول، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [الخلافة بعدى فى أمتى ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك]([20]).
ورغم أن لفظ «السياسى» ولفظ «السياسة» مازالا غامضين للغاية وبالتالى هلاميين من حيث معناهما([21])، لكنهما لم يعدما من يحاول أسلمتهما دينياً وفلسفتهما شرعياً وتطبيعهما عربياً حتى الآن، استناداً إلى قول خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم: [كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم]([22]).
3- بهذا، فغموض فكرة الشعب والدولة والرئاسة راجع إلى الانبهار بالفكر الغربى بشأنها، ولدرجة الإصرار – بالتالى – على أسلمة هذا الفكر دينياً وفلسفته شرعياً وتطبيعه عربياً، وبصرف النظر عما إذا كان هذا الفكر يتفق أو لا يتفق مع تنظيم الحكم فى القانون الإلهى الحالى.
إذ لا يجوز لأحد أن يتصور أن القانون الإلهى الحالى يخلو من تنظيم أياً كان، ولا – حتى – من تنظيم للشعب والدولة والرئاسة، مصداقاً لقوله تعالى: :)وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ البحث تِبْيَاناً لّكُلّ شَيْءٍ(([23])، وقوله تعالى: )مّا فَرّطْنَا فِي البحث مِن شَيْءٍ(([24]).
لذا تخيرت عنوان هذا البحث: «مركز الشعب والدولة والرئاسة والبرلمان واللغة العربية فى ضوء مبدأ سمو القانون الإلهى»، بياناً لموضوعه وإطاره. وسيلاحظ القارئ أن موضوعه، ليس دراسة وصفية، إنما دراسة تأصيلية، لبيان المراكز القانونية بما تنطوى عليه من حقوق وواجبات، سواء للشعب أو للدولة أو للرئاسة، وذلك فى إطار القانون الإلهى الحالى، وبصرف النظر – حتى – عما فى الدساتير الوضعية المعاصرة.
ولأن الدراسة التأصيلية فى هذا الموضوع لم تُطرق من قبل، فإن هذا البحث يلتمس العفو مقدماً، عما عساه لم يستطع تجنبه من أوجه قصور أو من افتقار إلى الدقة أو من إغفال لأمور واضحة للعيان، ذلك لأن هناك دائماً مخاطرة فى الخروج عن الدروب المطروقة تقليدياً جيلاً بعد جيل. وهذه الدراسة تتوزع على خمسة مباحث، كالتالى:
المبحث الأول : فى أوليات الدولة.
المبحث الثانى : فى الالتزام بأوليات الدولة.
المبحث الثالث : فى نظام الشورى.
المبحث الرابع : أوليات البرلمان.
المبحث الخامس : أوليات اللغة العربية.
المبحث الأول
4- عرض وتقسيم :
المقصود بأوليات الدولة، بيان مركز الدولة، ومركز الشعب، ومركز الرئاسة. فهى مراكز ثلاثة مستقلة عن بعضها البعض، أى كل واحد منها هو مركز قائم بذاته من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية.
وبدهى أن هذه المراكز أسبق فى الوجود تاريخياً من فكرة الدستور الوضعى، الذى هو أحدث منها وأحدث منها بكثير. وقبل ظهوره لأول مرة، كانت تُنظمها التقاليد الملكية وحدها وبدون تهذيب، والتى استقرت – بعد شئ من التهذيب – فى الدستور حال ظهوره لأول مرة، وذلك فى عصر الدستور المنحه Octroi.
وهذه التقاليد مازالت جاثمة على قلب كل دستور وضعى حتى الآن، رغم ما يقال عادة عن تطور فكرة «سن» الدستور([25]). وذلك لما يقال فى نفس الوقت، من ضرورة أن يكون الدستور هو أقل التشريعات قابلية للتطور من جانب، وأبطأها تطوراً من جانب آخر، وأكثرها ثبوتية invariance من جانب ثالث، وعلى تقدير أنه «الأساس» وفقاً لمعنى لفظ «الدستور» فى اللغة الفارسية، وبالتالى فهو القانون الأساسى.
وبذا، مازال كل دستور وضعى أميناً على التقاليد التى تنظم الرئاسة، وتنظم مركز الشعب ومركز الدولة نسبة إلى الرئاسة، وبصرف النظر عن حقيقة هذه المراكز فى القانون الإلهى الحالى، حيث هذه المراكز مقننة ومؤرخ لها فيه. لذا تتوزع الدراسة فى هذا المبحث على المطالب الثلاثة التالية:
المطلب الأول: مركز الدولة.
المطلب الثانى : مركز الشعب.
المطلب الثالث : مركز الرئاسة.
المطلب الأول
مركز الدولة
الفرع الأول
5- فكرة الشخص الاعتبارى :
الثابت أن الشخص الحقيقى réelle أسبق فى الوجود تاريخياً من فكرة الشخص الحكمى، أى الشخص الاعتبارى moral، الذى هو كيان معنوى قائم بذاته ويتمثله القانون شخصاً فيتمثله – بالتالى- الإنسان شخصاً، ولو أنه ليس شخصاً حقيقياً، إنما هو شخص على أى الأحوال.
أما سند فكرة الشخص الاعتبارى فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، فهو قوله تعالى: )فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً(([26]).
إذ يقال تفسيراً للآية الكريمة – حتى – من جانب اللغويين: «الله تعالى يقول (فأرسلنا إليها روحنا). وهو جبريل. وكلمة (فتمثل) تعنى أن هذه ليست صورته وليست حقيقته. ولكن حقيقته شئ مختلف ... ولكنه لم يظهر لها على حقيقته وتمثل لها فى صورة بشر ... إذن تمثل جبريل لمريم فى صورة بشر من جنسها، لأنها لم تكن لتطيق النظر إليه فى صورته الحقيقية»([27]). وهو بهذا بشـر حكماً، لا بشر حقيقة.
وإذا كان ذلك كذلك، فإن فكرة الشخص الاعتبارى راسخة فى القانون الإلهى منذ زمن إبراهيم عليه السلام، مصداقاً لقوله تعالى: )وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ. إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ. قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ(([28])، وقوله تعالى )هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مّنكَرُونَ(([29]). فالثابت أن الملائكة وكانوا ثلاثة، «لما وردوا على الخليل حسبهم أولاً أضيافاً، فعاملهم معاملة الضيوف»([30]).
وبهذا، إن كان الفقهاء المسلمون لم يعرفوا فكرة الشخصية المعنوية([31])، فليس معنى هذا بالبداهة أن القانون الإلهى الحالى يخلو من فكرة الشخصية المعنوية، مصداقاً لقوله تعالى)وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ البحث تِبْيَاناً لّكُلّ شَيْءٍ(([32]). هذا ولو أن «عدم الاعتراف بالشخصية الاعتبارية فى الفقه الإسلامى ترتب عليه كثير من الصعوبات من الوجهة العملية»([33]).
6- الدولة شخص اعتبارى :
الدولة هى أول وأقدم الأشخاص الاعتبارية بإطلاق. وكان أول ظهور للدولة فى الشرق، لا فى الغرب. فكانت الدولة موجودة – حتى – فى زمن إبراهيم عليه السلام (آية 258/ البقرة)، أى منذ أكثر من أربعة آلاف سنة.
وبدهى أن الشخص الاعتبارى وإن كان شخصاً personne، لكن ليست له مرحلة طفولة، ولا يتصور بالتالى أن تكون الدولة قد مرت بمرحلة طفولة، سواء قديماً أو حديثاً.
لذا فإن فكرة دولة المدينة الواحدة la cite-État، أى «الدويلة»، سواء فى أثينا أو روما أو إسبرطة القديمات فى منتصف الألف الأول قبل الميلاد، أو فى «يثرب» فى عشرينيات القرن السابع الميلادى فى عصر النبوة([34])، أو – حتى – فى الفاتيكان حالياً، إنما هى فكرة خيالية للغاية، ولا سند لها فى نظريـة الشخص الاعتبارى.
فعصر النبوة بأكمله (610 – 632) لم يكن عصر دولة، ولا – حتى – عصر دويلة فى يثرب بعد الهجرة، إنما كان عصر توحيد القبائل العربية فى شعب واحد يحل محلها على إقليمها الذى انصهرت فيه أقاليمها، ويقوم وحده مقامها، وتختفى – بالتالى – تقاليد الجاهلية القبلية والأسرية، تمهيداً لقيام أول دولة لكن بعد وفاة الرسول. فالأصل أن هذا العصر كان عصر رسالة عالمية وأبدية، ولا يجوز بالتالى تقزيمه مكانياً أو زمانياً.
7- شخصية الدولة :
والدولة وإن لم تكن لها مرحلة طفولة، لكنها شخص على أى الأحوال، أى شخص قائم بذاته autonomie، وله – بالتالى – شخصيته القانونية personnalité juridique، التى تبين ذاتيته وتميزه بالتالى عن غيره من الأشخاص، سواء الأشخاص الحقيقية أو الأشخاص الاعتبارية. فالشخصية هى العنصر الشكلى فى فكرة الشخص القانونى، ولو لم يكن شخصاً حقيقياً.
وشخصية الدولة تتكون من إسم وموطن (أى العاصمة) وحالة قانونية، التى بدورها تتكون من جنسية أى ارتباط بإقليم معين، وديانة أى ارتباط بديانة معينة، وحالة عائلية تجوزاً أى ارتباط بدول الجوار([35]).
ويترتب على هذه الشخصية آثارها، التى أخصها: وجود الذاتية قانوناً. وثبوت الأهلية بوجهيها (أى الوجوب والأداء). وثبوت الذمة المالية المستقلة.
الفرع الثانى
8- مبدأ التخصيص :
الأشخاص الاعتبارية هى أشخاص مخصصة، أى تخضع لمبدأ التخصيص([36]) فى أدوارها. وهذه الأدوار هى بطبعها أدوار متعددة ومتباينة تبعاً لتعدد وتباين أنواع الأشخاص الاعتبارية، لكن هذه الأدوار جميعاً تصب فى دور واحد هو معاونة الإنسان فى الأرض، أى معاونته على أداء دوره فى الأرض.
وبذا فالأصل أن الدولة هى أول وأقدم شخص اعتبارى نشأ لمعاونة الإنسان فى الأرض، وذلك بصرف النظر عن الدور الملكى القديم للدولة، أى دورها فى نظر الملك تلو الملك.
9- تقزيم الدور الحربى للدولة :
تاريخياً، كان الدور المعتاد للدولة فى التقليد الملكى هو دورها بالنسبة للأعداء، سواء فى الداخل أو فى الخارج. فقديماً كان يُنظر إلى الدولة وكأنها أداة للحرب وبالتالى للفساد والإذلال.
فكانت الدولة أداة للحرب مع أعداء الداخل، مصداقاً لقوله تعالى بشأن فرعون موسى: )وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ(([37]). كما كانت الدولة أداة للحرب مع أعداء الخارج، مصداقاً لقوله تعالى بشأن بلقيس ملكة سبأ:)قَالَتْ إِنّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوَاْ أَعِزّةَ أَهْلِهَآ أَذِلّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(([38]).
ومن هذا المنظور الملكى القديم إلى الدولة، كان الفقهاء المسلمون فى العصور الوسطى يميزون بين نوعين من الدولة، هما: دولة فى حالة حرب من أجل الإسلام، وقد اشتهرت تسميتها اختصاراً بـ «دار الإسلام». ودولة فى حالة حرب ليس من أجل الإسلام، وقد اشتهرت تسميتها اختصاراً بـ «دار الحرب»، ولو أن دور هذا النوع أو ذاك هو الحرب([39]).
وبدهى أن «دار الحرب» أسبق فى الوجود تاريخياً من فكرة «دار الإسلام»، التى لم تظهر فى الوجود إلا بعد وجود أول دولة فى الجزيرة العربية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أن هذه الدولة كانت تخضع لقواعد مستحدثة بشأن الحرب:
1- فالأصل أن الحرب حالة استثنائية طارئة. وهذا الاستثناء، مما يجب عدم القياس عليه أو التوسع فى تفسيره أو الإضافة إليه بالاجتهاد، إنما يجب التضييق منه، وذلك عملاً بالقاعدة العامة فى شأن كل استثناء.
والقاعدة أن الحرب ليست فساداً أو إفساداً، أو إذلالاً، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : [إنهوا جيوشكم عن الفساد، فإنه ما فسد جيش قط إلا قذف الله فى قلوبهم الرعب. وإنهوا جيوشكم عن الغلول، فإنه ما غل جيش قط إلا سلط الله عليهم الرجلة. وإنهوا جيوشكم عن الزنا، فإنه ما زنا جيش قط إلا سلط الله عليهم الموتان)([40]).
2- والأصل أن الحرب بمثابة الدفاع الحربى، فلا يُلجأ إليها – بالتالى – إلا للدفاع الشرعى، لما روى من أنه «قاتل أبو بكر رضى الله عنه مانعى الزكاة مع تمسكهم بالإسلام، حتى قالوا: والله ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا. فقال عمر رضى الله عنه: علام تقاتلهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا منى دماءهم وأولادهم إلا بحقها]. قال أبو بكر: هذا حقها. أرأيت لو سألوك ترك الصلاة؟. أرأيت لو سألوك ترك الصيام؟ أرأيت لو سألوك ترك الحج؟ - فإذن لا تبقى عروة من عرى الإسلام إلا انحلت. والله لو منعونى عناقاً وعقالاً مما أعطوه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم عليه. فقال عمر رضى الله عنه: فشرح الله صدرى للذى شرح له صدر أبى بكر رضى الله عنه ......»([41]).
3- والأصل أن الحرب ليست حالة أصلية أو دائمة فى حياة الدولة، إنما هى حالة مرضية، وبالتالى فإن الوقاية من الحرب خير من علاجها، مصداقاً لقوله تعالى: )وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ....(([42])، وقوله تعالى: )وَإِن جَنَحُواْ لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ(([43]).
وبهذا فالأصل فى دور الدولة، ليس هو دورها الحربى الذى يعتبر استثناء، إنما هو دورها بالنسبة للإنسان.
10- طبيعة دور الدولة :
الأصل فى دور الدولة هو دورها بالنسبة للإنسان، وبالأخص بالنسبة لدوره فى الأرض، أى أن دورها الأصلى مرتبط لزوماً بدور الإنسان فى الأرض ومعاون له.
وبذا فدور الدولة هو معاونة الإنسان على الارتقاء الحضارى، أى التقدم progress، لأن دور الإنسان فى الأرض هو الارتقاء الحضارى، أى التقدم، مصداقاً لقوله تعالى: )هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا( ([44]). فالمستفاد من هذا النص من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية، هو أن الإنسان – شأنه شأن الأرض – كائن حضارى أصلاً، وهما معاً مهيآن للعمران، أى مهيآن للارتقاء الحضارى. ودور الإنسان بهذا هو التقدم.
وسيُسأل الإنسان مامة عن هذا الدور يوم القيامة، مصداقاً لقوله تعالى:)يُنَبِّؤُُا الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدّمَ وَأَخّرَ(([45])، وقوله تعالى: )إِنّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىَ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيَ إِمَامٍ مّبِينٍ(([46]).
كما سيُسأل كل إنسان عن هذا الدور يوم القيامة مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : [لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ماذا فعل به. وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. وعن جسمه فيما أبلاه]([47]).
بهذا فدور الدولة هو دور حضارى أصلاً، وغايتها التقدم دوماً، وذلك بصرف النظر عن الأفكار الخيالية الكثيرة التى تثير الاضطراب فى نظرية الدولة:
أ - فالدولة ليست مجرد شخص اجتماعى([48])، ولا دورها مجرد توفير السلع والخدمات كما يذهب فقهاء الإدارى فى فرنسا ومصر حتى الآن، ولا دورها مجرد «الحراسة»، حتى لو كانت حراسة «الدنيا والدين» كما ذهب فقهاء العصور الوسطى فى العالم العربى([49]).
ب – ولا يمكن الاستغناء فوراً عن الدولة كما يذهب أنصار المذهب الفوضوى فى فرنسا، ولا يمكن – حتى – الاستغناء عنها مستقبلاً كما يذهب أنصار المرحلية الشيوعية حالياً.
ج – ولا التقدم مجرد تغيير اجتماعى([50]) Social change.
11- الدولة عون للإنسان :
والأصل أن الدولة عون للإنسان الذى له عليها حق المعاونة. وهذا الحق right أصيل وراسخ، وذلك بصرف النظر عن موقف الدساتير الوضعية المعاصرة تجاهه.
وتاريخياً، حق الإنسان فى المعاونة هو حق قديم قدم عصر آدم عليه السلام، ولو أن الدولة لم تكن قد وجدت بعد، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: )إِنّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىَ. وَأَنّكَ لاَ تَظْمؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَىَ(([51]).
فالمستفاد من هذا النص من الوجهة العلمية/التاريخية/القانونية، هو أن حق الإنسان فى معاونته أسبق فى الوجود تاريخياً من فكرة الدولة. وأن هذا الحق ضرورى ولازم للإنسان، وإن مضمون هذا الحق ليس مفرداً إنما هو متعدد.
أما حق الإنسان فى المعاونة من جانب الدولة التى عليها واجب معاونته، فإنه حق قديم قدم الدولة ذاتها، وأوسع نطاقاً – بالتالى – مما كان عليه قبل وجود الدولة، ويتنامى نطاقه بمرور الزمان. وبتنامى الارتقاء الحضارى، حتى بات يُطلق عليه فى الأدبيات المعاصرة بـ «الحريات العامة فى نشأتها وتطورها»([52]) تارة، و «حقوق الإنسان العالمية»([53]) تارة أخرى.
فرغم سوء الصياغة mauvaise technique فى العبارتين السالفتين، فإنهما تحومان حول ما بـ «حق الإنسان فى المعاونة» من عمومية بالغة، نسبة إلى عمومية مجالات المعاونة من جانب، وعمومية الدائن بهذا الحق أى الإنسان عامة من جانب آخر، وعمومية المدين بهذا الحق أى الدولة التى هى شخص اعتبارى عام من جانب ثالث.
وبسبب سوء الصياغة الغربية السالف، فإن الفقه المقارن مازال يحاول عبثاً البحث عن أساس موحد لتلك الحقوق والحريات([54])، بل – حتى – ينظر إلى هذا الأساس وكأنه فكرة الطبيعة البشرية تارة وفكرة القانون الطبيعى تارة أخرى. لأنه لم يلتفت بعد إلى فكرة واجب الدولة فى معاونة الإنسان على الارتقاء حضارياً، أى معاونته على التقدم.
الفرع الثالث
12- إدارة الشخص الاعتبارى :
بدهى أن أى شخص اعتبارى لا يدير بنفسه شئون نفسه، لأنه ليس شخصاً حقيقياً، إنما هو شخص حكماً فحسب، وبالتالى تُدار شئونه برئيس يعاونه أعوانه. إذن الأصل أن الدولة تدار برئيس يعاونه أعوانه.
13- الرئاسة لازمة للدولة :
الأصل أن الرئاسة présidence ضرورية ولازمة لوجود الدولة، وبصرف النظر عن الحيل الفقهية التى ابتدعتها الإيديولوجيا، أى ابتدعتها التحيزات التجريدية تباعاً، مثل:
1- فكرة الرئاسة الفخرية، كما فى انجلترا وإسرائيل وسويسرا مثلاً. فهذه الفكرة تُفرغ الرئاسة من محتواها.
2- فكرة رئاسة أكثر من واحد فى نفس الوقت، كما كان الحال فى إمبراطورية روما من عام 29 ق0م إلى عام 295 ميلادية. وهذه الفكرة تجرد الرئاسة من معناها ومغزاها.
3- وفكرة الرئاسة الدينية أو المذهبية، على تقدير أن الرئاسة ركن فى الدين. كما يذهب فقهاء الشيعة فى موقفهم الكلاسيكى([55])، الذى لم يسايره أحد حالياً إلا الفاتيكان، فصارت الفاتيكان وإيران وحدهما نمط «الدولة الدينية»، أو بالأحرى «الدولة المذهبية».
وهذه الفكرة الأخيرة تتمخض عن رئاسة ممسوخة باردة تكتم أنفاس الدولة، وتجثم على أنفاس الشعب بزعم توسطها بينه وبين الله تعالى، حتى فى إدخال الجنة.
على أن القانون الإلهى لا يجيز فكرة الدولة الدينية أصلاً، لأن المبدأ: لا وساطة بين العباد وربهم، مصداقاً لقوله تعالى: )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ(([56]).
كما أن هذا القانون لا يجيز فكرة الدولة العلمانية، أى دولة بدون ديانة مطلقاً، خاصة أن الديانة عنصر جوهرى فى حالة الشخص القانونية، بصرف النظر عما إذا كان شخصاً حقيقياً أو شخصاً حكمياً كالدولة. كل ما هناك أن ديانة الشخص الحقيقى اختيارية، مصداقاً لقوله تعالى: ).. فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ..(([57])، بينما ديانة الشخص الاعتبارى إجبارية، أى هى الدين الإلهى (الإسلام) وجوباً، مصداقاً لقوله تعالى:).. وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ..(([58]).
14- الرئاسة عنصر فى الدولة :
والأصل أن الرئاسة عنصر element فى الدولة، أى هى ركن من أركان الدولة باعتبارها شخصاً اعتبارياً، وذلك بصرف النظر عن تباين تسميات الرئاسة عبر التاريخ الإنسانى. فتاريخياً، لم تكن لرئيس الدولة تسمية واحدة، ولا كانت للرئاسة – بالتالى – تسمية واحدة، كالتالى:
1- فأقدمها هى تسميته بـ «الملك» King، التى استمدت منها فكرة الملكية، وفكرة النظام الملكى الذى أغلبه تقاليد traditions ملكية أصلاً. وحاليا، هذا النظام على نوعين: نظام ملكى شكلاً. وموضوعاً، ونظام ملكى شكلاً فحسب كما فى إنجلترا حالياً حيث قاعدة: ملك يملك ولا يحكم. لذا يشار إلى النظام الإنجليزى من الوجهة الموضوعية، بـ «النظام البرلمانى»([59]).
2- ثم فى ثلاثينيات القرن السابع الميلادى، ظهرت تسميته بـ «الخليفة الراشد»، واختصاراً «الخليفة» فحسب، أى اللاملك non-king، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [الخلافة بعدى فى أمتى ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك]. ففى هذه المدة وحدها (632-661م)، تحققت فكرة الخلافة، ونظام الخلافة.
أما ما تلى هذا العصر من عصور اشتهرت تسميتها تجوزاً بـ «الخلافة»، فإنه يقال بحق بشأن نظامها من أن «موضعه اليوم فى متحف آثار أنظمة الحكم»([60]). فهى عصور ملكية تسترت تحت شعار «الخلافة».
3- ثم ظهرت تسميته بـ «الرئيس» président الذى هو ملك حقيقة ولو لم يكن ملكاً بالنص. وتنسب إليه فكرة «النظام الرئاسى». وهذا النظام على نوعين حالياً، نظام رئاسى شكلاً وموضوعاً كما فى الولايات المتحدة الأمريكية([61]). ونظام رئاسى شكلاً فحسب، كما فى سويسرا، حيث استعيض عن تسميته بـ «النظام المجلسى»(3).
15- النظام المثالى للرئاسة :
رغم قصر فترة الخلافة الراشدة (632-661م)، فإن نظامها كان نظاماً مثالياً(4) وخاصاً(5) للرئاسة، التى «لا يتوافر منها عنصر واحد من العناصر فى عصرنا هذا»(6).
فهذا النظام كان يتسم بخلوه تماماً من أى تقليد من التقاليد الملكية التى جثمت قبله أو بعده على قلب أنظمة الرئاسة. وهذا النظام كان يتسم بذلك، التزاماً منه بقوله تعالى: ) لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ((7) ، ثم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل جاءه يرتعد يوم فتح مكة: [هون عليك فإنى لست بملك. إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد]([62]).
16- التقاليد الملكية :
وفيما عدا عصر الخلافة الراشدة، فإن التقاليد الملكية جثمت على قلب نظام الرئاسة، حتى فى العالم العربى والإسلامى. وهذه التقاليد على أنواع ثلاثة :
أ - فمنها ما ينظر إلى الملك وكأنه الدولة. وهذا تقليد ملكى وثنى قديم قدم فرعون موسى، مصداقاً لقوله تعالى: )وَنَادَىَ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيَ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ(([63]).
ب – ومنها ما ينظر إلى الدولة وكأنها الملك. وهذا التقليد الملكى كان موجوداً إلى ما قبل الثورة الفرنسية عام 1789. وهو ما «تعبر عنه الكلمة المشهورة المأثورة عن لويس الرابع عشر: أنا الدولة "L'Etat est moi"([64]).
جـ - ومنها ما ينظر إلى الدولة، وكأن أصلها الملك. إما بقوته، وبالتالى فلا حاجة هناك لأى دستور وضعى. وإما بتنصيبه من جانب الله بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، وبالتالى يلزم وجود دستور وضعى، ولو أن هذا الدستور ليس أكثر من هبة أو منحة Octroi منه. وإما بموافقته، وبالتالى يلزم وجود دستور وضعى، ولو أن هذا الدستور ليس أكثر من اتفـاق أو عقـد pacte، حتى لو قامت به جمعية تأسيسية convention. وما زالت هذه النظريات تشغل مساحات فى مؤلفات التشريع الدستورى المعاصرة([65])، سواء تحت أصل نشأة الدولة أو تحت أصل نشأة الدساتير.
والملك بهذا هو أصل الدولة، ولو أنه أصل أسرة اشتهرت تسميتها تبعاً له بـ «الأسرة الحاكمة» أو «الأسرة المالكة» أو «الأسرة الملكية» أو «أسرة الرئيس» على حسب الأحوال، إنما لها – على أى حال – حق توارث الرئاسة (العرش)، سواء بقانون توارث العرش، أو بدونه، ولو – حتى – بالحيلة أو الخديعة، التى لم تعدم من يؤسلمها دينياً ويفلسفها شرعياً ويطبعها عربياً بمبايعة يزيد بن معاوية، واستحداث نظام ولاية العهد([66]).
17- نطاق فكرة الرئاسة :
الأصل أن الرئاسة – أياً كانت تسميتها التاريخية – ليست أكثر من عنصر فى الدولة. وبهذا، فلا هى الدولة، ولا هى أصـل الدولـة.
بل هى رئاسة الدولة، ولو أن هذه الرئاسة قد مرت بتطور تاريخى هام لم يلتفت بعد إليه الفقه المقارن. فقديماً كانت الدولة برئاسة الملك، ثم أصبحت برئاسة نصف ملك فى مملكة سبأ فى عصر بلقيس فى زمن سليمان عليه السلام، ثم أصبحت برئاسة اللاملك فى عصر الخلفاء الراشدين.
وهى رئاسة الدولة باعتبارها شخصاً حكمياً، ورئاسة الدولة فحسب، أى أنها – حتى – ليست رئاسة الشعب الذى هو أصل الدولة.
المطلب الثانى
مركز الشعب
الفرع الأول
18- ماهية الشعب :
لفظ «الشعب» - شأنه شأن لفظ «القبيلة» - هو أحد اصطلاحات الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، مصداقاً لقوله تعالى: )يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُـم مّـن ذَكَـرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ...(([67]).
ولفظ «الشعب» بهذا هو اصطلاح قانونى أصلاً، وله – بالتالى – مفهومه الاصطلاحى، أى مفهومه العلمى/التاريخى/القانونى.
واصطلاحاً، الشعب هو مجموعة قبائل توحدت معاً وذابت فيه وانصهرت فى وحدته، فحل وحده محلها على إقليمها بأسره الذى انصهرت فيه أقاليمها، وانزاحت عنه – بالتالى – تقاليد الجاهلية القبلية والأسرية.
والشعب بهذا وحدة حضارية قائمة بذاتها وسابقة تاريخياً على وجود الدولة، ولازمة لوجودها. إنما لا يختلط بها، أى ليست «الدولة هى التشخيص القانونى لشعب ما»([68]).
19- وحدة الشعب :
الشعب وحدة unicité. وهذه الوحدة يقال عنها فى الأدبيات الشيوعية التى استقرت – حتى – فى المادة 1 من الدستور المصرى قبل تعديلها: «تحالف قوى الشعب».
وهذه الوحدة تعاصرت مع وحدة الإقليم. ويقال عنهما فى الأدبيات المعاصرة: «الوحدة الوطنية». فهذه الوحدة الأخيرة تواجه الشعب من منظور وحدة الإقليم الذى تواجهه – فى نفس الوقت – من منظور وحدة الشعب، وبالتالى فهى تعنى أن الشعب كله يستأثر بالإقليم كله الذى هو مخصص للشعب كله، وذلك بصرف النظر عن أى فوارق بين أفراد هذا الشعب.
أما الشعب من منظور وحدة الإقليم فيقال عنه: «السكان population»، بينما يقال عن الإقليم من منظور وحدة الشعب: «الوطن»، حيث السكان هم «المواطنون» ومفردهم «مواطن»، أى ذو مواطنة citizenship-citoyanneté، أى عضو فى الوطن، وذلك بصرف النظر عن أى فوارق بين السكان، حتى فارق الجنسية nationalitè.
والشعب بهذا وحدة قانونية. وهى وحدة قائمة بذاتها، أى مستقلة تماماً autonomie – حتى – عن القبائل([69]) التى توحدت سابقاً فى الشعب، وعن عرقها([70]) race ولغتها(3) ودينها(4) ونواياها(5) ولو كانت تلك الأمور مشتركة بينها، أى بصرف النظر عن وحدة أو تباين تلك الملابسات الخارجية، التى ظل الاستعمار يستثمر تباينها فى تمزيق وحدة الشعب عملاً بفكرة: فرِّق تسد.
الفرع الثانى
20- وحدة حضارية :
الأصل أن الشعب وحدة بشرية تجاوزت تاريخياً مرحلة القبائل، وتعدت هذه المرحلة حضارياً إلى مرحلة أكثر حداثة وتطوراً، بمعنى أكثر ارتقاءً حضارياً، أى أكثر تقدماً، فتخلت – بالتالى – عن تقاليد الجاهلية القبلية والأسرية، ولم تحتفظ من تقاليدها السابقة إلا بما كان حضارياً بطبعه، واستقبلت تقاليد حضارية أكثر وأكثر وشرعت فى توظيفها عملياً.
والشعب بهذا وحدة بشرية مهيأة حضارياً، أى مهيأة للارتقاء الحضارى وهو التقدم، ومهيأة – بالتالى – لإنشاء دولة لمعاونة الشعب على هذا التقدم.
وبذا، فالأصل أن الشعب وحدة بشرية تقدمية، إن لم تكن وحدة حضارية على الأقل، وإلا فلا شعب هناك يستحق – حتى – الحياة، مصداقاً لقوله تعالى بشأن قوم لوط: )وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّنَ الْعَالَمِينَ. أَئِنّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَن قَالُواْ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ(([71])، وقوله تعالى: )فَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مّنْضُودٍ. مّسَوّمَةً عِندَ رَبّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ(([72]).
الشعب إذن ليس مجرد وحدة اجتماعية ونفسية. فلا هو مجرد مجتمع socité يقوم على أمنية الاستقرار المفترضة. ولا هو مجتمع سياسى يقوم على فلسفة خيالية قوامها الخواء والعماء. ولا هو – حتى - «شركة»([73]) تقوم على رغبة العيش المشترك أو التضامن .. إلخ.
21- أسبقية الشعب تاريخياً :
والأصل أن الشعب أسبق فى الوجود تاريخياً من فكرة الدولة، حتى دولة الخلافة الراشدة فى مطلع ثلاثينيات القرن السابع الميلادى. فهى أول دولة نشأت فى الجزيرة العربية بعد عصر نزول القرآن، كما أنها أول دولة جرى توثيق نشأتها منذ مهدها.
فقبل نشأتها، كان عصر النبوة (610 – 632م). وكان هذا العصر بأسره عصر رسالة عالمية مكانياً، وأبدية زمانياً، مصداقاً لقوله تعالى: )قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ(([74]). وقوله: )وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَآفّةً لّلنّاسِ(([75])، ولا يجوز – بالتالى – تقزيم هذا العصر إقليمياً، ولا زمانياً، ولو بالنظر إليه وكأنه كان عصر دولة أو دويلة فى يثرب بعد الهجرة ولمدة عشر سنوات.
فإقليمياً، عصر النبوة بأسره لم يكن عصر دولة أو دويلة مطلقاً، إنما كان بأسره عصر توحيد القبائل العربية فى شعب واحد يتخلى عن تقاليد الجاهلية القبلية والأسرية، ويتهيأ حضارياً لإنشاء دولة بعد وفاة الرسول، مبرأة من أى فوارق بين أفراد هذا الشعب كانت موجودة قبل نزول القرآن، مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فى «منى» فى اليوم الثانى من أيام التشريق فى حجة الوداع :
[يا أيها الناس: إن ربكم واحد وأباكم واحد، ألا لا فضل لعربى على عجمى، ولا لعجمى على عربى، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ...]([76]).
فالمستفاد من هذا الحديث من الوجهة العلمية / التاريخية / القانونية هو أن أصل الدولة الشعب الذى هو وحدة حضارية، ولا تقبل – بالتالى – أى تصنيف قبلى، لأن مثل هذا التصنيف هو تصنيف جاهلى أصلاً، ويتجاهل – بالتالى– وحدانية الرب ووحدانية الأب.
والشعب بهذا لا يقبل التصنيف إلى سادة وعبيد كما كان الحال فى أثينا مثلاً([77]). ولا التصنيف إلى حكام ومحكومين([78]) كما ذهب فلاسفة الإغريق قديماً([79]). ولا التصنيف بسبب العرق أو اللون أو اللغة أو غير ذلك من التصنيفات القبلية التى استثمرها الاستعمار فى تفتيت وحدة الشعب هنا وهناك.
الفرع الثالث
22- أصل الدولة :
أصل أى دولة عبر التاريخ الإنسانى هو : الشعب، أى الناس people، مصداقاً لقوله تعالى: ).. وَتِلْكَ الأيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ..(([80]). فالمستفاد من هذا النص من الوجهة العلمية/التاريخية/ القانونية، هو ما يلى:
1- أن المفترض الضرورى واللازم لوجود الدولة منذ قديم، هو الشعب أو الناس.
2- وأن المفترض الثابت والدائم للدولة هو الشعب، أى الناس. فالأصل هو استمرارية الدولة بالناس، وتعاقبهم عليها بتعاقب الزمان والأيام؛ وبالتالى استمرارية الدولة فى أداء دورها بالنسبة للناس.
وبذا، فإن تلك الاستمرارية الأخيرة ليست نتيجة الشخصية القانونية للدولة كما يقال عادة([81])، إنما هى نتيجة استمرارية الدولة بالناس وتعاقبهم عليها بمرور الزمان.
3- وليس لأحد أياً كان أن يمنع استمرارية الناس ولا تعاقبهم، ولا أن يمنع – بالتالى – استمرارية الدولة وتعاقب الناس عليها بتعاقب الزمان والأيام. وبذا فإن فكرة التوارث الأسرى لرئاسة الدولة (العرش) مثلاً، هى فكرة غير جائزة قانوناً، ولو كان هناك ثمة تشريع وضعى يجيز هذا التوارث.
23- نتائج المبـــدأ :
مبدأ : الشعب أصل الدولة هو واحد من مبادئ القانون الإلهى، بما يترتب على ذلك من نتائج أخصها ما يلى :
1- أن الشعب لا هو الدولة، ولا هو – حتى – عنصر فى الدولة كما تذهب المؤلفات الدستورية المعاصرة([82]). والدولة، لا هى الشعب، ولا هى – حتى – التشخيص القانونى له([83]). فالشعب أصل الدولة قانوناً.
2- والشعب أصل الدولة برئيسها وأعوانه، أولئك معاً الذين اشتهرت تسميتهم تجوزاً فى الأدبيات الإغريقية والقروسطية المتداولة حتى الآن، بـ «الحكام» تارة و «الحكومة» تارة و «ولاة الأمور» تارة ثالثة. على أن الملاحظ فى هذا الصدد ثلاثة أمور هى:
أ - أن الغموض الشديد ما زال يكتنف تلك الأدبيات الإغريقية والقروسطية. فما زال يقال – مثلاً – أن للحكومة معنى من معان ثلاث متباينة من حيث النطاق([84])، ولا يفهم – حتى – معناها إلا على حسب السياق الذى يرد فيه هذا اللفظ، أى أن معنى اللفظ يختلف بداهة باختلاف السياق.
ب – أن مستوى الحكومة الراشدة فى الفترة من 632 – 661م، لم تبلغه بعدها أى حكومة أخرى حتى الآن([85])، سواء فى الشرق أو فى الغرب.
جـ - أن الحكومات بعد هذه الفترة، لم تهبط إلى مستوى «الحكومة غير الراشدة» فحسب، إنما هبطت أيضاً إلى المستوى الأدنى من ذلك، أى مستوى «الحكومة الفاسدة» التى اشتهرت تسميتها فى الأدبيات المعاصرة بـ «الحكومة الديكتاتورية»، والتى «كانت ولا تزال – من حيث الواقع وللأسف الشديد – هى أكثر حكومات الأرض انتشاراً»([86]).
على أن هذا النمط للحكومة محظور فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، مصداقاً لقوله تعالى: ).. وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ(([87]). وقوله تعالى:)وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ(([88]).
وتاريخياً، أفرز الهياج الشعبى (الثورة) فى بلد تلو الآخر فى الغرب، شعارات مازالت متداولة حتى الآن: مثل الشعار الفرنسى الشهير فى أعقاب ثورة 1789، أى: «سيادة الشعب» أو «سيادة الأمة». والشعار الأمريكى الشهير، أى: «الحرية». والشعار الإنجليزى الشهير، أى: «الماجنا كارتا» و «وثيقة الحقوق» Bill of rights.
لكنها صياغات سيئة وتاريخية غامضة ومبهمة، وتحوم حول مبدأ: الشعب أصل الدولة، إنما لا تحوم حول هذا المبدأ القانونى إلا من بعيد جداً، أى لم يتسنى لها مطلقاً أن تصيب كبد الحقيقة، ولو أنها متداولة بكثافة فى المؤلفات الدستورية المعاصرة، التى لم تميز بعد بين «الشعار» وبين «المبدأ القانونى».
3- والشعب أصل الدولة ورئيسها، الذى هو إذن مجرد «فرع»، سواء بالنسبة للدولة باعتبارها شخصاً اعتبارياً، أو – من باب أولى – بالنسبة للشعب، وبما يترتب على ذلك من آثار قانونية، وبالأخص القاعدة التى تنظم علاقة الأصل والفرع من حيث التبعية.
ومن أسف أنه قد فات الكثيرين أن الشعارات الغربية السابقة، قصد بها فى حينه إرضاء الثوار وليس إلا، أى قصد بها إلهاء هؤلاء عن حقيقة المركز القانونى للشعب. لذا نجد البعض حالياً يحاول عبثاً أسلمة «شعار السيادة» دينياً وفلسفته شرعياً وتطبيقه عربياً. إما بمقولة السيادة لله تعالى([89]) وإما بمقولة شرعية سيادة الأمة(2)، رغم ما يلى:
أ - أن لفظ «السيد» souverain ليس من أسماء الله الحسنى المعروفة.
ب – وأن أسماء الله الحسنى وردت حصراً، ولا تقبل – بالتالى – الإضافة إليها بالاجتهاد.
جـ - بل – حتى – شعار السيادة للشعب أو للأمة، لا حاجة الآن إليه مطلقاً([90])، إنما الحاجة الآن إلى مبدأ: الشعب أصل الدولة. وهذا بصرف النظر عما نصت عليه المادة 3 من الدستور المصرى الحالى مثلاً، بقولها : «السيادة للشعب وحده. وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها».
لأنها صياغة فرنسية تاريخية ثورية أصلاً، لدرجة أنها مترجمة ومقتبسة فحسب فى مصر، ولو أنها علمانية أصلاً، وتتناقض بالتالى تناقضاً تاماً مع ما نصت عليه المادة 2 من الدستور ذاته بقولها: «... مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع». فمبدأ الشعب أصل الدولة، هو واحد من مبادئ الدستور الإلهى المعاصر (أى القرآن).
المطلب الثالث
مركز الرئاسة
الفرع الأول
24- ماهية الملك :
الملك رئيس الدولة وليس إلا، أى لا هو أصل الدولة، ولا هو – من باب أولى – أصل الشعب.
والأصل أن الملك خليفة فى الأرض، مصداقاً لقوله تعالى: )يَادَاوُودُ إِنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ(([91]). وكان داود ملكاً، مصداقاً لقوله تعالى: )وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ..(([92]).
لكن كل فرد من أفراد الشعب خليفة فى الأرض، وذلك منذ آدم عليه السلام، مصداقاً لقوله تعالى: ) وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً ..(([93]). وكل أفراد الشعب – بالتالى – خلائف فى الأرض، مصداقاً لقوله تعالى: )وَهُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرْضِ(([94]).
وبهذا فالملك لا يتميز بكونه خليفة فى الأرض، لأنه ليس وحده الخليفة فى الأرض، إنما يتميز بأنه له الرئاسة.
25- مركز الملك :
الملك له الرئاسة، لكن له رئاسة الدولة فحسب، بل هو – حتى – رئيس الدولة باعتبارها شخصاً اعتبارياً من عناصره الرئاسة، أى أنه ليس رئيس الشعب الذى هو أصل الدولة ورئاستها.
بهذا فالملك شأنه فى ذلك شأن الدولة، هو مجرد فرع، ولو أن الملك وحده فرع، سواء بالنسبة للدولة، أو – من باب أولى – بالنسبة للشعب الذى هو – حتى – أصل الدولة، إنما بمراعاة الأمور التالية:
1- أن الملك فرع مباشر direct للدولة بينما هو فرع غير مباشر indirect للشعب.
2- أن الملك فرع حكماً للدولة لا فرع حقيقى لها، لأن الدولة ذاتها شخص حكماً لا شخص حقيقى.
3- أن الملك فرع حقيقى للشعب، لا فرع حكمى له، لأن الشعب أفراد ، أى أشخاص حقيقية.
وهكذا فالملك فرع حكمى ومباشر للدولة، وفرع حقيقى وغير مباشر للشعب، إنما هو فرع على أى الأحوال.
26- أعوان الملك :
بدهى أن ما يسرى على مركز الملك يسرى – من باب أولى – على مركز أعوانه، وهم الوزراء ومن فى حكمهم.
ولفظ «الوزير» هو واحد من اصطلاحات الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، مصداقاً لقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: )وَاجْعَل لّي وَزِيراً مّنْ أَهْلِي(([95])، وقوله: ).. وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً(([96]). فلفظ «الوزير» بهذا هو اصطلاح قانونى أصلاً، وله – بالتالى – مفهومه الاصطلاحى، أى مفهومه العلمى/ التاريخى/ القانونى.
واصطلاحاً، الوزير هو عون. والأصل أن كل عون وزير، ولو لم يكن عوناً للملك، أو كان – من باب أولى – عوناً للملك. لذا استحوذت الأدبيات القانونية على لفظ «وزير»، ورصدته للدلالة على عون الملك بوجه أخص.
وبذا فكل عون للملك هو وزير، ولو لم يكن عوناً أصلياً له، أى حتى لو كان عوناً فرعياً، فيقال عن هذا الأخير أنه فى «حكم» الوزير، أو فى «درجة» وزير، كرؤساء الجامعات والمحافظين ... وهكذا.
لذا استحوذت الأدبيات القانونية على لفظ «وزير» ورصدته للدلالة على كل عون أصلى للملك، فيقال «الوزراء» و «مجلس الوزراء» و «رئيس الوزراء» وهكذا.
وبدهى أن هناك أعوان أعوان الملك، لكنهم ليسوا وزراء حقيقة أو حكماً. لأنهم مجرد أعوان غير مباشرين للملك، ولو أنهم أعوان مباشرون للوزراء ومن فى حكمهم.
وهؤلاء الأعوان جميعاً اشتهرت تسميتهم تجوزاً بـ «الحكام» أو «ولاة الأمور»، ولو أن الشعب وحدة حضارية لا تقبل التصنيف القبلى إلى حكام ومحكومين.
وفضلاً عن أن هذا التصنيف فلسفى أصلاً ولو أنه تصنيف أرسطى، فإنه تصنيف قبلى ولو أنه بدوره تصنيف غربى أصلاً. وهو بهذا تصنيف غير جائز قانوناً، لما يفضى إليه من جعل الدولة للحكام وحدهم، وذلك أمر محظور فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، مصداقاً لقوله تعالى:)كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَآءِ مِنكُمْ(([97]).
بهذا فالحكام أو الحكومة بمثابة فرع، سواء بالنسبة للدولة، أو – من باب أولى – بالنسبة للشعب الذى هو أصل الدولة والملك وأعوانه.
الفرع الثانى
27- المبدأ الخضرى :
بما أن الشعب أصل وبالتالى فالدولة أو الملك فى مركز الفرع، وعملاً بقاعدة: الفرع يتبع الأصل، فإن المبدأ: أن الشعب لا يتبع الملك مطلقاً، إنما العكس هو الصحيح دائماً، أى أن الملك يتبع الشعب دوماً.
على أن هذا المبدأ لم يكن قط مبدأً فلسفياً، ولا حديثاً حداثة الإغريق والرومان وأدباء السلاطين فى الشرق والغرب، وبالتالى فإن هؤلاء جميعاً لم يعرفوه أصلاً، ولم تعرفه – إذن – أدبياتهم المتداولة جيلاً بعد جيل حتى الآن.
لكنه مبدأ قانونى أصيل originaire وسامى supreme، وبالتالى راسخ فى تاريخ القانون الإلهى منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
فهذا المبدأ لم يُعرف لإنسان قط قبل الخِضْر عليه السلام، الذى هو أول من تلقاه مباشرة من الله تعالى، وتلقاه ضمن ما تلقاه من علم science من لدن الله تعالى، مصداقاً لقوله سبحانه بشأن الخضر:)..وَعَلّمْنَاهُ مِن لّدُنّا عِلْماً(([98]).
فرغم أن الخضر عليه السلام لم يكن نبياً أو رسولاً([99]) أو – حتى – ملكاً، لكنه تلقى مباشرة من ربه، مبدأ: الشعب لا يتبع الملك أبداً، إنما العكس هو الصحيح دائماً، أى أن الملك هو الذى يتبع الشعب دوماً، مصداقاً لقوله تعالى على لسان الخضر إلى موسى:)أَمّا السّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ .... وَكَانَ وَرَآءَهُم مّلِكٌ ...( ([100]).
فالمستفاد من هذا النص من الوجهة العلمية/التاريخية، القانونية، هو أن الملك يتبع الشعب دوماً، حتى لو كان الشعب من المساكين، بل – حتى – لو كان الملك غاصباً، لأن الشعب لا يتبع الملك أبداً.
28- اضطراب القراءة والتفسير :
مبدأ أن الملك يتبع الشعب دائماً إنما العكس ليس صحيحاً بإطلاق، كان ضحية اضطراب فى القراءة قديماً، ومازال ضحية اضطراب فى التفسير اللغوى حتى الآن، وذلك كالتالى:
1- فقديماً، كان ابن عباس رضى الله عنه يتصور أن الشعب يتبع الملك وليس العكس، وبالتالى كان ينظر إلى الآية– 79/الكهف: ).... وَكَانَ وَرَآءَهُم مّلِكٌ ...( وكأنها [.. وكان أمامهم ملك ...]([101])، وكان يقرأها على هذا النحو الأخير، لكن اندثرت تلك القراءة وذلك لشذوذها. وهى شاذة، لأن الشعب لا يتبع الملك، إنما العكس هو الصحيح.
2- وحديثاً، ينظر الشيخ الشعراوى إلى قصة الخضر وموسى عليهما السلام، وكأنها «قصة العجائب الغيبية»([102])، وبالتالى فإن «الخضر عليه السلام قد انتقل إلى جوار ربه .... و .... لا يُنقل عنه شرع ولا علم»(2)، أى أن الخضر لم يترك لمن بعده ميراثاً قانونياً، ولا – حتى – ميراثاً علمياً.
لكن الخضر عليه السلام من أوائل من تلقوا مباشرة العلم من الله تعالى، وهم «أولوا العلم» وبالتالى مثله العليا عبر الزمان. وبهذا، فالخضر لم يتلق من الله العلم لكى يحتكره لنفسه، إنما لكى يُنقل عنه إلى غيره من بنى جنسه جيلاً بعد جيل حتى قيام الساعة. إذن علم الخضر، لا هو حكر عليه وحده، ولا تعلمه حكر على موسى وحده، ولا هو – حتى – حكر عليهما وحدهما.
3- وما تلقاه الخضر مباشرة من الله تعالى، ليس أمراً عجيباً غيبياً، إنما هو علم science بالمعنى الدقيق، ولو اشتهرت تسميته فى الأدبيات العربية منذ قديم بـ «العلم اللدنى»، رغم أن كل علم الإنسان هو علم لدنى أصلاً، مصداقاً لقوله تعالى:)عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ((2).
أما عند موسى عليه السلام، فإن علم الخضر هو «علم الرشد»، مصداقاً لقوله تعالى على لسان موسى: )أَن تُعَلّمَنِ مِمّا عُلّمْتَ رُشْداً(([103]).
وأما عند الخضر عليه السلام فإنه «علم التأويل»، مصداقاً لقوله تعالى على لسان الخضـر:).. سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيل ..(([104]). وقوله:).. ذَلِكَ تَأْوِيلُ ..(([105]).
الفرع الثالث
29- وضع المشكلة :
إذن، مبدأ أن الشعب أصل الدولة، لا يعنى فحسب أن الأولوية للشعب – حتى – على الملك، إنما يعنى أيضاً تابعيةallégeance الملك للشعب، بل يعنى كذلك أن العكس ليس صحيحاً بإطلاق، وذلك بصرف النظر عن موقف الدساتير الوضعية جيلاً بعد جيل.
فالثابت أن الدولة أسبق فى الوجود تاريخياً من فكرة الدستور الوضعى([106])، التى استهلت بفكرة الدستور المنحة Octroi الذى يتبرع به الملك من تلقاء نفسه. ثم فكرة الدستور الاتفاقى Pacte الذى لا يتم إلا بموافقة الملك، ولو أن هذا الدستور ليس منحة خالصة، لكنه منحة على أى الأحوال. ثم فكرة دستور اللجنة التأسيسية convention التى يؤسسها الملك ذاته، ولو لم يكن ملكاً بالنص إنما رئيس أى ملك – حتى - بدون نص.
وهذه الدساتير مازالت تحتفظ فى قلبها بتقليد ملكى قديم، كان ذائعاً فى عصر ما قبل الخضر عليه السلام. وهذا التقليد بطبعه يعطى الملك مركزاً قانونياً أكثر مما له فى الدستور الإلهى، وأكثر بكثير جداً.
30- تقليد ملكى قديم :
فى عصر ما قبل الخضر عليه السلام، كان يُنظر إلى الملك وكأنه أصل الدولة. لأن الملك كان ينظر بنفسه إلى نفسه، وكأنه الدولة، مصداقاً لقوله تعالى بشأن فرعون موسى فى مصر قديماً:)وَنَادَىَ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيَ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ(([107]). ولأن الملك كان ينظر بنفسه إلى نفسه وكأنه إله، مصداقاً لقوله تعالى بشأن فرعون ذاته:)وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَأَيّهَا الْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرِي(([108]).
وهذا التقليد قديم، وأقدم – حتى – من عصر فرعون موسى، بل كان موجوداً – حتى – فى عصر إبراهيم عليه السلام فى بابل قديماً، مصداقاً لقوله تعالى:)أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّيَ الّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ ...(([109]).
بهذا، فإن النظرة إلى الملك، وكأنه أصل الدولة، ليست تقليداً شرقياً قديماً فحسب، إنما هى أيضاً تقليد ملكى أصلاً، بل هى كذلك تقليد وثنى راسخ الوثنية. وللاعتبارين الأخيرين خاصة، وجد هذا التقليد موطناً ملائماً له فى الغرب، سواء فى «الآداب السلطانية» التى استهلها أفلاطون بمؤلفه عن «السياسى»، ثم أرسطو بمؤلفه عن «السياسة فى تدبير الرئاسة»، أو – حتى – فى الدساتير الوضعية المعاصرة.
31- أمثلــــة :
خذ مثلاً، بماذا تفسر احتفاظ الدستور الإنجليزى الحالى بملك عاطل، أى ملك يملك ولا يحكم، ما لم نفسره بقيام هذا الدستور على فكرة أن الملك أصل الدولة، وبصرف النظر – حتى – عما إذا كان يحكم أو لا يحكم؟. وقس على ذلك فكرة الرئيس العاطل، فى سويسرا أو إسرائيل مثلاً.
وبماذا تفسر احتفاظ دستور الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس بسلطات واسعة، وله وحده([110])، ما لم نفسره بقيام هذا الدستور على فكرة: أن الملك أصل الدولة، وبصرف النظر – حتى – عما إذا كان ملكاً بالنص أو ملكاً بغير نص أى رئيس فحسب؟
بل – حتى – فى الشرق بعد عصر الخلافة الراشدة، حدثت حركة إحياء لهذا التقليد الملكى الشرقى القديم، فاحتفظت دساتير الدولة فى عصر آل أمية (661 – 750م)، وآل العباس (750-1258)، وآل عثمان (حتى عام 1924)، بنظام ولاية العهد، ونظام وراثة العرش، ونظام الأسرة الحاكمة، وذلك بصرف النظر عن تسمية الملك بـ «الخليفة».
32- فكرة الاصلاح الدستورى :
إذن، يجب أن يكون موضع المطالبة من جانب أنصار الإصلاح الدستورى، ليس «الدستور الإسلامى»([111])، ولا «دستوراً إسلامياً»([112])، ولا «الحكومة الإسلامية»([113])، إنما دستوراً يخلو من الشعارات الثورية الغربية التاريخية، ومن التقاليد الملكية الوثنية، ويقوم على :
- مبدأ : سمو الدستور الإلهى المعاصر (القرآن) ولائحته التنفيذية (السنة) على التشريع الوضعى، حتى التشريع الأساسى أى الدستور.
- مبدأ : أصل الدولة الشعب الذى يجب أن يتبعه الملك، وليس العكس صحيحاً.
المبحث الثانى
33- عرض وتقسيم :
أوليات الدولة لم تعدم من تلتزم بها من الدول قبل الميلاد بألف سنة. وهى دولة واحدة. فاستأهلت بهذا أن تتبوأ مركزاً فريداً فى تاريخ القانون الإلهى.
وهذه الدولة لم تكن مجرد دويلة أو مدينة cité فحسب، ولا كانت – حتى – دولة غربية أصلاً، إنما كانت دولة شرقية، لكيلا ينكر أحد على الدول الشرقية القديمة وصف الدولة([114])، أو يؤرخ أحد للدولة منذ ظهور المدن اليونانية والرومانية القديمة(2).
بل إن هذه الدولة لم تكن مصر أو آشور أو بابل، ولا كانت ديانتها – آنذاك – الإسلام، إنما كانت دولة عربية التزمت بمبدأ: أصل الدولة الشعب، وذلك قبل نزول القرآن بألف وستمائة عام.
على أن هذه الدولة لم تكن برئاسة ملك، إنما كانت برئاسة نصف ملك فى ظل نظام نسونة الرئاسة قديماً، ولو أنها كانت مرحلة تمهيدية ضرورية نحو دولة برئاسة اللاملك non-King فى عصر الخلفاء الراشدين فى العقد الرابع والخامس والسادس من القرن السابع الميلادى.
وأكثر غوامض التاريخ القانونى للدولة، خلقها المؤرخون الذين فاتهم التمييز العلمى بين تلك المراحل الثلاث لتطور الدولة ورئاستها. لذا تتوزع الدراسة فى هذا المبحث على المطالب الثلاثة التالية:
المطلب الأول : مركز سبأ فى القرآن.
المطلب الثانى : كيفية الالتزام بأوليات الدولة.
المطلب الثالث : مركز الشورى.
المطلب الأول
مركز دولة سبأ
الفرع الأول
34- مصر وسبأ :
ثابت فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن) أن مصر كانت دولة قديماً، حتى قبل عصر يوسف عليه السلام. وثابت أيضاً فى لائحته التنفيذية (السنة) أن مصر كانت دولة، حتى قبل عصر إبراهيم عليه السلام([115]).
وثابت أن «سبأ» كانت دولة قديماً، حتى قبل زمن سليمان عليه السلام، وبعد عصر موسى عليه السلام. ويقال([116]) أن الدولة المعينية قامت واستمرت من 1200 إلى 650 ق0م، فى جنوب الجزيرة العربية بين نجران وحضرموت، وعرفت الدولة آنذاك باسم «مملكة سبأ».
بهذا تعد مصر وسبأ من الدول القديمة، ولو أن مصر أسبق فى الوجود تاريخياً من سبأ.
35- وجه اختلاف :
وثابت فى الدستور الإلهى المعاصر أن مركز مصر القديمة أدنى كثيراً من مركز سبأ، حتى أن مصر ذُكرت فى هذا الدستور، لكنها لم تأت عنوان سورة من السور، ولا – حتى – عنوان سورة من قصار السور.
إذ جاء ذكر مصر فى الآيات فحسب، بل – حتى – فى خمس آيات هى: آية 78 من سورة يونس، وآية 21 من سورة يوسف، وآية 99 من سورة يوسف، وآية 51 من سورة الزخرف، وآية 61 من سورة البقرة.
أما سبأ، فقد ذُكرت فى الدستور الإلهى المعاصر، لكنها تبوأت عنوان سورة كاملة تتكون من أربع وخمسين آية. فضلاً عن أنها قد ذكرت بالإسم فى آيتين، هما الآية 22 من سورة النمل والآية 15 من سورة سبأ، وذلك رغم أن سبأ لم ينزلها ما نزل مصر من الأنبياء والمرسلين.
وبدهى أن هذا الاختلاف، ليس اختلافاً فى الصياغة فحسب، إنما هو أيضاً اختلاف فى الحفاوة، بل هو كذلك اختلاف فى المركز من الوجهة العلمية/التاريخية/القانونية، وهو الأمر الذى لم يكن بمستطاع المفسرين اللغويين إدراكه، لأن يتجاوز دائرة تخصصهم المعهودة.
36- وجه التماثل :
والتركيز فى خمس آيات على اسم مصر، هو أمر لازم وكافى للتذكرة دوماً بأن مصر جزء لا يتجزأ من الشرق بجغرافيته الأصلية وحضارته الراسخة وتاريخه الأصيل والطويل.
فمصر لم تكن قط مجرد جزء من إفريقيا، إنما هى أصلاً جزء من الشرق، وبوابته إلى إفريقيا بأسرها. وتأكيداً لهذا الوضع الجغرافى لمصر، فقد نزلها إبراهيم ويوسف ويعقوب وباقى الأسباط وموسى وهارون وعيسى وأمه، عليهم السلام. فضلاً عن أن هاجر أم إسماعيل عليه السلام، كانت قبطية، أى مصرية.
ووضع سبأ لا يختلف عن وضع مصر، من حيث الخصوصية الجغرافية، بما يترتب عليها من آثار علمية/تاريخية/قانونية. لأن سبأ جزء لا يتجزأ من هذا الشرق ذاته.
وبذا فإن حضارة مصر وحضارة سبأ جزء من الحضارة الشرقية، التى هى أصل الحضارة الإنسانية عامة، سواء فى الشرق أو فى الغرب.
لذا، فأى نظرة إلى مصر أو سبأ قديماً أو حديثاً، وكأنها منفصلة عن هذا الشرق قديماً أو حديثاً، فهى نظرة غير علمية أصلاً، وتثير الاضطراب فى هوية مصر أو سبأ وفى تاريخهما.
الفرع الثانى
37- الالتزام بالمبدأ الخضرى :
كانت سبأ أول وأقدم دولة التزمت بالمبدأ الخضرى، أى مبدأ الشعب أصل الدولة، ولا يتبع – بالتالى – الملك، إنما العكس هو الصحيح. فالملك هو الذى يتبع الشعب دوماً، مصداقاً لقوله تعالى بشأن بلقيس ملكة سبأ:)قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ( ([117]).
وهكذا، فى نهاية النصف الأول من القرن العاشر قبل الميلاد، وبعد الخضر عليه السلام بأربعة قرون تقريباً، كانت سبأ دولة ملكية غير إسلامية، لكنها التزمت بالمبدأ الخضرى، أى التزمت بأوليات الدولة بما يترتب على ذلك من آثار.
بهذا كانت سبأ أول وأقدم دولة تلتزم بذاك المبدأ قديماً، فاستأهلت أن ترد «عنوان» سورة كاملة فى الدستور الإلهى المعاصر، أى فى القرآن، وذلك للتذكرة دوماً بأن المبدأ الخضرى هو مبدأ قانونى وعالمى وأبدى، ويجب – بالتالى – الالتزام به.
38- نظام نسونة الرئاسة :
الثابت فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن) أن موضع الاهتمام فى سبأ، هو سبأ فى عصر نسونة الرئاسة، أى فى عصر أيلولة الملك إلى امرأة منهم، مصداقاً لقوله تعالى بشأن هدهد سليمان:) ...ٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِنّي وَجَدتّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ(([118]).
وتاريخياً، نظام نسونة الرئاسة فى الدولة يمثل مرحلة وسطى بين مرحلتين من مراحل تطور نظام الرئاسة، وبالتالى من مراحل تطور نظام الدولة:
1- فالمرحلة الأولى هى مرحلة الدولة برئاسة الملك Roi. وهى أسبق فى الوجود تاريخياً من المرحلتين الأخريتين، أى هى الأقدم تاريخياً، وتضم نوعين من الملك :
- الملك العادى، ومثاله ذو القرنين وفرعون موسى وملك إبراهيم عليه السلام.
- والملك النبى، كداود وسليمان عليهما السلام.
2- المرحلة الثانية والوسطى، هى مرحلة الدولة برئاسة نصف ملك، أى برئاسة امرأة. ومثالها بلقيس ملكة سبأ.
لكن ابتداء من عصر خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، أصبح نظام نسونة أى رئاسة بوجه عام، أى نسونة الرئاسة أياً كانت، نظاماً محظوراً بموجب اللائحة التنفيذية (السنة) للدستور الإلهى (القرآن)، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة]([119]).
ومبنى هذا الحظر، اختلاف الذكر عن الأنثى واختلاف الأنثى عن الذكر، وبالتالى لا يستوى الذكر والأنثى قانوناً، مصداقاً لقوله تعالى:)وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالأُنْثَىَ( ([120]).
فلا يستوى إذن رجل وامرأة، سواء من حيث الطبيعة القانونية أى اجتماعياً أو أسرياً مصداقاً لقوله تعالى:)وَلِلرّجَـــالِ عَلَيْهِـنّ دَرَجَةٌ(([121]). أو من حيث الوزن القانونى النسبى، مصداقاً لقوله تعالى:)فَلِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الاُنثَيَيْنِ(([122]). وقوله تعالى:)...فَإِن لّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ...(([123]). أو – حتى – من حيث علاقتهما القانونية المباشرة بعضهما ببعض، مصداقاً لقوله تعالى: )الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَآءِ(([124]).
وهذا رغم أن النساء والرجال أخوة من حيث الأصل التاريخى منذ زمن آدم عليه السلام، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [النساء شقائق الرجال...]([125]) إنما للرجال من الحقوق مثل ما عليهم من واجبات، وللنساء حقوق مثل ما عليهن من الواجبات، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [... ولهــن مثــل الــذى عليهن بالمعروف]([126]) بهذا، فلا للنساء حقوق الرجال ولا عليهن واجبات الرجال.
وهذا، بصرف النظر طبعاً عن الصياح العالى للنسوة فى العصر الحالى فى بلدان العالم بأسره – حتى – فى مصر حالياً، لأنه بمثابة تمرد على قواعد الدستور الإلهى ولائحته التنفيذية (السنة)، وبالتالى رده إلى تقاليد وثنية تاريخية غربية. ففى أوربا القرن الثامن عشر الميلادى، و «بعد ثمانية عشر قرناً من اللاهوت المسيحى، ألبس علماء الأنوار اهتمامات القدماء الوثنيين لغة جديدة»([127]).
ومن أسف أنه قد فات الكثيرين حتى من المشرعين فى العالم العربى والإسلامى، أن هذه الثورة النسوية على الرجال مقننة فى اللائحة التنفيذية (السنة) للدستور الإلهى، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء]([128]). وهذه الفتنة حلقة فى سلسلة مقننة أيضاً فى ذات اللائحة، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتى تليها.....]([129])، وقوله: [لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشر، وذراعاً بذراع، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه]([130]).
3- والمرحلة الثالثة والأخيرة هى مرحلة الدولة برئاسة اللاملك non-roi، وذلك فى عصر الخلفاء الراشدين (632 – 661م)، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [الخلافة بعدى فى أمتى ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك].
وهذا النظام للرئاسة هو الأحدث تاريخياً، والأمثل([131]) قانوناً، وتعتبر الذكورة([132]) مفترضاً من مفترضات الرئاسة، التى يحظر توارثها مطلقاً أو – حتى – الإيصاء بها.
39- زيف التاريخ الغربى :
أكثر غوامض نظرية الشعب والدولة والرئاسة، خلقها المؤرخون جيلاً بعد جيل بمسايرتهم للمؤرخين اليونانيين والرومانيين القدامى الذين زيفوا التاريخ الغربى، فتقزم بالتالى التاريخ الشرقى.
«لكن الشك فى التاريخ الرومانى ... والظن فى أن المؤرخين القدماء لم يكونوا أقل من الآخرين محاباة وتحيزاً، ولا أقل خفة وتطيراً، ولا أقل دجلاً وتحايلاً، قد يكون أليماً موجعاً»([133]).
«أما التاريخ اليونانى فلا يستحق عناء الكلام، إنه يبدو أكثر خداعاً. هل تصدق أن الآثينيين ... لم يكن لديهم تاريخ منظم إلا فى زمن متأخر جداً، بمعنى أنهم لم يعرفوا أصلهم ونشأتهـم مطلقـاً؟. لقد خلطــوا كل شئ ... فكيف نصدق بعــد ذلك المؤرخين اليونانيين؟»(2).
فسبأ – مثلاً – كانت دولة منذ القرن الثانى عشر قبل الميلاد، وكانت ملتزمة دستورياً بأصول الدولة وملتزمة – حتى – بالشورى، قبل أن تكون أثينا وإسبرطه وروما – حتى – مجرد دويلات فى منتصف الألف الأول قبل الميلاد، بل – حتى – قبل أن تعرف أثينا فكرة الديموقراطية.
المطلب الثانى
ضمانة
الالتزام بأوليات الدولة
40- فكرة الضمانة :
الأصل أن الملك يتبع الشعب، ولا يتبع إلا الشعب. وهو بهذا لا يتبع – حتى – نفسه، أى لا ينفرد باتخاذ القرارات الهامة المتعلقة بشئون الشعب.
وهذا المبدأ، هو مبدأ قانونى أصيل، وله – بالتالى – ضمانة إعماله. وهذه الضمانة القانونية هى: الشورى، وذلك بصرف النظر عن مدلولها اللغوى البحت حيث «هى كلمة مأخوذة من شرت العسل أى أخذته من موضعه واستخرجته»([134]). لأن هذا اللفظ ليس مجرد لفظ لغوى، إنما هو اصطلاح قانونى أصلاً، وله – بالتالى – مفهومه الاصطلاحى، أى مفهومه العلمى/التاريخى/القانونى.
واصطلاحاً، الشورى هى أن يدير الشعب بنفسه شئون نفسه، ولا يكون للملك أو على الملك إلا التنفيذ، وذلك بمعاونة أعوانه على حسب أحوال التنفيذ.
موضوع الآية – 32/ النمل – من الوجهة العلمية/التاريخية/ القانونية، هو: وجوب الشورى، وذلك حتى فى نظر المفسرين اللغويين قديماً وحديثاً:
فقديماً، قال ابن كثير بشأن ملكة سبأ: «ثم شاورتهم فى أمرها وما قد حل بها ... (قالت يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون). تعنى ما كنت لأبت أمراً إلا وأنتم حاضرون»([135]).
وحديثاً، يقول الشيخ الشعراوى: «... طلبت مشورتهم وأن يشيروا عليها ... فمعنى (أفتونى) أى اعطونى قوة فى الحكم الذى تصدرونه. فهى سألتهم أن يفتوها فى أمرها، مع أن الأمر ليس أمرها وحدها، ولكنه أمرهم جميعاً. ... وقولها (ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون)، أى لا أبت فى أمر (حتى تشهدون) أى تحضرون ... وهذا يدل على ... أنها شاورت الملأ ... فى الأمر»([136]).
وحاصل ما تقدم أن النشأة الأولى للشورى كانت فى سبأ، وقبل نزول الدستور الإلهى المعاصر (القرآن) بأكثر من ألف وخمسمائة سنة، أى أن سبأ هى المهد الأول للشورى.
إذن يجب أن يؤرخ لفكرة الشورى بدءاً من وجودها فى اليمن قديماً، فى عصر بلقيس، فى زمن سليمان عليه السلام، أى فى نهاية النصف الأول من القرن العاشر قبل الميلاد، وليس بدءاً من مطلع القرن السابع الميلادى فحسب([137]).
وهذا التأريخ ضرورى علمياً، لكيلا يقال مثلاً: «مبدأ الشورى .... ومعناها الاصطلاحى قريب الشبه بما عرفه فلاسفة الإغريق باسم الديموقراطية. ونظام الشورى يتشابه من بعض الوجوه بالنظام الديموقراطى الذى يعرفه الفكر السياسى المعاصر»([138]).
فالحقيقة أن الشورى أسبق فى الوجود تاريخياً من فكرة الديموقراطية التى عرفها الإغريق بعد عصر سليمان بأربعة قرون على الأقل، والتى يتشابه نظامها من بعض الوجوه بنظام الشورى، الذى لم يعرفه – بعد - الفكر السياسى المعاصر، لأنه نظام قانونى أصلاً، لا نظام سياسى من أنظمة الآداب السلطانية.
كما يجب أن يؤرخ لمبدأ الشورى باعتباره من مستلزمات إدارة الدولة، سواء فى الدولة الملكية شكلاً وموضوعاً، أو – حتى – فى الدولة الملكية موضوعاً فحسب، والتى اشتهرت تسميتها فى الأدبيات الإغريقية قديماً بـ «الجمهورية». وسواء كانت الدولة إسلامية الديانة، أو كانت – حتى ديانتها غير الإسلام.
فسبأ آنذاك لم تكن دولة ديانتها الإسلام، إنما كانت ديانتها غير الإسلام، مصداقاً لقوله تعالى على لسان هدهد سليمان: )وَجَدتّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشّمْسِ مِن دُونِ اللّهِ ..(([139]).
وهذا التأريخ ضرورى علمياً، لكيلا يقال أن مبدأ الشورى من «مبادئ الدولة الإسلامية»، أو من مستلزمات «الحكومة الإسلامية»، أو من مبادئ «الدستور الإسلامى»، أو هو مستحدث بنزول القرآن فى مطلع القرن السابع الميلادى، أو هو يقتضى وجود «منصب الخلافة» دون غيره من صور رئاسة الدولة.
فكرة الشورى العربية انتقلت بعد نشأتها فى سبأ بخمسة قرون كاملة، إلى مدينة أثينا cite d'Athénes، حيث اشتهرت تسميتها فى الأدبيات الإغريقية آنذاك بـ «الديموقراطية» Demos-krates، التى لم تكن قط نيابية، إنما كانت ديموقراطية كاملة (أو مباشرة) تقوم بها «جمعية الشعب»([140]) بأسره.
وبدهى أن هذه الديموقراطية لم تكن ابتكاراً غربياً آنذاك، إنما كانت مقتبسة من الشورى فى مملكة سبأ فى الشرق، لكن «من أسف أنه قد فات الكثيرين حتى من الشرقيين أنفسهم أن الحضارة الشرقية القديمة ... هى مصدر تلك الحضارة اليونانية، وذلك ما يعترف به العلماء الغربيون أنفسهم. ولكم يؤسفنا أننا لا نجد لدينا حتى اليوم بمصر مراجع وافية كافية كافلة بيان مبلغ ذلك الأثر أو ذلك الفضل الذى للحضارة الشرقية القديمة على .... الحضارة اليونانية»([141]).
وبعد ذلك فى الغرب، اختفت الديموقراطية (الشورى) اختفاءً تاماً وردحاً طويلاً من الزمان، ثم «ظهرت ... الديموقراطية النيابية بمفهومها السياسى المعاصر([142]) فى الدساتير الوضعية الغربية ابتداء ، التى استنسخت – حتى – خارج الغرب، بل – حتى – فى العالم العربى والإسلامى.
الشورى العربية (أى الديموقراطية الكاملة)، تختلف اختلافاً جوهرياً عن الديموقراطية النيابية democratie representative التى ظهرت فى الغرب مؤخراً حتى اشتهرت تسميتها فى الأدبيات المعاصرة بـ «الديموقراطية الغربية». فالأخيرة هى صفقة تاريخية تتابع تشكيل ملامحها بالثورات الغربية ضد الملك فى بلد تلو بلد، وتمخضت عن الوضع التالى:
1- تقزيم الديموقراطية لكيلا يمارسها الشعب بنفسه، ولو بمقولة([143]) استحالة أن يجلس الشعب بأسره فى اجتماع معاً فى مكان واحد لإدارة شئون نفسه. هذا رغم أن ذاك «الجلوس الجماعى» ليس من مستلزمات الديموقراطية الكاملة، إنما من مستلزماتها الحقيقية أن «يداوم» الشعب بنفسه على إدارة شئون نفسه: أى أن هذه المقولة ساقطة أصلاً.
2- وهذا التقزيم فى مقابل تخفيف الوصاية الملكية على الشعب التى تظل موجودة، على تقدير أن هذه الوصاية من مستلزمات التقاليد الملكية القديمة التى تنظر إلى الدولة وكأن أصلها الملك الذى لا يتبع الشعب إنما يتبعه الشعب ونوابه معاً.
هذا رغم أن فكرة مداومة الشعب على إدارة شئون نفسه بنفسه، تتناقض تماماً مع فكرة النيابة representation عنه، ولو كانت نيابة دورية متجددة، طالما هى فى حقيقتها مستمرة ودائمة ولو أنها متقطعة، مما يجعلها «وصاية» أبدية على الشعب، لا مجرد نيابة.
3- ويكفى للشعب من الديموقراطية أن ينتخب دورياً نواباً عنه، ولو أنهم – حتى – لا يتبعونه بحيث يمكنه عزلهم([144])، إنما يتبعون الملك الذى بإمكانه عزلهم بحل البرلمان.
وحالياً، لا يوجد فقيه واحد فى العالم بأسره ينكر أن الديموقراطية النيابية (الغربية) ليست هى الديموقراطية الكاملة (الشورى).
لذا قيل([145]) – بحق – بضرورة التمييز بين مبدأ الديموقراطية (أى الشورى)، وبين نظام الديموقراطية المقنن فى الدساتير الوضعية المعاصرة، أى نظام الديموقراطية النيابية، الذى يتمخض عن «وصاية» على الشعب وليس مجرد نيابة عنه، ولا تلغى – حتى – وصاية الملك.
وفى هذا النظام لا يبقى للشعب من فكرة الديموقراطية سوى حق التصويت كل فترة زمنية على شخص واحد أو موضوع واحد على حسب الأحوال، وكأنما ليس الشعب أصل الدولة. ومن هنا انتشر نمط «الحكومة الديكتاتورية»([146])، وتنامى الهتاف الثورى بافتقار الشعوب إلى «حقوق الإنسان» human rights، وإلى ضمانة تمنع الدولة والنواب من تزييف الانتخاب([147])، وتلك أمور تكفى للدلالة بذاتها على أن الصفقة التاريخية الغربية (أى الديمقراطية النيابية) لم تكن قط لصالح الشعب، ولا كانت – حتى – قانونية أصلاً.
ومن أسف أنه قد فات الكثيرين حتى من الفقهاء العرب، أن الشورى قد مرت بمرحلة النشأة الأولى فى سبأ فى عصر بلقيس فى زمن سليمان عليه السلام، ثم مرت بمرحلة النشأة الآخرة فى الجزيرة العربية أيضاً بنزول الدستور الإلهى المعاصر (القرآن) فى عصر خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم فى العقدين الثانى والثالث (610-632م) من القرن السابع الميلادى. وبذا لم تكن بالعالم العربى والإسلامى ثمة حاجة إلى استنساخ فكرة الديموقراطية النيابية، أى فكرة الديموقراطية الغربية.
المطلب الثالث
مركز الشورى
الفرع الأول
45- فكرة سلطة الدولة :
الأصل أن الملك والدولة يتبعان الشعب، وليس العكس صحيحاً، أى أن للشعب السلطة الأصيلة originaire والعليا supréme.
بينما للدولة – وبالتالى للملك – سلطة تنفيذ ما تسفر عنه الشورى الشعبية، وسلطة التنفيذ فحسب، أى السلطة التنفيذية puissance executrices وحدها، وبالتالى اشتهرت تسميتها بـ «السلطة الإجرائية»([148])، وتضم([149]) السلطة الحكومية pouvoir gouvernemenal التى تتولاها الحكومة، والسلطة الإدارية pouvoir administrative التى تمارسها الإدارة.
وبهذا، فلا للدولة سلطة التشريع الوضعى، أى السلطة التشريعية puissance législatrice تلك التى يباشرها البرلمان مصداقاً لقوله تعالى:)وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ(([150]).
وهو يباشرها منذ نشأته الأولى فى زمن إبراهيم عليه السلام، مستقلاً تماماً عن الدولة آنذاك، وخاضعاً للقانون الإلهى وحده، مصداقاً لقوله تعالى: )إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً ...(([151]). فالمستفاد من الآية من الوجهة العلمية/التاريخية/القانونية، هو أن إبراهيم عليه السلام كان فرداً واحداً، لكنه كان «أمة تشريعية»([152])، مستقلة عن الدولة التى كانت موجودة آنذاك (258/البقرة)، وتابعاً (أى البرلمان) مباشرة للقانون الإلهى وحده، وخاضعة – بالتالى – لله تعالى وحده.
ولا للدولة سلطة القضاء pouvoir juridictionnel ، التى هى – بطبعها – مستقلة تماماً عن الدولة، حتى اشتهر مبدأ: استقلال القضاء، وتكرر ذكره فى الدساتير الوضعية. فهى تابعة للقانون الإلهى وخاضعة له وحده، مصداقاً لقوله تعالى:)لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ البحث وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ(([153])، وقوله تعالى:)اللّهُ الّذِيَ أَنزَلَ البحث بِالْحَقّ وَالْمِيزَانَ(([154]).
ومن أسف أنه قد فات الكثيرين حتى من النصارى أنفسهم، حقيقة سلطة الدولة، وبالتالى حقيقة التفسير القانونى للثنائية الإنجيلية الشهيرة: «ما لقيصر لقيصر وما لله لله»([155]). إذ ليس للدولة – وبالتالى ليس لقيصر – إلا السلطة التنفيذية، أما السلطتان الأخريتان فلا، لأنهما – وخلافاً للسلطة التنفيذية – سلطتا «حكم» بالمعنى الدقيق، وبالتالى فهما من أملاك الله تعالى وحده، مصداقاً لقوله سبحانه: ) إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ( ([156]).
46- قيد على السلطة التنفيذية :
والأصل أن الشورى منذ نشأتها الأولى فى اليمن، هى قيد على سلطة الدولة والملك، مصداقاً لقوله تعالى بشأن بلقيس ملكة سبأ:)قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ( ([157]). فالمستفاد من هذا النص من الوجهة العلمية/التاريخية/ القانونية، هو ما يلى :
1- الأصل أن الملك يتبع الشعب، ولا يتبع إلا الشعب، فلا يتبع – حتى – نفسه، أى لا يعمل من تلقاء نفسه، ولا يعمل – حتى – منفرداً أو على استقلال، بمعنى أن السلطة التنفيذية ليست مطلقـة.
2- والشورى تُحظر على الملك أن يتخذ – على استقلال – أى أمر كان، ولو كان هذا الأمر داخلاً فى سلطة الدولة باعتبارها سلطة تنفيذية فحسب، أى أن الأصل أن السلطة التنفيذية مقيدة، ومقيدة بالشورى.
3- والشورى توجب على الملك الرجوع دوماً إلى الشعب قبل أن يبت فى أى أمر من شئون الشعب، لكيلا ينظر الملك بنفسه إلى نفسه وكأنه أصل الدولة، ويبت – بالتالى – على استقلال فى أمور الدولة، لما يترتب على هذا الانفراد من فساد الدولة وإذلال الشعب، سواء فى الحالة العادية للدولة – أو – من باب أولى – فى الحالة غير العادية، كالحرب مثلاً، مصداقاً لقوله تعالى بشأن بلقيس ملكة سبأ: )قَالَتْ إِنّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوَاْ أَعِزّةَ أَهْلِهَآ أَذِلّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(([158]).
وهكذا فالشورى قيد على سلطة الملوك. وبدون هذا القيد اعتاد الملوك الفساد وإذلال الشعوب، مصداقاً لقوله تعالى:)... وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(.
الفرع الثانى
47- النطاق الشخصى لوجوبها :
الأصل أن الشورى واجبة، سواء على الشعب جملة وتفصيلاً، أو على الدولة والملك :
1- فالأصل أن الشعب لا يتبع الملك، إنما يتبع نفسه، ولا يتبع إلا نفسه. بهذا يجب على الشعب ألا يتبع إلا نفسه وذلك من خلال الشورى، مصداقاً لقوله تعالى:).. وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ ..(([159])، وقول خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم: [استعينوا على أموركم بالمشاورة]([160]).
2- وفضلاً عن وجوب الشورى على الشعب جملة، فإنها واجبة عليه تفصيلاً، أى واجبة عليه فرداً فرداً، مصداقاً لقوله تعالى:)وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ(([161]). فقد أحسن الله إلى الناس، وجعلهم خلائف فى الأرض، فيجب ألا ينسى أى واحد منهم أداء دوره فى إدارة الشعب بنفسه شئون نفسه، وأن يُحسن هذا الأداء، لما يترتب على ذلك من إحسان إدارة الشعب شئون نفسه بنفسه.
3- والأصل أن الملك يتبع الشعب، ولا يتبع إلا الشعب. فلا يتبع – حتى – نفسه. وبذا يجب على الملك ألا يتبع سوى الشعب، مصداقاً لقوله تعالى على لسان بلقيس ملكة سبأ: :)... مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ(([162]). وقوله تعالى: )..وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ..(([163]).
48- النطاق الموضوعى لوجوبها :
الأصل أن الشورى الواجبة، ليست هى الشورى الناقصة ولو قيل أنها نيابية representative، أى التى يمارسها نواب عن الشعب، لا الشعب نفسه – فسلطة الشورى هى بطبعها سلطة أصيلة originaire وعليا suprême، ولا تقبل – بالتالى – الإنابة فيها مطلقاً، أى لا تقبل الإنابة الاتفاقية، ولا الإنابة القانونية.
لذا فالشورى الواجبة هى الشورى الكاملة ولو قيل أنها المباشرة direct، أى التى يباشرها الشعب بنفسه ولنفسه، ولو لم يجلس بأسره فى اجتماع معاً فى مكان واحد. لأن هذا الجلوس ليس من مستلزمات الشورى الكاملة. فالحقيقة أن من مستلزماتها أن يداوم الشعب بنفسه على إدارة شئون نفسه، ولو لم يجلس بأسره فى اجتماع معاً فى مكان واحد. وهذه المدوامة تتناقض تماماً مع فكرة الإنابة فى ممارسة الشورى.
49- طبيعة وجوبها :
الأصل أن الشورى واجبة، أى هى واجبة بمعنى الواجب فى القانون الإلهى، سواء فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن) أو فى لائحته التنفيذية (السنة).
وهناك رأى مخالف، ينظر إلى الشورى وكأنها غير واجبة وغير ملزمة. لكن هذا الرأى الذى يهدم نظام الشورى، لم ينظر إلى الشورى ذاتها التى اختلط عليه أمرها، إنما نظر إلى شئ آخر مختلف تماماً عنها وهو: «المشورة» التى هى مجرد استشارة.
الفرع الثانى
50- الشورى والمشورة والتشاور :
الشورى العربية التى اشتهرت تسميتها فى الأدبيات الإغريقية بـ «الديموقراطية»، تختلف بالبداهة عن «المشورة» التى هى مجرد استشارة، وبالتالى فهى غير واجبة وغير ملزمة، إنما هى مندوبة فحسب([164])، أى مستحبة، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [المشورة حصن من الندامة وأمان من الملامة]([165])، وقوله: [أما أن الله ورسوله لغنيان عنها – أى المشورة – ولكن جعلها الله رحمة لأمتى فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ومن تركها لم يعدم غياً](3)، وقوله: [ما استغنى مستبد برأيه وما هلك أحد عن مشورة]([166])، وقوله: [ما ندم من استشار ولا خاب من استخار]([167]).
وهما معاً – أى الشورى والمشورة – تختلفان تماماً عن شئ ثالث قائم بذاته autonomie، هو «التشاور» أى المداولة déliberation ، أى تبادل الرأى بين أكثر من واحد وصولاً إلى رأى مشترك بينهما فى شأن من شئون الغير. وهذه الصورة – بدورها – مقننة – حتى – فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، مصداقاً لقوله تعالى:)فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا(([168]).
أما أمثلة الصورة الأخيرة (أى المداولة) فى السنة النبوية، فهى كثيرة حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم طرفاً فى مجرد تشاور:
- كتشاوره مع الجباب بن المنذر بشأن منزل الجيش قريباً أو بعيداً عن مورد الماء فى غزوة بدر.
- وتشاوره مع سلمان الفارسى بشأن لزوم أو عدم لزوم حفر خندق لإعاقة الأحزاب.
- وتشاوره مع السعيدين: ابن معاذ وابن عبادة، بشأن الصلح على ثمار المدينة مقابل أن تنصرف الأحزاب وتدع قريشاً وحدها فى غزوة الخندق.
- وتشاوره مع أم المؤمنين أم سلمة بشأن كيفية حمل المسلمين المستاءين من صلح الحديبية على التحلل من العمرة والعودة إلى المدينة دون حج([169]).
51- ثلاثة أنظمة مختلفة :
أكثر غوامض التمييز بين تلك الأنظمة الثلاثة (أى الشورى، والمشورة، والتشاور)، خلقها اللغويون العرب، الذين نظروا إليها جميعاً وكأنها شئ واحد، وذلك لا لشئ إلا للتقارب اللفظى الشديد بينها ولدرجة التداخل مع بعضها، وهو الأمر الذى أوقع المشرع الدستورى المصرى – مثلاً – فى حرج، حيث أطلق إسم «مجلس الشورى» على مجرد «مجلس مشورة» مهمته لا تتعدى إبداء رأى غير ملزم أصلاً.
لكن التمييز بين تلك الأنظمة الثلاثة، أكثر وضوحاً فى المجال القضائى([170])، حيث تخرج الهيئة القضائية (القضاة) عن نطاق الشورى (أى الديموقراطية)، وبالتالى لا يجرى اختيار القضاة بطريق الانتخاب من قبل الناس، وذلك على مستوى دول العالم بأسره عدا سويسرا ونصف الولايات الأمريكية حالياً، وعلى سبيل الاستثناء الذى لا مبرر له مطلقاً.
بينما توجد مشورة قضائية conseil judiciaire لا تصدر عن المحكمة، إنما تُقدم للمحكمة، سواء من جانب الخبراء وذلك فى غير مسائل القانون، أو من جانب النيابة العامة أو نيابة النقض أو هيئة المفوضين – فى مجلس الدولة أو فى المحكمة الدستورية العليا – أو المفتى على حسب الأحوال([171])، وذلك فى مسائل القانون. ويجب أن يؤرخ لدور المفتى فى معاونة القضاء بشأن حكم الإعدام، بدءاً من عصر عمر رضى الله عنه، الذى أرسل إليه والى اليمن يستشيره فى مسألة قتل الجماعة بالفرد، بمناسبة امرأة اشتركت وخليلها فى قتل ابن زوجها، فقال عمر: «لو تمالأ عليه أهل صنعاء قتلتهم به»([172]).
كما توجد المداولة القضائية déliberation judiciairé التى تقوم بها المحكمة. وهى تستند إلى قوله صلى الله عليه وسلم: [ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم]([173])، ولو أن المحكمة فى عصر النبوة وفى عصر الخلافة الراشدة كانت تتكون من قاض واحد juge unique ، يُستأنف حكمه فى عصر النبوة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم الذى كان بمثابة محكمة استئنافية فى قضية «زبية الأسد» بعد أن فصل فيها على رضى الله عنه بصفته قاضياً على اليمن([174]).
بهذا، فنحن إزاء ثلاثة أنظمة متباينة (الشورى، والمشورة، والتشاور)، ولكل نظام ذاتيته، أى هو نظام قائم بذاته من الوجهة العلمية/التاريخية/القانونية، وذلك بصرف النظر عن التقارب اللفظى الشديد فى تسمياتها العربية.


[1] أستاذ القانون- وكيل كلية الحقوق جامعة طنطا (سابقاً)- محام لدي المحاكم العليا المصرية
([2]) Jean-charles Sournia: Histoire de la medecine, Paris. ترجمة: إبراهيم البجلاتى: تاريخ الطب 2002 الكويت، ص21. Breasted: The conquest of civilisation ترجمة: أحمد فخرى: انتصار الحضارة، 1995 القاهرة، ص 3-4 Toby E.Huff: The ris of modern science, 1993 ترجمة: أحمد محمود صبحى: فجر العلم الحديث، جـ1، 1997، الكويت، ص 24.
([3]-3) عبد الحميد متولى: القانون الدستورى والأنظمة السياسية – ط6 – جـ 1 – 75/1976 إسكندرية – ص 89.
(4-6) paul–Hazard: La crise de la conscience Europeanne ترجمة من نجيب المستكاوى وجودت عثمان – ط 2 – 1999 القاهرة – ص82.
(7) بول هازارد : السابق – ص 79.
([4]) ر0آى0مور : تصدير مؤلف إيان ج – سيمونزHistory of Environmental, 1993 ترجمة السيد محمد عثمان – 1977 الكويت – ص7.
([5]) صلاح قنصوة: فلسفة العلم – 2002 القاهرة – ص 58.
(3-4) الغزالى : معيار العلم – تحقيق سليمان دنيا – 1964 القاهرة، الغزالى: تهافت الفلاسفة – تحقيق موريس بوريج – 1962 بيروت، على التوالى.
(5) يمنى طريفُ الخولى: فلسفة العلم فى القرن العشرين – 2000 الكويت – ص 64.
(6) صلاح قنصوة: الإشارة السابقة.
([6]) يمنى طريف الخولى: حل مشكلة العلوم الإنسانية – 2002 القاهرة – ص101 – 111.
([7]) Jean- Marie pelt: L'homme re-naturé, Paris, 1995 ترجمة السيد محمود عثمان – 1994 الكويت - ص 15.
([8]) سورة: العلق - الآية: 5.
([9]) سورة: النحل - الآية: 89.
([10]) الألبانى: صحيح الجامع ....... – بيروت – 1988 – ص546، رقم 2837.
([11]) والمؤلفات تجرى – فى هذا الشأن – على عرض أفكار قديمة متعددة ومتباينة ومتضاربه، أنظر : عبد الحميد متولى: السابق – ص36-55. ماجد راغب الحلو: النظم السياسية والقانون الدستورى – 2000 إسكندرية، ص 98-107. محسن خليل: القانون الدستورى والنظم السياسية – 1973 – دار النهضة بالقاهرة، ص62 – 75. ربيع أنور فتح الباب: النظم السياسية – 2005 القاهرة – ص 135 – 157.
([12]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 48 – 49.
([13]) حسن كيرة : أصول القانون – ط 2 – 59/1960 القاهرة – ص32-33 رقم 12.
([14]) صوفى حسن أبو طالب: تطبيق الشريعة الإسلامية فى البلاد العربية – ط4 – 1995 – دار النهضة العربية – ص111 و ص 120-121 على التوالى.
([15]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 27.
([16]) صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 32 و ص 103. عبد الحميد متولى: السابق ص 22 – 23.
([17]) أنظر مفهوم هذه الآداب، عز الدين العلام : الآداب السلطانية – 2006 الكويت.
([18]) أحمد لطفى السيد: ترجمة السياسة تأليف أرسطوطاليس – 1979 القاهرة.
([19]) عز الدين العلام: السابق – ص15.
([20]) الألبانى: السابق – ص 630 رقم 3341.
([21]) ربيع أنور فتح الباب: السابق – ص 11.
([22]) من هذا الاتجاه أنظـر مثلاً: ماجد راغب الحلـو: السابـق – ص2، ربيع أنور فتح الباب: الإشارة السابقة.
([23]) سورة: النحل - الآية: 89.
([24]) سورة: الأنعام - الآية: 38.
([25]) والمؤلفات تجرى تقليدياً على معالجة فكرة تطور سن الدستور، تحت عنوان «أساليب نشأة الدساتير».
([26]) سورة: مريم - الآية: 17.
([27]) محمد متولى الشعراوى: قصص الأنبياء والمرسلين – مكتبة التراث الإسلامى – ط 2 – 2001 القاهرة – ص 517.
([28]) سورة: الحجر - الآية: 51 – 53.
([29]) سورة: الذاريات - الآية: 24 – 25.
([30]) ابن كثير: قصص الأنبياء – مكتبة الإيمان بالمنصورة – ط 1 – ص131.
([31]) صوفى حسن أبو طالب: السابق ص 111.
([32]) سورة: النحل - الآية: 89.
([33]) صوفى حسن أبو طالب: السابق ص 335.
([34]) قارن: صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 28 – 29.
([35]) وبدهى أن هذا الارتباط هو أكثر من ارتباط جغرافى، لأنه ارتباط قومى، ولو أن هناك اضطراب شديد حول مفهوم القومية. أنظر: آدمون رباط: الوسيط فى القانون الدستورى العام، جـ2، 1965، بيروت، ص 27 وما بعدها.
([36]) حسن كيرة: السابق – ص 893 وما بعدها.
([37]) سورة: القصص - الآية: 39.
([38]) سورة: النمل - الآية: 34.
([39]) انظر هذا التصنيف تفصيلاً : صوفى حسن أبو طالب: السابق، ص 94 -100.
([40]) الماوردى: السابق – ص44.
([41]) الماوردى: السابق – ص 57 – 58.
([42]) سورة: الأنفال - الآية: 60.
([43]) سورة: الأنفال - الآية: 61.
([44]) سورة: هود - الآية: 61.
([45]) سورة: القيامة - الآية: 13.
([46]) سورة: يس - الآية: 12.
([47]) رواه الترمذى فى كتاب صفة القيامة.
([48]) قارن : آدمون رباط: السابق – ص 14 – 15.
([49]) صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص101، والمراجع المشار إليها فى حاشية رقم 1.
([50]) قارن : حسين مؤنس : الحضارة – ط2 – 1998 الكويت – ص299 – 368.
([51]) سورة: طه - الآية: 118 – 119.
([52]) أنظر مثلاً: آدمون رباط: السابق – ص 137 – 277.
([53]) جاك دونللى: حقوق الإنسان العالمية بين النظرية والتطبيق – ترجمة مبارك على عثمان – 2006 القاهرة.
([54]) أنظر: جاك دونللى: السابق – ص21 – 42، أحمد الرشيدى: حقوق الإنسان – 2005 القاهرة.
([55]) أنظر تفصيلاً: صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص82-84.
([56]) سورة: البقرة - الآية: 186.
([57]) سورة: الكهف - الآية: 29.
([58]) سورة: الإسراء - الآية: 44.
([59]) ماجد راغب الحلو: السابق – ص 244 – 252.
([60]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 27.
(2-3) ماجد راغب الحلو: السابق – ص253-261 و ص261-264 على التوالى.
(4-6) عبد الحميد متولى: السابق – ص 64.
(7) سورة الأحزاب : الآية رقم 21.
([62]) الألبانى : السابق – ص 1185 رقم 7085.
([63]) سورة: الزخرف - الآية: 51.
([64]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 136 فى الحاشية.
([65]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 36 – 55 و ص 65 – 68 على التوالى، ربيع أنور فتح الباب: السابق – ص 135 – 157، ماجد راغب الحلو: السابق – ص 98 – 107 و ص 425 – 432 على التوالى.
([66]) صوفى حسن أبو طالب: السابق- ص 82 والمراجع المشار إليها فى حاشية رقم 1.
([67]) سورة الحجرات: الآية رقم 13.
([68]) قارن : السيد صبرى: مبادئ القانون الدستورى – 1949 القاهرة – ص2.
([69]) فى نفس المعنى: عبد الحميد متولى: السابق – ص 53 وما بعدها.
([70]-4) عبد الحميد متولى: السابق، ص 29 – 33.
(5) قارن : ماجد راغب الحلو: السابق – ص 35.
([71]) سورة: العنكبوت - الآية: 28 – 29.
([72]) سورة: هود - الآية: 82 – 83.
([73]) قارن: حسن كيرة: السابق – ص 32 رقم 12.
([74]) سورة: الأعراف - الآية: 158.
([75]) سورة: سبأ - الآية: 28.
([76]) رواه الإمام أحمد فى مسنده.
([77]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 95.
([78]) قارن: ماجد راغب الحلو: السابق – ص 27 والمراجع المشار إليه فى حاشية رقم 1.
([79]) أحمد لطفى السيد: السابق – ص 93 رقم 2.
([80]) آل عمران - الآية: 140.
([81]) قارن : صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 111.
([82]) أنظر مثلاً: عبد الحميد متولى : السابق – ص 29، ماجد راغب الحلو: السابق – ص 35، محسن خليل: السابق – ص 54، ربيع أنور فتح الباب: السابق – ص 37.
([83]) قارن : السيد صبرى: الإشارة السابقة.
([84]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 56 – 57، محسن خليل: السابق – ص116.
([85]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 64.
([86]) ماجد راغب الحلو: السابق – ص 323.
([87]) سورة: البقرة - الآية: 60.
([88]) سورة: القصص - الآية: 77.
([89]-2) أنظر تفصيلاً فى: عبد الحميد متولى : الإسلام ومشكلة السيادة فى الدولة – مجلة الحقوق بالإسكندرية – س12 – ع3 و4 – 62/1963 – ص1-32.
([90]) عبد الحميد متولى: القانون الدستور ..... المرجع السابق – ص 140.
([91]) سورة: ص - الآية: 26.
([92]) سورة: البقرة - الآية: 251.
([93]) سورة: البقرة - الآية: 30
([94]) سورة: الأنعام - الآية: 165، فاطر/39.
([95]) سورة: طه - الآية: 29.
([96]) سورة: الفرقان - الآية: 35.
([97]) سورة: الحشر - الآية: 7.
([98]) سورة: الكهف - الآية: 65.
([99]) محمد متولى الشعراوى: السابق – ص 423.
([100]) سورة: الكهف - الآية: 79.
([101]) ابن كثير : السابق – ص 308.
([102]-2) محمد متولى الشعراوى: السابق – ص423 – ص426 على التوالى.
(3) سورة: العلق - الآية: 5.
([103]) سورة: الكهف - الآية: 66.
([104]) سورة: الكهف - الآية: 78.
([105]) سورة: الكهف - الآية: 82.
([106]) فى نفس المعنى: ماجد راغب الحلو: السابق – ص6.
([107]) سورة: الزخرف - الآية: 51
([108]) سورة: القصص - الآية: 38.
([109]) سورة: البقرة - الآية: 258
([110]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 256 – 262.
([111]) فى نفس المعنى: عبد الحميد متولى: السابق – ص 22.
([112]) قارن : عبد الحميد متولى: الإشارة السابقة.
([113]) قارن: أبو الأعلى المودودى: الحكومة الإسلامية – ترجمة أحمد إدريس – 1984 السعودية.
([114]-2) فى نفس المعنى: ماجد راغب الحلو: السابق – ص28-29.
([115]) ابن كثير : السابق – ص 119.
([116]) صوفى حسن أبو طالب : السابق – ص26 – 27.
([117]) سورة: النمل - الآية: 32.
([118]) سورة: النمل - الآية: 22-23.
([119]) الألبانى : السابق – ص 928 رقم 5225.
([120]) سورة: آل عمران - الآية: 36.
([121]) سورة: البقرة - الآية: 228.
([122]) سورة: النساء - الآية: 176.
([123]) سورة: البقرة - الآية: 282.
([124]) سورة: النساء - الآية: 34
([125]) رواه الترمذى فى سننه، كتاب الطهارة.
([126]) بقية الحديث السابق.
([127]) جان شارك سورنيا: السابق – ص 202.
([128]) صحيح البخارى : جـ3 – ص 244 رقم 5096.
([129]) الألبانى : السابق – ص 905 رقم 5075.
([130]) الألبانى : السابق – ص 903 رقم 5067.
([131]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 64.
([132]) صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 117، ماجد راغب الحلو: السابق – ص 19 وما بعدها.
([133]-2) بول هازار: السابق – ص 79 و ص 82 على التوالى.
([134]) صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 32.
([135]) ابن كثير : السابق – ص 286.
([136]) محمد متولى الشعراوى: السابق – ص 462.
([137]) قارن : صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 32 والمراجع المشار إليها فى حاشية رقم 1.
([138]) قارن صوفى حسن أبو طالب: الإشارة السابقة.
([139]) سورة: النمل - الآية: 24.
([140]) عبد الحميد متولى : السابق – ص 91.
([141]) عبد الحميد متولى : السابق – ص 89.
([142]) صوفى حسن أبو طالب : السابق – ص 111.
([143]) أنظر مثلاً : ماجد راغب الحلو: السابق – ص 213 – 214، محسن خليل: السابق – ص 148 – 149.
([144]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 148.
([145]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 99 – 101.
([146]) فى هذا النمط للحكومة أنظر تفصيلاً: ماجد راغب الحلو: السابق – ص 323 – 340.
([147]) فى هذه الظاهرة أنظر تفصيلاً: ماجد راغب الحلو: السابق – ص623 – 636.
([148]) آدمون رباط: السابق – ص 542 – 546.
([149]) محمد فؤاد مهنا: سياسة الإصلاح الإدارى وتطبيقاتها فى ضوء مبادئ علم التنظيم والإدارة – 1978 – دار المعارف – ص 61 – 62، آدمون رباط: الإشارة السابقة.
([150]) سورة: آل عمران - الآية: 104.
([151]) سورة: النحل - الآية: 120.
([152]) قارن: تفسير لغوى: محمد متولى الشعراوى: السابق – ص 101.
([153]) سورة: الحديد - الآية: 25.
([154]) سورة: الشورى - الآية: 17.
([155]) إنجيل مرقس: الإصحاح الثانى عشر: 17، إنجيل لوقا: الإصحاح العشرون: 25.
([156]) سورة: الأنعام - الآية: 57.
([157]) سورة: النمل - الآية: 32.
([158]) سورة: النمل - الآية: 34.
([159]) سورة: الشورى - الآية: 38.
([160]) مشار إليه فى : ماجد راغب الحلو: السابق – ص 343.
([161]) سورة: القصص - الآية: 77.
([162]) سورة: النمل - الآية: 32.
([163]) سورة: آل عمران - الآية: 159.
([164]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 161.
([165]-3) ماجد راغب الحلو: السابق – ص 343.
([166]) صوفى حسن أبو طالب : السابق – ص 33.
([167]) عبد الحميد متولى: الإشارة السابقة.
([168]) سورة: البقرة - الآية: 233.
([169]) أنظر فى هذه الأمثلة تفصيلاً: ماجد راغب الحلو: السابق – ص327 – 348، و ص 374 – 375 على التوالى.
([170]) أنظر تفصيلاً : أحمد حشيش : الهيئة القضائية وأعوانها فى ضوء مبدأ سمو القانون الإلهى – دار النهضة العربية – 2009 – ص 90 وما بعدها.
([171]) انظر تفصيلاً: أحمد حشيش : السابق – ص 213 – 227.
([172]) انظر : ماجد راغب الحلو: السابق – ص 351.
([173]) مشار إليه فى ماجد راغب الحلو: السابق – ص 343 والمراجع المشار إليها فى حاشية رقم 7.
([174]) أحمد حشيش : السابق –ص 60 – 61، السيد سابق: فقه السنة – جـ2 – دار التراث – ص 256.