Monday, June 29, 2020

مرسوم ١٩٥٢ واختفاء قاضي التحقيق المصري




كيف يمكن لنظام قانوني أن يحول دون تعسف سلطة الإدعاء العام من ممارسة سلطاتها؟ الإجابة هي أن يقرر لسلطة أخرى مهمة مراقبة الممارسة الرشيدة لسلطة الإتهام. وهذا هو ما يُعرف في علم القانون بالفصل بين سلطة الإتهام وسلطة التحقيق وسلطة الحكم، فتمارس النيابة العامة سلطة الإتهام، ويمارس قاضي التحقيق سلطة التحقيق، ويمارس قاضي الحكم سلطة الحكم. ما يلي هو اقتباسات من كتاب الأستاذ الدكتور محمد زكي أبو عامر - رحمه الله أستاذ القانون بحقوق الإسكندرية الصادر عام ٢٠١٦ بعنوان قانون الإجراءات الجنائية المصري

أولاً: الواقع أن اسناد مهمة التحقيق في الدعوى إلي "قاضي التحقيق" يُضفي على التحقيق الإبتدائي الصفة القضائية، ليس فقط لأن القائم به قاضياً وإنما لأن مهمة التحقيق في ذاتها قضائية، إذ هي في حقيقتها "فصل في نزاع" بين النيابة العامة التي تتهم وتحشد الأدلة وتقدم طلباتها، والمتهم الذي يعتصم بقرينة البراءة، ويُفند ما يحول حوله من أدلة

ثانياً: القرار الصادر بالتصرف في التحقيق هو في حقيقته "حل لنزاع" جوهره ما تطلبه النيابة العامة وما يتمسك به المتهم

ثالثاً: إسناد تلك المهمة إلي "قاضي" هو أمر في حد ذاته ضمانه. فاستقلال قاضي التحقيق بإعتباره قاضياً عن سلطات الدولة وعن سلطتي الاتهام والحكم هو في حد ذاته ضمانة، لأن المجتمع بذلك يضمن محققاً محايداً وموضوعياً بكل معنى الكلمة

رابعاً: القانون المصري القائم - وكذلك القانون الكويتي- يجمع بين سلطتي التحقيق والاتهام في يد واحدة، هي "النيابة العامة"، فصار لها أن تتهم وأن تقوم بنفسها بالتحقق من سلامة إتهامها

خامساً: هذا الجمع بين السلطتين يجعل من النيابة العامة على نحو أو آخر، "خصماً وحكماً" وهو ما ينزع عن المحقق صفتي الوضعية والحياد اللازمتين في كل محقق إذ كيف نأمن نجاة المحقق من تأثير رأيه المسبق في الإتهام؟ أليس منطقياً أن ينحاز المحقق  إلي سلامة وكفاية الأدلة التي قدر من قبل هو نفسه صلاحيتها للإتهام على نحو يفوت على التحقيق غايته وهي التحقق من حقيقة الأمر

سادساً: لا ينبغى الزعم بأن النيابة العامة بحكم وضعها شعبة أصيلة من شعب السلطة التنفيذية مما قد تتأثر معه بما يجري من اتجاهات في تصرفاتها، فالخضوع للمؤثرات أمر شخصي محض يرجع إلي شخص من خضع لا إلي وظيفته

سابعاً: القانون المصرى كان يفصل بين سلطتي الإتهام والتحقيق إلي أن قامت ثورة ١٩٥٢، وصرد المرسوم بقانون رقم ٣٥٣ لسنة ١٩٥٢ الذي أعطى للنيابة العامة سلطة التحقيق إلي جوار سلطة الإتهام

ثامناً" حاولت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون أن تضع أسباباً لهذا التعديل التشريعي، وقد جاءت هذه الأسباب في مجملها مرتكبة فضلاً عن أنها أحياناً لم تكن صحيحة

تاسعاً: جاء في تلك المذكرة أنه من الإعتبارات الهامة لجمع النيابة العامة للسلطتين إتجاه أغلب التشريعات الأوروبية الحديثة إلي العدول عن الفصل بين السلطتين بحيث أصبح أغلبها يعهد إلي النيابة العامة بالتحقيق الإبتدائي، مثل تشريعات إيطاليا وألمانيا وبولندا وبلجيكا. إلا أن ما قالت به المذكرة الإيضاحية لم يكن صحيحاً للأسف

عاشراً: جاء في تلك المذكرة أن نظام الفصل بين السلطتين منتقداً حتى في فرنسا نفسها. والحقيقة أن الفقه الفرنسي متفق على وجوب الفصل بين السلطتين

أحد عشر: جاء في تلك المذكرة ما تكشف عن العمل من أن سؤال الشهود أمام جهات متعددة فيه تشتيت للدليل وخلق ثغرات في التحقيق، والحقيقة أنها حجة غير مقنعة

أثنى عشر: جاء في تلك المذكرة أن إلغاء هذا النظام تبسيطاً في الإجراءات لا يؤثر على حسن سير العدالة


أنتهى الإقتباس من الكتاب- صفحة ٥٠١ وما بعدها

 وأضيف من عندي
بخصوص سادساً: قرر الدستور المصري المعدل عام ٢٠١٤ الذي اعتبر النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء
وبخصوص اثنى عشر: لا شك عندي في أن هذا التبسيط في الإجراءات أدى إلي خلل جسيم في حسن سير العدالة في مصر





مقالات ذات صلة
 بعد 30 عاما على قتله .. هل تبرئ الكويت مسافر عبد الكريم من تهمة الخيانة؟المصدر: نسرين العبوش – إرم نيوز
أمن ومحاكم 29 يونيو 2020 - مسافر عبدالكريم.. «متعاون"- القبس