Friday, August 7, 2020

غياب المذكرة الإيضاحية | عيب في القانون




بدون مذكرة إيضاحية واضحة في ذكر الأسباب التي دعت إلي سن قانون ما، يكون مستحيلاً على أهل القانون ضبط حدوده، فما بالك بالرجل العادي المخاطب بهذا القانون؟ أدعو المحاكم -خاصة محاكمنا العليا- إلي التريث في تفسير وتطبيق أي قانون بدون معرفة سياق صدوره. وكما تعجز محكمة النقض أحياناً عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح إذا كان الحكم المعروض عليها يشوبه الغموض والابهام والتهاتر، فمن باب أولى يجب اعتبار غياب مذكرة إيضاحية تستوفي المعايير الأساسية من الوضوح والتفصيل وصحة ودقة البيانات بها عوار جوهري يعيب القانون، وعذراً للمخاطبين بأحكامه، ونوعاً من القصور التشريعي الخاضع للرقابة القضائية الدستورية




وأقتبس هنا من مقال القاضي الدكتور عبدالعزيز سالمان - نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا
 الرقابة القضائية على قصور التنظيم التشريعي المستشار د. عبدالعزيز سالمان
الاثنين 8 يونيو 2020- موقع منشورات قانونية- وحدة القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

وإذا كانت طبيعة السلطة التقديرية للمشرع يتدخل في بلورتها وتشكيلها عدة عوامل من أهمها طريقة صياغة الدستور ذاته ومدى تفصيل أو إيجاز الأحكام التي يتضمنها ومدى تعدد القيود الموضوعية التي يفرضها التي تكون مردوداً للفلسفة السياسية التي يعتنقها مما لا مجال لتفصيله هنا إلا أن هذه السلطة على كل حال ليست سلطة مطلقة.

غير أن الصعوبة الأكبر هي في نطاق سلطة التقدير التي يتمتع بها البرلمان فيما يقره من القوانين ذلك أن التقدير ليس تشهياً أو إملاء، وإنما التقدير نقيص كل تحكم.

ويفترض لجوازه دستورياً أن يفاضل المشرع وفق أسس منطقية بين بدائل تتزاحم جميعها على تقديم حلول مختلفة في الموضوع الواحد، وأن جميعها يدور في إطار المصلحة العامة ويتغيا تحقيقها، فلا تطرح هذه البدائل غير حلول منطقية وقانونية ينظر المشرع فيها ليختار أقلها تقييداً للحقوق والحريات التي ينظمها، وأعمقها اتصالاً بالأغراض التي تستهدفها، وبالمصالح التي تعطيها فاعليتها.

فالتقدير ليس سوى إعمال حكم العقل في شأن حلول مختلفة تتنازع جميعها الموضوع محل التنظيم ليعطيها المشرع حقها من التقييم الموضوعي المجرد من مظاهر الافتعال. ولا يجوز أن يقال بأن خوض جهة الرقابة القضائية على الدستورية في نطاق السلطة التقديرية للمشرع هو إحلال لنفسها محل المشرع فيما يراه صواباً. ذلك أن جهة الرقابة هذه لا تقدم للمشرع بديلاً تراه هي أكثر ملاءمة أو أجدر قبولاً إنما تحرص على تحقيق أمرين:

أولهما: تحديد الأغراض النهائية التي توخاها المشرع من التنظيم التشريعي المطعون فيه.

ثانيهما: النظر في الوسائل التي اختطها المشرع لتحقيق هذه الأغراض.

وفي ضوء هاتين الوجهتين، لا يعتبر عمل المشرع موافقاً للدستور ما لم تتوافر علاقة منطقية ومفهومة تربط النصوص القانونية التي أقرها أو أصدرها بأهدافها.و شرط ذلك بطبيعة الحال ألا يكون الدستور قد قيد المشرع بفرائض حددها، إذ يتعين عندئذ إبطال النصوص القانونية التي تخالفها – أياً كان قدر اتصالهـا بأهدافها – ذلك أن فرائض الدستور لازمها أن يعمل المشرع في إطار سلطة مقيدة لا تقديرية 

انتهى الإقتباس



الخلاصة، لإمكان إعمال الرقابة القضائية على القصور التشريعي لابد من معرفة الغرض النهائي للمشرع والوسائل التي اتبعها لتحقيق هذا الغرض. ويعد عيباً جوهرياً في القانون ما لم يتضمنه من وجود مذكرة ايضاحية ملحقة به تبين الغرض والوسيلة

ولعل ما سطره العلامة السنهوري بمناسبة صدور قانون براءة الاختراع في الماضي خير مثال على ما ينبغي ان تكون عليه المذكرة الايضاحية








قضايا و اراء

42007‏السنة 126-العدد2001ديسمبر10‏25 من رمضـان 1422 هــالأثنين

مذكرة حول قانون‏1949‏ ببراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية
كتب المذكرة الايضاحية عام‏1949‏ المفكر القانوني الراحل
بقلم : د‏.‏ عبدالرازق السنهوري

دعت ضرورات النهوض بالصناعة والتجارة إلي تنظيم حماية الملكية الصناعية‏,‏ فأخذت الدول قبيل القرن التاسع عشر تضع النظم وتسن القوانين التي تكفل تحقيق الحماية علي الوجه الأكمل للعناصرالثلاثة الرئيسية للملكية الصناعية‏,‏ وهي العلامات التجارية وبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية‏.‏
ولم يقتصر نشاط الدول في هذه الناحية علي التشريعات الداخلية بل أدي التطور الاقتصادي والتنافس التجاري إلي تنظيم دولي للملكية الصناعية فوضعت اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية‏(‏ في‏20‏ مارس سنة‏1883)‏ ثم عدلت في مؤتمرات بروكسل في‏14‏ ديسمبر سنة‏1900‏ وواشنطن في‏2‏ يونيو سنة‏1911‏ ولاهاي في‏6‏ نوفمبر سنة‏1925‏ ولندن في‏2‏ يونيو سنة‏1934‏ كما أنشيء في برن المكتب الدولي لحماية الملكية الصناعية‏.‏

وظلت مصر منذ بدء حركة التقنين الحديث فيها بمعزل عن تلك الحركة العالمية فخلا التشريع المصري من النصوص المنظمة لهذا النوع من الملكية وكل ما هناك ان المجموعة المدنية الأهلية‏(1883)‏ قد نصت في المادة‏12‏ منها علي أن‏(‏ يكون الحكم فيما يتعلق بحقوق المصانع في ملكية مصنوعاته علي حسب القانون المخصوص بذلك ولا مقابل لهذا النص في المجموعة المدنية المختلطة‏(1875).‏ وكذلك نص قانون العقوبات المصري علي الجزاءات الخاصة بهذا الشأن في المواد‏348‏ و‏349‏ و‏350‏ ولما كان القانون المشار إليه في المادة‏12‏ لم يصدر بعد فقد ظلت النصوص الجنائية معطلة‏.‏
وإزاء هذا النقص في التشريع لم يكن بد من أن يرجع القضاء المختلط الي مباديء العدالة والقانون الطبيعي لتقرير حق المخترع وتحديد نطاقه معتمدا علي المباديء المسلمة في القانون المقارن والاتفاقيات الدولية‏.‏

ووضع في المحاكم المختلطة نظام اداري لتسجيل الاختراعات بطريق الإيداع في قلم الكتاب بغية الوصول الي نوع ولو كان يسيرا من الحماية قائم علي أساس من القانون الطبيعي‏.‏
ولما كان هذا النظام يقصر عن تحقيق حماية الملكية الصناعية بالأوضاع المألوفة فقد أخذت مصر تساير الحركة العالمية وأصدرت القانون رقم‏57‏ لسنة‏1939‏ الخاص بالعلامات والبيانات التجارية‏,‏ ولا يزال مع هذه الخطوة نقص في التشريع المصري فيما يختص بالملكية الصناعية ينبغي سده بحماية الاختراعات والرسوم والنماذج الصناعية‏.‏ ومتي تم لمصر ذلك أمكنها أن تنضم الي الاتفاقية الدولية لحماية الملكية الصناعية‏,‏ وأن تشترك تبعا لذلك في المكتب الدولي ببرن‏.‏

والدول في صدد الملكية الصناعية فريقان‏:‏ فريق يجتمع في تشريع واحد بين عناصر الملكية الصناعية‏(‏ والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية‏)‏ وفريق يوزعها بين تشريعين او اكثر تبعا للظروف المتصلة بالنهضة الاقتصادية والتجارية والصناعية او وفقا لتطور حركة التشريع‏.‏ وقد جمعت الاتفاقية الدولية بين جميع عناصر الملكية الصناعية‏.‏
أما مصر فقد بدأت في سنة‏1939‏ بتشريع مستقل للعلامات والبيانات التجارية‏.‏ وقد رئي في التشريع المرافق لجمع في قانون واحد بين العنصرين الباقيين وهما الاختراعات والرسوم والنماذج الصناعية لما بينهما من علاقة تسوغ هذا الجمع لأن كلا من العنصرين ان هو الا نتاج فكري يستخدم في الصناعة‏,‏ اذ تقوم براءات الاختراع لحماية الصناعة في ذاتها كما يقوم نظام تسجيل الرسوم والنماذج الصناعية لحماية الفن التطبيقي في الصناعة‏,‏ ومناط الحماية بالنسبة إلي كل منهما هو عنصر الابتكار والجدة‏.‏

وقد روعيت في المشروع المرافق أحكام الاتفاقية الدولية للملكية الصناعية باعتبارها نمطا يحتذي وحدا أدني يجب التزامه في التشريع الداخلي حتي إذا ما انضمت مصر الي الاتفاقية كان تشريعها متسقا وأحكام الاتفاقية المذكورة‏.‏
كذلك أخذ المشروع بالمباديء المقررة في التشريعات الحديثة وخاصة التشريع السويسري‏(1907)‏ والتشريع الإيطالي‏(1934)‏ والتشريع الألماني‏(‏ سنة‏1936)‏ والتشريع الفنلندي‏(‏ سنة‏1943)‏ ولم يغفل مع ذلك مراعاة ظروف البيئة ومسايرة أحوال النهضة الصناعية في مصر‏.‏

وهناك نظامان رئيسيان فيما يتعلق ببراءات الاختراع‏:‏ أحدهما النظام الفرنسي وهو يقوم علي حرية منح البراءة بمجرد الايداع دون فحص او معارضة والثاني النظام الإنجليزي وهو يقوم علي منح البراءة بعد الفحص الدقيق للتحقق من توافر العناصرالموضوعية التي يستلزمها القانون في الاختراع مع فتح باب المعارضة‏.‏
وبين هذين النظامين نظم وسطي تتدرج من النظام الفرنسي الي النظام الانجليزي منها التشريع السويسري والتشريع البولوني اللذان أخذا بنظام الإيداع بشروط خاصة‏,‏ والتشريع المجري والتشريع اليوغسلافي اللذان زادا عن التشريعين المشار إليهما فتح باب المعارضة للغير قبل منح براءة الاختراع‏,‏ وتشريع كندا وتشريع الولايات المتحدة الأمريكية وقد أخذ بنظام الفحص للتحقق من توافر عنصر الجدة مع عدم جواز المعارضة وهما يقتربان من النظام الانجليزي واخيرا التشريع الألماني الذي ساير النظام الانجليزي في الأخذ بنظام الفحص للتحقق من توافر عنصر الجدة مع فتح باب المعارضة للغير قبل إصدار البراءة‏.‏

وفي الأخذ بالنظام الفرنسي عيب جوهري اذ انه يمنح براءات الاختراع بمجرد الايداع مما يؤدي الي منح براءات عن اشياء لا تعتبر اختراعا بالمعني يستاهل من المشروع الحماية القانونية ولا وجود لهذا العيب في النظام الإنجليزي إذ هو يقتضي لمنح البراءة فحصا سابقا وتحقيقا دقيقا تقوم عليهما أداة حكومية تتوافر لديها الوسائل الفنية اللازمة ولها تقاليدها وخبرتها في مختلف العلوم والفنون‏.‏
لذلك أخذ الفكر التشريعي في البلاد المختلفة يعدل عن نظام الإيداع البسيط وينزع نحو الأخذ بنظام الفحص السابق‏.‏

وإذا كان من غير الملائم أن تأخذ مصر وهي في إبان نهضتها الصناعية بالنظام الفرنسي الذي بدأت الدول تعدل عنه كما انه ليس من الميسور عملا أن تبدأ بالأخذ بالنظام الانجليزي‏(‏ وها هي إيطاليا بعد أن عدلت نظامها في سنة‏1934‏ من الإيداع إلي الفحص السابق لم تتمكن من تطبيق النظام الأخير جملة واضطرت إلي تأجيل تنفيذه‏)‏ اذا كان ذلك كذلك فقد رئي اتباع طريق وسط لهذا آثر المشروع أن يحتذي المشرع في الأخذ بطريقة الإيداع المقيد بشروط خاصة ولكنه زاد عليها فتح باب المعارضة للغير كما هو الشأن في قوانين المجر ويوغسلافيا وجنوب إفريقيا‏,‏ وبذلك يمكن تحقيق بعض نتائج نظام الفحص الكامل وقد توخي المشروع أن يكون بالأداة الحكومية القائمة علي تنفيذه لجنة تفصل في المنازعات المتعلقة ببراءة الاختراع مع إجازة الطعن أحيانا في قراراتها أمام القضاء‏.‏
والنظام المقترح يؤدي الي تدريب الأداة الحكومية وتكوين نواة من الفنيين تمكن في المستقبل من الأخذ بالنظام الإنجليزي المعتبر في المجال الدولي نظاما نموذجيا‏.‏

أما فيما يتعلق بالرسوم والنماذج فإن سائر الدول ما عدا انجلترا تكتفي بمجرد الإيداع لدي الأداة الحكومية المختصة دون إجراء أي فحص سابق‏.‏ وقد ساير المشروع في حماية الرسوم والنماذج الصناعية هذا الاتجاه التشريعي العام فأخذ بنظام الإيداع البسيط إذ مهما تكن أهمية الرسم أو النموذج في المجال الصناعي فإنها لا ترقي إلي درجة براءات الاختراع في الأهمية‏.‏
والمشروع يتضمن ثلاثة أبواب‏:‏ الباب الأول وهو خاص ببراءات الاختراع والباب الثاني‏:‏ بالرسوم والنماذج الصناعية‏,‏ والباب الثالث‏:‏ في الأحكام المشتركة‏.‏