Thursday, August 20, 2020

الترضية القضائية تحتاج واقعية قانونية


الترضية القضائية تحتاج واقعية قانونية
ليكون الحكم القضائي عنواناً للحقيقة، لابد أن تكون الصورة مكتملة في ذهن القاضي، وفي حكمه كذلك
ولكي تكتمل الصورة في ذهن القاضي وفي حكمه لابد من معرفة الواقعة والقانون وكيف يُطبق القانون في الواقع
فهم القاضي للكيفية التي يُطبق بها القانون في الواقع هي ما يمكن تسميته بتحليله الواقعي للقانون



ثلاثة وقائع بينها رابط، اسردها ثم أوضح الرابط بينها فيما يلي

أولاً
كنت عميلاً لدى أحد البنوك المصرية وهو بنك الاسكندرية، ووجدت أنه من الأفضل الاستفادة من خدماته البنكية اونلاين، لأتمكن من متابعة الرصيد وما يدخل فيه وما يخرج منه، خاصة في ظل قصور البنك في ارسال رسائل الكترونية بالهاتف او الايميل. فقمت بزيارة الفرع الموجود بشارع التحرير بالدقي، وبعد التوقيع على الأوراق اللازمة، طلبت من الموظف صورة مما قمت بالتوقيع عليه كي احتفظ بها في ملفاتي. رفض الموظف وبرر ذلك بأنها تعليمات إدارة البنك. قابلت مديره فأكد كلامه. فرفضت بدوري الحصول على الخدمة أو الاستمرار كعميل لدى البنك. البنك كان حكومياً في الماضي وتمت خصخصته منذ فترة قبل هذه الواقعة. اتضح لي فيما بعد أن هذه الظاهرة - من رفض البنك حصولك على صورة مما توقع عليه- منتشرة بين البنوك في مصر، ويتعايش معها العملاء، بحكم الاضطرار، وبعلم السلطات وبتجاهلها. قطعاً، هذه الظاهرة من شأنها أن تُعطي البنك -في اي نزاع قانوني- فرصة ان يختار ما قد يقدمه للمحكمة من مستندات، ويغفل عن تقديم ما قد يضره، وهو مطمئن أنها ليست بيد العميل، ما لم يكن العميل ذكياً ويقوم بتصويرها بهاتفه في غفلة من الموظف

ثانياً
بعد عدة سنوات من كوني عميلاً لدى أحد البنوك الأمريكية وهو بنك اوف اميركا، استلمت خطاباً مفاده أن إحدى شركات المحاماة بصدد رفع دعوى جماعية كممثلة لعدة عملاء، لمقاضاة البنك عن رسوم غير مستحقة قام البنك بتحصيلها من حسابات العملاء، وقد قامت شركة المحاماة -بعد الحصول على اذن القاضي- بإجبار البنك على تقديم اسماء وعناوين العملاء الذين خضعوا لهذه الرسوم، لعرض فرصة الانضمام الي هذه الدعوى الجماعية علينا. شركة المحاماة تحاول تمثيل أكبر عدد ممكن من أجل زيادة فرصتها في الحصول على تعويض كبير وبالتالي على مبلغ أكبر كأتعاب محاماة. بالفعل حصلنا على حكم، وتوقف البنك -وغيره من البنوك-عن فرض هذا النوع من الرسوم

ثالثاً
صدر حكم بالمملكة العربية السعودية من لجنة الاستئناف في منازعات الأوراق المالية، في ٨ مارس ٢٠١٩- 1673/ل.س/2019 - جاء فيه ((أما فيما يتعلق بما دفع به وكيل الشركة المدعية من أن قبول الملحقات والمستندات المرافقة لها لا يثبت صحتها إلا بالتوقيع عليها، وعدم قيام موكلته بالتوقيع على ملحقات وثيقة الأحكام والشروط العامة للصندوق، فيجاب عنه بأنه تبين للجنة الاستئناف من الاطلاع على وثيقة الأحكام والشروط العامة المتعلقة بصندوق (أ) أنها تضمنت إقرار الشركة المدعية باطلاعها على جميع البنود الواردة في وثيقة الأحكام والشروط العامة للصندوق وجميع المستندات والملحقات المرافقة لها  وقبولها، مما تلتفت معه اللجنة عن هذا الدفع.)) وهو ما يعني أنه يكفي توقيع الشخص (الطرف الثاني) على ورقة يقر فيها أنه اطلع على مجموعة من المستندات للاحتجاج بها في مواجهته، دون الحاجة لوجود توقعيه على كل مستند منها.وهو أمر غاية في الأهمية خاصة في ظل اتاحة الفرصة للطرف الأول لتعديل الشروط والأحكام باستمرار دون الحاجة لموافقة الطرف الثاني، وأيضاً كون الطرف الأول كياناً اقتصادياً عقوده أغلبها عقود إذعان، أي نموذج سابق تحضيره ولا يتم التفاوض بشأنه


الوقائع السابقة مفادها أن دور القاضي أكثر من مجرد سماع الخصوم ودراسة المستندات وتطبيق نصوص، بل دوره هو فهم النزاع فهماً عميقاً، وفهم سياقه الواقعي، وفهم المبادئ الحاكمة لموضوع النزاع ولعملية إصدار احكام تحقق فعلاً - وليس شكلاً- ترضية قضائية، تصلح أن تكون أساساً ترتكز عليه العلاقات القانونية في المجتمع. بعبارة أخرى، حكماً يقدم حلولاً كلية وليس حلاً جزئياً في واقعة محددة

هكذا تُبنى النظم القانونية في المجتمع

فإذا كانت إمكانيات القاضي متواضعة، تصلح لتقديم حلولاً جزئية، لا تشكل ترضية قضائية معقولة تخدم المجتمع ككل، فإن النظام القانوني يُصبح شكلاً دون جوهر، واسماً لا ينطبق علي ما يجرى في الواقع من اللا نظام قانوني