Thursday, August 13, 2020

تفتت النزاع وتشتت القضاة وانكار العدالة



ثلاث مواقف أذكرها في البداية ثم اوضح المغزي منها وعلاقتها بالعنوان
الموقف الأول
نزاع قضائي بين شركة دواء (تملك براءة اختراع وعقار موجود في السوق) وشركة دواء أخرى تحاول النزول بدواء جنيس في السوق بعد تسجيله. هذا النزاع نجم عنه ١١ دعوى قضائية موزعة منها ما يتعلق بأحقية الحصول على البراءة ومنها ما يتعلق بتسجيل الأدوية ومنها ما يتعلق بالتعويض عن انتهاك البراءة الخ. هذا النزاع مازل مستمر بعد ما يقرب من تسع سنوات منذ بدأ أمام القضاء المصري

الموقف الثاني
توقف مفاجئ لسيارة على طريق عام سريع أدى الي اصطدام عدة سيارات خلفها ببعض. السيارة الأولى التي توقفت فجأة لحقها ضرر بسيط من السيارة الثانية التي تليها والتي لحقها أيضاً ضرر من السيارة الثالثة. أما السيارة الرابعة فقد توقفت فجأة ولم ترتطم بما أمامها ولكن أرتطم بها السيارة الخامسة التي تليها من الخلف. عند قيام الشرطي بعمل الإجراء اللازم وتدوين المحضر تلقى تعليمات من الإدعاء بعمل عدة محاضر كل محضر منها يشمل سيارتين فقط. يبدو الأمر منطقياً لمن أراد تبسيط الحادث وتسهيل الأمر للإدعاء وللقاضي. محضر أول للسيارة الأولى والثانية. محضر ثاني للسيارة الثانية  والثالثة. محضر رابع للسيارة الرابعة والخامسة. مع ملاحظة أن قائدة السيارة الأولى غادرت الموقع قبل حضور الشرطي نظراً لأن الضرر فيها طفيف للغاية ولم تجد داعياً لإضاعة وقتها!! ما قام به الشرطي من تفتييت للحادث هو ببساطة تضييع للحقوق وتبسيط مخل لما حدث سيؤثر حتماً على حكم القاضي

الموقف الثالث
عند تظم مجموعة من الأفراد من خطأ لكيان قانوني ما حكومي او غير حكومي، وعند اللجوء للقضاء، قد يقرر القاضي أن اهؤلاء الأشخاص ليسوا في مركز قانوني واحد. قد يكون القاضي محقاً لإختلاف مراكزهم القانونية فعلاً، لكنه قد يكون غير محق لو كانت مراكزهم واحدة لكن القاضي إما أن علمه بسيط لدرجة أنه لا يرى ذلك أو أنه أراد ألا يرى ذلك درءاً لأمور يراها في مصلحته. هناك العديد من تطبيقات الدعاوى الجماعية المستقرة في القانون المقارن والتي لا يعترف بها القاضي الوطني لسبب أو لآخر


هذه المواقف جميعها تذكرني برسالة دكتوراه في القانون كان عنوانها -قبل أن يقرر الباحث والمشرف تغيير عنوانها لسبب ما- (فرق تسد) . الرسالة تم مناقشتها بالفعل في جامعة هارفارد وحصل الباحث على الدرجة العلمية. ما يهمنا هنا هو المنهج الذي تفكر بها كيانات عديدة- خاصة الشركات- كي تضمن السيطرة على ما سينجم عن التقاضي. فلو تضررت مجموعة أشخاص من خطأ ما، وتجمعوا معاً في قضية واحدة لتخفيف العبء عنهم وليتحمل كل فرد عبء أقل مما لو رفع كل منهم قضية مستقلة، فسيلجأ القاضي - من نفسه في حالات وبناء على طلب الخصم في حالات أخرى- إلي تفتيت نزاعهم وإثقال كاهل كل منهم بما لا يطيق

الخلاصة
قاضيان في النار وقاضي في الجنة 
القضاة ثلاثة أصناف: عادل ـ ظالم ـ جاهل سواء أصاب أو أخطأ، فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النَّار، وقاضٍ في الجنَّة، رجل قضى بغير الحقِّ فعلِمَ ذاك فذاكَ في النَّار، وقاضٍ لا يعلم فأهلك حقوق النَّاس فهو في النَّار، وقاضٍ قضى بالحقِّ فذلك في الجنَّة) رواه الترمذي وصححه الألباني، وفي رواية أبي داود وصححها الألباني: (الْقُضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النَّار، فأمَا الذي في الجنَة فرجل عرف الحقّ فقضى به، ورجل عرف الحقَّ فجارَ في الحُكْم فهو في النَّار، ورجل قَضَى للنَاس على جَهْلٍ فهو في النَّار)