Tuesday, March 5, 2019

الانثروبولوجي والاجتماع القانوني


مصر بحاجة إلي متخصصين في علم الإجتماع القانوني وفي الانثروبولوجي (أو علم تحضر الإنسان) القانوني
هذين التخصصين من ضمن العلوم المساعدة لعلم القانون
وبدونهما يتشتت الفقيه القانوني بالجزئيات ويصعب عليه تناول القانون من خلال رؤية استراتيجية متكاملة
وبدونهما يكون البرلمان مكاناً لتعليب القوانين وليس صانعاً للقرار التشريعي الذي يعكس بحق المصالح المجتمعية
تذكرت ذلك وأنا أقرأ ما يتم تداوله عبر التواصل الاجتماعي- ولا يعني ذلك بالضرورة صحة ما فيه- بل يعني ضرورة تحليله وفحصه من الناحية العلمية باستخدام ادوات العلوم المساعدة لعلم القانون ومنها الاجتماع القانوني والانثربولوجي القانوني
ومحاولة الإجابة على سؤال ملح: هل القواعد القانونية الحالية تهدف إلي تحضر الإنسان المصري وتحضر المجتمع المصري؟

Shady Lewis Botros February 27 at 6:11 PM
في مرحلة في غاية التعاسة من حياتي المهنية، كنت شغال في شركة مقاولات صغيرة بتبني عمارات في النزهة الجديدة، واصحاب الشركة كانوا اقباط، والعمال كمان كانوا كلهم أقباط، باستثناء صبي محارة اسمه محمد، ومحمد ده ليه قصة في منتهى التراجيدية، لانه كان راجع البلد في يوم، عشان خطوبته على بنت عمه، وركب قطر الصعيد اللي اتحرق ده، وملقوش جثته في أول يومين، فأهلوا كانوا بياخدوا العزا، وفجأة لقوه داخل عليهم. طلع إنه فعلا ركب القطر، واصحابه وناس تانية شافوه فيه، وبعدين لقاه زحمة قوي فنزل منه، المهم اهله صمموا انه يتجوز بعد اسبوعين، ولا حاجة، فنزل الشغل تاني وقعد معانا، اسبوع، وفي آخر يوم ليه في الشغل، قبل ما يروح عشان فرحه، اطوح من على السقالة، ووقع من رابع دور، أنا كنت لسه واصل الشغل، ولقيت الناس ملمومة حواليه، ولما سألت العمال التانيين قالوا لي أنه لسه عايش، ووقفوا تاكسي واخدوه على المستشفى. فهمت بعديها بدقيقتين، أنه نزل على دماغه وماكنش فيه الروح، وانه الكل كان عارف أنه ميت بس قالوا أنه عايش عشان ما يحصلش شوشرة، ويحموا اصاحب المال يعني، واتضج لي انه الناس اللي شغالة في المعمار متعودة على الحوادث من النوع ده، وانهم مدربين على التعامل مع الموقف، وبالفعل الراجل صاحب الشركة دفع لاهل الواد بتاع خمس بواكي حق الدفنه واتقفل الموضوع على كده. قبل الشغلانة دي كنت لسه راجع من السعودية، وفي طريق العودة كنت راجع بري، وبعديها ركبنا العبارة، واحدة من سلسلة السلام اللي غرقت دي، وكنت مستغرب انهم حتى ماغيروش الاسم عشان الناس ما تتشائمش، المهم كنا كلنا راكبين وعادي حاطين في دماغنا اننا ممكن نغرق ونموت، وبالفعل العبارة كده في نصف السكة ابتدت تلف حوالين نفسها والنور قطع والمحركات وقفت وسرينة الانذار اشتغلت وطقم الملاحة ابتدى يجري شمال ويمين، المدهش إن معظمنا كان واقف وبيضحك وبنكت على موضوع اننا هنموت برضة في عبارة السلام، المهم يعني بعتوا مركبين سحبونا في الآخر. في أكبر مشروع اشتغلت فيه، اللي هو سيتي استارز دلوقتي، كان فيه قتيل كل شهر، وفي سنة الادارة بتاعت الشركة المنفذة، اللي هي اوراسكوم، عملت اجتماع واعلنت عن تحسن اجراءات الأمن والسلامة، لانه فيه عشرة بس ماتوا في السنة دي بدل ال 12 وال14 اللي كانوا بيموتوا كل سنة، كان في معظم الاحيان الجثث بتتاخد وتترمي في الشارع بعيد عن الموقع، والشرطة تقبض عشان تعمل محضر إنه حادثة عربية، ويتقفل الموضوع على كده، في حادثة واحدة العمال اتجمهورا ورفضوا الجثة تتنقل من غير ما النيابة تيجي تعاين، عشان يضمنوا حق القتيل، واوراسكوم رفضت والشرطة رفضت ، والموضوع تحول لشغب عنيف وواسع، وجابوا الامن المركزي، ولاننا كنا قريبين من مواقع عسكرية، الجيش نزل، ودي كانت أول مرة اشوف عربية جيش محروقة. المهم يعني، المصريين رخاص، وهما عارفين انهم رخاص، وبيموتوا كتير، لانهم فايض عن الحاجة، وبسهولة يتم احلالهم، ودي جزء من جاذبية البيزنس في مصر، أن الايد العاملة ما تكلفش حاجة، سواء في التشغيل أو في ارواحهم بشكل مباشر وعلى سبيل المقايضة، اجراءات الصحة والسلامة مكلفة، وبتخلى الشغل بطيء، والانتاجية أقل،وبالورقة القلم، الاسهل يبقى فيه هامش هالك "بشري" أوسع بدل الخسارة المادية، وده طبعا ما يحصلش غير بمنظومة متكاملة الناس عارفة فيها انها رخيصة وقابلة بكده وفيها أوراسكوام مثلا بتعمل فائض بيتدور في جوايز ادبية ومهرجانات سيما، تمنها دم، دم ناس حقيقيين يعني، وفيها أمن مركزي وشرطة وجيش متواطيء، ومشارك في ده، وطبقة وسطى أما بتتفرج بعيد بآسى أو في انتظار أنها تتقتل على سبيل الخطأ برضوا. فمفيش جديد، لغاية ما المنظومة دي تتفور كلها من أولها لاخرها

 حسن البنا مبارك يكتب من محبسه: فيما كل هذا الألم؟ تامر أبو عرب (١)
لماذا يساء إلينا دائماً؟
‎لماذا نحن متهمون من حيث المبدأ؟
‎إلى من يمكنني أن أتحدث؟ وأن أخبره بأنني لست عدو لك، وأنك تخطيىء حين تراني بعين العدو، وتستبيحني كما يستباح العدو .. أنت ضابط الأمن في بلادي، وأنا مواطنك، أنت القاضي في بلادي، وأنا مواطنك .. لم يكن الأمن إن لم يكن لي؟ لمن ينحز القضاء إن لم ينحز لي؟
‎لي رواية واحدة – قصيرة جداً – مللت من تكرارها، لكني لا أملك غيرها لأحكيه ..
‎كنت في طريقي إلى العمل حين استوقفت قوة من الشرطة سيارة الأجرة التي أنا بها، في مشهد معتاد، لا يستدعي التفكير في كونه أكتر من إجراء أمني روتيني سينتهي بمجرد الكشف عن بطاقات الهوية الخاصة براكبي السيارة .. طلبت القوة من صديقي النزول، ثم سألوني:
‎هل أنتما معاً؟
‎أجبت: نعم.
‎ماذا تعمل؟
‎صحفي.
‎هل معك كارنيهاً لنقابة الصحفيين؟
‎لا
:
‎حسناً فلتنزل مع صديقك!
(2)
‎كان ذلك أسود يوم طلعت علي فيه الشمس، ولا زالت هذه الشمس لم تغرب عني.
‎من يومها وأنا مع صديقي، في الأمن الوطني معه، في نيابة أمن الدولة معه، أمام دوائر محكمة الجنايات معه .. وفي كل تلك العوالم رددنا سوياً في كل مرة سمح لنا بالكلام الرواية ذاتها، على مسامع كل من وقفنا أمامه, ضابط التحقيق, وكلاء النيابة, السادة القضاة .. يقول مصطفى: لم يكن حسن على علم بمشروع الفيلم الوثائقي (موضوع القضية) ولا ذنب له إلا تصادف وجودنا سوياً ساعة إلقاء القبض علي، وأقول أنا: هل في مصاحبة الصديق لصديقه ذنب؟
‎سنة كاملة مرت، وهاهي الأخرى قد بدأت في النزيف، مئات الأيام مابين خوف وألم، ولا أحد يعبأ بك، عمرك الذي يستنزف، وظيفتك التي فقدت، المصاريف التي تهدر، حبيبتك التي تنتظرك، عائلتك التي تتألم لغيبتك، وأصدقاؤك الذين يرعبهم أن يتصوروا أنفسهم في مكانك.
‎ولا أحد لتسأله؛ لماذا كل هذا؟
‎فيما كل هذا الألم؟
‎هل يحتاج الأمر فعلاً لأكثر من عام حتى يتسنى للتحقيقات أن تتوصل إلى حقيقة كونك سجين خطأ؟ سجين صدفة؟ إلى هذا الحد شاق هو الأمر؟
‎ألست مواطناً في هذا البلد؟
‎ألا يعد تدمير مستقبلي وتخريب نفسيتي خسارة مباشرة للبلد الذي أنتمي إليه؟ لماذا كلما تحدثت إلى أحد هنا نظر إلي نظرة اتهام واستخاف؟ لماذا لا يستوعبون أننا مواطنون مثلهم تماماً، مصريون مثلهم تماماً، لنا حقوق مثلهم تماماً؟ لماذا أصلاً تثير فيهم الكلمات: مواطن، حقوق، قانون حس السخرية والدعابة؟
‎لماذا لا يعبأ أحد بشعورنا الوطني والضرر الذي قد يصيبه حين يتم اختطافك وترويعك واتهامك في إنتمائك الوطني على أيدي سلطات بلادك، بلا مبرر إلا أنك وقعت في طريقهم بالصدفة، ألا يلحظون أن ذلك يخالف رسالة وظيفتهم ومعنى الوطنية التي يتهموننا فيها؟ لماذا الأمر سهل عليهم هذه السهولة بينما هو يدمينا؟
‎حين تكون سجين صدفة لم تكسر حتى إشارة مرور، سيصعب عليك السجن للحد الذي يمنعك حتى من أن تستطيع معه إضفاء معنى على محبسك يعزيك، فلا أنت مقتنع أنك تدفع ضريبة على قضية ما، ولا أنت مدفوع بشعور بإستحقاق العقاب والندم من جراء إثم أو ذنب اقترفته يحملك على تقبل ما أنت فيه.
(3)
‎لذا تظل في سؤال دائم ودهشة دائمة، ألا يكفي من عمرك سنة كاملة لتصحيح سوء التفاهم إن كان الأمر كذلك؟ لتصويب مسار الصدفة، للتأديب إن كان يلزم تأديبك؟ للعقوبة إن كان يلزم عقابك؟ إن سنة كاملة فعالة على كل وجه، كافية لأي غرض!!
‎لماذا إذن كل هذا الإستقواء علينا؟ ألم يكن يكفي مجرد لفت النظر لأن مرافقة صديقك أثناء الذهاب للعمل أمر بهذه الخطورة؟ وإن لم يكن لفت النظر كافياً، فماذا عن الأحد عشر يوماً التي قضيتهما معصوب العينين، مقيد اليدين، ملقى على الأرض؟ ماذا عن خمسة عشر يوماً إضافياً في السجن؟ شهر؟ عدة أشهر؟ عام كامل؟!
‎لقد كنت أنتظر من أمن بلادي ألا يفترض في العداء مسبقاً، ومن نيابة دولتي ألا ترحب بتوجيه الإتهام إلي قبل ثبوت الدليل، ومن القضاء أن ينصفني ويرد لي الإعتبار إن تجاوز أي منهم في حقي، ولم أزل أنتظر .. ليس لأنني لا أملك شيء سوى الانتظار (رغم أنني بالفعل كذلك) ولكن لأنه يشق علي أن أستوعب ألا يجد المرؤ من ينصفه من بين كل هؤلاء؟
‎أكتب إليكم لا أعرف لمن، وأنشر لأنني لا أعرف طريقة أخرى للتواصل، إذ لمن نحتكم إن لم نحتكم إليكم؟ من ينصفنا إذا خذلتمونا؟ ثمة خطأ ما، لا أعرف ما هو تحديداً، ولا أعرف كيف يمكن تصويبه، لكنه قطعاً يوجد.
‎كل شيء هنا يدعو للكآبه .. للتطرف .. للموت، فإلى متى قد نصمد في مواجهة تلك الشرور مجردين من أي أمل؟ عزلاً من أي رجاء؟
‎إننا بعد كل هذا الألم واستسهال الاتهام في انتماءنا ووطنيتنا ومساوتنا بالمتطرفين والمجرمين، وتجريدنا من أبسط حقوقنا، وإهانتنا والتحقير من شأننا على مدار اليوم والليلة، لم ندخر لهذا الوطن حقداً، ولم نربي له في نفوسنا إلا كل أمنية طيبة، ولم ينتقص كل هذا الظلم من حقيقة انتماءنا له، وأننا لا نبغي شيئاً – أي شيء على الإطلاق – إلا حريتنا والعودة إلا بلادنا التي هي خارج هذا السجن.
‎إن أعمارنا التي تستنزف هنا هي عمر هذا الوطن وحياته، وإلا فمن يحتد للبلاد يوم مصابها إن لم نحتد لها نحن، ومن يرفع علمها يوم فرحها إن لم نرفعه نحن؟.
(4)
‎من ينتبه لأن الكأس قد فاض عن آخره، ومن يدفع من أجل كل هذا، من يطيب كل هذه الجراح، من يجبر كل هذه الكسور؟ نحن معنى هذا البلد؛ أمله وطاقته، سواؤنا النفسي ضمان لسلامته وعافيته، فلا تدفعونا للكفر به، لا تحرضونا على قتل أنفسنا، لا تضغطوا وطنيتنا أكثر من ذلك، لا تزيدوا من اتساع الفجوة بيننا وبينكم، لا تقطعوا رجاءنا بكم، لا تغلقوا في وجوهنا الأبواب، خففوا علينا، ترفقوا بنا، تأولوا لنا عدد والنا الأعذار!
‎فكم موجع أن تبصر الوطن في مقتبل شبابك فلا تبصر منه إلا السجن
‎”ياعزيز عيني وأنا نفسي أروح بلدي”
‎حسن البنا مبارك
‎السبت 23 فبراير/ شباط 2019 سجن القاهرة للمحبوسين احتياطيا