Saturday, March 9, 2019

نماذج لأزمة العقل المصري القانوني



قرأت حوار ممتع للدكتور خالد فهمي استاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية أجراه معه الدكتور يوسف الشاذلي ونشرته مدى مصر (هامش رقم ١) وتحدث فيه الدكتور خالد فهمي عن كتابه الجديد. وجذب انتباهي الفقرات التالية والتي تحتاج للبحث فيها بتعمق

فهناك تسلسل وتتبع بشكل هرمي وفي إشارة لقوانين يعني بيقولك بناءً على المادة الثالثة من الفصل الخامس من القانون. انهو قانون؟ طلع إنه اسمه قانون همايوني؛ قانون همايوني يعني قانون من السلطان، كان في قانون عثماني سلطاني، قانون عقابي مستوحى جزء منه من القانون النابليوني بس الجزء الأكبر منه تشريعات عثمانية سابقة ويرجع أصله إلى الفقه. ده صدر سنة 1850، وبعديها بسنتين اتطبّق في مصر بعد تعديلات معينة تتعلق بمَن عنده الحق في إصدار حكم الإعدام: هل هو السلطان العثماني ولا عباس باشا والي مصر؟ الموضوع له علاقة بالسيادة وهو موضوع مهم جدًا كنزاع دبلوماسي عنيف. عباس صمم إنه أحكام الإعدام التي تنفذ في مصر تصدر باسمه، وليس باسم السلطان. المهم، فده القانون اللي بيتكلموا عنه، وعندنا مطبوع موجود في الكتب بس هو طبعًا قانون قديم. ابتديت اقرأ في القانون ده وتفسيراته لأن المجالس دي تطبّقه.  اكتشفت إنه مفيش غير اتنين بس في العالم هم اللي شغالين على النظام القانوني ده: واحد اسمه الدكتور عماد هلال في جامعة قناة السويس، وهو أستاذ محترم جدًا زميلي في دار الوثائق بنشتغل من زمان على نفس القضايا دي. وواحد تاني أستاذ جليل في جامعة أمستردام، تقاعد دلوقتي، وهو يكبرني في السن اسمه روود بيترز. دول عملوا شغل عبقري، وأنا ببني على شغلهم وبشتغل معاهم
وبعدين استوقفني شيء: إنه في اشارة للمحاكم الشرعية. يعني في الوقت نفسه اللي التحقيقات اللي في القضية دي شغالة، نفس القضية تنظر أيضًا في المحكمة الشرعية. ابتديت اتساءل طيب إيه علاقة ده بالمحكمة الشرعية؟ وده نظام معقد وليه ده متكتبش عنه قبل كده؟ وهل ده كان نظام وافد باستخدام مصطلح طارق البشري، ولا ده موروث قديم بس ده بلورة جديدة ليه؟ ابتدى يكون عندي أسئلة جديدة غير اللي كنت ابتديت بيها. السؤال اللي ابتديت بيه كان متعلقًا بعلاقة الناس بالطب الحديث، وهل أقبلوا عليه أم نفروا منه؟ وبعدين لقيت الموضوع مدخلني في حتة تانية لها علاقة بالقانون والشريعة وعلاقة نظام السياسة ده بالشريعة وعلاقة القانون بالطب وتجاوب الناس؛ يعني عامة المصريين، بالممارسات دي وإزاي الممارسات دي بتولد ممارسات ثانية، وإنه نتيجة العملية دي كلها هي الحاجة اللي بنقول عليها الدولة: الإدارة الطبية، وإدارة الإحصاء، وإدارة الشرطة، والإدارة القضائية اتبلورت بالضبط بالشكل ده
خ.ف: لا، لا في مصر. إزاي النظام القانوني المصري مش عارف ده؟
ي.ش: ده في تاريخ القانون في كليات الحقوق أظن هتلاقيها مش موجودة؟
خ.ف: مش موجودة. أخذت مرة أستاذ كبير في القانون من جامعة إسكندرية برهام عطالله دار الوثائق وشاف السجلات دي. قاللي ده شيء مبهر جدًا. أولًا اللغة دي إحنا ما نعرفش نكتبها دلوقتي. وبعدين ده شيء معقد، أنا لازم أدرسه أكتر. هو أستاذ كبير فهو أدرك أنه في شيء في النظام ده مش مألوف بس مبهر. فـ كان جزء من الكتاب أنا بشرح ليه ده لم يكتب عنه وحاولت أحدد انهي كتب بالظبط اللي طمست ده. مش طمسته عن عمد، بس أنه حصل تحوّل في نظرة الناس للقانون خلت ده مش قانون خلته إدارة
السمع مثير للاهتمام. حاجة مش واضحة أوي بس هو بشكل أساسي عن القانون. زي إنه الطريقة التقليدية لسرد رواية تطور القانون في مصر هو العلمنة: إنه إحنا كان عندنا نظام ديني، وأصبح عندنا نظام وضعي أو قانوني وضعي. ودي رواية يشترك فيها الإسلاميين وغير الإسلاميين وأنا رأيي إنه ده مش سليم، وممكن يكون من الأنسب إنه إحنا نقول إنه التطور اللي حصل في النظام القانوني هو حصل من نظام يعتمد على الكلمة المسموعة في المحكمة الشرعية إلى الكلمة المكتوبة في مجالس السياسة، وإنه التحوّل ده بيعكس إختلاف معرفي (epistemological) عميق جدًا في مفهوم القانون، ومفهوم الدليل أو البينة وفي النهاية حاجات أعمق من كده، مفهوم الشخص ومفهوم العدل. ده الفصل الثاني
الفصل الخامس خليني أقوله الأول، عن حاسة اللمس، وده كان عن التعذيب وكنت بحاول أشرح -بعد ما اتكلمت عن النظام القانوني والنظام الطبي- ليه التعذيب اتلغى في لحظة ما في تاريخ القضاء المصري في 1861. التعذيب كان أصلًا دوره إيه في النظام القانوني؟ ما كانش شيء بيتم سرًا ده كان شيء علني وبعدين اتلغى. ليه اتلغى؟ كنت بدرس اللائحة دي، اسمها بشكل واضح لائحة استبدال الضرب بالحبس. وكنت بقول دي رؤية فوكودية خالص: في سجون وفي تشريح. السجون حلّت مكان التعذيب كوسيلة للعقاب والتشريح حلّ محل الضرب كوسيلة لانتزاع الاعتراف وإقامة البينة. فـ بالتالي ما بقاش لُه لزمة
 نظام المحتسب في النهاية معتمد على تواجد المحتسب بشكل دائم، وإنه الهاجس هاجس أخلاقي اللي هو هاجس الغش. في حين إنه الهاجس في القرن التاسع عشر هو هاجس صحة: إنه في مصدر خطر وإحنا مش هنتكلم عن الأخلاق
المحتسب كمراقب للأخلاق مش للأسواق
وبعدين لحظة إلغاء المحتسب في الفترة دي زي لما لغوا الضرب
بس هذا الفصل أنا -في رأيي- بيقدم تحليل أدق وأعمق عن التركيز على خيانة النخبة القانونية، أو السياسية المصرية لميراثها العقائدي، اللي هي النظرة التقليدية. هذا الفصل زي ما فوكو علمنا هو فصل تعسفي وعنيف بين الأخلاق والقانون، ولكن حصل إزاي؟ وليه؟ ده اللي إحنا محتاجين نعرفه


الحوار السابق لفت انتباهي إلي أعمال الدكتور عماد هلال أستاذ التاريج بجامعة قناة السويس، ومنها مقاله التالي: لماذا تُعرض قضايا الإعدام على المفتي (هامش رقم ٢) والذي أقتبسه كاملاً هنا

لماذا تُعرض قضايا الإعدام على المفتي؟
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فيما مضى كانت المحاكم الشرعية الإسلامية هي التي تنظر قضايا الإعدام، بغض النظر عن ديانة القاتل أو المقتول، وكان القاضي لا يحكم بالقصاص (الإعدام) إلا ببينة شرعية، والبينة الشرعية لا تكون إلا بشاهدي عدل أو الاعتراف:
وشاهدي العدل تعني أن الشاهدين لا تشوب شهادتهما شائبة فلم يُعهد عنهما الكذب، ولا شرب الخمور والمخدرات، ولا لهما قرابة بالقاتل ولا تربطهما به مصلحة، ويجب أن يتم تعديل الشاهدين بشهادة شاهدين آخرين يعرفانهما ويشهدان بعدالتهما، والشاهدان الآخران سبق تعديلهما. ثم إنه يجب أن يشهد الشاهدان الأصليان بأنهما عاينا القتل معاينةً مباشرة، وأنهما كاملي الأهلية والعقل، وأن يسجل القاضي في "الإعلام الشرعي" (المحضر) أن شهادتهما تمت بانفراد كل منهما أمام القاضي في غياب الشاهد الآخر، وأن شهادتهما جاءت متطابقة في تحديد مكان الجريمة وزمانها ونوع آلة القتل وطريقة القتل، وأن القتيل قد مات بسبب الطعنة أو الضربة نفسها لا بسبب آخر... إلخ.
أما الاعتراف فيجب أن يكون طواعيةً بغير إكراه ولا إجبار، وأن القاتل اعترف وهو في أكمل الأوصاف المعتبرة شرعًا من الوعي والعقل والإدراك، ويجب أن ينص محضر الحكم على أن القاضي راجع المعترف ثلاث مرات لعله يغير رأيه، وأن المعترف كان يُصرُّ في كل مرة على أنه القاتل. فإذا لم تتحقق تلك الشروط؛ حكم القاضي الشرعي بغير القصاص لأن الحدود تُدرأ بالشبهات.
فلما أُنشئت المحاكم الأهلية سنة 1883م وأُحيلت عليها القضايا الجنائية بما فيها قضايا الإعدام، وكان القانون الوضعي (قانون العقوبات الأهلي) يُجيز الأخذ بالأدلة السياسية والمادية كوجود ملابس المتهم في مكان الجريمة أو مشاهدته خارجا من مسرح الجريمة، أو وجود بصماته على آلة القتل، كما يجيز القانون الوضعي الحكم بالإعدام بشهادة الشاهد الواحد، فكان من اللازم إحالة الأمر للمفتي ليتأكد من تفعيل الشروط الشرعية في قضايا الإعدام، ولذلك نص (قانون الإجراءات الجنائية) على أخذ رأي المفتي قبل الحكم.
ملحوظات مهمة:
-عندما يقول القاضي أثناء إعلان الحكم: (وبعد أخذ رأي فضيلة المفتي حكمت المحكمة بإعدام فلان) فليس معنى هذا أن المفتي وافق على الحكم، وإنما معناه فقط أنه تم استطلاع رأي المفتي طبقا لنص قانون الإجراءات. والمعتاد أن رأي المفتي يخرج من مكتبه في مظروف سري لا يطلع عليه إلا القاضي؛ ولذلك أقول لأولئك الذين يحملون المفتي مسئولية الإعدامات العشوائية: تمهلوا وتبينوا.
-أول مفتٍ أُحيلت إليه ملفات الإعدام كان هو الشيخ محمد بن محمد صالح البناء، وقد رفض الحكم بالقصاص في قضيتي الإعدام اللتين أحيلتا إليه طوال فترة عمله.
-أشهر من رفض الإعدام هو الشيخ بكري الصدفي الذي رفض الحكم بالإعدام على إبراهيم الورداني الذي قتل بطرس باشا غالي سنة 1910م، فالبرغم من أن الورداني اعترف وتفاخر بجريمته؛ إلا أن المفتي وجد أنه لا دليل على أن الرصاصات الست التي دخلت في جسد القتيل هي السبب في وفاته؛ لأنه كان حيًّا إلى حين أن دخل غرفة العمليات لإخراج الرصاصات من جسده وأنه ربما استخراج الرصاصة بفعل الطبيب هو سبب وفاته. خصوصًا وأن بعض التقارير أشارت إلى أنه كان يمكن أن يعيش بدون استخراج الرصاصات.
-أكثر من رفض القصاص في قضايا الإعدام هو الشيخ علي جمعة (21 قضية)، يليه الشيخ محمد بخيت المطيعي (14 قضية)، ثم الشيخ بكري الصدفي (12 قضية). /// أنتهي مقال الدكتور عماد هلال

ورغم أن البعض قد يجد صعوبة في ربط ما سبق بما يلي، لكن في الحقيقة هناك صلة قوية بين ما سبق وبين جوهر مقالة الدكتورة منال عمر، أستاذة الطب النفسى بجامعة عين شمس، تحليلاً لموقف الدكتور محمد البرادعي عندما جرى فض إعتصام رابعة، -هامش رقم ٣- فأستقال من منصبه إعتراضاً

(1) حكمك على تصرفات أي انسان في الدنيا حصيلة من حكمك على مكون داخلي نقدر نقول عنها انها خليط من أفكاره ومشاعره وخبراته وتاريخه ودارسته ونيته عموما، ومكون خارجي هي شكل تصرفاته الظاهر وتاريخه المعلوم وردود أفعاله قدام الناس، والناس حكمها على الأمور غالبًا مفروض يكون منصبًا على المكون الخارجي لأن النوايا محلها القلب، والقلب بيد الله وحده، ممكن النقطة دي تكون بداية جيدة لمناقشة موقف البرادعي.

(2) يبقي حضرتك لما تدرس موقف البرادعي في الأزمة الأخيرة ما تشغلش بالك بنواياه إطلاقًا.. ما تعملش زي معاتيه الإخوان اللي بيقولوا عليه في السراء والضراء انه خاين، وعميل نتيجة لرعب قياداتهم الشخصي من مواقفه النضيفة وشعبيتها (لاحظ أنا بأقول إن مواقفه هي اللي نضيفه مش هو).. ولازم تتعلم تفرق بين نضافة المواقف اللي من السهل الحكم عليها ونضافة الشخص اللي مش من السهل الحكم عليها إلا لو كنت من أقرب المقربين، وبرضه ما تعملش زي معاتيه النظام المسيطر على الحكم دلوقتي اللي وصفوا البرادعي بنفس الأوصاف الإخوانية لمجرد اختلافه معاهم في كيفية معالجة موقف الاتنين متفقين على رفضه، انسى كل الأحكام السابقة لأنها أحكام على نوايا، وركز في حكمك على التصرف أو الموقف لا الشخص ذاته.

(3) صدق أو لا تصدق، حقيقة مثبتة بفيديوهات مسجلة يمكنك البحث عنها بهدوء بدون تشنج المهم أن تتسلح بإنجليزية بسيطة، البرادعي كان معارضًا لغزو العراق، طبعًا أنا تعمدت أتكلم عن التهمة دي لأن من قدمها جعلها اسطورة ملتصقة باسمه، وكل اللي يزهق من البرادعي ليس عليه إلا أن يريح ذهنه ويستدعي عفريت العراق ويبدأ في كيل الشتائم، سواء كنت متفقًا أو مختلفًا مع البرادعي يجب عليك أن تبذل بعض الجهد وتروض شيطانك وتبذل بعض المجهود في تصديق أن هذا الرجل كان معارضًا حقيقيًا لغزو العراق.

(4) أنا ليّ رأي في البرادعي ولكني لن أعلنه لكم.. لماذا؟ لأن رأيي ببساطة لن يفيدكم في شيء، ما يفيدك حقيقة هو قدرتك على تكوين الرأي بنفسك.. أما أن تحاول امتصاص رأي جاهز فإما انت مستعد للدفاع بدون مناقشة، أو مستعد للهجوم بدون مناقشة، أو مستعد للتصديق بدون مناقشة، أو مستعد لأي شيء بدون مناقشته وعرض الأمر قليلاً على عقلك، وبعضًا قليلاً على قلبك.. وفي كل الأحوال هذا سلوك غير مفيد لكم ولي.

(5) كيف تكون رأيك في موقف البرادعي إذن، عندنا فرضيتان متعلقتان بنية البرادعي، الأولى: إن البرادعي يلعب لمصلحته الشخصية البحتة، صاحب نوبل ذو الثقل الدولي العنيف، وصاحب العلاقات المتميزة بأعتى الشخصيات في العالم وصاحب الاتصالات الممتازة بأغلب حكومات العالم الديمقراطي، الرجل الذي كان يجلس في حضرة رؤساء أعظم بكثير من أعظم رئيس ورد على مصر بدون مهابة، لا يخافهم ولا يهابهم.. محاضر في جامعات مرموقة، مبارك بكل جهازه الأمني العنيف لم يستطع الاقتراب منه قيد أنملة برغم وجوده في مصر وإعلانه تحديًا مباشرًا له، وتفاصيل أخرى، يمكنك من خلالها أن تعتقد بنسبة معقولة أن البرادعي لن يضحي بكل هذا الزخم ليضع اسمه على فعل دموي مثل عملية فض الاعتصام وبالتالي هو فضل من منبع مصلحته الشخصية أن يترك لهم المركب الملوث بالدماء على أن يفقد كل ثروته الدولية.

(6) الفرضية التانية أفضل طبعًا من الأولى بكثير، أن هذا الرجل نظيف يعشق البلد، ويدرك تمامًا تبعات فض الاعتصام بهذا الشكل وخصوصًا مع خبرته الدولية، وتسجيل اعتراضه الرسمي والواضح في تسريبات جريدة الشروق ينفي كل ادعاءات النظام الحالي بكونه موافقًا، البرادعي اعترض رسميًا قبل فض الاعتصام على فضه بالعنف، الخلاصة أنه بإتباع هذا الفرض، هذا رجل نظيف يقدر قيمة الدماء، وتبعات إزهاق الأرواح على الوطن بأكمله بمؤيديه ومعارضيه، واقتناعك بكون البرادعي يلعب لمصلحته الشخصية أو للمصلحة العامة لا يفرق في شيء لأنني كما قلت سابقًا ما يهمنا هو الموقف، ما يعنينا هو الظاهر، أما النوايا فنتركها لخالقها.

(7) موقف البرادعي لم يكن موقفه وحده، شاركه فيه بعض السياسيين والكتاب والمثقفين.. مثل عمرو حمزاوي ومصطفى النجار وبلال فضل وغيرهم، المهم أن البرادعي كان هو الأوضح لأنه ذو منصب ثقيل في النظام الحالي.. وتفجيره للموقف بشكل علني في هذا التوقيت طرح تساؤلات وصدمة كبيرة وسط المؤيدين الملتهبين بالتصفيق لبحر الدم المراق، وصدمة بسيطة بين المعارضين الذين اختلف موقف البرادعي عما أخبروهم به عنه في مكتب الإرشاد أنه خاين وعميل وجملة التهم الأخرى.

(8) التسريبات اللي نشرتها جريدة الشروق باختصار مفادها إن المفاوضات اليومية تمت مع الاخوان قبل فض الاعتصام ولفترة طويلة، وده يديك فكرة عزيزي “,”الشعب“,” عن الكلام اللي قلته لجنابك قبل كده، حضرتك بتنزل تهتف للسيسي وتقتل بتاع الاخوان، او بتاع الاخوان بينزل يهتف للإسلام ويصلب بتاع السيسي، في حين إن السيسي والمرشد في نفس ذات الوقت ممكن يكونوا قاعدين على ترابيزة واحدة بياكلوا ويتكلموا التورتة هتتقسم إزاي، وطبعًا على قد ما قدرت تقتل جنابك، على قد ما قدر اللي بيتفاوض باسمك ياكل وهو مستريح، ياكل من الأكل والتورتة في ذات الوقت، وقلت لجنابك قبل كده، عينك على اللي بيتفاوض باسمك قبل ما يكون عينك على اللي بيتفاوض معاه، ما تبقاش تحرق نفسك قوي وانت بتقتل اخوك إلا لو كنت واثق تماما إن اللي هيقعد يتفاوض مش هيقعد اصلا، انما طول ما في مفاوضات يبقى في مساومات وتجارة بالدم، دمك إنت وأخوك.

(9) نرجع للتسريبات الصحفية ونقول إن الإخوان كانوا شبه وافقوا تمامًا على تقليص مساحة اعتصام رابعة للنصف تقريبًا، ومنع المسيرات الليلية اللي كانت بتستفز الأهالي والنظام في المناطق المحيطة، ده نظير الإفراج عن الكتاتني وأبوالعلا ماضي، وده يديك فكرة عن كيف تدار الأمور، فكك بقى من قصة القضا والقضايا والجرايم، كله صاحب جريمة سواء مبارك، أو المجلس العسكري أو الاخوان، المهم امتى هتلبس الجريمة دي، لما تقع يا حبيبي.. غير كده انسى.. وطبعًا جنابك ما سألتش نفسك ليه مرسي بيتحاكم دلوقتي في قضية فشنك ليها علاقة بالتخابر مع الأطباق الفضائية ومراسلة سكان المريخ، ومش بيتحاكم على قضية واضحة زي مقتل الناس في الاتحادية، والسبب ببساطة إن مرسي لو اتحاكم على جريمة الاتحادية هيجر معاه رجل ناس زي عمنا محمد ابراهيم بتاع الداخلية اللي كان بتاع مرسي، ودلوقتي بقى بتاع السيسي، عشان كده لا تنتظر عدل على هذه الأرض، انما حاول قدر ما استطعت أن تكون مواقفك نظيفة وهذا ما حاول أن يكونه البرادعي.

(10) إذن من وجهة نظر البرادعي الدبلوماسي اللي أكل عيشه وخبرته كلها في المكاسب النظيفة من الدماء، لقي أنك عشان تخرج شخصين وممكن تحدد اقامتهم أو تراقبهم 24 ساعة هتاخد أكتر من نص مكسب الاخوان في اعتصام رابعة، وبدون قطرة دم واحدة، وممكن بعد كده تتفاوض للافراج عن الشاطر نفسه نظير انهاء كل هذا الجنون، مع ملاحظة ان خارطة الطريق اللي جنابك وافقت عليها، طلبت من الإخوان انهم ينخرطوا فيها وينخرطوا في الواقع السياسي الجديد، والبرادعي كان شايف إن الخطوات دي ممتازة جدًا مقارنة بالوقت اللي تم فيها، الاخوان كانوا عاملين زي الست الغلطانة اللي غضبت من جوزها وراحت بيت أهلها بس برغم كده عايزاه ييجي يصالحها، والبرادعي ما كانش عنده مشكلة في كده مهما تكلف الموضوع من وقت ما دام هذا الموقف سيمنع اراقة الدماء.

(11) من مساوئ الكبرياء العسكري أنه يضيق ذرعًا بالمفاوضات، ويضيق صدره بطول الوقت قبل تنفيذ الأمر، العسكرية تعني أمرًا يتم تنفيذه بمجرد الانتهاء منه حتى لو كان مصدر الأمر على خطأ، وهذا يتعارض بشدة مع سلوك الدبلوماسية، لذلك يخطئ من يعتقد أن قيادة الجيش تتفق في الشكل أو الموضوع مع سلوك شخص مثل البرادعي. الفكرة انه تم فرضه عليهم عن طريق تمرد، وائتلافات الشباب كممثل لهم ولم يملك السيسي إلا أن يقبل، العسكرية لا يعيبها سلوكها في ساحة الحرب، أما في الحياة المدنية فلا قيمة إلا لما يفعله البرادعي فقط، هناك فرق بين الحفاظ على دماء من اختلفت معهم من ابناء وطنك، واراقة دماء عدوك في ساحة الحرب، موقف البرادعي يسهل تفسيره من هذا المنطلق هو كان يريد منع اراقة الدماء بغض النظر عن عقيدة أصحابها، سواء كان هذا المنع لمجده الشخصي أو لله أو حتى لمصلحة الوطن لا فرق، المهم أن وجهة نظره أنه كان هناك طريق أطول طويلاً لتحقيق خارطة الطريق بدون هذا الجنون في اراقة الدماء، والكبرياء العسكري لم يقبل على نفسه أن يستهلك كل هذا الوقت في التفاوض مع من يستطيع سحقه بأمر يتم إصداره في ثوان معدودة.

(12) إنت لما تتأمل في تاريخ البرادعي القريب بروية شوية.. هتلاقيه كان على حق في مواقف كتير سبق فيها العصابة اللي مسمية نفسها النخبة في مصر بقرون.. والسبب وحيد.. هو خبرته العنيفة والطويلة على المستوى الدولي، لذلك التنبؤ بأشياء حدثت وسوف تحدث في دولة يرثى لها زي مصر مش أمر صعب على البرادعي، موقفه في الانسحاب من انتخابات الرئاسة كان واضحًا، عشان تكون رئيس يا تكون جيش يا اخوان وهو مش حد منهم فانسحب، عشان تعمل سلام اجتماعي لازم تعمل مصالحة ويمكن هو من اوائل الناس اللي طالبوا باحتضان بتوع الحزب الوطني اللي ما ارتكبوش جرايم، وشتمناه وقتها، وبعدها تمرد نفسها كان شغال فيها بتوع الحزب الوطني، لما نزل مصر ايام مبارك راح وش قعد مع الإخوان ولموا له فعلا أكتر من 2 مليون توقيع، لما الجيش اللي هو الجيش اللي البرادعي اكتر واحد عارف هو مين الجيش سيطر عالسلطة راح وقف معاهم عشان يحزم الموضوع بصبغة مدنية، ولما فشل استقال إذن انت قدام راجل اختلفت، او اتفقت معاه عنده قدرة غريبة على استقراء الواقع، وتصرفاته مهما كانت بتضايقك لازم تحطها في الاعتبار، لأنه عمره ما نط من مركب الا وغرق بعدها، عشان كده قلت لكم إمبارح، هتولع تاني قريب، ما تقلقوش.

(13) الانبهار اللي حصل امبارح من أداء مصطفى حجازي لا ينسيك إن ده الدور اللي كان الجيش عايز البرادعي يعمله، ده الدور اللي رفض البرادعي يعمله، الجيش كان عايزه يقف يكلم اصحابه في العالم كده ويحط صبغة دبلوماسية على بحر الدم اللي سال، وسواء كان البرادعي رفض لمصلحته الشخصية أو للمصلحة العامة، لازم تعرف إنه رفضه معناه انها قضية خسرانة، وبرغم ان مصطفى حجازي بذل جهدًا كبيرًا في انه يملأ الفراغ، إلا أن العالم برضه لسه مش مقتنع ومش هيقتنع، العالم مش عايش معاك عشان يفهم انك شلت رئيس انت قلت عليه منتخب ليه، وبعدها بشوية قتلت أنصاره، التفاصيل دي احنا نعرفها في مصر كويس انما العالم ليه النتائج، وسواء كده أو كده، البرادعي شاف القضية دي تحديدًا خسرانة، وأخد موقف في توقيت مشتعل، وكالعادة أهيلت عليه الشتائم من الطرفين، إلا أنه معتاد على ذلك دومًا، وانتهى الموضوع بـ“,”ستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله“,”.

(14) في الختام يا عزيزي “,”الإنسان“,” في كلام لازم تحاول تتأمل في معناه قبل ما تنام، إذا كان فرض علينا الحرب، وهي واقع دلوقتي فعلاً، في ناس بتعتقد إن انتصارها في الحرب معناه انك تنتصر لفكرتك أو موقفك بغض النظر عن أي خسائر في الطرف التاني، وفي ناس أرقى شوية بتعتبر انتصارها، هو أن تحققه بأقل قدر من الخسائر من الطرفين، وفي ناس أرقى بكتير من تصوراتك وتخيلاتك، بتعتبر إن انتصارها الحقيقي في الحرب، هو منعها لفكرة الحرب من الأساس بين الطرفين، ودول اللي حطوا العسكر والإخوان في بوتقة واحدة، مش قادر تستوعب منطقهم أو تبلعه، مش مهم هييجي يوم يمكن تفهم

انتهى تحليل الدكتورة منال عمر

ارى رابطاً قوياً بين المقالات الثلاث التي سبق عرضها، وهذا الرابط يتصل بأزمة يعاني منها العقل القانوني المصري، وظهرت في العديد من المواقف التي ينبغي تحليلها بإستخدام أدوات المدرسة الواقعية القانونية، لتجنب تفاقم هذه الأزمة والتي يعاني منها أساتذة القانون في محاولتهم وضع إطار فكري معقول للإجابة على تساؤلات طلابهم فيما يخص الأساس الحضاري الذي يتبناه النظام القانوني المصري بفروعه المختلفه، ومنها ما يتصل بالعدالة الجنائية بطبيعة الحال. وهو موضوع مقال لاحق إن شاء الله


ثبت بالمراجع


هامش رقم ١-  دكتور يوسف الشاذلي- تاريخ دولة تحكيه الحواس| حوار مع خالد فهمي- مدى مصر-١٣ فبراير ٢٠١٩- متاح على الرابط التالي
https://madamirror10.appspot.com/madamasr.com/ar/2019/02/23/feature/%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9/%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d9%83%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b3-%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d8%b9-%d8%ae%d8%a7%d9%84%d8%af-%d9%81%d9%87/


هامش رقم ٢- دكتور عماد هلال- لماذا تُعرض قضايا الإعدام على المفتي؟- صفحته الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك- ٢٤ فبراير ٢٠١٩- متاح على الرابط التالي
https://www.facebook.com/emad.helal/posts/10156304379580369?hc_location=ufi

هامش رقم ٣- تامر الصادي ونور الزوام- منال عمر تحلل موقف البرادعي الأخير من القوى السياسية- البوابة نيوز- ٢٧ ديسمبر ٢٠١٣- متاح على الرابط التالي
http://www.albawabhnews.com/114884