Wednesday, August 14, 2019

تعليق على حكم الدستورية الخاص بحق العمال في أرباح الشركات



بمناسبة صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 134 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 6 / 7 / 2019
تناول الحكم بإختصار

ما هي المسألة القانونية المعروضة على المحكمة الدستورية العليا لتبت فيها؟
مدى دستورية إعطاء الجمعية العامة للشركة سلطة تقديرية مطلقة في إنشاء حق للعمال في الأرباح السنوية للشركة وفقاً للمادة ٤١ و٤٤ من قانون الشركات المصري

ليس المجال هنا تناول حجج المدعي وحجج هيئة قضايا الدولة ولا ردود المحكمة على هذه الحجج

لكن ما يلفت النظر في الحكم هو أن المحكمة تناولت المسألة الدستورية من زاوية ضيقة، تتجاوز حدود مبدأ التقييد الذاتي الذي ألزمت به المحكمة نفسها على مدار أحكام عديدة لها

المسألة لها تفصيل في القانون المقارن الذي يذخر بآحكام قضائية وآراء فقهية تسعى نحو تحقيق توازن عادل بين حقوق جميع الأطراف، ويمكن للمهتمين الإطلاع على الكتاب التالي المنشور عام ١٩٩٥
Workers' Financial Participation: East-West Experiences By Daniel Vaughan-Whitehead, International Labour Office

التحليل الواقعي للنص التشريعي الحالي يكشف عن عواره، كما يكشف عن ممارسات عملية تعوق تحقيق النص لأهدافه، نظراً لإغفال المشرع وضع ضوابط هامة تكفل حسن تطبيقه

في الواقع العملي، هناك حالات عديدة تسئ فيها الجمعية العامة استخدام سلطتها التقديرية المطلقة، ورغم تحقيق الشركة لأرباح كبيرة، إلا أنها تفضل عدم توزيعها إلا بعد مرور عدة سنوات، بعدما يكون قد غادرها عدد من العمال الذين يستثقلون رفع دعاوى قضائية للحصول على نصيبهم في الأرباح. في الحالة المعروضة على المحكمة، العامل كان قد غادر الشركة بالفعل، وطالب بنصيبه في أرباح أعوام ثلاثة حققت فيها شركات الأسمنت أرباحاً جيدة. لو أن النص التشريعي لم يضع ضوابط على سلطة الجمعية العامة في تحويل نصيب العامل من حق إحتمالي الي حق فعلي، فعلى الأقل يجب أن يرسي القضاء مبادئ تضمن حسن استعمال الجمعية العامة لهذه السلطة بدون عسف بحقوق العمال أو المساهمين، مع مراعاة أن لكل منهما مركز قانوني مختلف، ومع مراعاة أن ادخار العمال لأرباحهم له دور اقتصادي هام وهو احتمالية تحولهم لمساهمين في هذه الشركة نفسها أو في شركة أخرى قائمة أو جديدة، وهو ما يخدم الاقتصاد الوطني ككل

ومن المهم ملاحظة أن القضاء عندما يرسي مبادئ دستورية تتعلق بتطبيق النص التشريعي الحالي فإنه لا يقوم بدور المشرع. لكنه يقوم بدوره الأساسي في تطبيق القانون، و"القانون ليس هو ما يصدره المشرع، إنما القانون في واقع الأمر هو ما يطبقه القضاء" كما يرى-  بحق- أستاذنا الدكتور عوض محمد أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة الأسكندرية

أتمنى ألا تتذرع المحكمة بهذا الحكم في المستقبل إذا ما عرض عليها الأمر مرة أخرى، كما قررت في شأن الإدعاء الجنائي المباشر على الموظف العام، وهو ما سنعرضه في مقال لاحق

واختتم التعليق بجزء من رسالة عمر بن الخطاب الي ابي موسى الأشعري
 لاَ يَمْنَعَكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ اليوم فراجعت نفسك فيه ، وهُديتَ فيه لرشدك ، أن ترجع إلى الحق ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي في الْبَاطِلِ