Wednesday, May 4, 2016

النيابة العامة وتواضع الأداء


لأحمد مطر كلمات عنوانها عزف على القانون، يقول فيها
يشتمني ويدعي ان سكوتي معلن عن ضعفه
يلطمني ويدعي ان فمي قام بلطم كفه
يطعنني ويدعي ان دمي لوث حد سيفه
فاخرج القانون من متحفه
وامسح الغبار عن جبينه
اطلب بعض عطفه
لكنه يهرب نحو قاتلي وينحني في صفه
يقول حبري ودمي: لاتندهش
من يملك القانون في اوطاننا ،هو الذي يملك حق عزفه

تذكرت هذه الكلمات عندما طالعت البيان الصادر عن النائب العام بخصوص ما جرى في نقابة الصحفيين. احتراماً لقرار حظر النشر، لن أتعرض لما يمكن للنيابة العامة حظر نشره. أما ما لا يمكن للنيابة العامة حظر نشره، فتناوله ليس حقاً فقط، بل هو واجب، إحتراماً للدستور وأملاً في أن تحترم النيابة العامة حدود  التفويض الدستوري الذي وضعه المصريين لها في الدستور

  رأت النيابة العامة في بيانها أنها صاحبة الولاية في تفسير وتأويل نصوص القانون بموجب الدستور والقانون. حقيقة، لا أدرى من أين جاءت النيابة العامة بهذا الرأي ومن أفتى لها بذلك، وأرجو أن توضح لنا السند الدستوري لهذا الرأي كي يتسنى لنا تقييمه. ما أعلمه أن النيابة العامة هي خصم في الدعوى الجنائية ويُفترض أنها الأمينة على ذلك بمعنى أنها لا تُحابي ولا تُجامل ولا تُهدد ولا تتوعد، ولا تُرسل رسائل إلي نقيب الصحفيين كما فعلت في بيانها الأخير. هي إذاً أمينة على تطبيق القانون وتنفيذه على الجميع وليس تفسيره أو تأويله

وما أعلمه أن الدستور اعتبر النيابة العامة جزءاً لا يتجزأ من القضاء (المادة 189) كي يتنسنى لها ممارسة مهامها بإستقلال ونزاهة وحياد بدون التأثر بضغوط السلطة التنفيذية التي جرت في عهد مضى وهزّت ثقة العامة في منظومة العدالة التي بدت "كمجرد مرافق إدارية تابعة للسلطة التنفيذية فعلا، وانسحب ذلك بداهة ومن باب أولى على النيابة العامة للأسباب ذاتها ولإصدارها منشورات إمعانا فى الخروج على الدستور والقانون" كما عبر القاضي والمحامي الجليل يحيي الرفاعي في نص خطاب إستقالته من نقابة المحامين عام 2002. لذا، حرص واضعو دستور 2014 على تأكيد علاقة النيابة العامة بالقضاء، لتتمتع بإستقلاله، ولتلتزم بحياده. فهل النيابة العامة اليوم مستقلة ومحايدة قولا وعملاً؟ أشك في ذلك

هل تراقب النيابة العامة إلتزام وزارة الداخلية بأن تُبلغ "فوراً كل من تُقيد حريته بأسباب ذلك، ويُحاط بحقوقه كتابة ويُمكن من الإتصال بذويه وبمحاميه فوراً" وفقاً للمادة 54 من الدستور؟ هل تحترم النيابة العامة ذاتها ما نص الدستور عليه في االمادة 55 بشأن أماكن احتجاز المتهمين ومعاملتهم، وما نص عليه الدستور في المادة 56 بشأن الإشراف القضائى على السجون وأماكن الإحتجاز؟ وهل تحترم المادة 68 من الدستور لتُفصح عما لديها من معلومات وبيانات وإحصاءات ووثائق رسمية هي ملك للشعب، ليتسنى لنا تقييم أدائها ومدى إتفاق قراراتها وممارستها لسلطتها التقديرية وفقاً لحدود التفويض الدستوري الممنوح لها

كلمة أخيرة لابد منها. النيابة العامة من المؤسسات التي تعمل كثيراً وتُنجز الكثير في صمت، ويساعدها على إنجاز عملها أن المتوسط العمري لأغلب أعضائها يقل عن الثلاثين عاماً. ولنفس السبب، لدى أغلب أعضائها حماس الشباب نحو الإصلاح وتحسين أوضاع العدالة في مصر. نقد أداء النيابة العامة ليس دعوة لهدم مؤسسة وليس نشراً ليأس ولا لـ "قلب نظام الحكم" ولا إنسياقاً وراء شائعات مغرضة، ولكنه ببساطة رفضاً لإنسياق مؤسسة هي "جزء لا يتجزأ من القضاء" وراء تحريات "أكدت حيازة هؤلاء العناصر أسلحة نارية وقنابل مولوتوف ومطبوعات ومنشورات تحريضية، تؤثر على أمن وسلامة البلاد"، وأملاً في جيل سيتولى تطوير منظومة العدالة في المستقبل القريب. والله أعلم