Tuesday, May 3, 2016

الإفصاح ومصداقية الشرطة


كان الله في عون مصر. لسنا في حالة حرب لكننا في أزمات قد تفعل ما تفعله الحروب وأكثر. الإعتراف بالحق فضيلة، وآن لنا أن نعترف أن دورنا في صنع هذه الأزمات يفوق غيرنا مرات ومرات. لن أتناول ملف الجزيرتين او ملف باحث الدكتوراه الإيطالي. ولن أتعرض للبرلمان وما يدور فيه. يكفي فقط الإشارة إلي ما قامت به وزارة الداخلية بمناسبة احتفال مصر بيوم 25 ابريل. ويكفي الإشارة تحديدا إلي اقتحامها نقابة الصحفيين وتبريراتها اللاحقة لما فعلته 

حسناً فعل الرئيس خلال إفتتاحه المقر الجديد لوزارة الداخلية وإشارته إلي أن الكلفة الإقتصادية لتأمين المقر من خلال ألف شرطي أمر غير مقبول حتى ولو كان أمراً مؤقتاً.  السؤال: لماذا لم يتعرض لموضوع نقابة الصحفيين؟ كان على الرئيس أن يتعرض له حتى ولو لم يرد أن يبت في الأمر قبل أن تتوافر له كافة المعلومات. على الأقل، كان عليه أن يبين للرأي العام أن الموضوع على أجندة الرئيس وأن يبين أن لو ثبت أن هناك خطأ فسيتم تداركه في مشروع قانون تحسين الأداء الأمني. رد الفعل السريع من الرئيس مهم حتى ولو لم يكن القرار جاهز لعدم توافر المعلومات الكافية بعد 

مسألة المعلومات أيضا أمر مقلق. زعمت الشرطة أنها لم تفعل سوى تنفيذ قرار النيابة بضبط وإحضار الصحفيين. اقول أنها زعمت، لأن الأيام أثبتت أن مصداقية الداخلية بحاجة لعناية خاصة من شرفاء الشرطة المهتمين بالعلاقات العامة. لماذا لا تخرج النيابة لتبين حقيقة الأمر وتوضح قرارها والكيفية التي طلبت به من الشرطة تنفيذ هذا القرار. الإفصاح عن المعلومات الرسمية إلتزام على الجهات الرسمية، ومن باب اولى الجهات الرسمية المختصة بالدرجة الأولى بتنفيذ القانون. افعال الشرطة تسحب من مصداقيتها، ومن مصداقية النيابة العامة، ومن مصداقية أجهزة العدالة التي هي أساس اي حُكم

أتمنى أن يتبنى الرئيس برنامج رئاسي لتشجيع الجهات الرسمية على الإفصاح التدريجي عما يتم الإفصاح عنه في دولة مثل الهند مثلا. الأمر لا يتعلق فقط بالبعد الأمنى للموضوع بل له جانب يهم المستثمر أيضا. كانت وزارة الصحة مثلا ملزمة منذ عام 2009 بالإعلان عن المستحضرات الصيدلية الحاصلة على تسجيل مبدئي على الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة خلال مدة معينة من الموافقة على التسجيل (وفقا للمادة 10 من قرار وزير الصحة رقم 296 لسنة 2009) كي يتمكن الجميع من العلم بتسجيل الدواء والإعتراض لو كان هناك سبب للإعتراض. فى عام 2015 صدر قرار وزير الصحة (رقم 425 لسنة 2015) وألغى القرار السابق وأعاد تنظيم الإجراءات ولم يلزم وزارة الصحة بالإعلان في موقعها الإلكتروني. هي معلومات رسمية وعامة ولا يوجد تفسير لعدم الإعلان عنها في الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة 

أتمنى أن يتبني الرئيس سياسة عامة تتعلق بالإفصاح وتلزم الجهات الرسمية بالإفصاح في إطار زمنى واضح. وأتمنى أن يبدأ بمشروع تعديل قانون الشرطة، لتلزم بواجبها في الإفصاح، سواء بما يتعلق بتعاملها مع مواطن او بما يتعلق بتقارير عملها بصفة عامة مثل تقرير الأمن العام، او بما يتعلق بالحالات التي منحت فيها تصريح بالتظاهر اورفضت واسباب رفضها. وأتمنى أن تُعرض الحالات المشابهة للقرار السابق المُلغى لوزارة الصحة ضمن نزاع قضائي، وتثور المسألة في سياق دستوري لتصل إلي المحكمة الدستورية العليا لتصك حكماً تواصل به دورها في بناء ديمقراطية مصرية أصيلة. فوفقاً للمنطق القانوني السديد، الدستور وثيقة تقدمية، ولا تزمت في تطبيق نصوصها بما يعارض تطويعها لآفاق جديدة يريد المجتمع بلوغها. والإخلال بواجب الإفصاح عما هو لازم لإعمال الحق في التنمية إنما هو في جوهره عائق يحول دون الوصول لآفاق جديدة يريد المجتمع بلوغها. والله اعلم