Sunday, October 30, 2011

المؤسسة العسكرية المصرية عند مفترق الطرق

لابد من حوار جاد وصادق مع النفس حول دور المؤسسة العسكرية المصرية ومستقبل العلاقات العسكرية المدنية في الجمهورية المصرية الثانية. لن تكون مصر دولة قانون وديموقراطية ناشئة ما لم تكن لدى مؤسساتنا عقيدة راسخة بجدوى سيادة القانون وحتمية صناعته بأسلوب ديموقراطي. بعد ان ساهم جيش مصر في حصته في العمل الوطني بعمومه –بإعلانه قيام الجمهورية الاولى في خمسينات القرن الماضي- عكف على التخصص في العمل العسكري، وتأكدت هويته كجيش وطني ومهني محترف، واولى سمات احترافه ان خص نفسه بما اختصت جيوش الدول القوية نفسها به، فأخذ على عاتقه اعباء العمل العسكري دون غيره، وتفرغ لمهام الامن الخارجي وترك مهام الامن الداخلي لمن يختص بها.

واذا كان لنا ان نتعلم من اخطائنا، فإن اولها هو السماح لإحدى المؤسسات المعنية بالأمن الداخلى (الشرطه) بالخروج عن طبيعتها المدنية واستعمال قوات شبه عسكرية (الامن المركزي). الاصل ان تقوم الشرطة بإعداد قوة محدودة متخصصة لمكافحة الشغب مؤهلة فنيا وقادرة نفسيا على ضبط النفس عند الضرورة وفق ما هو معمول به في تجارب الدول الاخرى. ما حدث ان تم السماح للشرطة بإستخدام امتياز مقرر فقط للجيش للحفاظ على الامن الخارجي للوطن، الا وهو التجنيد الاجباري، فأعدت الشرطة قوات شبه عسكرية (الامن المركزي) قوامها افراد يفترض انهم يخدمون وطنهم تحت لواء جيشه ضد الاعداء في الخارج.

نفس الامر يسري على الذراع الاقتصادية لجيش الوطن. لأي جيش محترف ذراعا اقتصادية غير هادفه للربح وانما تهدف الي تنمية ادواته الحربية وتقنيته العسكرية. هذه الذراع الاقتصادية مثلها مثل الجيش، قوامها عقول وارواح وعرق وجهد واموال الشعب بأكمله. والهدف من الترسانة الصناعية لجيش الوطن هو منافسة الصناعات العسكرية الاجنبية لا منافسة الصناعات المدنية الوطنية. ان استقر لدى الجميع، افرادا ومؤسسات، اهمية وخصوصية الدور الذي ينبغي ان تلعبه المؤسسة العسكرية المصرية في الجمهورية الثانية، كان يسيرا ادراك اهمية وحيوية العلاقات العسكرية المدنية.

في الدول القوية، اساس العلاقات العسكرية المدنية هو الثقة المتبادلة. لكل من العمل العسكري والعمل المدني طبيعة مختلفه، ووبالتالي لكل منهما اهله وخصائصه. قطعا، يتقاطع كلا من العمل العسكري والعمل المدني في موضوعات محددة تقتضي التعاون الصادق بإطلاق، اغلبها يتعلق بموضوعات الامن القومي. وحصر ما يدخل في نطاق الامن القومي وما يخرج عنه هو ثمرة من ثمار علاقة عسكرية مدنية صحية. ومن اعمال المؤسسة العسكرية ما هو عسكري بحسب اصله وطبيعته الفنية، ومنها ما هو مدني اصلا (بحسب اصله وطبيعته الفنية) لكن القانون يضفي عليه الصفة العسكرية حكما لتوافر علة او حكمة ما. وعبارة "القانون يضفي" هي مجاز حقيقته ان الذراع التشريعية للحكومه (البرلمان) تبت في امر يتعلق بأحد ادوات القوة (الجيش) لدى الذراع التنفيذيه للحكومة (مجلس الوزراء ومنهم وزير الدفاع). واستخدام العمل المدني (التشريع مثلا) لرسم حدود العمل العسكري بدون المساس بخصوصيتة واستقلاليته حفاظا على كفاءته، هو اعمال لمبدأ دستوري تبنته الدول القوية هو علو العمل المدني على العمل العسكري Civilian Supremacy over the Military ، واهم نتائجه هو اعتبار رئيس الدولة القائد الاعلى للقوات المسلحة وموافقة البرلمان على اعلان الحرب (مادة 150 من الدستور المصري السابق ومادة 2 وماد 1 من الدستور الامريكي)، وهو احد المسائل التي تتقاطع فيها الحقوق الطبيعية للشخص كفرد (استعمال القوة لحماية حقوقه) مع الحقوق السياسية للشحص كمواطن (انتخاب من يمثله في الحكومة).

فلكل فرد في المجتمع حقوقه الطبيعية، وعلى رأسها حقه في الدفاع عن حقوقه حتى ولو اقتضى الامر استعمال القوة. ولأن المنطق يدعو ان يبذل الفرد جهده في تنمية حقوقه لا فقط مجرد حمايتها، كانت فكرة الدولة والمواطنة، ونشأت فكرة الحقوق السياسية لتعزز حماية الحقوق الطبيعية. فيقبل الفرد –كمواطن- ان تتولى "حكومه" احتكار استعمال القوة لحماية حقوقه الطبيعية، ويباشر المواطن حقوقه السياسية ليختار حكومة تستخدم القوة لتحقق امان المواطن وليس قهره واذعانه.

ولعل من المهم، ومصر في مفترق الطرق، ان نستفيد من تجارب من حولنا، الاصدقاء منهم والخصوم. ولعل في العلاقات العسكرية المدنية في اسرائيل دروسا لنا. وبحسب كتاب "العلاقات المدنية العسكرية في اسرائيل" Civil-Military Relation in Israel لمؤلفه يهودا بن مائير Yehuda Ben Meir الصادر عن جامعة كولومبيا عام 1995، فإن مبدأ علو العمل المدني على العمل العسكري راسخ وواضح عرفا وقانونا، رغم ان اسرائيل لا تملك دستورا وانما عدة قوانين اساسية Basic Laws، ورغم انها معرضة دائما لخطر عسكري مباشر يهدد وجودها في الصميم. ولم يؤثر هذا المبدأ على الدور الحيوي الذي تلعبه وزارة الدفاع الاسرائيلية في فريق تخطيط سياسات الامن القومي والعلاقات الخارجية وتسويق منتجاتها العسكرية.

قانون اساسى- الجيش

اصدره الكنيست الاسرائيلي 31 مارس 1976

جوهر القانون:

1. جيش الدفاع الإسرائيلي هو جيش الدولة.

الائتمار بأمر السلطة المدنية:

2. (أ) يأتمر جيش الدفاع بأمر الحكومة.

(ب) وزير الدفاع هو الوزير المسؤول عن الجيش نيابةً عن الحكومة.

رئيس هيئة الأركان العامة:

3. (أ) يُعتبَر رئيس هيئة الأركان العامّة المستوى القيادي الأعلى في الجيش.

(ب) يأتمر رئيس هيئة الأركان العامة بأمر الحكومة ويتلقّى أوامره من وزير الدفاع.

(ت) تقوم الحكومة بتعيين رئيس هيئة الأركان العامّة بناء على توصية وزير الدفاع.

واجب أداء الخدمة العسكرية والانخراط:

4. يكون واجب أداء الخدمة العسكرية والانخراط في الجيش وفقًا لما يحدّده القانون أو بحكم القانون.

التعليمات والأوامر في الجيش:

5. سيتم تحديد صلاحية تنفيذ تعليمات وأوامر ملزمة للجيش في القانون أو بحكمه.

قوات مسلّّحة أخرى:

6. لا يمكن تشكيل أو قيام قوة مسلّحة أخرى خارج جيش الدفاع، إلا بموجب القانون.

رئيس الدولة إفرايم كاتصير

رئيس الوزراء يتسحاق رابين

Thursday, October 27, 2011

مؤسسات مصر: مقومات قوة ام نقاط ضعف؟


لكي تكون الدولة قادرة على التأثير في سلوكيات الدول الاخرى تعبيرا عن ارادتها وحماية لمصالحها، لابد لها من مقومات لهذه القدرة. ومقومات القدرة او القوة تتحدد بما لدى الدولة من امكانيات (خصائص، موارد، قدرات، مؤسسات). وقيمة مؤسسات الدولة هو قدرتها على حسن ادارة خصائص وموارد وقدرات الدولة بشكل مستمر ومنتظم وفعال. واذا كان للدولة المصرية من مقومات للقوة، فعلى رأس تلك المقومات وجود مؤسسات بلغت حدا من الرشد يؤهلها للقيام بدورها الوطني بمعقولية بدون افراط ولا تفريط.

ولان المؤسسات هى مجرد اداة، فإن رشدها هو من رشد القائمين على امرها. وبالتالي، فإن قوة الدولة المصرية يتوقف على مدى رشد الشخصية المصرية التي تدير كل مؤسسة من مؤسساتها، ومدى نجاح تلك الشخصية في استثمار قوة المؤسسة لتحقيق قوة الدولة.

والدولة القوية تتوزع فيها عناصر القوة بين مؤسساتها بشكل متوازن يغلب فيه التعاون على التنافس،
فقوتها الاقتصادية هي الاساس لقوتها العسكرية
وقوتها العسكرية هي ضرورة لحماية قوتها الاقتصادية
وقدراتها الدفاعية والاستهلاكية والاستثمارية مرتبطة ببعضها في توازن معقول
وشعبها بلغ من الرشد حدا ليحث العقلاء على تحقيق هذا التوازن

الجمهورية المصرية الثانية عند مفترق الطرق
وسيحكم التاريخ على عدة شخصيات مصرية تولت زمام عدة مؤسسات
المؤسسة العسكرية، والمؤسسة القضائية، والمؤسسة الإعلامية
والسؤال: هل احسنت تلك الشخصية المصرية ادارة قوة المؤسسة لصالح قوة الدولة؟

Friday, September 23, 2011

الادارة الديموقراطية لمنظومة الامن القومي


لا تعريف موحد عالميا لمصطلح الامن القومي
وبالتالي تختلف دلالته بحسب حالة وظروف كل دولة على حدة
وربما ينصب جوهره على حماية الاركان الاساسية للدولة (الشعب والاقليم والسيادة)

من الناحية العملية، تباشر الحكومة (بأجنحتها الثلاثة) سلطة الحكم
فتباشر مهامها باسم الشعب
وتعبر بإرادتها الحرة عن سيادته
وتتولى حماية موارده ومصالحه على اقليمه

الدولة مثلها مثل الفرد، اخطر ما يهددها هو ما يمس ارادتها (او سيادتها)
ويتصور ان يشوب تلك الارادة ما يعيبها (كالغلط اوالتدليس او الاكراه-المادي او المعنوي- او الاستغلال)
ويقع عبء حماية "حرية الارادة" على اجهزة متخصصة فنية غير سياسية هي منظومة الامن القومي

مثلا، يسعى الجهاز العسكري للإرتقاء بادارة السلاح
ويسعى الجهاز الدبلوماسي للارتقاء بادارة العلاقات
ويسعى الجهاز الاستخباري للارتقاء بادارة المعلومات والبيانات

والادارة الديموقراطية لمنظومة الامن القومي تقتضي التوفيق بين امرين
الاول: ضمان استقلال اجهزتها لتتطور فنيا وتنافس دوليا بدون التأثر بالإنقسامات الحزبية الداخلية
الثاني: ضمان التزام اجهزتها بالتطور فنيا والحياد حزبيا كنواة لحماية اركان الدولة

Friday, September 9, 2011

سبتمبر 2011: بين قوة القانون وقوة السلاح؟


الشعب المصري نضج سياسيا
احدث يناير 2011 دليل على ذلك
جوهر احداث يناير –في رأي المتواضع- هو عصيان مدني رافض لتغليب قوة السلاح على قوة القانون

غلبة قوة السلاح على قوة القانون بدأت بأزمة مارس 1954 بين مجلس الثوار العسكريين ومجلس الوزراء المدنيين
واستمرت غلبة قوة السلاح في مصر وإن اختلفت ملامحه من فترة لاخرى
فكان السلاح عسكريا حينا، وشرطياً حيناً، ومزيجاً بينهما حيناً

رغم نص دستور 1971 السابق على ان "الشرطة هيئة مدنية نظامية..." (م 184)
إلا ان قطاع الامن المركزي كان مزيجاً من مجندي القوات المسلحة والتسليح شبه العسكري
وقطاع امن الدولة كان مزيجا من الولاء لحزب سياسي (الوطني الديمقراطي) وصلاحيات قانون استثنائي (الطوارئ)

احداث يناير 2011 غيرت من امور كثيرة، واكدت امور اخرى...
لم يتوانى الحزب السياسي الحاكم حينها من اساءة استعمال السلاح الشرطي شبه العسكري ضد التظاهرات السلمية
واوفت القوات المسلحة بعهدها بإعتبارها "ملك للشعب" (م 180 دستور 1971)
واحتفظت بشرف الجندية برفضها إساءة استعمال السلاح العسكري ضد مالكه

ادعو الله ان نتعظ من ازمة مارس 1954 وكبواتها
كيلا تتحول اخطائنا الي ازمة سبتمبر 2011 وتظل كبواتها معنا لنصف قرن آخر...

Friday, August 26, 2011

كتاب جديد: مشكلات النظام الدستوري المصري


طالعت مؤخرا كتاب "مشكلات النظام الدستوري المصري" (دار النهضة العربية 2012) لمؤلفه الدكتور احمد حشيش، استاذ القانون بكلية الحقوق جامعة طنطا. يمثل الكتاب حلقة جديدة، يستكمل بها المؤلف سلسلة من الابحاث التي تستعرض مشكلة معاصرة من زاوية تطبيقية للمبدأ الذي صكه، وهو "سمو القانون الإلهي".

في إطار دعوته في مقدمه كتابه الي "مشروع عربي موحد للدستور الوضعي في الدول العربية، دون افتئات على استقلالها عن بعضها" (صـ5ـ)، يسلط المؤلف الضوء على ثلاثة مشكلات دستورية تعرقل ازدهار النظام الدستوري المصري، و هي "لا تختلف ولا تنفصل عن نظيراتها في الانظمة الدستورية الوطنية الاخرى في العالم العربي" (صـ5ـ). وهذه المشكلات هي:
"أ- التخلف الدستوري، سواء في الصناعة الدستورية العربية، او في منهج المؤلفات الدستورية العربية...
ب- عدم الإقتداء في وضع الدساتير العربية، بأول دستور وضعي للدولة العربية الأولى التي قامت عقب وفاة الرسول، اي دستور دولة الخلافة الرشيدة...
ج-انصراف الدراسات الدستورية العربية، عن البحث في ذلك الدستور الوضعي العربي الاول ذاته، لا لشئ إلا لأنه لم يكن دستورا مكتوبا، إنما كان دستورا عرفيا بالمعنى الفقهي الدستوري لهذا المصطلح حاليا... وإن كان اقدم من أشهر دستور عرفي حاليا وهو الدستور البريطاني.." (صـ5&6)

افرد الكاتب ثلاثة ابواب تتناول ثلاثة موضوعات اساسية، يراها "تجب ان تتخذ كأساساً علمياً لتبويب اي دستور وضعي" (صـ7ـ)، وهي نظام الدولة، ونظام القانون، ونظام الجزاء الدستوري. إلا انه قبل تناولها، يفرد باباً مستقلا يتناول فيه اسباب التخلف الدستوري العربي.

فيتعرض لتخلف"صناعة" الدساتير العربية، سواء ما يخص فيها مؤسسة الرئاسة (تداولها وهويتها)، او ما يتعلق فيها بالإستغناء عن نظام البرلمان، او ما يخص ظاهرة استنساخ الدساتير الاجنبية. ثم يتناول كذلك تخلف "منهج" المؤلفات الدستورية العربية، سواء لتأثرها بمنهج "الادب السياسي"، وما لحقه من تأثيرات "سلطانية" او "شعبوية" ادت لغموض العديد من الاصطلاحات وتداخلها، او لإحتفائها المبالغ فيه بمنهج "التفسير"، بما ادى اليه من الإتكال على العلوم المساعدة للقانون على حساب العلم القانوني ذاته. ثم يدعو الي تحديث المنهج القانوني وإثراءه بـ "علم التأويل" او بعلم "الرشد القانوني". اخيرا، يستعرض المؤلف اختراق تيارات "الثقافة الإنفصالية" للعقل العربي، مستعرضا اقدم صور هذه الثقافة الإنفصالية التي ظهرت في مستهل الخلافة الراشدة، وكذلك في ختامها. ثم متناولا ثلاثة طوائف تمثل تيارات الثقافة الإنفصالية: التيار العلماني، والتيار السلفي، والتيار الاوسط و"هى طائفة قائمة بذاتها. فلا هى تضم أبناء الأرض «الغربية» التى نشأ منها الإنسان تلقائياً وحيواناً، أى التيار العلمانى. ولا هى تضم أبناء السماء، أى التيار السلفى بأنواعه. إنما هى تضم أبناء «الأثير» المعلق بين السماء والأرض، أى التيار «الهوائى»، الذى يتعامل بمنهج الخيال العلمى" (صـ71-).
يتبع---

Friday, August 19, 2011

اقتصاديات ادارة البناء الدستوري


الادارة السياسية للمرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر الآن هي ما سيحدد شكل الجمهورية المصرية الثانية. بغض النظر عن عمق الاختلافات في الرؤى، من المهم الا تؤدي الادارة السياسية لها الي افساد الود اللازم لدفع قوى المجتمع المصري نحو بداية قوية للجمهورية الثانية. ولذلك، ينبغي ان تتسلح تلك الادارة الرشيدة بالحكمة بدلا من ان تدع الامور تسير على نحو عشوائي.

المقصود بإقتصاديات ادارة البناء الدستوري هو حساب الكلفة والمنفعة لتعظيم الفرص والامكانيات وتقليل المخاطر السياسية خلال هذه الفترة الانتقالية. وللإيجاز، هناك مسألة ينبغي الاقتصاد في ادارتها، بدون تفريط ولا افراط، وهي المتعلقة بفض النزاع السياسى الجاري حول الدستور المصري.
ربما نختلف على القيمة السياسية لدستور 1971. صحيح ان بعض مواده تم التلاعب بها ومثلت -خاصة ما تعلق منها بالترشح للرئاسة- خطرا على جوهر "الجمهورية المصرية"، لكن اغلب مواده كانت تجسيدا لكفاح اجيال سبقتنا ومازالت تراثاً دستورياً مصرياً تسلمناه من اجيال سبقتنا وعلينا تسليمه للاجيال التي تلينا. على هدى من هذه المواد، قضى القضاء الدستوري –رغم مناورات النظام السابق لعرقلته- بعودة احزاب سياسية الي الوجود وببطلان تشكيل البرلمان لثلاثه دورات متتالية، وغيرها من الاحكام التي جسدت كفاح قوى وطنية منها قوى مازالت بيننا الآن. بالتالي، لا شك ان لهذا الدستور قيمة اقتصادية، تجسد ما استثمرته عدة اجيال مصرية من جهد ووقت ومال لصياغة مواده وشرحها وتفسيرها والتقاضي على اساسها. هذه القيمة الاقتصادية تم اهدارها على عجل في مناسبة اعجز عن فهمها.

سقط النظام السابق... رأى البعض تعديل الدستور... اعترض البعض على ترقيعه ودعى الي دستور جديد... تم استفتاء الشعب اما ان يقبل تعديل 9 مواد ليستمر دستور 71 او يرفض تعديلها ليدفن دستور 71... على نحو غير مفهوم تم دفن دستور 71 رغم ان نتيجة الاستفتاء كانت الموافقه على تعديل المواد التسعة...ربما رأى البعض ان هذا الحل فيه ارضاء للطرفين من خلال اعلان دستوري جديد به اغلب مواد دستور 71... الحقيقة ان هذا الحل خلق فريقا ثالثا بدأ يقارن بين ثلاثة وثائق دستورية: دستور 71، ومواد الاستفتاء، والاعلان الدستوري الجديد، وبدأ يجتهد في قراءة ما وراء الاختلافات فيما بينها . واصبح علينا التقريب بين ثلاثة فرق- او اكثر- بدلا من التقريب بين فريقين... هذا العبء الاضافى هو قيمة اقتصادية مهدرة كان يمكننا الحفاظ عليها منذ البداية. نفس الامر يتكرر الآن. امر محمود ان بعض القوى السياسية توحد صفوفها لتقدم رؤيتها في وثائق سياسية. لكن من سيتولى المهمة الاخطر وهي التوفيق بحكمة بين هذة الوثائق السياسية ليخرج علينا بالحد الاقصى المتفق عليه (او القاسم المشترك الاكبر)، ويحصر ما اختلفوا بشأنه ويبت في الحد الادنى الواجب حسمه الآن في ضوء احتياجنا الي قيمته الآن لا لاحقا. السؤال الاهم اذن: من الحكم الذي ترتضي اغلب الاطراف الالتجاء اليه وتحترم نزاهة رأيه؟

على مدار السبعة اشهر الماضية، بذل المجلس العسكري جهدا محمودا لتسليم السلطة الي حكومة منتخبة، الا ان اصراره على ان يتحمل وحده جانب كبير من هذا الجهد ادى لاستهلاكه جانب كبير من رصيده السياسي لدى قوى مجتمعية عديدة (اغلبها محسوب على التيار اليبرالي). في المقابل، بدأت الحكومة الحالية برئاسة د. عصام شرف في تولي زمام بعض المسائل التي تتطلب تفهما سياسيا اكثر من تطلبها حسما عسكريا. الا ان البادي ان اهتمامها المحمود بالوثائق السياسية الصادرة عن بعض القوى السياسية يستهلك رصيدها السياسي لدى قوى مجتمعية اخرى (اغلبها محسوب على التيار الديني).

حسم الامر لن يكون بتبادل الادوار بين المجلس العسكري والحكومة الانتقالية، فهذا مضيعة للوقت، وباب لتحول النزاع من خلاف حول الافكار الي توتر بين الاشخاص والقوى المجتمعية. الخيار الافضل هو الاحتكام الي مؤسسة مستقلة تقف على مسافة واحدة من جميع الاطراف، يعرض عليها كل طرف حجته، وتحسم النزاع بحكمة يخرج معها كلا من الفريقين فائزا win-win solution. في رأي المتواضع، هذه المؤسسة هي المحكمة الدستورية العليا. نعم النزاع سياسي، لكن لابد ان يكون المنبر قضائي. جوهر عمل القضاء هو فض المنازعات، ايا كانت طبيعتها، حتى ولو كانت سياسية. وليس ادل على ذلك من التقاضي حول بناء مفاعلات نووية امام المحكمة الدستورية الايطالية، وارسال قوات عسكرية الي ليبيا امام المحكمة العليا الالمانية. اتمنى ان تكون المحكمة الدستورية العليا المصرية مستعدة، وان يحافظ قضاتها وقضاة مصر واهل سيادة القانون على رأسمالها الوطني.

Friday, August 12, 2011

رسائل قصيرة: البنك والسفيرة والقضاء


بمناسبة خبر عن وزارة التعاون الدولي: انتهاء من ابرام اتفاقيات منحة لا ترد وقروض من البنك الدولي
1- ما المقصود تحديدا بعبارة "انتهت وزارة التعاون الدولي من الاجراءات الدستورية الخاصة بهذه الاتفاقيات التي تم توقيعها مع البنك الدولي في نوفمبر الماضي" والتي وردت بالبيان الصحفي للوزارة في 10 اغسطس 2011
2- ما الجهة التي تراقب الادارة الرشيدة لاموال المنحة والقروض ومن يرأسها والي من يتقدم بتقاريره الدورية وهل يتيحها لاطلاع من يهمه امرها؟
3- ما مدى نجاح هذه الجهة في رقابة الادارة الرشيدة لاموال المعونات الاجنبيه (خاصة من الاتحاد الاوروبي) في الفترة الماضية؟


بمناسبة خبر عن السفيرة الامريكية الجديدة: رغم موقف المجلس العسكري من تمويل منظمات غير حكومية- السفيرة مستعدة للحديث مباشرة مع الشباب عن العلاقات الامريكية مع مصر
1- ما حيثيات الاختيار الامريكي لها خاصة في ظل انتهائها للتو من الخدمة الدبلوماسية في باكستان بتاريخها الملئ بالتوتر سواء بين قادة الجيش فيما بينهم او بينهم وبين المؤسسات الدستورية؟
2- ما الجهة التي تشاورت معها الحكومة الامريكية قبل ارسال سفيرتها والتي قدمت اليها السفيرة الجديدة اوراق اعتمادها عند وصولها؟ وما الجهة المسئولة عن متابعة نزاهة العمل الدبلوماسي الاجنبي بصفة عامة؟
3- ما ظروف الزيارة الاخيرة لمدير المخابرات المصرية الجديد الي واشنطن؟


بمناسبة خبر عن الازمة القضائية حول مراجعة قانون السلطة القضائية بين اللجنة المشكلة وبعض نوادي القضاة
1- لم لا يعد كل فريق توصياته واقتراحاته ليتحول الحوار الي حجج في الموضوع وليس توتر بين اشخاص؟
2- لم يدور اغلب الحوار العام حول الالقاب والرواتب دون الالتفات الي الاختلالات الجوهرية في هيكل القضاء؟
3- هل القضاء مستعد للضبط الوقائي والعلاجي المقترن بالحملة الموسعة ضد الخارجين على القانون في سيناء بدلا من اتاحة الفرصة للفتن وتصوير ما يحدث انه عمليات قتل غير قضائية؟

Friday, August 5, 2011

ازمة العدالة الجنائية في مصر


العدالة الجنائية في مصر تواجه ازمة سببها فجوة بين ما هي عليه الآن وما ينبغي أن تكون عليه! هناك دعوات متزايدة للإستغناء كلية عن مؤسسات العدالة الجنائية واللجوء الي محاكمات ثورية بل ولا مانع لدى البعض من محاكمات عسكرية لرموز النظام السابق. ولا مفر ان حل هذه المعضلة يكمن بيد القائمين على امر مؤسسات العدالة في مصر، وعليهم عبء كبير لتنظيم امور بيتهم من الداخل.
وبشكل عام، فإن وزارة العدل المصرية امامها الكثير لتفعله. لكن الاهم، ان تتواصل مع المواطن المصري ليعلم فيما تنفق اموال الضرائب التي يسددها. ولعله من الغريب ان وزارة العدل المصرية تعد -تقريبا- الوحيدة من ضمن وزارات العدل العربية ومن ضمن الوزارات المصرية التي لا تملك موقع الكتروني يتابع المواطن نشاطها من خلاله، وتتابع الوزارة اهتمامات وتطلعات المواطن عبره. يقيناً، هناك العديد من المهتمين بأعمال مؤسسات العدالة في مصر، سواء كانت اعمال وطنية تنشر في الجريدة الرسمية او الوقائع المصرية، او دولية مثل اتفاقيات التعاون القضائي وتسليم المجرمين.

وهناك العديد من النماذج الناجحة لمواقع وزارات العدل العربية، وابرزها في لبنان والامارات والاردن. لكن الاهم ان يستجيب موقع وزارة العدل المصرية لإهتمامات المجتمع المصري خلال الفترة الحالية. لذا، اتمنى ان يشتمل الموقع الالكتروني لوزارة العدل المصرية
1- اخبار وزارة العدل خاصة جهودها بخصوص التعاون القضائي الدولى وتسليم المجرمين مع الدول ذات الاهمية (مثل بريطنيا الملاذ الآمن لعدد من المطلوبين قضائيا في مصر).
2- اخبار وزارة العدل ودورها في اعادة هيكلة المنظومة الامنية في مصر واستعدادها للاشراف على قطاعات ظلت لفترة طويلة خاضعة لاشراف وزارة الداخلية رغم عدم ارتباطها بجوهر عمل مؤسسة الامن الداخلي.
3- اخبار وزارة العدل ودورها في اعداد مشروعات لقوانين لعلاج عدة ظواهر تتنامى حاليا، خاصة فيما يخص عمليات اتلاف الادلة واخفاء الاموال المتحصلة من جرائم واعاقة مؤسسات العدالة والبلاغات الكيدية التي ترهق جهات تنفيذ القانون (كان من الاولى ان ينشغل القائمون على امور العدالة في مصر تكثيف جهودهم لسن قوانين تشتمل على جرائم اجرائية تحترم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ويمكن من خلالها معاقبة رموز النظام السابق على ما يرتكبوه الان من اتلاف ادلة وتضليل جهات العدالة بدلا من محاولة ارهاق نصوص عفا عليها الزمن مثل تلك التي اتى بها قانون الغدر بما يثيره من شبهة المخالفة الدستورية لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات).
4- التغطية الوثائقية للمحاكمات التي تهم الرأي العام المصري، سواء فيما يخص سير التحقيقات، ومذكرات الاتهام ومذكرات الدفاع، وكذلك النصوص القانونية التي تتم المحاكمات لشبهة مخالفتها، كيلا ترتفع توقعات الرأي العام عما هو ممكن في المحاكمات الحالية.
5- التغطية التسجيلية للمحاكمات التي تهم الرأي العام، بإعتبارها جزءا من التراث القانوني المصري، ومادة ثرية لمحاولات إصلاح اي ثغرات اوعوار يشوب النظام القانوني المصري.
6- دليل للإخطارات الرسمية التي تتلقاها وزارةالعدل، وابرزها من
a. المرشحين للإنتخابات (الرئاسية او البرلمانية او المحلية) فيما يخص سيرتهم الذاتية، واجنداتهم الانتخابية، واقرارات الذمة المالية، ومدى التزامهم بنزاهة الحملات الانتخابية بدون تضليل او غش او تجاوز حدود الانفاق الانتخابي.
b. المنظمات المدنية ذات النشاط السياسي فيما يخص تكوينها وبرنامجها واعلانها عن مصادر تمويلها واوجه انفاقها تفصيلا.
c. المنظمات المدنية ذات النشاط الاهلي فيما يخص تكوينها وانشطتها وافصاحها عن مصادر تمويلها واوجه انفاقها تفصيلا.
d. المنظمات المدنية ذات النشاط الاقتصادي فيما يخص تكوينها وانشطتها ومواردها واوجه انفاقها تفصيلا.
7- بإعتبار وزارة العدل همزة الوصل بين القضاء واعوانه في السلطة التنفيذية، يهتم العديد بجهود الوزارة التي تقوم بها لرفع كفاءة هؤلاء الاعوان (خاصة هيئات الرقابة والخبرة والادلة ومكافحة الفساد)
8- بإعتبار وزارة العدل عونا للقضاء في اشرافه على تشكيل السلطة التشريعية، يهتم العديد بجهود الوزارة فيما يخص الاجراءات الوقائية والعلاجية لمنع الغش الانتخابي ورفع كفاءة الضبط القضائي ازاء شراء الاصوات عينا ونقدا وصحة الاعلانات الانتخابية ونزاهة الحملات الانتخابية واعاقة العملية الانتخابية.
9- بإعتبار وزارة العدل همزة الوصل بين الاذرع الثلاثة لمؤسسة العدالة الجنائية، يهتم العديد بجهود الوزارة لرفع كفاءة والتنسيق بين:
a. الذراع الاستقصائية: التي تتولى تحري وتحقيق ادعاءات لها سند من الواقع.
b. الذراع الاتهامية: التي تتولى ترجمة هذه الادعاءات الي ادلة لها سند من القانون.
c. الذراع القضائية: التي تتولى الفصل بالبراءة او الادانة بغير انكار للعدالة ولا ارهاق للقانون.

Thursday, July 14, 2011

محاكمة كيسي انتوني عن مقتل طفلتها

اسدل الستار منذ ايام على احد القضايا الجنائية الشهيرة التي انشغل بها الرأي العام الامريكي ووسائل الاعلام على مدار الشهور الثلاثة الماضية. قضية اتهام كيسي انتوني بقتل طفتها ذات العامين والكذب على سلطات تنفيذ القانون بدأت ببلاغ الي الشرطة المحلية بإحدى المدن بولاية فلوريدا قدمته والدة المتهمة (جدة الطفلة) بأن الطفلة مفقودة منذ شهر، واستمرت الشرطة في البحث عنها الي ان تم العثور عليها في احد مقالب القمامه، ملفوفة في عدة اكياس قمامة، وعلى فمها شريط لاصق. وبناء على تحريات الشرطة وتحقيقات جهة الادعاء، اصدرت النيابة قرار اتهام كيسي انتوني على اساس ارتكاب سبعة جرائم، ثلاثة بخصوص جريمة القتل واربعة بخصوص الكذب على سلطات تنفيذ القانون.

انعقدت المحكمة، وتشكلت هيئة محلفين لتبت في معقولية قيام المتهمة بإتيان الافعال الاجرامية المنسوبة اليها "بدون اي شك معقول" without a reasonable doubt. وتشكل فريق من النيابة يرأسه مدعي عام امريكي هو من اوائل من استخدموا DNA في الاثبات الجنائي. واسست النيابة ادلة اثبات الاتهام على ادلة ظرفية circumstantial evidence حيث لم تتوصل التحقيقات الي ادلة مباشرة تربط الام بأفعال قتل محددة. وامتدت الادلة الظرفية الي:
1- الحياة الاجتماعية الصاخبة التي يزعم الادعاء ان الام ارادت التفرغ لها بقتل طفلتها
2- كذب الام المتكرر خلال ادلائها بأقوالها امام الشرطة في عدة مواقف مختلفة
3- وجود شهود –منهم والدي المتهمة- على انبعاث رائحة كريهة من سيارة المتهمة خلال فترة زمنية معينة
4- شهادة والدي المتهمة على دفنهم حيواناتهم الاليفة النافقة بإستخدام اكياس القمامة والشريط اللاصق.
5- شهادة احد جيران المتهمة بإستعارتها جاروف حفر خلال فترة غياب الطفلة.

واسس دفاع المتهمة ادلة نفي الاتهام على توضيح "الشك المعقول" الذي يشوب الادلة التي ساقتها النيابة، وبناء عليه لا يجوز لهيئة المحلفين ادانة المتهمة، حيث ان قرينة البراءة لا تزول بالشك والتخمين بل بالجزم واليقين. لذلك اوضحت هيئة الدفاع عن المتهمة ان:
1- النيابة لم تقم بإظهار الدافع وراء ارتكاب الجريمة (الدافع ليس من اركان الجريمة لكن له دور هام لربط الادلة الظرفية بعضها ببعض)
2- الطبيب الشرعي لم يستطع ان يحدد بدقة سبب وفاة الطفلة، وبالتالي فإن تقريره التشريحي لم ينفي زعم الام ان الطفلة ربما تكون قد غرقت في حمام السباحة الملحق بالمنزل.
3- قيام جدة الطفلة بتغيير جزء من شهادتها يعزز رواية المتهمة بإحتمال وجود دور للجدة في اخفاء اثار غرق الطفلة.
4- قيام جد الطفلة (شرطي متقاعد) بمحاولة مساعدة جهات التحقيق واستدراج ابنته (المتهمة) في الحديث اثناء زيارته لها في السجن عزز من رواية المتهمه ان له دور في اخفاء اثار غرق الطفلة.
5- نشأة المتهمة في ظروف اسرية غير صحية أدى بها لارتكاب اخطاء عديدة مثل الكذب المتكرر وغيره، لا يعني بالضرورة قتلها ابنتها.

واسدلت هيئة المحلفين الستار على هذه القضية بإصدارها القرار بعدم إدانه المتهمة بجرائم القتل وادانتها بجرائم تضليل سلطات تنفيذ القانون. رغم ان النتيجه صدمت المجتمع الامريكي الي حد ما، الا ان هناك ملاحظات لا ينبغي تجاهلها:
1- استمرت التغطية الاعلامية للقضية (بث حي مباشر) من داخل قاعة المحكمة على مدار شهرين ولم تتوقف حتى في الاوقات الحرجة التي امر القاضي فيها هيئة المحلفين بمغادرة القاعة كيلا يتأثر قرارهم بإنتقاداته لتجاوزات هيئتي الادعاء والدفاع، وقامت التغطية الاعلامية بدور تعليمي وتثقيفي عال المستوى، لكن الاهم هو تهيئة الرأي العام الامريكي للمعضلة التي ستواجهها هيئة المحلفين عند اتخاذها القرار.
2- اتفقت هيئتي الادعاء والدفاع منذ البداية على جدول تنظيمي لسير المحاكمة، عززه القاضي بموافقته عليه، منعا لضياع الوقت والجهد في امور هامشية، وكيلا تنفق اموال دافعي الضرائب فيما لا يفيد.
3- وضع القاضي منذ البداية قواعد صارمة تحظر اي اخلال بالجلسة قولا او فعلا او حتى ايماء بتعبيرات الوجه facial expressions. وبالفعل في احد المواقف، قام القاضي بتعليق القضية الرئيسية لمحاكمة شاب ارتكب اشارة مهينة بيده نحو ممثل النيابة، واصدر عليه حكما يدينه ويعاقبه بالحبس لمدة سته ايام وبالغرامة 400 دولار، موضحا في حيثيات حكمه اثر خطأ الشاب على الاخلال بسير المحاكمة واهدار اموال دافعي الضرائب.
4- صدور قرار هيئة المحلفين بعدم إدانة المتهمة جنائيا في جريمة القتل لم يكن نهاية المطاف، فقد تمت ادانتها بأربع جرائم تضليل سلطات تنفيذ القانون عن اربعة روايات مختلفة (تشدد القاضي بإعتبارها اربع جرائم مستقلة ورفض اعتبارها جريمة واحدة رغم اتصالها جميعا بالتحقيق في اختفاء الطفلة)، ووهناك عدة دعاوي مدنية ضد المتهمة، واحدة من الشرطة المحلية تطالب فيه بتعويض عما انفقته لتتبع الروايات الكاذبة التي اطلقتها المتهمة، واخرى من مصلحة الضرائب الامريكية تطالب فيه بمستحقاتها عما تحصلت عليه المتهمة من ظهورها على شبكات اعلامية، وثالثة من احدي المنظمات المجتمعية للعثور على المفقودين غير الهادفة للربح حيث خصصت جانبا من مواردها لمساعدة المتهمة في العثور على طفلتها.
5- عقب صدور حكم المحكمة، بدأت عدة حملات اهلية برعاية اعضاء في الكونجرس الامريكي لمعالجة عدة مشاكل كشفت عنها هذه القضية، فيدعو البعض لتمرير قانون يجرم عدم ابلاغ الوالدين عن اختفاء الطفل خلال مدة معينة، ويدعو البعض لتمرير قانون ينظم افصاح هيئة المحلفين عن مجريات مداولاتهم.

Saturday, June 18, 2011

الصحوة الدستورية في مصر-2

مجلس الدولة هو قاضي منازعات السلطة التنفيذية وصاحب رأي قانوني في أعمالها إفتاءا وتشريعا
القاضي محمد احمد عطية نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، واحد اعضاء اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء، وبحسب موقع جريدة الدستور هو احد اعضاء لجنة إعداد الاعلان الدستوري الصادر عقب الاستفتاء. وبحسب موقع الاخوان اون لاين، وتحت عنوان (مجلس الدولة: الدستور اولا مخالف للشرعية وسيادة القانون)، ذكر الخبر ان "قضى مجلس الدولة على محاولات البعض الانقلاب على الاستفتاء الشعبي" وان القاضي عطية قد صرح انه "لا محل لتقديم اي طلب للمجلس يخالف الشرعية وسيادة القانون اللتين اقرهما الاستفتاء الشعبي … وان ما يقال عن تقديم طلب لوضع الدستور اولا هو مخالف للشرعية التي اقرتها احكام المادة 60 من الاعلان الدستوري".

في المقابل، وبحسب موقع جريدة الدستور، صرح القاضي محمد عبد العليم ابو الروس، رئيس المكتب الفني للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ان"الجمعية على اتم الاستعداد لحسم الخلاف الدائر حول الدستور اولا ام الانتخابات … هي اعلى جهة افتائية في مصر ولها سوابق عديدة في هذا المجال … ان الجمعية شغلها قائم على البحوث القانونية لكل حالة على حدة وفي مسألة الدستور الجمعية امامها مبادئ القانون المقارن وتجارب الدول ذات الظروف المشابهة لافتا ان الجمعية شغلها قانوني وليس لها علاقة بالتوافق المجتمعي على فكرة ما".

ما سبق يثير عدة اسئلة بحاجة للإجابة:
أليس لمجلس الدولة رئيس يمثله قانونا وينفرد بالتصريح عن مواقفه عند الحاجه بدلا من تضارب التصريحات؟
الا تمثل مشاركة القاضي عطيه في اعمال لجنة إعداد الاعلان الدستوري –بفرض صحة الرواية- اثارة لشبهة واجب درءها ازاء تظلم فئة ما مما قرره هذا الاعلان الدستوري؟
كيف لموقع الاخوان ان يحيل تصريح احد قضاة مجلس الدولة الي تعبير عن موقف مجلس الدولة ذاته الذي لا يعبر عن موقفه غير رئيسه؟

ما سبق يدعو لاعادة النظر في العلاقة بين الاعلام والقضاة
لست مؤيد لحظر اي فئة مجتمعية من حقها في التعبير عن رأيها في امور الوطن
لكنى ادعو ان تلتزم مثلها مثل غيرها قواعد المسئولية المهنية في اعمالها هذا الحق
وفي ظل اضطراب المسئولية المهنية الاعلامية حاليا يصبح من الواجب الارتقاء في المقابل بمعايير المسئولية المهنية القضائية

ما سبق يدعو ايضا لاعادة النظر في التداخل الحاصل بين الدور القضائي والدور التنفيذي لبعض القضاة
لست محبذا لفكرة تصدي بعض القائمين على الاعمال القضائية لاعمال هي في صميمها اعمال تنفيذية
لذا ادعو لحسم ما تستدعي طبيعته المزج بين الاثنين من خلال اللجوء الي المؤسسات لا اللجوء الي الافراد

Thursday, June 16, 2011

الصحوة الدستورية في مصر-1

ما يحدث الآن في مصر هو احياء لفكرة الدستورية التي عرفتها مصر شكلا بلا معنى لفترة ليست هينة في تاريخها. الدولة المصرية – عرفت وثائق دستورية عديدة، ابرزها ثلاثة.

الوثيقة الاولى شهدتها المملكة المصرية وهي القانون الاساسي عام 1882 عقب الحركة الاحتجاجية عام 1881(احمد عرابي) واكتسب البرلمان جزء اكبر من السيادة في مواجهة السلطة التنفيذية.

الوثيقة الثانية شهدتها المملكة المصرية ايضا وهي دستور 1923 بعد الحركة الاحتجاجية عام 1919 (سعد زغلول)، واكتسبت الدولة المصرية (الشعب والسلطات) جزء اكبر من السيادة في مواجهة المحتل الانجليزي.

الوثيقة الثالثة عرفتها الجمهورية المصرية الاولى وهي دستور 1964، بعد الحركة الاحتجاجية عام 1952 (محمد نجيب وجمال عبد الناصر)، وبعد الخلاف بين مجلس الثوار العسكريين من جهة ومجلس الوزراء (السلطة التنفيذية) ومجلس الدولة (القضاء الإداري) من جهة اخرى فيما يعرف بأزمة مارس 1954، والتي شهدت ازمة عنيفة وحادة انتهت بإنزواء سيادة القانون بعد ضربات موجعة لمجلس الدولة احد معاقل سيادة القانون. واستمر تراجع سيادة القانون حتى بلغ الذروة بإعتداء آخر على احد معاقل سيادة القانون (القضاء العادي) فيما يعرف بمذبحة القضاة عام 1969.

خلاصة القول، استمرت فكرة القانون اسما لكن معناها غاب، حيث فرضت فئة محدودة رؤاها على باقي رقائق المجتمع. وبإنزواء معني سيادة القانون –رغم وجوده شكلا-، لم يسلم ابو القوانين (الدستور) من ذلك الإنزواء، فغاب جوهره وإن حضر شكله.

Sunday, April 10, 2011

القانون وهندسة المجتمعات


من اهم منجزات البشر فكرة القانون
ببساطة شديده، القانون هو علم هندسة العلاقات البشرية
لا مجال للتقدم العلمي بمجرد متابعة احوال الطبيعة (الاكتشاف) دون تطبيقها عمليا (الاختراع)
بالمثل، لا مجال للتقدم الاجتماعي بمجرد متابعة افعال البشر دون تنظيمها عمليا
وبالتالي فلا مجال لهندسة المجتمعات بدون امرين: متابعة افعال البشر وتنظيم ردود افعالهم

اخطر ما يواجه الدولة المصرية الآن هو غياب النظام
لفترة طويلة انعدمت اي هندسة اجتماعية لاغلب فئات المجتمع
ومتابعة افعال البشر في مصر الآن تؤكد ان المجتمع في اشد لحظات سيولته،
وهو امر مفهوم في ضوء انتهاك ممثلي المجتمع –وقتها- لجوهر فكرة القانون فتحول اسما بلا معنى
لكن غير المفهوم او المقبول هو استمرار تبني ممثلي المجتمع الآن لفكرة القانون اسما بلا معنى

لتنظيم ردود افعال البشر في مصر الآن لا مفر من احياء علوم الهندسة الاجتماعية وعلى رأسها القانون
لكن الاهم من احياء تلك العلوم في دور العلم، هو احترامها اولا من قبل ممثلي المجتمع الآن
بدون ذلك، ستتحول سيولة المجتمع من تيارات تداعب اماله الي الي امواج تنحت في حوائط امانه
وبدون نهضة المؤسسات المدنية للقيام بدورها، نخاطر بتعريض المؤسسة العسكرية لما لا داع له
والي حين انتخاب مؤسسة برلمانية، فإن العبء يتضاعف على ممثلي المؤسسة القضائية، خاصة المحكمة الدستورية