Sunday, October 18, 2020

دور القضاء في درء جهل المتهم بالقانون



للمهتمين بالبحث في العدالة الجنائية والتحليل الواقعي للقانون، أرشح لهم موضوع دور القضاء في درء جهل المتهم بالقانون


جذب اهتمامي عند حضوري بعض المحاكمات في الولايات المتحدة مدى حرص القاضي على التأكد من فهم المتهم للنصوص وللإجراءات والنتائج المترتبة على ردوده خلال الجلسة، ابتداء من سؤاله إذا كان مذنب أم لا

وجذب اهتمامي عادة سيئة مترسخة لدى بعض افراد الشرطة من الاستعانة بالمفرج عنهم من اجل التلصص على بعض جماعات المجرمين، بما يستدعي اقتراب المفرج عنه من دوائر الإجرام بدلاً من ابتعاده عنها كما ينشد القانون

وجذب اهتمامي حكم لمحكمة النقض يتعلق بشخص تقدم لقسم الشرطة ومفصحاً عن قطعة مخدر معه


كل ذلك جعلني أتذكر حديث الرسول ص لا تعينوا الشيطان على أخيكم


حكم النقض يلي هنا


 الطعن 1860 لسنة 36 ق جلسة 30 / 1 / 1967 مكتب فني 18 ج 1 ق 22 ص 121

جلسة 30 من يناير سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ حسين السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: جمال المرصفاوي، ومحمد محفوظ، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

-------------------

(22)
الطعن رقم 1860 لسنة 36 القضائية

مواد مخدرة. دعوى جنائية. " إقامتها ". أسباب الإباحة. نقض. " حالات الطعن بالنقض. الخطأ في تطبيق القانون ".
تقدم متعاطي المواد المخدرة من تلقاء نفسه للمصحة للعلاج وإن كان يحول دون إقامة الدعوى الجنائية عليه، إلا أنه فعل مجرم لا يندرج تحت أسباب الإباحة.

------------------
تنص الفقرة الأخيرة من المادة 37 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها على أن: " لا تقام الدعوى الجنائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة من تلقاء نفسه للمصحة للعلاج ". ولما كان الثابت أن المتهم قدم إلى الضابط قطعة المخدر وطلب دخوله أحد الملاجئ دون أن يطلب إلحاقه بالمصحة ثم اعترف في تحقيق النيابة بحيازته للمخدر المضبوط وتقديمه إياه للضابط وعلل ذلك برغبته دخول السجن لفشله في الحصول على عمل، وإذ عرض عليه وكيل النيابة دخول إحدى المصحات لعلاجه من الإدمان رفض ذلك وأصر على رغبته في دخول السجن، فإن الحكم إذ أثبت أن المتهم طلب إلى الضابط إلحاقه بإحدى المصحات للعلاج يكون معيبا بالخطأ في الإسناد في واقعة جوهرية لها أثرها على صحة تحريك الدعوى الجنائية، وقد أدى به هذا الخطأ في القانون - ذلك بأنه اعتبر أن تقديم المتهم المخدر للضابط من تلقاء نفسه فعلا مباحا لاستعماله حقا خوله القانون وهو رغبته في العلاج بما يرفع عن فعله صفة التجريم، في حين أن ما أتاه المتهم لا يندرج تحت أسباب الإباحة لأن المشرع إنما استحدث الفقرة الثالثة من المادة 37 سالفة الذكر تدبيرا وقائيا أجاز للمحكمة الالتجاء إليه بالنسبة إلى من يثبت إدمانه على تعاطي المخدرات بأن تأمر بإيداعه إحدى المصحات التي تنشأ لهذا الغرض ليعالج فيها وذلك بدلا من العقوبة المقيدة للحرية المقررة للجريمة، أما إذا تقدم من تلقاء نفسه للمصحة للعلاج فلا تقام الدعوى الجنائية عليه لأن دخوله المصحة يحقق هدف الشارع من تشجيع المدمنين على الإقبال على العلاج، مما مفاده تأثيم الفعل في الحالين وإن كان جزاؤه مرددا بين العقوبة المقيدة للحرية أو التدبير الوقائي العلاجي, وإذ كان الفعل مجرما في الحالين فإن أسباب الإباحة تنحسر عنه. وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد جانب هذا النظر القانوني فإنه يكون معيبا بالخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 5/ 12/ 1961 بدائرة قسم روض الفرج محافظة القاهرة: أحرز بقصد التعاطي جوهرا مخدرا " أفيونا " في غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1/ 1 و37 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 1 من الجدول رقم/ 1 المرافق، فقررت بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا في 12 فبراير سنة 1966 ببراءة المتهم ومصادرة الجوهر المخدر المضبوط. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد ومخالفة القانون، ذلك بأنه قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة إحراز جوهر مخدر بقصد التعاطي، أسند إليه أنه عندما قدم للضابط قطعة المخدر طلب إليه إلحاقه بالمصحة للعلاج في حين أن طلبه إنما انصب على إلحاقه بأحد الملاجئ أو إدخاله السجن ورفض ما عرضته النيابة العامة عليه من إدخاله المصحة، وترتب على هذا الخطأ في الإسناد أن أخطأ في القانون فخلط بين أسباب الإباحة وبين التدابير الوقائية وطبيعتها إذ اعتبر ما أتاه المتهم فعلا ينطوي على سبب من أسباب الإباحة بمقالة أنه كان استخداما لحق خوله له القانون طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 37 من القانون رقم 182 لسنة 1960 مع أن المشرع أجاز للمحكمة في الفقرة الثالثة من تلك المادة أن تأمر بإيداع المدمن المصحة للعلاج كتدبير وقائي بدلا من العقوبة المقيدة للحرية ونص في الفقرة الأخيرة منها على أنه لا تقام الدعوى الجنائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة من تلقاء نفسه للمصحة للعلاج، فجعل المشرع بذلك هذا التدبير الوقائي بديلا للعقوبة ولا مناص من إعمال أيهما بحيث لا يعفي المتهم منهما معا، وإذا انتهى الحكم إلى براءة المطعون ضده رغم إدمانه ورفضه الالتحاق بالمصحة للعلاج وثبوت إحرازه للمخدر - يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن المتهم توجه إلى قسم روض الفرج وقدم من تلقاء نفسه إلى الضابط المنوب قطعة من مادة تبين من تحليلها أنها " أفيون " وتزن 12 جراما وذكر له أنه أدمن عليه وطلب إلحاقه بأحد الملاجئ وقرر بجلسة المحاكمة أنه يرغب في دخول إحدى المصحات لعلاجه من هذا الإدمان ثم أقام الحكم قضاءه ببراءة المطعون ضده في قوله. " فالمتهم لم يضبط معه المخدر بل تقدم من تلقاء نفسه إلى ضابط الشرطة وأبدى رغبته في دخول إحدى المصحات للعلاج من إدمان أتى على ماله وصحته فهو يلجأ إليه لتوصيله لإحدى المصحات... فهو يستعمل حقا خوله له القانون وهو رغبته في العلاج.... وكان تقديمه المادة المخدرة للضابط بنية سليمة فما أتاه المتهم يعتبر من أسباب الإباحة التي نص عليها في المادة 60 من قانون العقوبات ". لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة - أن المتهم قدم إلى الضابط قطعة المخدر وطلب دخوله أحد الملاجئ دون أن يطلب إلحاقه بالمصحة ثم اعترف في تحقيق النيابة بحيازته للمخدر المضبوط وتقديمه إياه للضابط وعلل ذلك برغبته دخول السجن لفشله في الحصول على عمل، وإذ عرض عليه وكيل النيابة دخول إحدى المصحات لعلاجه من الإدمان رفض ذلك وأصر على رغبته في دخول السجن. لما كان ذلك، فإن الحكم إذ أثبت أن المتهم طلب إلى الضابط إلحاقه بإحدى المصحات للعلاج يكون معيبا بالخطأ في الإسناد في واقعة جوهرية لها أثرها على صحة تحريك الدعوى الجنائية، ذلك بأن الفقرة الأخيرة من المادة 37 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها نصت على أن " لا تقام الدعوى الجنائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة من تلقاء نفسه للمصحة للعلاج " ولما كان الثابت على ما تقدم , أن المتهم رفض صراحة ما عرضه عليه وكيل النيابة من دخول المصحة للعلاج، فإن الدعوى الجنائية تكون قد رفعت صحيحة عليه. لما كان ذلك، وكان خطأ الحكم في الإسناد قد أدى به - من ناحية أخرى - إلى الخطأ في القانون، ذلك بأنه اعتبر أن تقديم المتهم المخدر للضابط من تلقاء نفسه فعلا مباحا لاستعماله حقا خوله له القانون وهو رغبته في العلاج بما يرفع عن فعله صفة التجريم، في حين أن ما أتاه المتهم لا يندرج تحت أسباب الإباحة لأن المشرع إنما استحدث في الفقرة الثالثة من المادة 37 سالفة الذكر تدبيرا وقائيا، أجاز للمحكمة الالتجاء إليه بالنسبة إلى من يثبت إدمانه على تعاطي المخدرات بأن تأمر بإيداعه إحدى المصحات التي تنشأ لهذا الغرض ليعالج فيها وذلك بدلا من العقوبة المقيدة للحرية المقررة للجريمة. أما إذا تقدم من تلقاء نفسه للمصحة للعلاج فلا تقام الدعوى الجنائية عليه لأن دخوله المصحة يحقق هدف الشارع من تشجيع المدمنين على الإقبال على العلاج، مما مفاده تأثيم الفعل في الحالين وإن كان جزاؤه مرددا بين العقوبة المقيدة للحرية أو التدبير الوقائي العلاجي، وإذ ما كان الفعل مجرما في الحالين فإن أسباب الإباحة تنحسر عنه، وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد جانب هذا النظر القانوني فإنه يكون معيبا بالخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه. ولما كان هذا العوار قد حجب المحكمة عن بحث عناصر الدعوى وتمحيص أدلتها والتحقيق من مدى توافر القيود المنصوص عليها في الفقرة الخامسة من المادة 37 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن الإيداع بالمصحة، فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة