Thursday, September 13, 2018

جهاز المنافسة وعبء تنظيم السوق المصري



السوق في مصر بحاجة ملحة للتنظيم والانضباط وحمايته من الاختلالات وصور المنافسة غير المشروعة، وبالتالي هناك عبء كبير على جهاز حماية المنافسة المصري. تبنت مصر منذ سبعينات القرن الماضي اقتصاد السوق الحر، لكنها تبنته بعشوائية، وهو ما دعى الكاتب المحترم أحمد بهاء الدين -رحمه الله- إلي اعتبار تلك الفترة انفتاح سداح مداح، أي بلا ضابط. واستمرت السوق بلا ضابط لفترة ليست قليلة، وسادت شريعة الغاب في الممارسات في هذا السوق، بالتالي كانت قواعد اللعب فيه هي من وضع كبار اللاعبين في السوق أكثر منها من وضع الدولة نفسها. وعندما اضطرت الدولة إلي وضع قواعد رسمية لضبط اللعب في السوق، كان لكبار اللاعبين دور كبير في تقزيم هذه القواعد وجعلها حبراً على الورق، خاصة وأن تداخل المصالح بين كبار اللاعبين والمشرع كان مخيفاً، ولم تتضح حتى اليوم الأثر المفزع لهذا التداخل على الاقتصاد المصري، وعلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصري، بل وعلى الحقوق السياسية له، وأكرر: الحقوق السياسية. المهم، أصبح لدينا قانون لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وأصبح لدينا جهاز مستقل يقوم بمثابة الضابط الذي يراقب احترام قواعد اللعب في هذا السوق. وبدأ الفقه القانوني المصري يهتم بضبط السوق من الناحية القانونية، ومنه مثلاً الدكتور أحمد حشيش في مؤلفه عن مبادئ المحاكم الإقتصادية الذي صك مبدأ "السوق المنظم ولو كان حراً" وعدد آثاره. من المهم ملاحظة أن هذا الجهاز يتمتع بضبطية قضائية لمساعدته في كشف المخالفات، ومن المهم أن يستمر أهتمامنا به كي يرتقي بقدراته الفنية، فهو في النهاية ضابط له تخصصه الفني الدقيق كي يتمكن من مراقبة سوق كبير تقع فيه مخالفات دقيقة وممارسات خفية للمنافسة غير المشروعة تتجاوز قطعاً الممارسات التي أتاها التاجر (الذي مثل دوره النجم الراحل أحمد زكي) في إحدى روائع المخرج علي عبد الخالق في فيلمه شادر السمك. لعله مفيداً للمهتمين متابعة الحوارات التي أدلت بها الدكتورة منى الجرف خلال الفترة التي ترأست فيها الجهاز، وكذلك الحوارات التي أدلي بها الدكتور أمير نبيل الذي تولى رئاسة الجهاز بعدها، ولعله من المفيد أيضاً متابعة البيانات الصادرة عن الجهاز والتقارير التي صدرت عنه والمتاحة على موقعه، فكل ما سبق مادة ثرية للبحث العلمي المقارن، لفهم استراتيجية الجهاز وأولوياته ومواقفه في مسائل معينة مثل الزي المدرسي وبورصة الدواجن والحديد والنساجون الشرقيون إلخ