Tuesday, September 11, 2018

خصوصية التنظيم القانوني للهيئة المعاونة في الجامعات



 بمناسبة ما يثور من حين لحين بشأن مدى خضوع الهيئة المعاونة لهيئة التدريس (المعيد والمدرس المساعد) في الجامعات لقانون الجامعات أم لقانون الخدمة المدنية (قانون العاملين بالدولة سابقاً)، ومدى جواز إلزامهم بالتوقيع في كشوف حضور وغياب، وهو ما يبدو أن البعض قد أفتى قانوناً -شفاهة أو كتابة- بجواز مثل ذلك العمل، من المهم توضيح التالي

هناك مجموعة مواد قانونية في قانون الجامعات تندرج تحت عنوان واجبات المعيدين والمدرسين المساعدين- اولها المادة التالية 
المادة 148-على المعيدين والمدرسين المساعدين بذل أقصى الجهد في دراساتهم وبحوثهم العلمية في سبيل الحصول على الماجستير أو الدكتوراه أو ما يعادلها. وعليهم القيام بما يكفلون به من تمرينات ودروس عملية وغيرها من الأعمال، على أن يراعى في تكليفهم أن يكون بالقدر الذي يسمح لهم بمواصلة دراساتهم وبحوثهم دون إرهاق أو تعويق 
قانون الجامعات هو الاصل في تحديد الواجبات وأي قرار يأتي بواجبات لا توجد فيه هو قرار غير قانوني حتى ولو تم تطبيقه لفتره من الزمن . وحتى ولو صدر من عميد الكلية او حتى رئيس الجامعة

ما تكلم فيه قانون الجامعات صراحة لا يجوز فيه الاسترشاد بقانون آخر وهو ما قرره قانون الجامعات نفسه 
المادة 157--تسري أحكام العاملين المدنيين في الدولة على العاملين في الجامعات الخاضعة لهذا القانون من غير أعضاء هيئة التدريس، وذلك فيما لم يرد في شأنه نص خاص بهم في القوانين واللوائح الجامعية 
الجملة التالية مهمة (وذلك فيما لم يرد في شأنه نص خاص بهم في القوانين واللوائح الجامعية) لأن قانون الجامعات بالفعل ورد به نص خاص يتعلق بواجباتهم

وللأسف يعتقد البعض- وهو اعتقاد خاطىء- أن الهيئة المعاونة تحتل ذات المركز القانوني الذي يحتله العاملين بالجامعات من غير أعضاء هيئة التدريس. والحقيقة أنهما مركزين قانونين مختلفين، حتى وإن تشابها في بعض الموضوعات أحياناً، لكن من المهم عدم الخلط بينهما

الهيئة المعاونة منصوص على حقوقها وواجباتها ونقلها وترقيتها وتأديبها ومرتباتها وإنهاء خدمتها في قانون الجامعات على مدار ٢٦ مادة - الباب الثالث من القانون عنوانه (في المعيدين والمدرسين المساعدين) وأول مادة فيه (م ١٣٠) تقرر أن 
تسري أحكام المواد التالية على المعيدين والمدرسين المساعدين في الجامعات الخاضعة لهذا القانون. كما تسري عليهم أحكام العاملين من غير أعضاء هيئة التدريس فيما لم يرد في شأنه نص خاص بهم 
أما الباب الرابع من القانون فعنوانه مختلف (في العاملين من غير أعضاء هيئة التدريس) وتقرر أول مادة فيه (م ١٥٧) أن 
تسري أحكام العاملين المدنيين في الدولة على العاملين في الجامعات الخاضعة لهذا القانون من غير أعضاء هيئة التدريس، وذلك فيما لم يرد في شأنه نص خاص بهم في القوانين واللوائح الجامعية

الحكم التالي صدر عن المحكمة الادارية العليا وخلاصته أن الجزاءات المقررة في قانون العاملين كعقوبة الخفض إلي وظيفة من الدرجة الادني مباشرة يستحيل تطبيقها على المعيد الذي ينتمي إلي الهيئة المعاونة- المحكمة الإدارية العليا - الطعن رقم 3619 - لسنة 36 قضائية - تاريخ الجلسة 4-5-1991 -والتالي هو نص الحكم
عقوبة الخفض الى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة مع خفض الأجر بالنسبة للمدرس المساعد أو المعيد تعنى خفض وظيفة المدرس المساعد الى وظيفة المعيد واستحالة تحديد الوظيفة التى يخفض اليها المعيد - هذه العقوبة لا تتفق مع الوضع الوظيفى لمن يشغل وظيفة علمية - أساس ذلك: أذا وقعت على أحدهما هذه العقوبة فإن أثرها سوف يمتد إلى مستواهما العلمى فيخفض وتضحى معه هذه العقوبة خارجة عن نطاق الجزاءات التى أوردها قانون العاملين المدنيين بالدولة

وبالتالي، فإن وجود نصوص تسري على الهيئة المعاونة في قانون العاملين بالدولة (الخدمة المدنية الآن) لا يعني أن الهيئة المعاونة لا تخضع لقانون الجامعات. كل ما هناك أن الهيئة المعاونة تم تنظيمها في ٢٦ مادة في قانون الجامعات- اما ما لم يتم تنظيمه في هذه المواد فيتم الرجوع فيه الي قانون العاملين وذلك "بما يتلائم مع الوضع الوظيفي لمن يشغل وظيفة علمية" وذلك بنص حكم المحكمة الادارية العليا- لذلك فليس كل المواد المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية تتلائم مع طبيعة العمل العلمي الذي تقوم به الهيئة المعاونة 

الخلاصة، الهيئة المعاونة هي وظيفة علمية لها خصوصيتها، وهو ما ينعكس على بقاء الهيئة المعاونة بعد ساعات العمل الرسمية لإلقاء التمرينات العملية والعمل في المستشفيات وغيرها من الأعمال التي لا يمكن بحال عدها من الأعمال الإدارية بل هي من الأعمال العلمية التي تتلائم مع طبيعة الوظيفة العلمية التي يشغلونها. لو خالفت الهيئة المعاونة قانون الجامعات وتقاعست عن القيام بواجب يفرضه هذا القانون، لا ينبغي أن يكون هذا مدخلاً لنا لكي نخالف القانون أو نفسره حسب الهوى، بل يجب فرض هذه الواجبات بما يتفق وقانون الجامعات ويتفق مع الطبيعة العلمية للوظيفة، ولا يجب إهدار ذلك وإعتبار عملهم مثله مثل العمل الإداري الذي 
يقوم به العاملين الإداريين في الجامعة. والله اعلم


أخيراً من المهم ملاحظة أن طبيعة عمل الهيئة المعاونة أقرب إلي طبيعة عمل هيئة التدريس منها إلي طبيعة عمل غيرهم من العاملين بالجامعة. ولتذكر طبيعة عمل هيئة التدريس، لعله من المفيد تذكر حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (الحكم صدر من مجلس الدولة الدائرة 28 بناء على الدعوى رقم 6701 لسنة 67 ق بتاريخ 26-3- 2013 برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية المستشارين عوض الملهطانى وخالد جابر واحمد درويش وعبد  الوهاب السيد نواب رئيس المجلس) (اضغط هنا) والذي أنتهى إلي وقف تنفيذ قرار وزير التعليم العالى الصادر فى شان التقارير الذاتية لصرف بدل الجامعة لاعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية المقرر بالقانون رقم 84 لسنة 2012 وما يترتب على ذلك من آثار أخصها أحقية المدعين والمتدخلين بالانضمام معهم في صرف ذلك البدل دون الاعتداد بالتقارير الذاتية المعدومة الأثر قانونا، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان

 وقالت المحكمة، إن مبدأ استقلال الجامعات بات الركن الركين لتقدم المجتمعات وقد حرص المشرع العادي على النص عليه وارتقى به المشرع الدستوري إلى مصاف المبادئ الدستورية، ومن ثم أضحى على جميع سلطات الدولة احترامه، فلا تملك الحكومة خرقه أو العبث به وأن حقيقة وجوهر مبدأ استقلال الجامعات يكمن في الاستقلال المنهجي بالمفهوم الكامل من النواحي الفكرية والإبداعية والاجتماعية فهو ليس استقلالًا ماليًا وإداريا وعلميًا فحسب، بحسبان أن أستاذ الجامعة هو وحدة الجامعة لا سلطان عليه إلا ضميره العلمي دون تأثير عليه

ذلك ان من مقتضيات مناخ الحرية بلا ريب حرية البحث العلمى ولا يخفى على احد ان ما كشف عنه التصنيف العالمى من احتلال الجامعات المصرية لمراكز متدنية من بين جامعات العالم رغم ان الجامعات المصرية هى الاسبق من كثير منها تاريخيا كان بسبب القيود التى كبلت بها الدولة حرية البحث العلمى وحرية استاذ الجامعة اذ صرفته بتلك القيود عن اهتمامه الاساسى وكان يجب على الدولة فى نظامها الحاكم الجديد بعد ثورة الشعب ان تنحى منحى ازالة تلك القيود لا العمل على زيادة تكبيلها لينعم المجتمع بالحرية فى التعبير عن ارادته وكان يجب على النظام الحاكم ان يدرك ان الثقل الحقيقى لتقدم الدولة فى العصر الحديث يتوقف على حرية البحث العلمى واستقلال الجامعات ورفع مستويات المؤسسات التعليمية وقد تجلت عبقرية العلماء المصريين حينما تحرروا من تلك القيود بالخارج فى كثير من المحافل الدولية 

 وقالت المحكمة، إن القانون تكفل بوضع شروط استحقاق بدل الجامعة ولم يفوض رئيس الوزراء أو وزير التعليم العالي أو المجلس الأعلى للجامعات وضع شروط أخرى لاستحقاق البدل، وأن  قرار وزير التعليم العالي فرض على أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية التقارير الذاتية، لصرف الزيادة في بدل الجامعة وفى سبيل أحكام قبضته لنفاذ تلك التقارير أوجب عليهم رفع النسخة الإلكترونية لموقع الوزارة بل أوجب على رؤساء الأقسام إرسالهم للنسخ الإلكترونية التي تصلهم من أعضاء هيئة التدريس إلى البريد الالكتروني للوزارة متغولًا بذلك على مبدأ استقلال الجامعات

 كما أضافت المحكمة: "القانون وسّد لرؤساء الجامعات مسئولية تنفيذ القوانين واللوائح، كما أناط لمنظومة الجامعات وهى مجالس الجامعات والكليات ومجالس الاقسام ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء مجالس الأقسام مهمة إدارة الشأن الجامعي بكل دقائقه وتفصيلاته، ولم يشأ القانون أن يعقد لوزير التعليم العالي ثمة اختصاص بشأن الجامعات سوى رئاسة المجلس الأعلى للجامعات بحكم منصبه وبالاختصاصات الواردة حصرا بالقانون والتي ليس من بينها مخالفة القوانين الأعلى مرتبة ودرجة، وبالتالي يكون قرار الوزير مهانة لكبرياء أستاذ الجامعة المنارة المضيئة وإهانة لمكانة الأستاذية عند الشعب لا تليق بأساتذة الجامعات وعلمائها تكون أقرب إلى التسلط على أدق بياناتهم الشخصية ليتحسس معرفة هويتهم على غرار نظم الحكم الشمولي منه في أي نظام آخر

وذكرت المحكمة في حكمها أيضًا: "وقد تغافل الوزير عن أن استحقاق بدل الجامعة هو حق لأعضاء هيئة التدريس والوظائف المعاونة فهو ليس منحة في يد الوزير إن شاء منحها وإن رغب منعها، وإنما يستمدون حقهم من القانون مباشرة وبهذه المثابة يكون قرار الوزير قد صدر معيبا بخلل جسيم ويمثل افتئاتا على سلطة المشرع في تقرير البدل، متعارضا مع الشرعية وسيادة القانون، باعتبار أنه لا ولاية له في إصداره، مما ينحدر به إلى حد العدم والعدم موات لا تقوم له قائمة ولا يعدو أن يكون فعلا ماديا منعدم الأثر قانونا ولا تلحقه حصانة تعصمه من ملاذ المواطنين بالقضاء العادل العاصم من القواصم، وبحسبان أن أساتذة الجامعات لا تخضع لتقارير الوزارة وإنما للتقارير العلمية وضمير الأستاذية وقد أضحى ذلك القرار بين عشية وضحاها على شفا جرف هار فانهار به في حمأة عدم المشروعية

 وركزت المحكمة، على أنه لا يجوز للدولة أن تفرض على الأساتذة قيودًا من شأنها أن تؤدى بهم إلى صيرورتهم في مذهب محدد للكافة بل يجب عليها أن تحترم التعددية في المذاهب العلمية التي تنشأ فى المجتمع العلمي، ولا يجوز بعد ثورة الشعب أن تتخذ الحكومة من سلطتها وسيلة لتقييد حرية العلم والفكر والإبداع وأن أي تدخل أو خرق لمبدأ استقلال الجامعات يعد تعارضا صارخا مع القيم الحضارية للمجتمع وتهديدا لمستقبل الوطن

واختتمت المحكمة حكمها التاريخي، بأن منع أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية من الارتزاق وتعليق صرف البدل على تقارير ذاتية لمنح البعض ومنع الآخرين، هو كالحريق يتعين إخماده والوقت حرج فيه، مما ينعكس أثره السلبى على نفوسهم وعلى حياة أسرهم الاجتماعية والمادية لذا أمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير أعلاه

وأيضاً، لتذكر طبيعة عمل هيئة التدريس، لعله من المفيد تذكر حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري في ظل قانون قديم للجامعات (محكمة القضاء الإداري - الطعن رقم 1030 - لسنة 5 قضائية - تاريخ الجلسة 27-1-1954- من الدائرة الثانية المشكلة برياسة السيد - السيد علي السيد وبحضور السادة عبد العزيز خير الدين و الإمام الإمام الخريبي ومصطفي كمال إسماعيل وإسماعيل عاشور المستشارين) والذي أنتهى إلي ما يلي


لما صدر القانون رقم 131 لسنة 1950 بتطبيق كادر رجال القضاء على أعضاء هيئة التدريس بالجامعات سوى في المرتبات بين أعضاء هيئة التدريس بكليات الجامعات وبين نظرائهم من رجال القضاء والنيابة الذين حددت مرتباتهم بجميع درجاتهم وفقا للجدول الملحق بالقانون رقم 66 لسنة 1943 بإصدار قانون استقلال القضاء وهو المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1948 ورقم 68 لسنة 1950 وهذا القانون لا يعرف درجات مالية كتلك الواردة في الكادرات المالية وإنما يعرف مرتبات مالية فقط تمنح لمن يعين في وظيفة سواء كانت من الوظائف ذات المربوط الثابت أو من الوظائف المرتبة في درجات ذات مبدأ ونهاية، كما أنه فيما عدا شرط السن وما عدا ما نصت عليه المادة الثالثة منه فيما يتعلق بوكلاء النائب العام من الدرجة الثانية الذين يعينون قضاة من الدرجة الثانية لا يضع أي قيد زمني للترقية من وظيفة إلى الوظيفة الأعلى منها، وبتطبيق أحكام كادر رجال القضاء والنيابة هذا على أعضاء هيئة التدريس بكليات الجامعات المصرية تصبح ترقيات هؤلاء الأخيرين ترقيات لوظائف علمية فحسب لا ترقيات لدرجات مالية وتكون العبرة عندئذ في تحديد الأقدمية بأسبقية التعيين في الوظيفة العلمية دون اعتداد بأسبقية الحصول على درجة مالية في الماضي بشرط توافر الخبرة المهنية التي جعلت المادتين 3 و 4 من القانون رقم 21 لسنة 1933 مدتها أربعة سنوات في وظيفة مدرس للصلاحية للتعين أستاذا مساعدا، ومثلها في وظيفة أستاذ مساعد للصلاحية للتعيين أستاذا ذا كرسي ومن ثم فإنه بمجرد نفاذ أحكام القانون رقم 131 لسنة 1950 لا يكون هناك محل لإعمال القاعدة التنظيمية التي سبق أن أقرتها لجنة التنسيق بين جامعتي القاهرة والإسكندرية عندما لم يكن ثمة نص تشريعي يعالج الوضع والتي كانت تستلزم مضي سنتين على الأقل في الدرجة الحالية لجواز الترقية إلى درجة أعلى إذا أن القاعدة المصطلح عليها التي تسنها أو تتبعها الإدارة لتنظيم أوضاع معينة لم يتناولها القانون بالتنظيم تسقط بصدور القانون المنظم لهذه الأوضاع ولا سيما إذا تعارضت تلك القاعدة مع أحكامه


لا مقنع فيما تذهب إليه الحكومة من أن القانون رقم 131 لسنة 1950 بتطبيق كادر رجال القضاء على أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وإن كان قد نشر بالجريدة الرسمية في 26 من أغسطس سنة 1950 إلا أن الاعتماد المالي اللازم لتنفيذه لم يصدر إلا في 31 يوليه سنة 1951 ولم تطبق الجامعة ما ورد به من أحكام اعتبارا من أغسطس سنة 1951 لا مقنع في ذلك لأن هذا القانون نص في مادته الثانية على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وقد نشر بالفعل في 26 أغسطس سنة 1950 ومن ثم أصبح نافذا منذ ذلك التاريخ. ولما كان ناجز الأثر فلا وجه لتعليق نفاذ أحكامه على فتح اعتماد مالي لأن فتح الاعتماد أمر تطلبه السلطات التنفيذية وتدبره السلطة التشريعية عند إصدار قانونها ما دام تنفيذه يحتاج إلى حل عاجل فإذا تراخى فتح الاعتماد فلا يؤثر هذا في المراكز القانونية التي رتبها القانون لذوي الشأن منذ صدوره