Wednesday, April 5, 2017

الأمن القانوني القومي المصري: السيادة قوة والقوة سيادة



من فروع القانون المهمة التي انصح الباحثين بالإهتمام بها هو قانون الأمن القومي، والذي لم ينل حقه من الاهتمام والعناية والبحث في مصر رغم العلاقة الوثيقة بين الامن القومي والقانون والتي يمكن ادراكها من خلال نصوص الدستور التي تذكر كلمة السيادة. ففي الدستور المصري (2014) اختار الشعب أن تكون له وحده السيادة يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات (المادة 4). والحقيقة أن السيادة تعنى في جوهرها القوة. ومن قوة الشعب تتفرع قوة السلطات، ولذلك فإن الشعب مصدر السلطات. وفي الدستور المصري أيضاً (2014) استجمع الشعب قوته واستودع هذه السيادة (اي القوة) في فكرة القانون، فقرر أن "سيادة القانون اساس الحكم في الدولة. وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات اساسية لحماية الحقوق والحريات." (المادة 94). 

ومن هنا نفهم أن سيادة الشعب (م 4) التي يمارسها ويحميها من خلال القانون- اساس الحكم في الدولة- الذي تخضع له الدولة من خلال قضاء مستقل ومحصن ومحايد (م 94) هي قوة الشعب التي يمارسها ويحميها من خلال قوة القانون الذي يتحول من الناحية الواقعية الي قوة الأحكام القضائية التي تصدر من قضاء مستقل ومحصن ومحايد (م 94) وتدعمه قوة السلاح الذي يملكه الشعب (م200- القوات المسلحة ملك الشعب...). كل ما سبق مهم لفهم المقصود من مصطلح "سيادة القانون" الذي ورد في المادة (1) من دستور 2014 التي تنص أن على أن جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة... ونظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون". ومهم ايضا لفهم الدور الذي قام به الحرس الوطني الأمريكي في تنفيذ حكم المحكمة العليا الامريكية في قضية براون ضد مجلس التعليم في توبيكا - كنساس عام  1954




وواضح أن اهمية المادة الاولى من الدستور المصري تكمن في أنها تحدد الهدف من كل ما يأتي بعدها من مواد ، فجوهر فكرة النظام في مصر (او النظام العام -كما تعبر عنه القوانين والاحكام القضائية) هو نظام جمهوري ديمقراطي اساسه المواطنة وسيادة القانون. هذا النظام العام هو الاساس والجوهر في تحديد كافة الاصول والفروع التي تشكل النظام القانوني المصري، الذي يحكم بقاء المجتمع ونماءه، اي الامن والتطور. ويرتبط بفكرة النظام العام فكرة الأمن القانوني التي تعرضت لها بإختصار في بحث لي بعنوان (المجتمع الاهلي ومكافحة الفساد في ضوء مبادئ قانون التنمية) منشور في المجلة العربية للعلوم السياسية -العدد 28 – خريف 2010

وفكرة الامن القومي لها اصول وفروع تدخل فيما يتشكل منه النظام القانوني المصري، لكنها لم تلقى حظها من الاهتمام الذي تلقاه في دول أخرى. وهناك برامج أكاديمية متخصصة في جامعات أمريكية عريقة (مثل جورج واشنطن وجورج تاون) تعكف على تناول النواحي القانونية للأمن القومي من زوايا عديدة ومن خلال مقررات دراسية متنوعة تتناول القوانين المنظمة للأجهزة المختصة بالأمن القومي والقوانين المنظمة لمصادر الاخطار على الامن القومي والقوانين المنظمة للإجراءات اللازمة للتصدي لهذا الأخطار. والهدف من تناول هذه الموضوعات بالدرس والفحص هو تحليل الروى المتنوعة للمهتمين والمشتغلين بمسائل الامن القومي من أجل دعمه وتقويته

ومن المهم للغاية أن نهتم في مصر بهذا الفرع من القانون الذي يساعد على تقريب وجهات النظر للمهتمين بالقانون والامن القومي. وفي حوار للواء حسام سويلم (الاهرام- الجمعة 3 يناير 2014) وهو ممن ينبغي أن يقرأ له أي مهتم بالأمن القومي المصري، قرأت عبارته "المنظومة القضائية جزء من الدولة تابعة لرئيس الدولة ورئيس الوزراء" وهي عبارة تبدو في ظاهرها أنها تختلف عما يقوم اهل القانون بدراسته، ولعل المقصود بها غير ما فهمته من ظاهرها. لكن في جميع الأحوال، اتمنى أن يكون لدينا برامج أكاديمية متخصصة تتناول موضوع القانون والامن القومي، كي يساعد تقريب وجهات النظر على تحقيق بقاء المجتمع المصري ونماءه على افضل وجه، ولعلها تساعدنا على تقريب وجهات النظر لصياغة فهم مصري أصيل للمقصود بأعمال السيادة التي آمل أن تضع المحكمة الدستورية العليا تعريفاً متوازناً لها ينبع من فكرة القوة كما عرفها القانون الإلهي. والله اعلم