Saturday, April 29, 2017

حكم قضائي بإتاحة الجريدة الرسمية مجاناً على الانترنت



محكمة القضاء الإداري - الطعن رقم ٦٣٠٨٩ سنة ٦٦ قضائية - جلسة ٢٤ يونيو ٢٠١٤

باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري الدائرة الأولى
بالجلسة المنعقدة علناً في يوم الثلاثاء الموافق 24/6/2014
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المجيد أحمد حسن المقنن نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ سامي رمضان محمد درويش نائب رئيس مجلس الدولة والسيد الأستاذ المستشار/ عبد القادر أبو الدهب يوسف نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار/ إسلام توفيق الشحات مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سامي عبد الله خليفة أمين السر

أقام المدعيان الدعوى الماثلة بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 26/9/2012 وطلبا في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار المدعى عليهم السلبي بالامتناع عن توفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها "الوقائع المصرية" بأعداد كافية وفقا للتوزيع الجغرافي بطرحها بمنافذ البيع بجميع أنحاء الجمهورية، ووضعها تحت طلب الجمهور، وكذلك نشرها الكترونياً على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" نشراً عاماً بغير مقابل مادي يتيح للمخاطبين بأحكام القانون والقرارات التي استلزم المشرع نشرها تيسير الاطلاع عليها والعلم بمحتواها، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصاريف

وذكر المدعيان شرحاً للدعوى أنهما توجها إلى منفذ بيع المطبوعات الحكومية التابعة لهيئة المطابع الأميرية بميدان الأوبرا للحصول على أعداد الجريدة الرسمية وملحقها "الوقائع المصرية" للاطلاع على القوانين والقرارات المنشورة بهما، فأفاد العاملون بمنفذ البيع بأن توزيع الجريدة الرسمية وملحقها يقتصر على المشتركين فقط وأنه حتى يمكن الحصول عليها يلزم الاشتراك بمبلغ خمسمائة جنيه سنوياً على أن يستلم المشترك الأعداد من مقر الهيئة، وعندما طلبا من المختصين بالهيئة الاطلاع على الموقع الالكتروني الذي تنشر عليه الجريدة الرسمية علماً بأن ذلك لا يتم إلا بعد سداد اشتراك مالي وأن الهيئة سترسل للمشترك التشريعات والقرارات على بريده الالكتروني

وأنهما اطلعا على موقع الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" فتبين لهما أن المنشور، هو فهرس بأرقام وعناوين التشريعات والقرارات بينما يقتصر الاطلاع على مضمونها على أصحاب الاشتراكات فقط

وأضاف المدعيان أنهما تقدما بطلب إلى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بتاريخ 17/9/2012 لتوفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها "الوقائع المصرية" بأعداد كافية وفقاً للتوزيع الجغرافي ولطرحها بمنافذ البيع بتكلفتها الفعلية بجميع أنحاء الجمهورية ووضعها تحت طلب الجمهور دون قصرها على المشتركين، وكذلك لنشرها نشراً عاما على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" حتى يمكن للمخاطبين بأحكام القوانين والقرارات الاطلاع عليها والعلم بها، إلا أن تابعيه امتنعوا عن استلام الطلب فقام بإنذار المدعى عليهم بمضمون طلبهما بتاريخي 24,23/9/2012، وقد امتنع المدعى عليهم عن إجابة طلبهما الأمر الذي يشكل قراراً سلبيا بالامتناع عن أمر أوجبه القانون 

ونعى المدعيان على القرار المطعون فيه مخالفة القانون لأن الغرض من نشر القوانين والقرارات هو إتاحة الفرصة للعلم وأن عدم توفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها إلا بالاشتراكات لا يتحقق معه العلم. كما أن جهة الإدارة انحرفت بسلطتها وانحرفت عن الغاية والهدف من النشر بقصرها العلم على من يشترك لدى الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، وفي ختام الصحيفة طلب المدعيان الحكم بطلباتهما المشار إليها 

ونظرت المحكمة الدعوى على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، حيث أودع المدعيان حافظة مستندات ومذكرة دفاع، وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع دفعت فيها بعدم قبول الدعوى في مواجهة المدعى عليهم من الأول إلى الثالث، وأودعت الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ثلاث حافظات مستندات ومذكرة دفاع، وبجلسة 28/5/2013 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني 

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني رأت فيه الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري وإلزام المدعيين المصاريف 

ونظرت المحكمة الدعوى بجلسة 13/5/2014 حيث حضر الخصوم وقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة اليوم مع التصريح بإيداع مذكرات خلال ثلاثة أسابيع، وفي الأجل المحدد أودع المدعيان مذكرة بدفاعهما، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعات، وبعد المداولة 

من حيث إن المدعيين يهدفان إلى الحكم 

أولاً: بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي للهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بالامتناع عن توفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها "الوقائع المصرية" بأعداد كافية في جميع أنحاء الجمهورية مع ما يترتب على ذلك من آثار وأخصها توفير الأعداد الورقية من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية في جميع أنحاء الجمهورية وتيسير بيعها لمن يطلبها دون اشتراط الاشتراك في شرائها مقدماً

 ثانيا: بوقف تنفيذ وإلغاء قرار الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بقصر الاطلاع على ما ينشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية على موقع الهيئة على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" على المشتركين بمقابل نقدي مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إتاحة الاطلاع على التشريعات والقرارات التي تنشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية على موقع الهيئة للجميع مجاناً

 ومن حيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى في مواجهة المدعى عليهم من الأول إلى الثالث فإن الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية تتمتع بالشخصية الاعتبارية طبقا لنص المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 312 لسنة 1956 بإنشاء هيئة عامة للمطابع، ويمثلها قانونا رئيس مجلس إدارة الهيئة طبقاً لنص المادة (4) من القرار بالقانون المشار إليه، ولما كان المدعى قد اختصم رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية وهو صاحب الصفة في الدعوى، إلا أنه اختصم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل، ولما كانت الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية هي المختصة بنشر الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية" إلا أن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء يقسمون قبل تولي مناصبهم على احترام الدستور والقانون طبقا لنص المادتين 144, 165 من الدستور كما أن مجلس الوزراء يختص طبقا لنص المادة 167 من الدستور بتنفيذ القانون فمن ثم فإن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء جميعا بحكم التزامهم بتنفيذ أحكام الدستور والقانون عليهم واجب التأكد من نشر القوانين واللوائح وإتاحة العلم بها لجميع المخاطبين بها، ويكون رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل من أصحاب الصفة في هذه الدعوى، وبتعين رفض الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى في مواجهتهم، وتكتفي المحكمة بالإشارة إلى ذلك في الأسباب 

 ومن حيث إن الدعوى بالنسبة للقرارين المطعون فيهما استوفت أوضاعها الشكلية فمن ثم يتعين قبولها شكلا 

ومن حيث إنه عن موضوع الدعوى بالنسبة للقرار الأول المطعون فيه فإن الدستور المصري بعد تعديله عام 2014 تضمن النصوص التالية 

المادة (68): "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها ............. كما يحدد عقوبة حجب المعلومات ...........
المادة (94): "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وتخضع الدولة للقانون ............... 
 المادة (225): "تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إصدارها ويعمل بها بعد ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ نشرها، إلا إذا حددت لذلك ميعاداً آخر ............. 

وتضمن قرار رئيس الجمهورية رقم 901 لسنة 1967 بإعادة تنظيم الجريدة الرسمية المعدل بالقرار رقم 1698 لسنة 1974 المواد التالية 
المادة (1): "تنشر بالجريدة الرسمية القوانين والقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية ومن السادة نواب رئيس الجمهورية بما يختصون أو يفوضون فيه من السيد رئيس الجمهورية، كما تنشر بالجريدة الرسمية القرارات الصادرة من رئيس مجلس الوزراء فيما يفوض فيه من رئيس الجمهورية". المادة (2): "تصدر الجريدة الرسمية أسبوعياً ويجوز في الحالات العاجلة إصدار أعداد غير عادية من الجريدة الرسمية في غير المواعيد المقررة". المادة (3): "يكون للجريدة الرسمية ملحق مستقل يسمى الوقائع المصرية. وتنشر بالوقائع المصرية جميع القرارات عدا ما ذكر في المادة الأولى وغير ذلك مما تقضي القوانين والقرارات بضرورة نشره". وتنص المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 312 لسنة 1956 بإنشاء هيئة عامة للمطابع على أن: "تنشأ هيئة عامة تلحق بوزارة الصناعة يطلق عليها "الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية" وتكون لها شخصية اعتبارية وتختص بإدارة المطابع الأميرية والمطابع التابعة لها وجميع المطابع الحكومية الأخرى التي تضم لها بقرار من رئيس الجمهورية .......... 

ومفاد ما تقدم أن الدستور المصري بعد تعديله عام 2014 اهتم بإتاحة المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية للمواطنين، وجعلها ملكاً للشعب واعتبر الإفصاح عنها حقا من حقوق المواطن. وأسند الدستور إلى المشرع الاختصاص بتنظيم ضوابط الحصول عليها وإتاحتها، وتحديد عقوبة على حجب المعلومات، وقد سبق أن تقرر هذا الحق بموجب المادة (47) من الدستور قبل تعديله، وقد سار الدستور على نهج الوثائق الدستورية السابقة بأن نص على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وعلى خضوع الدولة للقانون، وقاعدة خضوع الدولة للقانون قاعدة شاملة وكلية تمتد إلى سلطات الدولة وإلى المواطنين وإلى غير المواطنين الموجودين على إقليم الدولة، وقد أوجب الدستور نشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إصدارها، على أن يعمل بها بعد ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ نشرها إلا إذا حدد القانون لذلك ميعاداً آخر، واشتراط نشر القوانين في الجريدة الرسمية كشرط للعمل بها ورد في الدساتير المصرية المتعاقبة، كما أن كل القوانين تتضمن مادة خاصة بالنشر في الجريدة الرسمية، وقد نظم قرار رئيس الجمهورية رقم 901 لسنة 1967 النشر بالجريدة الرسمية وأوجب أن ينشر بها القوانين والقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية ومن نواب رئيس الجمهورية في المسائل التي يختصون بها أو يفوضون فيها من رئيس الجمهورية وقرارات رئيس مجلس الوزراء فيما يفوض فيه من رئيس الجمهورية، كما نص القرار المشار إليه على أن تصدر الجريدة الرسمية أسبوعياً وأجاز أن تصدر أعداد غير عادية منها في غير المواعيد المقررة وذلك في الحالات العاجلة، كما نص على أن يكون للجريدة الرسمية ملحق مستقل يسمى الوقائع المصرية، وينشر بالوقائع المصرية جميع القرارات عدا ما ورد ذكره في المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 901 لسنة 1967، كما ينشر بها كل ما تنص القوانين والقرارات على ضرورة نشره، وقد تضمنت بعض القوانين نشر قرارات معينة في الجريدة الرسمية فالقرار بقانون رقم 22 لسنة 2014 بتنظيم الانتخابات الرئاسية الذي نص على نشر قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية وأسماء المرشحين المقبولين وتنازل أي من المرشحين المقبولين عن الترشيح بالجريدة الرسمية 

وقد أنشأ المشرع بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 312 لسنة 1956 الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ومنحها الشخصية الاعتبارية وأسند إليها إدارة المطابع الأميرية والمطابع التابعة لها وجميع المطابع الحكومية التي تضم إليها بقرار من رئيس الجمهورية. ومن حيث إن نشر القوانين في الجريدة الرسمية كشرط لتطبيقها قصد منه أن يتحقق علم المخاطبين بها بما تضمنته من قواعد قانونية واجبة الإتباع والاحترام، بحيث لا يقبل من أحدهم الاعتذار بجهله بالقانون، والنص الدستوري الذي يشترط نشر القوانين في الجريدة الرسمية وكذلك النصوص التي ترد في القوانين والخاصة بنشرها في الجريدة الرسمية تلقى على جهة الإدارة الالتزام بنشر كل قانون يصدر بالجريدة الرسمية، كما تلقى على عاتق المخاطبين بالقانون واجب العلم بما ينشر بالفعل من قوانين ثم الخضوع لأحكامها 

والعلم بالقوانين واللوائح التي تنشر بالجريدة الرسمية أو بالوقائع المصرية يستند إلى فكرة العلانية الحكمية أو القانونية، فلم يشترط الدستور العلم الفعلي بالقوانين لتطبيقها وإنما جعل نشرها بالجريدة الرسمية قرينة على العلم المفترض بها، والإجراء الخاص بنشر القوانين في الجريدة الرسمية لا يغني عنه أي إجراء آخر من إجراءات العلانية، كنشر القانون في الصحف اليومية أو إذاعة نصوصه في الإذاعة أو التليفزيون أو تعليق صورة من القانون في الأماكن العامة، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية بمضمونها يعتبر شرطاً لإنبائهم بمحتواها، ونفاذ القاعدة القانونية يفترض إعلانها من خلال نشرها وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها، ونشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم الأمر، والقاعدة القانونية التي لا تنشر لا تتضمن إخطارا كافياً بمضمونها، ولا يشترط تطبيقها، ولا تتكامل مقوماتها "حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 3/1/1998 القضية رقم 36 لسنة 18ق دستورية 

إلا أن مجرد نشر القانون في الجريدة الرسمية لا يكفي في حد ذاته دون ضوابط أخرى محددة للقول بتحقق علم المخاطبين بأحكامه علماً حقيقياً أو حكميا، وإنما يلزم لافتراض هذا العلم واقعاً وقانوناً أن يتم توزيع الجريدة الرسمية التي نشر فيها القانون بحيث يكون في مقدور المخاطبين بالقانون الحصول عليها بوصفها وسيلة العلم بالقانون حتى يتاح لهم العلم بمضمون القانون، فإذا نشر القانون بالجريدة الرسمية وتم حجب أعدادها عن التوزيع في جميع أنحاء الدولة، أو لم تصل أعداد الجريدة الرسمية إلى جزء معين من إقليم الدولة بسبب قوة قاهرة فإن الغاية من النشر في الجريدة الرسمية لم تتحقق ولا محل في هذه الأحوال للقول بتحقق العلانية الحكمية بأحكام القانون، ولا إلزام على المخاطبين بالقانون بالخضوع لأحكامه التي لم يتح لهم الإحاطة والعلم بها، وقد قضت محكمة النقض بأن افتراض علم الكافة بالقانون مرهون بعد قيام أسباب تحول حتماً دون قيام هذا الافتراض فالعبرة في العلم بالقانون ليس بتاريخ طبع الجريدة الرسمية وإنما هو بتاريخ توزيعها. "حكمها في الطعن رقم 256 لسنة 24ق جلسة 24/6/1958" كما قضت محكمة القضاء الإداري بأن العبرة في نفاذ القوانين وسريان أحكامها بتاريخ نشرها لا بتاريخ إصدارها، والنشر عمل مادي يتلو الإصدار ويتم بظهور القانون في الجريدة الرسمية والغرض منه إبلاغ الجمهور بالقانون ليكون على علم به قبل تطبيقه وهو شرط لازم لإمكان تنفيذ القانون، وأن نفاذ القوانين رهن بنشرها بالنسبة للجمهور ولجهة الإدارة. "حكمها في القضية رقم 231 لسنة 2ق جلسة 3/1/1950 

ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعيين تقدما إلى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بإنذار بتاريخ 24/9/2012، كما تقدما بإنذارات مماثلة لباقي المدعى عليهم وطالبا جهة الإدارة بتوفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها الوقائع المصرية بأعداد كافية وفقاً للتوزيع الجغرافي وبطرحها للبيع بتكلفتها الفعلية بجميع أنحاء الجمهورية ووضعها تحت طلب الجمهور، وبنشر التشريعات إلكترونياً على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" نشراً عاماً يتيح للمواطنين الاطلاع عليها مجاناً وعدم قصر الاطلاع عليها على المشتركين بمقابل نقدي 

ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الهيئة المدعى عليها لم تستجب إلى طلب المدعيين، كما أن باقي المدعى عليهم بصفاتهم لم يبادروا إلى أي عمل أو إجراء في هذا الشأن، وقد تضمن كتاب مدير إدارة التوزيع والاشتراكات بالهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية المؤرخ 31/12/2012 والموجه إلى مدير عام الشئون القانونية بالهيئة والمودع بحافظة المستندات المقدمة من الهيئة بجلسة 15/1/2013 أن قيمة الاشتراكات في الجريدة الرسمية والوقائع المصرية كالآتي: 600 جنيه: تسلم الأعداد باليد من الهيئة أو فرع الأوبرا، 750: ترسل الأعداد بالبريد شهرياً. 850 جنيه: ترسل الأعداد بالبريد أسبوعياً. 950 جنيه: ترسل الأعداد بالبريد كل ثلاثة أيام 

وأنه بالنسبة للأعداد التي ترسل إلى مراكز البيع لبيعها للجمهور فإنه يتم ارتجاع معظمها لعدم الإقبال عليها، وأنه يتم طبع 1750 نسخة "ألف وسبعمائة وخمسون نسخة" من كل عدد يصدر من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية والتوابع حسب كمية التوزيع، كما تضمنت مذكرة دفاع الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية المودعة بجلسة 15/1/2013 أن الهيئة ذات طابع اقتصادي ومطالبة بتحقيق فائض يؤول إلى الخزانة العامة ولا يمكن أن تقوم بتوفير أعداد كبيرة من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية لتقوم بتوزيعها على جميع أنحاء الجمهورية لأن تكلفة طبعها أضعاف ثمن بيعها وأن ذلك يؤدي إلى تعرضها إلى خسائر كبيرة، كما تضمنت مذكرة دفاع الهيئة أن الدستور نص على أن يتم نشر القوانين في الجريدة الرسمية إلا أنه لم يحدد أعداد الجريدة، ولم يلزم الهيئة بتوزيع أعداد كافية بجميع أنحاء الجمهورية 

ومن حيث إن ما ورد برد الهيئة على الدعوى يكشف عن قصور فهم لأحكام الدستور والقوانين وعن عدم إدراك لوظيفة الهيئة التي أسند إليها نشر التشريعات في مصر، كما يكشف عن أن عملية نشر التشريعات في مصر لا تتم وفقا للأصول الواجب إتباعها لتحقيق الغاية من نشر القوانين واللوائح والقرارات واجبة النشر وهو إتاحة العلم بها وتيسيره للمخاطبين بأحكامها، وأن قصوراً شديداً يشوب عملية نشر التشريعات في مصر على وجه يعجز المخاطبين بأحكام التشريعات عن العلم بها، فالغاية من نشر التشريعات واللوائح والقرارات في الجريدة الرسمية والوقائع المصرية هو إتاحة العلم بها، وهو الأمر الذي لا يتحقق لمجرد النشر وإنما يجب أن يتاح شراء أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية للمخاطبين بأحكام القوانين واللوائح والقرارات، فالنشر في حد ذاته ليس غاية وإنما وسيلة إلى غاية أخرى هي إتاحة العلم بالتشريعات وعدم نص الدستور على توزيع أعداد الجريدة الرسمية بأعداد كافية لا يعني أن تتقاعس جهة الإدارة عن توفير أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية وإتاحتها للمخاطبين بالتشريعات، فإذا كان النشر واجباً على جهة الإدارة فإن النشر لا يتم إلا بتوزيع الأعداد المطبوعة وتيسيرها للمواطنين والقاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب 

ومن حيث إن امتناع الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية عن توفير أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية في جميع أنحاء الجمهورية وتيسير بيعها للمواطنين والمخاطبين بأحكام القانون يشكل مخالفة لأحكام الدستور والقانون، فالدستور والقوانين تضمنت النص على النشر بالجريدة الرسمية كشرط للعمل بالقوانين، وهو الأمر الذي يوجب إتاحة وسيلة النشر لجميع المخاطبين بالقوانين ولو أن الدستور كان يقر مسلك الهيئة المدعى عليها في طبع أعداد محدودة من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية وإتاحة الحصول عليها للمشتركين فقط لكان قد أخذ بطريقة إيداع القوانين لدى الهيئة المدعى عليها دون حاجة لنشرها واستوجب الاطلاع عليها أو الحصول على صورة منها من الهيئة المدعى عليها وهو الأمر الذي لم يأخذ به الدستور، وإنما أخذ بطريقة نشر القوانين في الجريدة الرسمية، كما تضمن كل قانون مادة خاصة بنشره في الجريدة الرسمية قبل العمل به، والنشر لا يتحقق بالمعنى المقصود في الدستور أو في القوانين إلا بإتاحة وسيلة النشر للكافة وعدم حجبها عنهم وتيسير حصولهم عليها والاطلاع عليها 

وادعاء الهيئة المدعى عليها أنها لا تطبع أعداداً كافية من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية وتقصر بيع ما تطبعه على المشتركين لأنها هيئة ذات طابع اقتصادي ومطالبة بتحقيق فائض يؤول إلى الخزانة العامة هو إدعاء غير سائغ لأن الهيئة العامة تنشأ لإدارة مرفق عام من مرافق عام لتلبية احتياجات عامة وقد أنشئت الهيئة العامة المدعى عليها لإدارة مرفق الطباعة بالدولة، وأسند إليها نشر الجريدة الرسمية والوقائع المصرية وتوزيعها، وهو عمل يرتبط بسلطة الدولة في التشريع، وهي وظيفة سيادية من وظائف الدولة فلا يجوز لها أن تتخلى عن نشر تشريعاتها إلى شخص من أشخاص القانون الخاص، ولا يجوز للهيئة المدعى عليها أن تتنصل من أداء واجبها في هذا الشأن لسبب يرجع إلى اعتبارات الربح والخسارة، لأنه إذا قبل من التجار من أشخاص القانون الخاص أن يبنوا قراراتهم على ما يحقق لهم الربح ويجنبهم الخسارة، فإنه لا يقبل من هيئة عامة قائمة على مرفق عام وتغطي الميزانية العامة أي عجز في ميزانيتها أن تتقاعس عن تقديم الخدمة العامة للمواطنين خشية خسارة قد تصيبها 

وبالبناء على ما تقدم فإن امتناع الهيئة المدعى عليها عن توفير أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية بأعداد كافية في جميع أنحاء الجمهورية يشكل قراراً سلبياً مخالفاً لأحكام الدستور والقانون ويتعين الحكم بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام الهيئة بتوفير الأعداد الورقية من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية في جميع أنحاء الجمهورية وتيسير بيعها لمن يطلبها من المواطنين دون اشتراط الاشتراك في شرائها مقدماً وعدم قصر توزيعها على فروع الهيئة وإتاحة توزيعها شأن باقي المطبوعات العامة لتصبح في متناول الجمهور 

ومن حيث إنه عن موضوع الدعوى بالنسبة للطلب الثاني الخاص بوقف تنفيذ وإلغاء قرار الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بقصر الاطلاع على ما ينشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية على موقع الهيئة على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" على المشتركين بمقابل نقدي فإن المادة (38) من الدستور تنص على أن "......... لا يكون إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها في الأحوال المبينة في القانون. ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون ............" (كما تنص المادة (53) من الدستور على أن: "المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بسبب ............ أو المستوى الاجتماعي ............ أو لأي سبب آخر ............. 

ومفاد ما تقدم أن الدستور الحالي – على هدي الوثائق الدستورية المتعاقبة – حظر إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغائها إلا بقانون، وحظر تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون، كما كفل المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات العامة وحظر التمييز بينهم بسبب المستوى الاجتماعي أو لأي سبب آخر. ومن حيث إن الرسوم العامة تختلف عن الضريبة العامة في أن الضريبة فريضة مالية يلتزم الشخص بأدائها للدولة مساهمة منه في التكاليف والأعباء العامة دون أن يعود عليه نفع خاص ولا تفرض الضريبة إلا بقانون أما الرسم العام فإنه مبلغ مالي يحصل جبراً مقابل خدمة عامة محددة يقدمها شخص من أشخاص القانون العام لمن يطلبها، وفرض الرسم العام يكون في حدود القانون أي يجب أن يصدر قانون يحدد نوع الخدمة التي يحصل عنها الرسم والحد الأقصى للرسم الجائز تحصيله مقابل الخدمة العامة 

ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ذكرت في مذكرة دفاعها المقدمة بجلسة 15/1/2013 أن الهيئة أنشأت موقعاً إلكترونياً على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) منذ عام 2008 وأنها تنشر على الموقع فهرس أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية يتضمن رقم العدد ورقم التشريع أو القرار وتاريخ إصداره وتاريخ نشره وعنوانه وعدد الصفحات، أما نشر التشريع أو القرار كاملا فإنه يتاح مقابل اشتراك شهري أو ربع سنوي أو نصف سنوي أو سنوي ويتم إرسال صورة كاملة من العدد اليومي للوقائع المصرية والعدد الأسبوعي للجريدة الرسمية في يوم الصدور إلى المشتركين في الموقع الإلكتروني للهيئة 

ومن حيث إن نشر القوانين إلكترونياً على موقع الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية على شبكة المعلومات الدولية الانترنت لا يغني عن نشره في الجريدة الرسمية وعن إتاحة توزيع الأعداد الورقية للجريدة الرسمية للمخاطبين بأحكام القانون باعتبار أن النشر في الجريدة الرسمية طبقا لنص المادة (225) من الدستور هو وسيلة العلم بالقوانين وشرط للعمل بها، ولم ينص الدستور على نشر القوانين إلكترونياً كوسيلة للعلم بها، ومن ثم فإن النشر الإلكتروني للتشريعات من قوانين ولوائح وقرارات لا يعدو أن يكون خدمة عامة تقدمها الهيئة المدعى عليها للمواطنين بقصد إتاحة التشريعات للمواطنين 

ومن حيث إن القوانين واللوائح والقرارات التي تعرضها الهيئة المدعى عليها على موقعها الإلكتروني بمقابل لمن يدفع هي من الوثائق الرسمية للدولة والتي تعد ملكا للشعب وينطبق عليها نص المادة (68) من الدستور المشار إليها والتي تكفل إتاحة المعلومات والوثائق الرسمية للمواطنين وأسندت إلى المشرع تنظيم ضوابط الحصول عليها وإتاحتها، ولم يصدر قانون بعد لتنفيذ الأحكام الواردة بتلك المادة يجيز للهيئة المدعى عليها الحصول على مقابل مادي ممن يرغب من المواطنين الاطلاع على التشريعات التي تنشرها الهيئة المدعى عليها على موقعها الإلكتروني على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" كما أن تحصيل الجهات الإدارية لرسوم عامة مقابل الخدمات العامة التي تؤديها للجمهور، ينبغي أن يتقيد بنص المادة (38) من الدستور والتي تحظر تكليف أحد برسوم أو بأعباء مالية عامة – غير الضرائب العامة – إلا في حدود القانون، ولم يثبت من الأوراق صدور قانون ينظم تقديم الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية خدمة إتاحة التشريعات التي تنشرها الهيئة على موقعها الإلكتروني بمقابل للمخاطبين بأحكام تلك التشريعات، ويحدد الحد الأقصى للرسم الجائز تحصيله مقابل هذه الخدمة 

ومن ثم فإن قرار الهيئة المدعى عليها بقصر الاطلاع على ما ينشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية من قوانين ولوائح وقرارات على الموقع الإلكتروني للهيئة على شبكة المعلومات الدولية على من يدفع مقابلاً نقدياً وحرمان من لا يدفع الاطلاع على التشريعات المنشورة على الموقع هو قرار يخالف أحكام المادة (38) من الدستور لقيام الهيئة بفرض رسم عام خدمة عامة دون سند قانون يجيز لها ذلك، كما يخالف نص المادة (53) من الدستور لإخلاله بمبدأ المساواة بين المواطنين إذ يميز المواطنين على أساس مقدرتهم المالية فيتيح الاطلاع على التشريعات لمن يملك القدرة على دفع الاشتراك الذي حددته الهيئة، ويحرم غير القادرين على الدفع من الاطلاع على التشريعات وذلك دون سند قانوني يبرر تلك التفرقة 

ويتعين الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما يتضمنه من قصر الاطلاع على ما ينشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية على الموقع الإلكتروني للهيئة على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" على المشتركين بمقابل نقدي مع ما يترتب على ذلك من آثار وأخصها إتاحة الاطلاع على كل ما ينشر على موقع الهيئة من قوانين ولوائح وقرارات وغيرها مجاناً دون تحصيل أي مقابل 

ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم المصاريف طبقاً لنص المادة 184 من قانون المرافعات 

فلهذه الأسـباب حكمت المحكمة

بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرارين المطعون فيهما مع ما يترتب على ذلك من آثار على الوجه المبين بالأسباب، وألزمت الهيئة المدعى عليها المصاريف