Saturday, April 29, 2017

حكم قضائي بإتاحة الجريدة الرسمية مجاناً على الانترنت



محكمة القضاء الإداري - الطعن رقم ٦٣٠٨٩ سنة ٦٦ قضائية - جلسة ٢٤ يونيو ٢٠١٤

باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري الدائرة الأولى
بالجلسة المنعقدة علناً في يوم الثلاثاء الموافق 24/6/2014
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المجيد أحمد حسن المقنن نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ سامي رمضان محمد درويش نائب رئيس مجلس الدولة والسيد الأستاذ المستشار/ عبد القادر أبو الدهب يوسف نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار/ إسلام توفيق الشحات مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سامي عبد الله خليفة أمين السر

أقام المدعيان الدعوى الماثلة بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 26/9/2012 وطلبا في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار المدعى عليهم السلبي بالامتناع عن توفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها "الوقائع المصرية" بأعداد كافية وفقا للتوزيع الجغرافي بطرحها بمنافذ البيع بجميع أنحاء الجمهورية، ووضعها تحت طلب الجمهور، وكذلك نشرها الكترونياً على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" نشراً عاماً بغير مقابل مادي يتيح للمخاطبين بأحكام القانون والقرارات التي استلزم المشرع نشرها تيسير الاطلاع عليها والعلم بمحتواها، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصاريف

وذكر المدعيان شرحاً للدعوى أنهما توجها إلى منفذ بيع المطبوعات الحكومية التابعة لهيئة المطابع الأميرية بميدان الأوبرا للحصول على أعداد الجريدة الرسمية وملحقها "الوقائع المصرية" للاطلاع على القوانين والقرارات المنشورة بهما، فأفاد العاملون بمنفذ البيع بأن توزيع الجريدة الرسمية وملحقها يقتصر على المشتركين فقط وأنه حتى يمكن الحصول عليها يلزم الاشتراك بمبلغ خمسمائة جنيه سنوياً على أن يستلم المشترك الأعداد من مقر الهيئة، وعندما طلبا من المختصين بالهيئة الاطلاع على الموقع الالكتروني الذي تنشر عليه الجريدة الرسمية علماً بأن ذلك لا يتم إلا بعد سداد اشتراك مالي وأن الهيئة سترسل للمشترك التشريعات والقرارات على بريده الالكتروني

وأنهما اطلعا على موقع الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" فتبين لهما أن المنشور، هو فهرس بأرقام وعناوين التشريعات والقرارات بينما يقتصر الاطلاع على مضمونها على أصحاب الاشتراكات فقط

وأضاف المدعيان أنهما تقدما بطلب إلى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بتاريخ 17/9/2012 لتوفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها "الوقائع المصرية" بأعداد كافية وفقاً للتوزيع الجغرافي ولطرحها بمنافذ البيع بتكلفتها الفعلية بجميع أنحاء الجمهورية ووضعها تحت طلب الجمهور دون قصرها على المشتركين، وكذلك لنشرها نشراً عاما على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" حتى يمكن للمخاطبين بأحكام القوانين والقرارات الاطلاع عليها والعلم بها، إلا أن تابعيه امتنعوا عن استلام الطلب فقام بإنذار المدعى عليهم بمضمون طلبهما بتاريخي 24,23/9/2012، وقد امتنع المدعى عليهم عن إجابة طلبهما الأمر الذي يشكل قراراً سلبيا بالامتناع عن أمر أوجبه القانون 

ونعى المدعيان على القرار المطعون فيه مخالفة القانون لأن الغرض من نشر القوانين والقرارات هو إتاحة الفرصة للعلم وأن عدم توفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها إلا بالاشتراكات لا يتحقق معه العلم. كما أن جهة الإدارة انحرفت بسلطتها وانحرفت عن الغاية والهدف من النشر بقصرها العلم على من يشترك لدى الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، وفي ختام الصحيفة طلب المدعيان الحكم بطلباتهما المشار إليها 

ونظرت المحكمة الدعوى على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، حيث أودع المدعيان حافظة مستندات ومذكرة دفاع، وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع دفعت فيها بعدم قبول الدعوى في مواجهة المدعى عليهم من الأول إلى الثالث، وأودعت الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ثلاث حافظات مستندات ومذكرة دفاع، وبجلسة 28/5/2013 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني 

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني رأت فيه الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري وإلزام المدعيين المصاريف 

ونظرت المحكمة الدعوى بجلسة 13/5/2014 حيث حضر الخصوم وقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة اليوم مع التصريح بإيداع مذكرات خلال ثلاثة أسابيع، وفي الأجل المحدد أودع المدعيان مذكرة بدفاعهما، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعات، وبعد المداولة 

من حيث إن المدعيين يهدفان إلى الحكم 

أولاً: بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي للهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بالامتناع عن توفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها "الوقائع المصرية" بأعداد كافية في جميع أنحاء الجمهورية مع ما يترتب على ذلك من آثار وأخصها توفير الأعداد الورقية من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية في جميع أنحاء الجمهورية وتيسير بيعها لمن يطلبها دون اشتراط الاشتراك في شرائها مقدماً

 ثانيا: بوقف تنفيذ وإلغاء قرار الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بقصر الاطلاع على ما ينشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية على موقع الهيئة على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" على المشتركين بمقابل نقدي مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إتاحة الاطلاع على التشريعات والقرارات التي تنشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية على موقع الهيئة للجميع مجاناً

 ومن حيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى في مواجهة المدعى عليهم من الأول إلى الثالث فإن الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية تتمتع بالشخصية الاعتبارية طبقا لنص المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 312 لسنة 1956 بإنشاء هيئة عامة للمطابع، ويمثلها قانونا رئيس مجلس إدارة الهيئة طبقاً لنص المادة (4) من القرار بالقانون المشار إليه، ولما كان المدعى قد اختصم رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية وهو صاحب الصفة في الدعوى، إلا أنه اختصم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل، ولما كانت الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية هي المختصة بنشر الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية" إلا أن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء يقسمون قبل تولي مناصبهم على احترام الدستور والقانون طبقا لنص المادتين 144, 165 من الدستور كما أن مجلس الوزراء يختص طبقا لنص المادة 167 من الدستور بتنفيذ القانون فمن ثم فإن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء جميعا بحكم التزامهم بتنفيذ أحكام الدستور والقانون عليهم واجب التأكد من نشر القوانين واللوائح وإتاحة العلم بها لجميع المخاطبين بها، ويكون رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل من أصحاب الصفة في هذه الدعوى، وبتعين رفض الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى في مواجهتهم، وتكتفي المحكمة بالإشارة إلى ذلك في الأسباب 

 ومن حيث إن الدعوى بالنسبة للقرارين المطعون فيهما استوفت أوضاعها الشكلية فمن ثم يتعين قبولها شكلا 

ومن حيث إنه عن موضوع الدعوى بالنسبة للقرار الأول المطعون فيه فإن الدستور المصري بعد تعديله عام 2014 تضمن النصوص التالية 

المادة (68): "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها ............. كما يحدد عقوبة حجب المعلومات ...........
المادة (94): "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وتخضع الدولة للقانون ............... 
 المادة (225): "تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إصدارها ويعمل بها بعد ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ نشرها، إلا إذا حددت لذلك ميعاداً آخر ............. 

وتضمن قرار رئيس الجمهورية رقم 901 لسنة 1967 بإعادة تنظيم الجريدة الرسمية المعدل بالقرار رقم 1698 لسنة 1974 المواد التالية 
المادة (1): "تنشر بالجريدة الرسمية القوانين والقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية ومن السادة نواب رئيس الجمهورية بما يختصون أو يفوضون فيه من السيد رئيس الجمهورية، كما تنشر بالجريدة الرسمية القرارات الصادرة من رئيس مجلس الوزراء فيما يفوض فيه من رئيس الجمهورية". المادة (2): "تصدر الجريدة الرسمية أسبوعياً ويجوز في الحالات العاجلة إصدار أعداد غير عادية من الجريدة الرسمية في غير المواعيد المقررة". المادة (3): "يكون للجريدة الرسمية ملحق مستقل يسمى الوقائع المصرية. وتنشر بالوقائع المصرية جميع القرارات عدا ما ذكر في المادة الأولى وغير ذلك مما تقضي القوانين والقرارات بضرورة نشره". وتنص المادة (1) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 312 لسنة 1956 بإنشاء هيئة عامة للمطابع على أن: "تنشأ هيئة عامة تلحق بوزارة الصناعة يطلق عليها "الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية" وتكون لها شخصية اعتبارية وتختص بإدارة المطابع الأميرية والمطابع التابعة لها وجميع المطابع الحكومية الأخرى التي تضم لها بقرار من رئيس الجمهورية .......... 

ومفاد ما تقدم أن الدستور المصري بعد تعديله عام 2014 اهتم بإتاحة المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية للمواطنين، وجعلها ملكاً للشعب واعتبر الإفصاح عنها حقا من حقوق المواطن. وأسند الدستور إلى المشرع الاختصاص بتنظيم ضوابط الحصول عليها وإتاحتها، وتحديد عقوبة على حجب المعلومات، وقد سبق أن تقرر هذا الحق بموجب المادة (47) من الدستور قبل تعديله، وقد سار الدستور على نهج الوثائق الدستورية السابقة بأن نص على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وعلى خضوع الدولة للقانون، وقاعدة خضوع الدولة للقانون قاعدة شاملة وكلية تمتد إلى سلطات الدولة وإلى المواطنين وإلى غير المواطنين الموجودين على إقليم الدولة، وقد أوجب الدستور نشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إصدارها، على أن يعمل بها بعد ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ نشرها إلا إذا حدد القانون لذلك ميعاداً آخر، واشتراط نشر القوانين في الجريدة الرسمية كشرط للعمل بها ورد في الدساتير المصرية المتعاقبة، كما أن كل القوانين تتضمن مادة خاصة بالنشر في الجريدة الرسمية، وقد نظم قرار رئيس الجمهورية رقم 901 لسنة 1967 النشر بالجريدة الرسمية وأوجب أن ينشر بها القوانين والقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية ومن نواب رئيس الجمهورية في المسائل التي يختصون بها أو يفوضون فيها من رئيس الجمهورية وقرارات رئيس مجلس الوزراء فيما يفوض فيه من رئيس الجمهورية، كما نص القرار المشار إليه على أن تصدر الجريدة الرسمية أسبوعياً وأجاز أن تصدر أعداد غير عادية منها في غير المواعيد المقررة وذلك في الحالات العاجلة، كما نص على أن يكون للجريدة الرسمية ملحق مستقل يسمى الوقائع المصرية، وينشر بالوقائع المصرية جميع القرارات عدا ما ورد ذكره في المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 901 لسنة 1967، كما ينشر بها كل ما تنص القوانين والقرارات على ضرورة نشره، وقد تضمنت بعض القوانين نشر قرارات معينة في الجريدة الرسمية فالقرار بقانون رقم 22 لسنة 2014 بتنظيم الانتخابات الرئاسية الذي نص على نشر قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية وأسماء المرشحين المقبولين وتنازل أي من المرشحين المقبولين عن الترشيح بالجريدة الرسمية 

وقد أنشأ المشرع بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 312 لسنة 1956 الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ومنحها الشخصية الاعتبارية وأسند إليها إدارة المطابع الأميرية والمطابع التابعة لها وجميع المطابع الحكومية التي تضم إليها بقرار من رئيس الجمهورية. ومن حيث إن نشر القوانين في الجريدة الرسمية كشرط لتطبيقها قصد منه أن يتحقق علم المخاطبين بها بما تضمنته من قواعد قانونية واجبة الإتباع والاحترام، بحيث لا يقبل من أحدهم الاعتذار بجهله بالقانون، والنص الدستوري الذي يشترط نشر القوانين في الجريدة الرسمية وكذلك النصوص التي ترد في القوانين والخاصة بنشرها في الجريدة الرسمية تلقى على جهة الإدارة الالتزام بنشر كل قانون يصدر بالجريدة الرسمية، كما تلقى على عاتق المخاطبين بالقانون واجب العلم بما ينشر بالفعل من قوانين ثم الخضوع لأحكامها 

والعلم بالقوانين واللوائح التي تنشر بالجريدة الرسمية أو بالوقائع المصرية يستند إلى فكرة العلانية الحكمية أو القانونية، فلم يشترط الدستور العلم الفعلي بالقوانين لتطبيقها وإنما جعل نشرها بالجريدة الرسمية قرينة على العلم المفترض بها، والإجراء الخاص بنشر القوانين في الجريدة الرسمية لا يغني عنه أي إجراء آخر من إجراءات العلانية، كنشر القانون في الصحف اليومية أو إذاعة نصوصه في الإذاعة أو التليفزيون أو تعليق صورة من القانون في الأماكن العامة، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية بمضمونها يعتبر شرطاً لإنبائهم بمحتواها، ونفاذ القاعدة القانونية يفترض إعلانها من خلال نشرها وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها، ونشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم الأمر، والقاعدة القانونية التي لا تنشر لا تتضمن إخطارا كافياً بمضمونها، ولا يشترط تطبيقها، ولا تتكامل مقوماتها "حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 3/1/1998 القضية رقم 36 لسنة 18ق دستورية 

إلا أن مجرد نشر القانون في الجريدة الرسمية لا يكفي في حد ذاته دون ضوابط أخرى محددة للقول بتحقق علم المخاطبين بأحكامه علماً حقيقياً أو حكميا، وإنما يلزم لافتراض هذا العلم واقعاً وقانوناً أن يتم توزيع الجريدة الرسمية التي نشر فيها القانون بحيث يكون في مقدور المخاطبين بالقانون الحصول عليها بوصفها وسيلة العلم بالقانون حتى يتاح لهم العلم بمضمون القانون، فإذا نشر القانون بالجريدة الرسمية وتم حجب أعدادها عن التوزيع في جميع أنحاء الدولة، أو لم تصل أعداد الجريدة الرسمية إلى جزء معين من إقليم الدولة بسبب قوة قاهرة فإن الغاية من النشر في الجريدة الرسمية لم تتحقق ولا محل في هذه الأحوال للقول بتحقق العلانية الحكمية بأحكام القانون، ولا إلزام على المخاطبين بالقانون بالخضوع لأحكامه التي لم يتح لهم الإحاطة والعلم بها، وقد قضت محكمة النقض بأن افتراض علم الكافة بالقانون مرهون بعد قيام أسباب تحول حتماً دون قيام هذا الافتراض فالعبرة في العلم بالقانون ليس بتاريخ طبع الجريدة الرسمية وإنما هو بتاريخ توزيعها. "حكمها في الطعن رقم 256 لسنة 24ق جلسة 24/6/1958" كما قضت محكمة القضاء الإداري بأن العبرة في نفاذ القوانين وسريان أحكامها بتاريخ نشرها لا بتاريخ إصدارها، والنشر عمل مادي يتلو الإصدار ويتم بظهور القانون في الجريدة الرسمية والغرض منه إبلاغ الجمهور بالقانون ليكون على علم به قبل تطبيقه وهو شرط لازم لإمكان تنفيذ القانون، وأن نفاذ القوانين رهن بنشرها بالنسبة للجمهور ولجهة الإدارة. "حكمها في القضية رقم 231 لسنة 2ق جلسة 3/1/1950 

ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعيين تقدما إلى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بإنذار بتاريخ 24/9/2012، كما تقدما بإنذارات مماثلة لباقي المدعى عليهم وطالبا جهة الإدارة بتوفير أعداد الجريدة الرسمية وملحقها الوقائع المصرية بأعداد كافية وفقاً للتوزيع الجغرافي وبطرحها للبيع بتكلفتها الفعلية بجميع أنحاء الجمهورية ووضعها تحت طلب الجمهور، وبنشر التشريعات إلكترونياً على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" نشراً عاماً يتيح للمواطنين الاطلاع عليها مجاناً وعدم قصر الاطلاع عليها على المشتركين بمقابل نقدي 

ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الهيئة المدعى عليها لم تستجب إلى طلب المدعيين، كما أن باقي المدعى عليهم بصفاتهم لم يبادروا إلى أي عمل أو إجراء في هذا الشأن، وقد تضمن كتاب مدير إدارة التوزيع والاشتراكات بالهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية المؤرخ 31/12/2012 والموجه إلى مدير عام الشئون القانونية بالهيئة والمودع بحافظة المستندات المقدمة من الهيئة بجلسة 15/1/2013 أن قيمة الاشتراكات في الجريدة الرسمية والوقائع المصرية كالآتي: 600 جنيه: تسلم الأعداد باليد من الهيئة أو فرع الأوبرا، 750: ترسل الأعداد بالبريد شهرياً. 850 جنيه: ترسل الأعداد بالبريد أسبوعياً. 950 جنيه: ترسل الأعداد بالبريد كل ثلاثة أيام 

وأنه بالنسبة للأعداد التي ترسل إلى مراكز البيع لبيعها للجمهور فإنه يتم ارتجاع معظمها لعدم الإقبال عليها، وأنه يتم طبع 1750 نسخة "ألف وسبعمائة وخمسون نسخة" من كل عدد يصدر من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية والتوابع حسب كمية التوزيع، كما تضمنت مذكرة دفاع الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية المودعة بجلسة 15/1/2013 أن الهيئة ذات طابع اقتصادي ومطالبة بتحقيق فائض يؤول إلى الخزانة العامة ولا يمكن أن تقوم بتوفير أعداد كبيرة من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية لتقوم بتوزيعها على جميع أنحاء الجمهورية لأن تكلفة طبعها أضعاف ثمن بيعها وأن ذلك يؤدي إلى تعرضها إلى خسائر كبيرة، كما تضمنت مذكرة دفاع الهيئة أن الدستور نص على أن يتم نشر القوانين في الجريدة الرسمية إلا أنه لم يحدد أعداد الجريدة، ولم يلزم الهيئة بتوزيع أعداد كافية بجميع أنحاء الجمهورية 

ومن حيث إن ما ورد برد الهيئة على الدعوى يكشف عن قصور فهم لأحكام الدستور والقوانين وعن عدم إدراك لوظيفة الهيئة التي أسند إليها نشر التشريعات في مصر، كما يكشف عن أن عملية نشر التشريعات في مصر لا تتم وفقا للأصول الواجب إتباعها لتحقيق الغاية من نشر القوانين واللوائح والقرارات واجبة النشر وهو إتاحة العلم بها وتيسيره للمخاطبين بأحكامها، وأن قصوراً شديداً يشوب عملية نشر التشريعات في مصر على وجه يعجز المخاطبين بأحكام التشريعات عن العلم بها، فالغاية من نشر التشريعات واللوائح والقرارات في الجريدة الرسمية والوقائع المصرية هو إتاحة العلم بها، وهو الأمر الذي لا يتحقق لمجرد النشر وإنما يجب أن يتاح شراء أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية للمخاطبين بأحكام القوانين واللوائح والقرارات، فالنشر في حد ذاته ليس غاية وإنما وسيلة إلى غاية أخرى هي إتاحة العلم بالتشريعات وعدم نص الدستور على توزيع أعداد الجريدة الرسمية بأعداد كافية لا يعني أن تتقاعس جهة الإدارة عن توفير أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية وإتاحتها للمخاطبين بالتشريعات، فإذا كان النشر واجباً على جهة الإدارة فإن النشر لا يتم إلا بتوزيع الأعداد المطبوعة وتيسيرها للمواطنين والقاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب 

ومن حيث إن امتناع الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية عن توفير أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية في جميع أنحاء الجمهورية وتيسير بيعها للمواطنين والمخاطبين بأحكام القانون يشكل مخالفة لأحكام الدستور والقانون، فالدستور والقوانين تضمنت النص على النشر بالجريدة الرسمية كشرط للعمل بالقوانين، وهو الأمر الذي يوجب إتاحة وسيلة النشر لجميع المخاطبين بالقوانين ولو أن الدستور كان يقر مسلك الهيئة المدعى عليها في طبع أعداد محدودة من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية وإتاحة الحصول عليها للمشتركين فقط لكان قد أخذ بطريقة إيداع القوانين لدى الهيئة المدعى عليها دون حاجة لنشرها واستوجب الاطلاع عليها أو الحصول على صورة منها من الهيئة المدعى عليها وهو الأمر الذي لم يأخذ به الدستور، وإنما أخذ بطريقة نشر القوانين في الجريدة الرسمية، كما تضمن كل قانون مادة خاصة بنشره في الجريدة الرسمية قبل العمل به، والنشر لا يتحقق بالمعنى المقصود في الدستور أو في القوانين إلا بإتاحة وسيلة النشر للكافة وعدم حجبها عنهم وتيسير حصولهم عليها والاطلاع عليها 

وادعاء الهيئة المدعى عليها أنها لا تطبع أعداداً كافية من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية وتقصر بيع ما تطبعه على المشتركين لأنها هيئة ذات طابع اقتصادي ومطالبة بتحقيق فائض يؤول إلى الخزانة العامة هو إدعاء غير سائغ لأن الهيئة العامة تنشأ لإدارة مرفق عام من مرافق عام لتلبية احتياجات عامة وقد أنشئت الهيئة العامة المدعى عليها لإدارة مرفق الطباعة بالدولة، وأسند إليها نشر الجريدة الرسمية والوقائع المصرية وتوزيعها، وهو عمل يرتبط بسلطة الدولة في التشريع، وهي وظيفة سيادية من وظائف الدولة فلا يجوز لها أن تتخلى عن نشر تشريعاتها إلى شخص من أشخاص القانون الخاص، ولا يجوز للهيئة المدعى عليها أن تتنصل من أداء واجبها في هذا الشأن لسبب يرجع إلى اعتبارات الربح والخسارة، لأنه إذا قبل من التجار من أشخاص القانون الخاص أن يبنوا قراراتهم على ما يحقق لهم الربح ويجنبهم الخسارة، فإنه لا يقبل من هيئة عامة قائمة على مرفق عام وتغطي الميزانية العامة أي عجز في ميزانيتها أن تتقاعس عن تقديم الخدمة العامة للمواطنين خشية خسارة قد تصيبها 

وبالبناء على ما تقدم فإن امتناع الهيئة المدعى عليها عن توفير أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية بأعداد كافية في جميع أنحاء الجمهورية يشكل قراراً سلبياً مخالفاً لأحكام الدستور والقانون ويتعين الحكم بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام الهيئة بتوفير الأعداد الورقية من الجريدة الرسمية والوقائع المصرية في جميع أنحاء الجمهورية وتيسير بيعها لمن يطلبها من المواطنين دون اشتراط الاشتراك في شرائها مقدماً وعدم قصر توزيعها على فروع الهيئة وإتاحة توزيعها شأن باقي المطبوعات العامة لتصبح في متناول الجمهور 

ومن حيث إنه عن موضوع الدعوى بالنسبة للطلب الثاني الخاص بوقف تنفيذ وإلغاء قرار الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بقصر الاطلاع على ما ينشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية على موقع الهيئة على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" على المشتركين بمقابل نقدي فإن المادة (38) من الدستور تنص على أن "......... لا يكون إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها في الأحوال المبينة في القانون. ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون ............" (كما تنص المادة (53) من الدستور على أن: "المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بسبب ............ أو المستوى الاجتماعي ............ أو لأي سبب آخر ............. 

ومفاد ما تقدم أن الدستور الحالي – على هدي الوثائق الدستورية المتعاقبة – حظر إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغائها إلا بقانون، وحظر تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون، كما كفل المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات العامة وحظر التمييز بينهم بسبب المستوى الاجتماعي أو لأي سبب آخر. ومن حيث إن الرسوم العامة تختلف عن الضريبة العامة في أن الضريبة فريضة مالية يلتزم الشخص بأدائها للدولة مساهمة منه في التكاليف والأعباء العامة دون أن يعود عليه نفع خاص ولا تفرض الضريبة إلا بقانون أما الرسم العام فإنه مبلغ مالي يحصل جبراً مقابل خدمة عامة محددة يقدمها شخص من أشخاص القانون العام لمن يطلبها، وفرض الرسم العام يكون في حدود القانون أي يجب أن يصدر قانون يحدد نوع الخدمة التي يحصل عنها الرسم والحد الأقصى للرسم الجائز تحصيله مقابل الخدمة العامة 

ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ذكرت في مذكرة دفاعها المقدمة بجلسة 15/1/2013 أن الهيئة أنشأت موقعاً إلكترونياً على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) منذ عام 2008 وأنها تنشر على الموقع فهرس أعداد الجريدة الرسمية والوقائع المصرية يتضمن رقم العدد ورقم التشريع أو القرار وتاريخ إصداره وتاريخ نشره وعنوانه وعدد الصفحات، أما نشر التشريع أو القرار كاملا فإنه يتاح مقابل اشتراك شهري أو ربع سنوي أو نصف سنوي أو سنوي ويتم إرسال صورة كاملة من العدد اليومي للوقائع المصرية والعدد الأسبوعي للجريدة الرسمية في يوم الصدور إلى المشتركين في الموقع الإلكتروني للهيئة 

ومن حيث إن نشر القوانين إلكترونياً على موقع الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية على شبكة المعلومات الدولية الانترنت لا يغني عن نشره في الجريدة الرسمية وعن إتاحة توزيع الأعداد الورقية للجريدة الرسمية للمخاطبين بأحكام القانون باعتبار أن النشر في الجريدة الرسمية طبقا لنص المادة (225) من الدستور هو وسيلة العلم بالقوانين وشرط للعمل بها، ولم ينص الدستور على نشر القوانين إلكترونياً كوسيلة للعلم بها، ومن ثم فإن النشر الإلكتروني للتشريعات من قوانين ولوائح وقرارات لا يعدو أن يكون خدمة عامة تقدمها الهيئة المدعى عليها للمواطنين بقصد إتاحة التشريعات للمواطنين 

ومن حيث إن القوانين واللوائح والقرارات التي تعرضها الهيئة المدعى عليها على موقعها الإلكتروني بمقابل لمن يدفع هي من الوثائق الرسمية للدولة والتي تعد ملكا للشعب وينطبق عليها نص المادة (68) من الدستور المشار إليها والتي تكفل إتاحة المعلومات والوثائق الرسمية للمواطنين وأسندت إلى المشرع تنظيم ضوابط الحصول عليها وإتاحتها، ولم يصدر قانون بعد لتنفيذ الأحكام الواردة بتلك المادة يجيز للهيئة المدعى عليها الحصول على مقابل مادي ممن يرغب من المواطنين الاطلاع على التشريعات التي تنشرها الهيئة المدعى عليها على موقعها الإلكتروني على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" كما أن تحصيل الجهات الإدارية لرسوم عامة مقابل الخدمات العامة التي تؤديها للجمهور، ينبغي أن يتقيد بنص المادة (38) من الدستور والتي تحظر تكليف أحد برسوم أو بأعباء مالية عامة – غير الضرائب العامة – إلا في حدود القانون، ولم يثبت من الأوراق صدور قانون ينظم تقديم الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية خدمة إتاحة التشريعات التي تنشرها الهيئة على موقعها الإلكتروني بمقابل للمخاطبين بأحكام تلك التشريعات، ويحدد الحد الأقصى للرسم الجائز تحصيله مقابل هذه الخدمة 

ومن ثم فإن قرار الهيئة المدعى عليها بقصر الاطلاع على ما ينشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية من قوانين ولوائح وقرارات على الموقع الإلكتروني للهيئة على شبكة المعلومات الدولية على من يدفع مقابلاً نقدياً وحرمان من لا يدفع الاطلاع على التشريعات المنشورة على الموقع هو قرار يخالف أحكام المادة (38) من الدستور لقيام الهيئة بفرض رسم عام خدمة عامة دون سند قانون يجيز لها ذلك، كما يخالف نص المادة (53) من الدستور لإخلاله بمبدأ المساواة بين المواطنين إذ يميز المواطنين على أساس مقدرتهم المالية فيتيح الاطلاع على التشريعات لمن يملك القدرة على دفع الاشتراك الذي حددته الهيئة، ويحرم غير القادرين على الدفع من الاطلاع على التشريعات وذلك دون سند قانوني يبرر تلك التفرقة 

ويتعين الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما يتضمنه من قصر الاطلاع على ما ينشر بالجريدة الرسمية والوقائع المصرية على الموقع الإلكتروني للهيئة على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" على المشتركين بمقابل نقدي مع ما يترتب على ذلك من آثار وأخصها إتاحة الاطلاع على كل ما ينشر على موقع الهيئة من قوانين ولوائح وقرارات وغيرها مجاناً دون تحصيل أي مقابل 

ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم المصاريف طبقاً لنص المادة 184 من قانون المرافعات 

فلهذه الأسـباب حكمت المحكمة

بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرارين المطعون فيهما مع ما يترتب على ذلك من آثار على الوجه المبين بالأسباب، وألزمت الهيئة المدعى عليها المصاريف

Sunday, April 23, 2017

الرقابة القضائية على الجهاز الاداري بالمحاكم- وربما البرلمان

هل يباشر القضاء الإداري رقابة على اعمال الجهاز الاداري بالمحاكم؟ وفقا للحكم الصادر من محكمة القضاء الاداري في الدعوى رقم ٤٨٣٦٤ لسنة ٧٠ ق جلسة ٢٤ يناير ٢٠١٧، هناك رقابة قضائية على اعمال الجهاز الاداري. الدعوى مرفوعة من ٢٠ قاضيا ضد وزير العدل ورئيس محكمة النقض وغيرهما بسبب ما قام به موظفين تحت رئاستهم من امتناع عن تسليم صور رسمية من احكام قضائية وامتناع عن قيد طعن في احكام قضائية صادرة في دعوى صلاحية. ما كشف عنه الحكم يحتاج الي رد فعل قوي للتأكيد على أن محكمة النقض تحترم القانون ولاتتبع الهوى مصداقا لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى". أخشى أن ما حدث قد انتقص كثيرا من سمعة المحكمة، وأن على من يعرف مكانة المحكمة أن يتصدى لما يحدث . الجهاز الاداري بالمحاكم بحاجة الي رقابة قوية وأولى بمحكمة النقض ان تكون قدوة لتصلح من احوال هذا الجهاز وتبتدع مبادئ قضائية تعالج العوار الفاحش الذي تكشف عنه الحياة العملية. ولعل الجهاز الاداري بالبرلمان ايضا تطوله رقابة القضاء الاداري لتنظم عمله الذي يحتاج أن تحكمه قواعد موضوعية مجردة بعيدة عن الهوى 


  

Wednesday, April 19, 2017

حماية الملكية الفكرية مسألة امن قومي

هل توفر مصر حماية قانونية فعالة للملكية الفكرية لدرجة تطمئن أي مستثمر وطني او اجنبي؟ الحماية القانونية الفعالة يتوزع عبئها على ثلاثة جهات هي البرلمان والمحاكم والجهات التنفيذية المختصة بالملكية الفكرية في صورها المختلفة: براءة الاختراع ونماذج المنفعة و حق المؤلف والعلامة التجارية الخ. لا شك أن القانون رقم ١٨٢ لسنة ٢٠٠٢ بحاجة الي تعديلات جوهرية لتعالج ما كشفته الممارسة عن عيوب (مثل المادة ٣ التي تنفي الجدة عن الاختراع لسبق "تقديم" طلب وليس سبق "نشر" الطلب). والمحاكم أيضا بحاجة الي تعميق معرفتها بالمناهج القضائية المقارنة التي تتعلق بحماية مثل هذا النوع من الملكية. والجهات التنفيذية المختصة (وعلى رأسها مكتب البراءات) بحاجة الي تبني قواعد استرشادية واضحة وشفافة ومنضبطة. بدون تحقيق نتائج ايجابية في الجهات الثلاث السابقة، لا يوجد اي حافز مشجع للمستثمر ليقوم بالاستثمار في هذا القطاع الحيوي واللازم لتطور الجماعة المصرية والذي يعد احد الموضوعات الاساسية للأمن القومي المصري. يكفي مقارنة ترتيب مصر (٩٨) بترتيب اسرائيل (٣٢) بين الدول ال ١٢٨ التي توفر حماية فعالة للملكية الفكرية، لندرك خطورة الأمر، وما أدى اليه (عام ٢٠١٤ تم تقديم ١٣ الف طلب حصول على براءة اختراع في اسرائيل -منهم ١١٣ طلب من مؤسسات جامعية- مقارنة ب ٨٠٠ طلب حصول على براءة اختراع في مصر- منهم طلبين من مؤسسة جامعية وحيدة هي الجامعة الامريكية). بدون تحقيق نتائج ايجابية في هذا الموضوع، أخشى أن يقرر المستثمر والمخترع والمبدع ان الافضل ان يحتفظ كل منهم بما عنده بدون ان يشاركه مع الجماعة الوطنية، لأن ذلك أجدى في حمايته بدلا من أن يضيع عمره في طلب حماية غير فعالة. الخلاصة، الاجابة على السؤال السابق هي لا. مصر لا توفر حماية قانونية فعالة للملكية الفكرية لدرجة تطمئن أي مستثمر وطني او اجنبي

Friday, April 14, 2017

عدم دستورية الافراط في العقاب

هل يملك المشرع - او من يقوم بمهمته على سبيل الاستثناء- سلطة تقديرية مطلقة في عقاب الافراد على الجرائم التي يرتكبونها؟ اجابة هذا السؤال ترتبط بأحد الموضوعات التي يتناولها احد العلوم القانونية وهو علم الجزاء الجنائي وهو علم له أصوله ومبادئه التي تحكم رد فعل المجتمع تجاه الجريمة. ويتصور أن يكون للمجتمع ردود فعل عديدة تجاه الجريمة، فقد يكون الرد همجياً يعتمد على العاطفة او الاهواء وقد يكون حضارياً متأنيا. يعتمد على المنطق والقانون. وللمحكمة الدستورية احكاما عديدة تتناول الضوابط الدستورية التي تلتزم بها الدولة وفقا لمبدأ خضوع الدولة للقانون، ومنها مثلا "ألا تكون العقوبة متضمنة معاقبة الشخص أكثر من مرة عن فعل واحد، وألا يكون الجزاء مدنياً كان او جنائيا مفرطا بل يتعين أن يكون متناسباً مع الفعل المؤثم ومتدرجاً بقدر خطورته" وهو ما يستتبع مثلا عدم دستورية الافراط في الانتقاص عناصر الشخصية القانونية بتعامد الجزاءات الجنائية على فعل واحد. الخلاصة، الاجابة على السؤال السابق هي لا. ليس للمشرع سلطة تقديرية مطلقة


تطورات قانونية
 السيسي يقرر إعلان حالة الطوارئ في مصر لمدة 3 شهور
  مجلس النواب المصري يقر فرض حالة الطوارئ بعد تفجير كنيستي طنطا والاسكندرية
  «تشريع مجلس الدولة» يرفض مشروع «رؤساء الهيئات القضائية» لشبهات عدم دستورية
 في التقرير المقدم للكسب غير المشروع: ثروة العادلي ‏18‏ مليار جنيه و‏42‏ قصرا‏!‏  
   فى قضية "الاستيلاء على أموال الداخلية".. نص منطوق الحكم بالسجن المشدد 7 سنوات على حبيب العادلى
 بعد 4 براءات.. السجن 7 سنوات للعادلي في فساد الداخلية
  «تشريع مجلس الدولة» يرفض مشروع «رؤساء الهيئات القضائية» لشبهات عدم دستورية
 الحكومة ترسل «العدالة الانتقالية» للبرلمان.. وهيئة المكتب تتكتم
 - تأجيل محاكمة علاء وجمال مبارك في «التلاعب بالبورصة» إلى 18 أبريل 
 - الإدارية العليا تحيل طعن توفيق عكاشة لإلغاء قرار إسقاط عضويته لدائرة الموضوع 
مفوضى الدستورية: تغريم المتظاهرين دون إخطار يحقق «الموازنة المعقولة» بين الحريات وأمن المجتمع

Monday, April 10, 2017

حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة 3-1 من قانون الطوارئ


المحكمة الدستورية العليا
جلسة 2 يونيو 2013
الطعن رقم 17 لسنة 15 قضائية دستورية
 
  برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيري رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: أنور رشاد العاصي وعبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف وسعيد مرعي عمرو والدكتور/ عادل عمر شريف
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمي رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر


بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة
 
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة أسندت إلى المدعي في الدعوى الدستورية الماثلة، أنه: أولا: وضع وآخرون بالغون عمدا نارا في الحوانيت المملوكة للمجني عليهم المبينة أسماؤهم بالأوراق.
ثانيا: وضع وآخرون بالغون عمدا نارا في مبنى كنيسة ماري جرجس. ثالثا: خرب وآخرون بالغون مباني معدة لإقامة شعائر دينية لكنيسة ماري جرجس -. وقد قيدت الأوراق برقم 12441 لسنة 1991 جنايات الرمل - الإسكندرية، ونظرا لكون المدعي حدثا، فقد أحيل إلى محكمة أحداث الإسكندرية بالجناية رقم 350 لسنة 1992، وبجلسة 29/11/1992 دفع الحاضر عن المدعي بعدم دستورية البند (1) من المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن الطوارئ. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة. 

وحيث إن المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 بتعديل بعض النصوص المتعلقة بضمان حريات المواطنين في القوانين القائمة تنص على أن: "لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام وله على وجه الخصوص: 1- وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن وأوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. 2- ....... 3- ...... 4- ....... 5-....... 6- ....."، كما تنص المادة (17) من القرار بقانون ذاته على أن: "لرئيس الجمهورية أن ينيب عنه من يقوم مقامه في اختصاصاته المنصوص عليها في هذا القانون كلها أو بعضها وفي كل أراضي الجمهورية أو في منطقة أو مناطق معينة منها".
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه، تخويله رئيس الجمهورية ومن بعده وزير الداخلية - وكليهما ليس من أعضاء السلطة القضائية - مكنة اعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، بما يخالف المادة رقم (44) من دستور عام 1971، المقابلة للمادة رقم (39) من الدستور الحالي، والتي قررت حرمة المساكن وحظرت دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقا للقانون
.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى، لانتفاء المصلحة، على سند من انتفاء مجال إعمال النص المطعون فيه في القضية رقم 350 لسنة 1992 جنايات أحداث، المتهم فيها المدعي في الدعوى الدستورية، لأن ما قام به مأمور الضبط القضائي تنفيذا لأمر وزير الداخلية لم يكن تفتيشا لمسكن المدعي، وإنما كان دخولاً للمسكن بقصد القبض عليه، بناء على أمر اعتقال، دون أن ينعي عليه المدعي بمخالفة الدستور، فضلاً عن أن اعتراف المدعي في الدعوى الموضوعية لم يك وليد التفتيش، فإذا ما قضي ببطلان ذلك التفتيش، فلن يترتب بطلان الاعتراف لاستقلاله عنه، ومن ثم لا تكون للمدعي مصلحة في دعواه الماثلة
.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أنه من المقرر أن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية،وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، بما مؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ألحق بهم النص المطعون فيه، ضررا مباشرا، سواء أكان هذا الضرر وشيكا يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً، ويتعين دوما أن يكون الضرر المدعى به، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلا بالعناصر التي يقوم عليها، عائدا في مصدره إلى النص المطعون فيه، ممكنا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية المناسبة. متى كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أنه تم القبض على المدعي واعتقاله وتفتيشه وتفتيش مسكنه، فإنه تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على ما تضمنه النص المطعون فيه من مكنة القبض على الأشخاص واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والمساكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، ويكون الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة قد ورد على غير سند.
 
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، لبيان مدى تطابقها مع القواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره إذ تستهدف هذه الرقابة أصلاً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. وبالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر في 25/12/2012
 
وحيث إن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد حق لقواعده أن تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها. وهذه القواعد والأصول هي التي يُرد إليها الأمر في تحديد ما تتولاه السلطات العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى استثناء من الأصل العام الذي يقضي بانحصار نشاطها في المجال الذي يتفق وطبيعة وظيفتها. وإذ كانت هذه الأعمال الاستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد، فلا يجوز لأي من تلك السلطات أن تتعداها إلى غيرها، أو تجور على الضوابط والقيود المحددة لها، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع - متى انصبت على قانون أو لائحة - للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها
.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة، قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923، على تقرير الحقوق والحريات العامة في صلبها، قصدا من المشرع الدستوري على أن يكون النص عليها في الدستور قيدا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام، وفي حدود ما أراده الدستور لكل منها من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعيا فإذا خالف أحد التشريعات هذا الضمان الدستوري، بأن قيد حرية أو حقا ورد في الدستور مطلقا، أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريا، وقع هذا التشريع مشوبا بعيب مخالفة الدستور
.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قانون الطوارئ هو محض نظام استثنائي قصد به دعم السلطة التنفيذية وتزويدها بمكنات معينة، تحد بها من الحقوق والحريات العامة، بهدف مواجهة ظروف طارئة تهدد السلامة العامة أو الأمن القومي للبلاد، - وتبعا لذلك - لا يجوز التوسع في تطبيقه، ويتعين التزام التفسير الضيق لأحكامه، ويجب على السلطة التي حددها قانون الطوارئ - وتتمثل في رئيس الجمهورية أو من ينيبه - أن تتقيد بالغاية المحددة من قانون الطوارئ وبما لا يخرج عن الوسائل التي تتفق مع أحكام الدستور، وذلك عند اتخاذ أي من التدابير المنصوص عليها في المادة (3) من القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958، وإلا وقع ما اتخذته في حومة مخالفة الدستور
.
وحيث إن من المقرر أن نصوص الدستور لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها، مما يجعل منها نسيجا متآلفا متماسكا، ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين بها يفترض العمل بها في مجموعها. وإذ كان الدستور قد نص في ديباجته على خضوع الدولة للقانون، دالاً بذلك على أن الدولة القانونية هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها وأيا كانت طبيعة سلطاتها بقواعد قانونية تعلوها، وتكون بذاتها ضابطا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، ومن ثم فقد أضحى مبدأ خضوع الدولة للقانون مقترنا بمبدأ مشروعية السلطة هو الأساس الذي تقوم عليه الدولة القانونية. متى كان ذلك، وكان الدستور ينص في المادة (74) منه على أن: "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة"، وينص في المادة (148) على أن: "يُعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي الحكومة، حالة الطوارئ على النحو الذي ينظمه القانون ....."، ومن ثم فإن القانون المنظم لحالة الطوارئ، يتعين أن يتقيد بالضوابط المقررة للعمل التشريعي، وأهمها عدم مخالفة نصوص الدستور الأخرى، إذ إن صدور قانون الطوارئ بناء على نص في الدستور لا يعني ترخص هذا القانون في تجاوز باقي نصوصه، وإذ كانت المادة (34) من الدستور تنص على أن: "الحرية الشخصية حق طبيعي" وهي مصونة لا تمس"، كما تنص المادة (35) من الدستور على أن: "فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق"، كما تنص المادة (39) منه على أن: "للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر والاستغاثة، لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبأمر قضائي مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض ......."، وتبعا لذلك فإن النص في البند (1) من المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 على الترخيص في القبض على الأشخاص والاعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون إذن قضائي مسبب يكون قد أهدر حريات المواطنين الشخصية واعتدى على حرية مساكنهم مما يمثل خرقا لمبدأ سيادة القانون الذي يُعد أساس الحكم في الدولة.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، القول بأن قانون الطوارئ إنما يعالج أوضاعا استثنائية متعلقة بمواجهة نذر خطيرة تتهدد معها المصالح القومية بما قد ينال من استقرار الدولة أو تعرض أمنها وسلامتها لمخاطر داهمة، وأن حالة الطوارئ بالنظر إلى مدتها وطبيعة المخاطر المرتبطة بها لا تلائمها أحيانا التدابير التي تتخذها الدولة في الأوضاع المعتادة، ذلك أنه لا يجوز أن يتخذ قانون الطوارئ الذي رخص به الدستور ذريعة لإهدار أحكامه ومخالفتها وإطلاقه من عقالها، إذ إن قانون الطوارئ - وأيا كانت مبرراته - يظل على طبيعته كعمل تشريعي يتعين أن يلتزم بأحكام الدستور كافة، وفي مقدمتها صون حقوق وحريات المواطنين
.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن ما ورد بنص البند (1) من المادة (3) من القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 من الترخيص بالقبض والاعتقال وبتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، يخالف أحكام المواد (34، 35، 39، 81) من الدستور
. فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنه البند (1) من المادة رقم (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 من تخويل رئيس الجمهورية الترخيص بالقبض والاعتقال، وبتفتيش، الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

قانون الطوارئ بحاجة إلي إشراف قضائي قوي




طريقة تطبيق إدارة الرئيس السيسي لقانون الطوارئ هي التي ستحدد مدى النجاح الذي سيحققه في مكافحة الإرهاب والتطرف الذي غدر بنا جميعاً في طنطا والإسكندرية. الهجوم على دور العبادة الحاشدة بالمصلين في وقت احتفالهم بعيدهم عمل صادر عن افراد منهجهم في التفكير يستدعي التعامل معه بقانون الطوارئ. وهناك فئتين يستدعي الأمر التعامل معهم بقانون الطوارئ بما يتضمنه من تقييد لحقوقهم وحرياتهم على نحو غير معتاد في الظروف العادية، الفئة الأولى: المسئولين عن ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية، والفئة الثانية: هم من يضعون أنفسهم موضع الشبهات جنباً إلي جنب مع المسئولين عن ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية. خارج هاتين الفئتين، هناك مواطنون عاديون لا صلة لهم بما حدث ولم يضعوا انفسهم موضع الشبهات، وأتمنى ألا يطولهم اي تضييق عليهم او تقييد لحقوقهم وحرياتهم، فيجعلهم عُرضة لإستقطاب فكري وعمل إجرامي يغدر بالمجتمع بحجة -خاطئة- أن المجتمع غدر بهم. أتمنى ان تضع إدارة الرئيس السيسي نصب عينها وفي كافة الإجراءات التي ستتخذها حيثيات حكم المحكمة الدستورية العليا (الطعن رقم 17 سنة 15 قضائية دستورية- الصادر في 2 يونيو 2013) بعدم دستورية البند 1 من الفقرة 3 من قانون الطوارئ، وألا توكل مسئولية تطبيق القانون إلي وزارة الداخلية وفق فهمها للقانون وبحسب تفسيرها له في ضوء امكانياتها والتزاماتها الأمنية. حكم المحكمة الدستورية اوضح بلا لبس أن قانون الطوارئ ليس مدخلاً لإنتهاك الحقوق الدستورية الأساسية (انظر المقال الكامل للأستاذ  الدكتور فتوح الشاذلي استاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بجامعة الاسكندرية-- تم اقتباسه بالأسفل من موقع المفكرة القانونية). الخلاصة، إذا ما أساءت إدارة الرئيس السيسي اختيار طريقة تطبيقها لقانون الطوارئ -كما حدث في عهد الرئيس السابق مبارك- فإن أكثر ما أخشاه أن يؤدي إعلان حالة الطوارئ وتطبيقها بدون إشراف قضائي حقيقي إلي وقوع ظلم جسيم يخل بالأمن القومي القانوني ويفاقم المشكلة دون أن يحلها ويخل بالأمن القومي اخلالاً جسيماً يصعب علاجه



نقلاً عن موقع القبس



بتاريخ 2 يونيو 2013، أصدرت المحكمة الدستورية العليا في مصر حكماً تاريخياً في مضمونه ومداه. هذا الحكم تأخر صدوره لأكثر من عشرين عاماً، لكنه صدر في النهاية ليعلن بوضوح أن "القانون المنظم لحالة الطوارئ يتعين أن يتقيد بالضوابط المقررة للعمل التشريعي، وأهمها عدم مخالفة نصوص الدستور الأخرى، إذ إن صدور قانون الطوارئ بناءً على نص في الدستور لا يعني ترخيص هذا القانون في تجاوز باقي نصوصه". ونظراً لأهمية هذا الحكم، رأينا من الملائم أن نخصص له دراسة مستقلة في ظل الظروف التي تمر بها مصر وغيرها مما بات يُعرف بدول "الربيع العربي". فإذا كان الحكم قد فصل في واقعة محددة، إلا أن أسبابه تشير إلى إمكان شمول عدم الدستورية نصوصاً أخرى وردت في قانون الطوارئ متى كانت تخالف نصوصاً دستورية أو ترخص في تجاوزها، فتتحلل بذلك من الضوابط المقررة للعمل التشريعي
.
واقعات الدعوى الدستورية

في 20 أبريل 1993، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة دعواه، يطلب فيها الحكم بعدم دستورية نص البند (1) من المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ.
وتتلخص وقائع الدعوى في أن النيابة العامة أسندت إلى المدعي في الدعوى الدستورية أنه: أولاً: وضع هو وآخرون عمداً ناراً في الحوانيت المملوكة للمجني عليهم. ثانياً: وضع هو وآخرون عمداً ناراً في مبنى كنيسة ماري جرجس بالإسكندرية. ثالثاً: خرّب هو وآخرون مباني معدة لإقامة شعائر دينية (كنيسة ماري جرجس). وبعد القبض على المتهم وتفتيشه وتفتيش مسكنه، تم التحقيق معه وإحالته إلى محكمة جنايات أحداث الإسكندرية بالجناية رقم 350 لسنة 1992، نظراً لكونه حدثاً وقت ارتكابه الأفعال المسندة إليه. وفي جلسة 29/11/1992، دفع الحاضر عن المتهم (المدعي في الدعوى الدستورية) بعدم دستورية البند (1) من المادة (3) من قانون الطوارئ، لجهة تخويله رئيس الجمهورية أو من ينيبه (وزير الداخلية)، وهما ليسا من أعضاء السلطة القضائية، مكنة اعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما يخالف المادة (44) من دستور 1971، المقابلة للمادة 39 من دستور 2012، والتي قررت حرمة المساكن وحظرت دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً للقانون. وطلب المدعي الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه.
وقد قدرت محكمة الأحداث جدية الدفع فصرحت بإقامة الدعوى الدستورية التي بقيت عالقة لدى المحكمة الدستورية العليا طوال عشرين عاما (1993-2013)، إذ تم رفعها في منتصف ولاية الرئيس الأسبق حسني مبارك (1993)، ولم يفصل فيها إلّا في أواخر عهد الرئيس السابق محمد مرسي (2013)
.
حكم المحكمة الدستورية العليا وحيثياته

التساؤل الأول الذي يطرح في هذا المجال يتصل بالمدة التي استغرقتها المحكمة لفصل هذه الدعوى الدستورية. فهل كانت هناك ملاءمة سياسية دفعت المحكمة إلى تأخير الفصل فيها، بحيث كان يمكن أن يؤدي الحكم فيها إلى تقييد السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه في قانون الطوارئ وفي عصور الاستبداد؟
لن نخوض في دوافع المحكمة الدستورية العليا أو الأسباب التي أدت إلى تأخير صدور هذا الحكم الهام، فالأهم أنه صدر ولو بعد طول انتظار، فصدوره متأخراً خير من عدم صدوره على الإطلاق. بدأت المحكمة حكمها برد الدفوع التي كانت قد تقدمت بها هيئة قضايا الدولة بخصوص مصلحة المدعي، ثم أوردت الحيثيات التي أدت إلى صدور حكمها على النحو الذي صدر به.
وفي هذا الصدد، بدأت المحكمة بتأكيد ما جرى عليه قضاؤها من أن الرقابة على دستورية القوانين إنما تخضع لأحكام الدستور القائم عند الحكم دون غيره، لأنها تستهدف صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وإهدار ما يخالفها من التشريعات. وبناءً عليه، فقد باشرت المحكمة رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام دستور 2012 النافذ وقت صدور الحكم.
وبيّنت المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى، فهو يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة ووظائفها، ويؤكد ضمانات حمايتها. لذلك كانت قواعده وأصوله هي المرجع في تحديد ما تتولاه السلطات العامة من وظائف أصلية أو أعمال استثنائية وردت على سبيل الحصر والتحديد. ولما كانت الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت على تقرير الحقوق والحريات العامة في صلبها حتى تكون قيداً على المشرّع العادي في ما يسنّه من قواعد وأحكام لا يخالفها بتقييد حرية أو حق ورد في الدستور مطلقاً، أو بإهدار أو انتقاص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستورياً، وإلا وقع هذا التشريع مشوباً بعيب مخالفة الدستور.
وأكدت المحكمة أن قانون الطوارئ هو محض نظام استثنائي لا يجوز التوسع في تطبيقه، ويتعين التزام التفسير الضيق لأحكامه، والتقيد بالغاية المحددة منه وبما لا يخرج عن الوسائل التي تتفق مع أحكام الدستور، وذلك عند اتخاذ أي من التدابير المنصوص عليها فيه، وإلّا وقع ما اتخذ في حوْمة مخالفة الدستور.
ولما كان دستور 2012 قد نص في المادة 74 منه على أنّ: "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة". ونصّ في المادة 148 على أنّ: "يعلن رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي الحكومة حالة الطوارئ على النحو الذي ينظمه القانون"، ومن ثم فإن قانون الطوارئ يتعين أن يتقيد بالضوابط المقررة للعمل التشريعي، وأهمها عدم مخالفة نصوص الدستور الأخرى، "إذ أنّ صدور قانون الطوارئ بناءً على نص في الدستور لا يعني ترخيص هذا القانون في تجاوز باقي نصوصه".
وإذ نصت المادة 34 من الدستور على أنّ: "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تمس"، ونصت المادة 35 على ضرورة صدور أمر قضائي مسبّب يستلزمه التحقيق لإمكان القبض على الشخص أو تفتيشه أو حبسه أو منعه من التنقل أو تقييد حريته بأي قيد في غير أحوال التلبس، ونصت المادة 39 على أنّ: "للمنازل حرمة، وما عدا حالات الخطر والاستغاثة، لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبأمر قضائي مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض". وتطبيق هذه النصوص يتنافى مع ما ورد في قانون الطوارئ من ترخيص بالقبض والاعتقال والتفتيش للأشخاص والأماكن دون إذن قضائي مسبب، فذلك يهدر حريات المواطنين الشخصية ويعتدي على حرمة مساكنهم، ما يمثل خرقاً لمبدأ سيادة القانون الذي يعد أساس الحكم في الدولة.
ولا ينال مما تقدم القول بأن قانون الطوارئ إنما يعالج أوضاعاً استثنائية متعلقة بمواجهة نذر خطيرة تتهدد معها المصالح القومية بما قد ينال من استقرار الدولة أو تعرض أمنها وسلامتها لمخاطر داهمة، أو أن حالة الطوارئ بالنظر إلى مدتها وطبيعة المخاطر المرتبطة بها لا تلائمها أحياناً التدابير التي تتخذها الدولة في الأوضاع المعتادة، ذلك أنه لا يجوز أن يتخذ قانون الطوارئ الذي رخص به الدستور ذريعة لإهدار أحكامه ومخالفتها وإطلاقه من عقالها، إذ أن قانون الطوارئ – أياً كانت مبرراته - يظل على طبيعته كعمل تشريعي يتعين أن يلتزم بأحكام الدستور كافة، وفي مقدمتها صون حقوق المواطنين وحرياتهم
.
منطوق الحكم وآفاق المستقبل

من حيثيات الحكم، انتهت المحكمة إلى أن ما نص عليه قانون الطوارئ من الترخيص بالقبض والاعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، يخالف أحكام المواد 34، 35، 39، 81 من دستور 2012. وبناءً عليه حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنه البند (1) من المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ.
ولكن، ماذا بعد هذا الحكم؟ لقد قرر الحكم بوضوح أن القانون المنظم لحالة الطوارئ يتعين أن يتقيد بالضوابط المقررة للعمل التشريعي، وأهمها عدم مخالفة نصوص الدستور الأخرى. بيد أن هناك نصوصاً في قانون الطوارئ بها شبهة مخالفة لنصوص دستورية متكررة في الدساتير المصرية المتعاقبة منذ دستور سنة 1923، ونكتفي ببعض الأمثلة:
-المادة (9) من قانون الطوارئ تجيز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة طوارئ الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام. هذا النص يخالف المادة 75 من دستور 2012 المعطل ونصها: "لا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظورة"، والمادة 15 من الإعلان الدستوري الصادر في 8 يوليو 2013 "لكل مواطن حق الالتجاء لقاضيه الطبيعي". ونأمل أن يتبنى الدستور الجديد المادة 75 من دستور 2012.
-المادة (12) من قانون الطوارئ تحظر الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة من محكمة أمن الدولة طوارئ. هذا النص يخالف المادة 75 من دستور 2012، والمادة 15 من الإعلان الدستوري: "يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء".
-المادة (13) من قانون الطوارئ تجيز لرئيس الجمهورية حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة والإفراج المؤقت عن المتهمين المقبوض عليهم. والمادة (14) تجيز لرئيس الجمهورية أن يلغي الحكم الصادر بالإدانة بعد التصديق عليه أو أن يخفف العقوبة أو يوقف تنفيذها. فما مدى توافق هذا النص مع المادة 16 من الإعلان الدستوري "لا يجوز لأي سلطة التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة". ونأمل أن يتضمن الدستور الجديد نصاً مماثلاً لنص المادة (16) من الإعلان الدستوري.
إذا لم نتعلم شيئاً من فترات الاستبداد، فسوف نعود إليه مرة أخرى. وقد علمتنا تجارب الحياة القانونية أن الاستبداد ينشأ ويقوى في ظل النصوص القانونية التي تقيد الحقوق والحريات العامة للمواطنين وتعتدي على استقلال القضاء العادي وتكرّس المحاكم الاستثنائية والتحايل على حق المتهم في المحاكمة أمام قاضيه الطبيعي. إن الشعوب لا ترزأ بالمجرمين أو المستبدين، لكنها تنتج هؤلاء وهؤلاء عندما لا تتعلم من تجاربها في فترات الاستبداد
.
نُشر في العدد الحادي عشر من مجلة المفكرة القانونية

Wednesday, April 5, 2017

الأمن القانوني القومي المصري: السيادة قوة والقوة سيادة



من فروع القانون المهمة التي انصح الباحثين بالإهتمام بها هو قانون الأمن القومي، والذي لم ينل حقه من الاهتمام والعناية والبحث في مصر رغم العلاقة الوثيقة بين الامن القومي والقانون والتي يمكن ادراكها من خلال نصوص الدستور التي تذكر كلمة السيادة. ففي الدستور المصري (2014) اختار الشعب أن تكون له وحده السيادة يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات (المادة 4). والحقيقة أن السيادة تعنى في جوهرها القوة. ومن قوة الشعب تتفرع قوة السلطات، ولذلك فإن الشعب مصدر السلطات. وفي الدستور المصري أيضاً (2014) استجمع الشعب قوته واستودع هذه السيادة (اي القوة) في فكرة القانون، فقرر أن "سيادة القانون اساس الحكم في الدولة. وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات اساسية لحماية الحقوق والحريات." (المادة 94). 

ومن هنا نفهم أن سيادة الشعب (م 4) التي يمارسها ويحميها من خلال القانون- اساس الحكم في الدولة- الذي تخضع له الدولة من خلال قضاء مستقل ومحصن ومحايد (م 94) هي قوة الشعب التي يمارسها ويحميها من خلال قوة القانون الذي يتحول من الناحية الواقعية الي قوة الأحكام القضائية التي تصدر من قضاء مستقل ومحصن ومحايد (م 94) وتدعمه قوة السلاح الذي يملكه الشعب (م200- القوات المسلحة ملك الشعب...). كل ما سبق مهم لفهم المقصود من مصطلح "سيادة القانون" الذي ورد في المادة (1) من دستور 2014 التي تنص أن على أن جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة... ونظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون". ومهم ايضا لفهم الدور الذي قام به الحرس الوطني الأمريكي في تنفيذ حكم المحكمة العليا الامريكية في قضية براون ضد مجلس التعليم في توبيكا - كنساس عام  1954




وواضح أن اهمية المادة الاولى من الدستور المصري تكمن في أنها تحدد الهدف من كل ما يأتي بعدها من مواد ، فجوهر فكرة النظام في مصر (او النظام العام -كما تعبر عنه القوانين والاحكام القضائية) هو نظام جمهوري ديمقراطي اساسه المواطنة وسيادة القانون. هذا النظام العام هو الاساس والجوهر في تحديد كافة الاصول والفروع التي تشكل النظام القانوني المصري، الذي يحكم بقاء المجتمع ونماءه، اي الامن والتطور. ويرتبط بفكرة النظام العام فكرة الأمن القانوني التي تعرضت لها بإختصار في بحث لي بعنوان (المجتمع الاهلي ومكافحة الفساد في ضوء مبادئ قانون التنمية) منشور في المجلة العربية للعلوم السياسية -العدد 28 – خريف 2010

وفكرة الامن القومي لها اصول وفروع تدخل فيما يتشكل منه النظام القانوني المصري، لكنها لم تلقى حظها من الاهتمام الذي تلقاه في دول أخرى. وهناك برامج أكاديمية متخصصة في جامعات أمريكية عريقة (مثل جورج واشنطن وجورج تاون) تعكف على تناول النواحي القانونية للأمن القومي من زوايا عديدة ومن خلال مقررات دراسية متنوعة تتناول القوانين المنظمة للأجهزة المختصة بالأمن القومي والقوانين المنظمة لمصادر الاخطار على الامن القومي والقوانين المنظمة للإجراءات اللازمة للتصدي لهذا الأخطار. والهدف من تناول هذه الموضوعات بالدرس والفحص هو تحليل الروى المتنوعة للمهتمين والمشتغلين بمسائل الامن القومي من أجل دعمه وتقويته

ومن المهم للغاية أن نهتم في مصر بهذا الفرع من القانون الذي يساعد على تقريب وجهات النظر للمهتمين بالقانون والامن القومي. وفي حوار للواء حسام سويلم (الاهرام- الجمعة 3 يناير 2014) وهو ممن ينبغي أن يقرأ له أي مهتم بالأمن القومي المصري، قرأت عبارته "المنظومة القضائية جزء من الدولة تابعة لرئيس الدولة ورئيس الوزراء" وهي عبارة تبدو في ظاهرها أنها تختلف عما يقوم اهل القانون بدراسته، ولعل المقصود بها غير ما فهمته من ظاهرها. لكن في جميع الأحوال، اتمنى أن يكون لدينا برامج أكاديمية متخصصة تتناول موضوع القانون والامن القومي، كي يساعد تقريب وجهات النظر على تحقيق بقاء المجتمع المصري ونماءه على افضل وجه، ولعلها تساعدنا على تقريب وجهات النظر لصياغة فهم مصري أصيل للمقصود بأعمال السيادة التي آمل أن تضع المحكمة الدستورية العليا تعريفاً متوازناً لها ينبع من فكرة القوة كما عرفها القانون الإلهي. والله اعلم




Tuesday, April 4, 2017

هل يختص القاضي المستعجل بنظر أعمال السيادة؟



متابعة التطورات القانونية المتعلقة بموضوع جزيرتي تيران وصنافير فرصة ذهبية للقانونيين الراغبين في تنمية مهارات البحث العلمي القانوني وتحليل الموضوعات القانونية المتشابكة والتعرف على فرعين من التقاضي الاول هو التقاضي المعقد والثاني هو التقاضي الاستراتيجي. أهم ما ينبغي على الباحث القانوني التحلي به خلال رحلته البحثية في الموضوع هو التحلي بالأمانة العلمية والدقة والحياد. لا يهم ما تراه او ما تعتقده او ما تميل إليه. لا تتبع هوى نفسك وإنما اجعل هدفك الرئيسي هو تنمية مهاراتك القانونية في البحث والتحليل والربط بين المقدمات والنتائج بطريقة منطقية 

ومن ضمن الاسئلة التي يتصور أن يبدأ بها الباحث يحثه -عقب صدور حكم محكمة الأمور المستعجلة والذي قضت المحكمة فيه "بعدم الاعتداد بالحكم الصادر في الدعويين 43709، 43866 لسنة 70 ق، من محكمة القضاء الاداري، وكذا الحكم الصادر في الطعن 74236 لسنة 62 ق عليا، واعتبارهما منعدمي الأثر" -الاسئلة التالية 

اولا: ما الذي انتهى اليه الحكمين الصادرين في الدعويين المشار اليها تحديداً؟ 
ثانياً: كيف تم عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا؟ 
ثالثاً: كيف تم عرض الأمر على محكمة الأمور المستعجلة؟ 
رابعاً: ما تفاصيل الحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة وهل هناك أحكام أخرى صدرت منها تتصل بذات الموضوع؟ 
خامساً: ما هي النقطة القانونية الاساسية التي تناولتها كافة الاحكام الصادرة؟ 
سادساً: ما هي النقاط القانونية الفرعية المنبثقة عنها والتي يتوقف الاجابة عليها على الاجابة على السؤال القانوني الرئيسي؟ 
سابعاً: لو أن النقطة الاساسية هي مدى اعتبار الموضوع بأكمله عمل من اعمال السيادة وبالتالي لا يجوز للقضاء نظره، فهل هناك نصوص ينبغي الرجوع اليها لمعرفة الاجابة على هذا السؤال؟ 
ثامناً: واذا كانت هناك نصوص تشريعية في قانون السلطة القضائية (الخاص بالقضاء العادي) وفي قانون مجلس الدولة (الخاص بالقضاء الاداري) فهل يوجد نص في قانون المحكمة الدستورية العليا (وهي المختصة بالقضاء الدستوري)؟ 
تاسعاً: هل يوجد نص ذو صلة في دستور 2014 وهل تؤثر هذه النصوص الدستورية على تفسير النصوص التشريعية الموجودة قبل سريان دستور 2014 (مثل ذكر كلمة سيادة في الديباجة او في المادة 4 -السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها- او المادة 94 -سيادة القانون أساس الحكم في الدولة. وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات- او المادة 151 -ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.-)؟ 
عاشراً: بفرض أن القضاء الاداري غير موفق فيما انتهى اليه في اعتباره أن الموضوع ليس من اعمال السيادة، فكيف يمكن تحليل موقف محكمة الامور المستعجلة التي اعتبرت ان الموضوع عمل من اعمال السيادة لكنها في نفس الوقت رأت أنها -وهي جزء من القضاء العادي- لها أن تنظره, بل ولها أن تنظر عمل قضائي صادر من اعلى محكمة في هرم القضاء الإداري (المحكمة الإدارية العليا). أتمنى أن يصل الأمر إلي أعلى محكمة في هرم القضاء العادي (محكمة النقض) لتوضح رأيها في هذا الأمر وهل هو -كما يرى الدكتور شوقي السيد- حكم "معدوم وليس له أي أثر قانوني، كما لا تملك الأمور المستعجلة إلغاء حكم الإدارية العليا وهى بمرتبة تساوى في أحكامها محكمة النقض". ربما يستغرق الأمر بعض الوقت، ولا أرى سبباً للإستعجال


اتمنى ألا تعتمد السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على حكم محكمة الأمور المستعجلة لتتدخل في موضوع هو منظور أمام القضاء الدستوري بالفعل، وبالتالي يسري عليه التجريم المقرر في المادة 184 من الدستور والتي تنص على أن "السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل فى شئون العدالة أو القضايا، جريمة لا تسقط بالتقادم." اتمنى ألا  يتسرع البعض فيتعقد الموضوع اكثر فأكثر. وأتمنى أن ندرك جميعاً أن العبث بالقانون وبشئون العدالة فيه يضر الأمن القانوني القومي المصري، وهو السبب في ان اعتبره الشعب المصري في دستوره جريمة لا تسقط بالتقادم



 

Saturday, April 1, 2017

اختيار شيوخ القضاة ونزاهة الحكومة The government's integrity in choosing top judges

The ongoing legislative efforts to amend the Judiciary Law harm the government's integrity. The bill introduced to the Parliament allows the President the discretion to choose the heads of the judicial institutions (except the Supreme Constitutional Court "SCC") 

Traditionally, each of these institutions sends the name of her most senior judge (only one name and not three names as the bill proposes) as a candidate to be appointed by the President. The timing of introducing the bill is essential to understand the context as Judge Yehia elDakroury who has issued the first Tiran and Sanafir ruling is a candidate to be the next head of the State Council

The government has to learn a lesson from the SCC during and after Mubarak's regime. Mubarak successfully violated a judicial practice regarding the appointment of the SCC Chief Justice. However, right after Mubarak was ousted, the SCC successfully had the Supreme Council of Armed Forces to issue Decree no. 48/2011 amending the SCC Law and transforming this judicial practice into a legal provision

ما يجري الان في البرلمان بشأن اختيار الرئيس لرؤساء الهيئات القضائية فيه ما يمس نزاهة الكثيرين في السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وفيه ايضا ما يؤكد اهمية الرقابة الشعبية على اداء الحكومة ككل

لماذا يصر البرلمان على تناول هذه المسألة في هذا الوقت بالذات خاصة وانها ليست من ضمن اهم اولويات الاجندة التشريعية؟ اغلب من ادلى برأيه يرى علاقة بين ما يحدث وما صدر من احكام اهمها حكم القضاء الاداري  في تيران وصنافير برئاسة القاضي يحيى الدكروري الذى يحل دوره ليصبح الرئيس القادم لمجلس الدولة. ولأن الحكومة تفضل الصمت، شاع هذا الرأي واصاب نزاهة الحكومة في مقتل

علينا أن نتعظ من محاولة مبارك التدخل في عمل المحكمة الدستورية العليا بعد ان اصدرت احكاما تاريخية في عهد رؤساء اجلاء لها، وخالف عرفاً قضائياً مستقراً حينها بأن يتولى رئاسة المحكمة أقدم قضاتها، وزين له بعض أهل القانون عمله بحجة انه ليس في قانون المحكمة ما يلزم الرئيس بهذا العرف. لكن شاء الله أن تعودالامور الي نصابها الصحيح فوراً بعد خلع مبارك عن السلطة، واصدر المجلس الاعلى للقوات المسلحة المرسوم بقانون التالي

المجلس الأعلى للقوات المسلحة  
مرسوم بقانون رقم 48 لسنة 2011   بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979       

رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة   

بعد الإطلاع على الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 13/2/2011 ؛   و على الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 ؛   و على قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ؛   و بعد موافقة مجلس الوزراء ؛       
قـــــــرر   المرسوم الآتي نصه و قد أصدرناه :   

( المادة الأولى )       
يُستبدل بنص المادة 5 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، النص الآتي :   
المادة (5) :   يعين رئيس المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة بعد موافقة الجمعية العامة للمحكمة .   
و يعين نائب رئيس المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة الجمعية العامة للمحكمة .   
و يجب أن يكون ثلثا نواب رئيس المحكمة على الأقل من بين أعضاء الهيئات القضائية ، على أن تكون الأولوية في التعيين لأعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة .   
و يحدد قرار التعيين أقدمية نائب رئيس المحكمة .   

( المادة الثانية )   
تستبدل عبارة " نائب رئيس المحكمة " بعبارة " عضو المحكمة " أينما وردت في قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 .   

( المادة الثالثة )   
ينشر هذا المرسوم بقانون في الجريدة الرسمية ، و تكون له قوة القانون ، و يعمل به اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره .   

صدر بالقاهرة في 16 رجب سنة 1432 هـ   ( الموافق 18 يونية سنة 2011 م ).       

المشير / حسين طنطاوي   
رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة 

علينا أن نتعظ أيضاً بما ورد في تقرير هيئة مفوضى المحكمة الدستورية بشأن التوصية بالحكم بعدم دستورية تحصين عقود الدولة من الطعن عليها من غير اطرافها؟ وقد تضمن التقرير اشارة الي ما جرى من مناقشات حينها في البرلمان،  كما جاء في جريدة الشروق المصرية (الثلاثاء 28 مارس 2017) بعنوان (حيثيات «المفوضين»: قانون العقود غير دستوري شكلا وموضوعا.. وتصويت البرلمان عليه باطل) جاء فيه التالي

وكشف التقرير الذي أعده المستشار د.حسام فرحات أبويوسف برئاسة المستشار د.طارق شبل من خلال الاستشهاد بمضبطة جلسة البرلمان التي راجع فيها القانون ضمن مدة المراجعة الإلزامية للقرارات بقوانين الصادرة من يناير 2014 وحتى انعقاد مجلس النواب؛ أن النائب خالد يوسف حذر من مخالفة المادة 121 من الدستور بعدم اشتراط موافقة ثلثي الأعضاء على هذا القانون باعتباره مقيداً للحقوق المنصوص عليها دستورياً، إلاّ أن رئيس المجلس علي عبدالعال اعترض على كلامه وقال إنه أصدر أول كتاب في مصر عن القوانين المكملة للدستور، وأن المادة 121 لا تتحدث عن القرارات بقوانين بل عن القوانين الصادرة من مجلس النواب، مستطرداً: "لا يمكن أن تعلمني الفارق بين القوانين والقرارات بقوانين.. الموضوع انتهى".
صحيح ان تقرير المفوضين غير ملزم للمحكمة، لكن دلالاته مهمة على محاولة البعض فرض نفسه ورأيه بحكم منصبه. لا احد يحتكر الحقيقة مثلما لا أحد يحتكر الوطنية
 أقرأ أيضاً: