Wednesday, July 27, 2016

Judicial Appointments' Constitutional Reform إصلاح دستوري لنظام التعيينات القضائية



هل تخطو الدولة المصرية خطوات جادة نحو إصلاح نظام التعيينات القضائية؟ أخشى أن المؤشرات لا توحي بذلك. التعيينات القضائية في مصر لا يُقصد بها فقط القرارات الجمهورية الصادرة بتعيين أفراد معينين في وظيفة قاضي او مستشار، وإنما يُقصد بها أيضاً القرارات الجمهورية الصادرة بتعيين بعض خريجي كليات القانون في بداية السلك القضائي (كمعاون نيابة عامة او مندوب مفوض بمجلس الدولة او غيرهما). يسبق صدور القرار الجمهوري مراحل عديدة تبدأ بالإعلان عن قبول طلبات التعيين ثم استبعاد الكثير من المتقدمين من خلال ما تسفر عنه المقابلة الشخصية مع الهيئة القضائية و ما تسفر عنه التحريات الأمنية (الامن القومي والامن الوطنى والامن العام) وما تسفر عنه الاختبارات الطبية لكشف المواد المخدرة مثلاً 

اغلب الدعوى القضائية التي تُرفع امام القضاء الإداري والتي تتعلق بالتعيينات القضائية، يتظلم صاحبها من عدم تعيينه رغم استيفائه للشروط أكثر من آخرين تم تعيينهم، ويتظلم من قرار لجان المقابلة الشخصية بإستبعاده. وكانت احدى دوائر المحكمة الإدارية العليا في الماضي قد إستجابت وافصحت ان السلطة التقديرية التي تمارسها لجان المقابلة الشخصية هي سلطة تقديرية محدودة، ولكن، في دعاوى أخرى مماثلة، رأت دائرة أخرى بنفس المحكمة أنها سلطة تقديرية واسعة لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة. وانتهت دائرة توحيد المبادئ الي الرأي الثاني

 والآن، ورغم أن تقرير هيئة المفوضين (وهى جزء من مجلس الدولة يُعد رأياً قانونياً غير ملزم للمحكمة) ينتهي غالباً الي الإستجابة لطلبات رافع الدعوى، إلا أن المحكمة تلتفت عنه وتُصر أن 
المهمة التي أُسندت إلي اللجنة لم تقترن بطريقة صريحة قاطعة ومعيار واضح يحدد لها كيفية أداء مهمتها وإستخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية... ذلك لا يعنى حتماً انها مارست عملها دون ضوابط أو معايير، فلا جدال أنها استعانت بالعرف العام الذي يحيط تولى الوظائف القضائية... بيد أنه يبقى من غير المسموح به أن تحل المحكمة نفسها محل اللجنة في إعمال تلك المعايير والضوابط

والجاري عملاً أن تقوم اللجنة بتقييم المتقدمين اثناء إجراء المقابلة الشخصية (والتي تستغرق دقائق معدودة) وتمنحه عدد من الدرجات (من مجموع عشر درجات مثلاً) او تمنحه تقييم محدد (متوسط او فوق المتوسط مثلاً). وهو أمر لائق. لكن ما لا يليق هو الإعتقاد  بصحة 

أن يُترك لأعضاء تلك اللجان... أن يسبروا اغوار شخصية كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توافر الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل، والتي يتعذر على الاوراق والشهادات ان تثبتها او تشير اليها لإختيار افضل العناصر... (وأن) توضع مسئولية اختيار العناصر المناسبة.. في عنق شيوخ القضاء يتحملونها امام الله وضمائرهم ولا معقب عليهم في ذلك من القضاء ما لم يقم الدليل صراحة على الإنحراف بالسلطة او التعسف في استعمالها تحقيقا لأهداف خاصة 

ولذلك، لا مجال لإصلاح نظام التعيينات القضائية مالم يتم النشر علانية عن المعايير والضوابط التي تلجأ إليها لجان المقابلة الشخصية وتقوم -في دقائق معدودة- بتقييم تمتع المتقدم -كما توضح بعض الاحكام القضائية- بـ "أعلى قدر من الحيدة والنزاهة والتعفف والاستقامة والبعد عن الميل والهوى، والترفع عن الدنايا والمشتبهات، والقدرة على مجاهدة النفس الامرارة بالسوء في ظل ظروف الحياة الصعبة وضغوطها التي تجعل من النفوس الضعيفة فريسة للأهواء... وتلك الإعتبارات وعناصر يتعذر على الشهادات الإدارية أن تنطق بها..." كما افصح الطعن رقم 6015 لسنة 55 ق.ع إدارية عليا. كيف أستطاعت لجان المقابلة الشخصية أن تقيس تمتع المتقدم بما سبق خلال دقائق معدودة هو أمر غير مفهوم. وكيف أمكن لإحدى اللجان مثلاً أن تقيس -في دقائق معدودة- الأهلية القضائية لأحد المتقدمين الحاصلين على تقدير جيد جداً (الوظيفة تشترط جيد على الأقل) بتقييم "متوسط" (ضوابط اللجنة تشترط تقييم "فوق المتوسط" على الأقل)، كما أفصح الطعن رقم 37815 لسنة 55 ق ع إدارية عليا، الذي أوضح أن ليس على من تخطاه قرار التعيين سوى التمسك بعيب الإنحراف بالسلطة او التعسف في إستعمالها، وعليه عبء إثبات ذلك

 أتمنى أن يتم توضيح تلك المعايير والضوابط لنا جميعا، ليسترشد بها المتقدمين قبل إجراء المقابلة الشخصية، او بعد إجرائها لإثبات أي شبهة إنحراف بالسلطة او تعسف في استعمالها، وليسترشد بها مجلس الدولة في الدعاوى القضائية المرفوعة بشأن التعيينات القضائية، ولتسترشد بها المحكمة الدستورية العليا عند نظرها اي دعوى تتعلق بدستورية نظام التعيينات القضائية

 بقيت نقطة أخيرة تتعلق بدستورية نظام التقاضي الخاص بالتظلم من التعيينات القضائية. أتمنى أن يكون للمحكمة الدستورية العليا القول النهائي فيما يتعلق بالطعون القضائية الخاصة بالتعيينات القضائية، وذلك لعدة أسباب. فمن ناحية أولى، إعمالا لمبدأ التقاضي على درجتين. ففي الوضع الحالي، تبت المحكمة الإدارية العليا في تلك الدعوى من خلال درجة تقاضي واحدة. ومن ناحية ثانية، لرفع اي حرج قد يمس صلاحية مجلس الدولة بنظر تلك الدعاوى، نظراً لكونه حكماً وخصماً في بعض الدعاوى، او لكونه حكماً وصاحب مصلحة في باقي الدعاوى. والله اعلم