Friday, March 19, 2010

المرأة القاضية والثقافة القانونية

أصدرت المحكمة الدستورية امس قرارها التفسيري رداً علي الطلب المقدم اليها من وزير العدل بناء علي طلب من رئيس الوزراء. أري قرار المحكمة التفسيري بمثابة نقطة تحول في حياة هذا الوطن من ثلاثة زوايا مختلفة: الاولي تتعلق بطلب التفسير من المحكمة، والثانية تتعلق بالتفسير الصادر عن المحكمة، والثالثة تتعلق بإهتمام المجتمع -مؤسسات ومواطنين- بالنزاع بوجه عام وبتطوراته القانونية بوجه خاص.


فمن ناحية اولي، يمثل طلب التفسير المقدم من رئيس مجلس الوزراء الي المحكمة الدستورية العليا مؤشراً علي بداية علاقة صحية بين سلطات الدولة، وعلي الأخص التنفيذية والقضائية. سلطات الدولة المعاصرة ثلاثة: سلطة تتولي تمثيل فئات الشعب (السلطة التشريعية) وسلطة تتولي إدارة اعماله (السلطة التنفيذية) وسلطة تتولي فض نزاعاته (السلطة القضائية). ولتحقيق افضل جدوي من هذه السلطات، تعمل كلا منها بصورة تلائم طبيعتها، فالممثلة للشعب تتفق او تتوافق علي اولوياته، ووالمديره لأعماله تسخر كفاءاتها وتنمي مواردها لتحقق اولوياته، والقاضية في اموره تجتهد لفض نزاعاته وحماية جهوده لتحقيق اولوياته. ولأن السلطات الثلاثة لا تعيش في جزر منعزلة عن بعضها فإنها بحاجة الي إطار يرسم حدود علاقاتها ببعضها البعض. فيتولي الدستور رسم اطار يوازن بين ضرورة التعاون والتنسيق بين هذه السلطات الثلاثة بما يضمن وحدتها الوطنية و بين ضرورة استقلال كل منها بما يضمن حرفيتها المهنية. وتجتهد المحكمة الدستورية العليا لتوازن بين اولويات اجنده وطنية واحدة لكل مؤسسات الدولة واعتبارات الحرفية المهنية الخاصة بكل مؤسسة. وفي مسألة (تعيين المرأة قاضية إعتباراً من السنة القضائية القادمة)، لجأ رئيس الوزراء الي طريقة محمودة يحاول بها حل نقطة تري فيها السلطة التنفيذية خيراً للمجتمع ويختلف معها في ذلك أعضاء الجمعية العمومية لمجلس الدولة (مع ملاحظة ان اختلافهم يتعلق بإرجاء التعيين لإعتبارات الملائمة وليس رفض التعيين من حيث المبدأ). واللجوء الي الدستورية العليا اسلوب راق يعزز علاقة صحية بين مؤسسات الدولة وينبغي دعمه مجتمعياً ليصبح منهجاً قانونياً لا معارضته فيؤول تكنيكاً سياسياً.


ومن ناحية ثانية، يمثل الاسلوب الذي انتهجته المحكمة رداً علي طلب التفسير منهجاً قضائياً محموداً سمي الأسماء بمسمياتها القانونية ووضع قضية مجتمعية في نصابها الصحيح. فما طلب من المحكمة تفسيره تعلق بنصين، الاول يتناول المقصود بـ "مصرياً" كشرط للتعيين بمجلس الدولة في حدود مدي سريانه علي المرأة، والثاني يتناول "المختص" بمجلس الدولة بأمور التعيين في حدود مدي اختصاص الجمعية العمومية لمجلس الدولة بهذا الامر. فرفضت المحكمة تفسير المقصود بـ "مصرياً" لأن النص المطلوب تفسيره يتعلق بجنسية المتقدم للتعيين بمجلس الدولة وليس جنسه. وقامت المحكمة بتفسير "المختص" بشئون التعيين موضحه انه المجلس الخاص وليس الجمعية العمومية. وخلاصة موقف المحكمة انها أرتأت الا تحدد موقفها من مسألة (تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة إعتباراً من السنة القضائية القادمة) عبر قرار تفسيري لنص لا يعالج مباشرة المسألة محل الخلاف. وحسناً فعلت، وإلا لاُخذ عليها تحميل نص القانون ما لا تحتمل.


ومن ناحية ثالثة، يمثل اهتمام المجتمع بالمسألة وتطوراتها القانونية نموذجاً لاهتمام مجتمعي بأوجه ثقافة قانونية تشتد الحاجة اليها ونحن علي اعتاب الإنتقال من مرحلة امن الطوارئ وقوة السلاح الي مرحلة امن التقاضي وقوة القانون. أتمني ان يقف الجميع مع سيادة القانون، وأتمني ان يتحد اهل القانون – واولهم القضاة- لدعم سيادة القانون، وان يحتفي اهل الاعلام –واولهم الصحفيين- بالجانب الإيجابي فيما يحدث، وألا يحمّل المجتمع –ونصفه المرأة- الخلاف اكثر مما يحتمل.