Saturday, March 13, 2010

المحكمة الدستورية والإجتهاد القضائي


حدث ما حدث في مجلس الدولة. تم الاعلان عن مسابقة لتعيين دفعة جديدة من خريجي كليات الحقوق في صفوف مجلس الدولة. لا جديد في ذلك فالإعلان عن المسابقة يحدث كل عام. الجديد ان الإعلان دعا خريجي الكليات من الجنسين للتقدم. هي إذن مسألة المرأة القاضية. لكنها لم تأت إلينا وحدها هذه المرة وإنما جرجرت معها مسائل أخري أشد حساسية. تحولت المسألة من مجرد كرة ثلج صغيرة الي كتلة حرجة تتضخم بتحركها، وأصبح علي الدستورية العليا أن تذيب كل هذا الجليد. ربما تتفق معي ان للمسألة ثلاثة مراحل او ثلاثة مشاكل.


المشكلة الاولي أن مسألة التعيين بصفة عامة من إختصاص "المجلس الخاص" لمجلس الدولة. لكن يبدو ان للجمعية العمومية لمجلس الدولة تحفظ علي تعيين المرأة قاضية بصفة خاصة حسمته بتصويت خرجت نتيجته الي الرأي العام بدون مقدمات وبدون توضيحات لحيثيات هذا التحفظ.


المشكلة الثانية أن "المجلس الخاص" أعاد تقييم الأمر وقدرت أغلبيته النزول علي رأي الجمعية العمومية. فأخذ رئيس مجلس الدولة علي عاتقه إصدار القرار منفرداً بإستكمال خطوات التعيين، فاشتد الخلاف. مرة اخري خرج الامر الي الرأي العام بدون مقدمات وبدون توضيحات لحيثيات هذين القرارين.


المشكلة الثالثة ان رئيس مجلس الوزراء أحال الأمر للدستورية العليا في صيغة طلب تفسير مسألتيين: الأولي موضوعية تستفسر عن المقصود بـ "مصرياً" كشرط للتعيين الذكور دون الإناث. الثانية إجرائية تستفسر عن المختص بإجراءات التعيين هوالمجلس الخاص ام الجمعية العمومية لمجلس الدولة. هنا، فإن الدستورية العليا أصبحت في موقف لا تحسد عليه، فالحيثيات المطلوبة منها بحسب طلب التفسير المرفوع اليها لن ترقي الي مستوي الحيثيات التي تنتظرها الدولة المصرية: مؤسسات ومواطنين.


كنت أتمني ان يحسم مجلس الدولة (مجلساً خاصاً وجمعية عمومية) موقفه قبل إتخاذ الخطوة الأولي منذ البداية. كنت أتمني أن يتريث كلاً من المجلس الخاص ورئيس مجلس الدولة ليتوصلا الي حل توفيقي يعزز ثقة العامة في سيادة القانون ويحافظ علي رأس المال القضائي لمجلس الدولة. كنت اتمني أن يُطلب من الدستورية العليا ان تحسم ما لا يمس رأسمالها القضائي كمؤسسة وطنية تعزز أجندة الإصلاح الوطني بما لا يخل بسيادة القانون علي المدي الطويل. إن كان قد طلب منها تفسير المسألة الإجرائية فقط الآن، لكان اهون عليها، ولكان عليها ان تبت فيما بعد في المسألة الموضوعية بمنهجها التوفيقي الرامي للحفاظ علي الإجماع الوطني تحت ستار سيادة القانون. ما حدث قد حدث، واتمني ان تتوصل محكمتنا العليا لقرار تفسيري توفيقي يحفظ ماء وجه جميع الاطراف، وان نتعظ جميعاً ونحن نخطو بوطننا من امن الطوارئ الي امن القانون، وأن نحافظ جميعاً علي رأس مالنا الوطني: مؤسسات ومواطنين. ولعل من المفيد ان نتفق علي حد ادني من الامور التي تولي سيادة القانون اولوية خاصة قبل كل شئ آخر.


الدستورية العليا هي قمة هرم الإجتهاد القضائي في مصر، لذا فإن:

  1. لقضائها حجية خاصة يعزز أجندة التنمية الوطنية تدريجياً بما لا يخل بسيادة القانون علي المدي الطويل.
  2. لإجتهادها منطق خاص يراعي كلاً من الابعاد القانونية والسياسة العامة للدولة.
  3. لعدالتها طبيعة خاصة تتفهم اغلب طلبات طرفي النزاع فيخرج كلاهما فائزاً


مجلس الدولة هو قاضي دعاوي السلطة التنفيذية وصاحب رأي قانوني في اعمالها إفتاءاً وتشريعاً، وهو:

  1. صاحب قراره طالما اتخذه محترماً قسمه ان يحكم بالعدل وان يحترم سبادة القانون الموضوعية والإجرائية.
  2. مؤسسة وطنية تلتزم الإحتراف المهني وتعزز الإنتقال من قوة السلاح الي قوة القانون.
  3. مجتهداً قضائياً يتواصل مع المجتمع بقوة الحجة والمنطق والبرهان.


المرأة هي نصف المجتمع، وصاحبة رسالة سماوية، كما أن لها دوراً وطنياً، لذا فإن:

  1. المجتمع المصري قد شهد خطوات عديدة سعت الي تمييز المرأة إيجابياً في ظل سيادة قانون ووفاق وطني
  2. الدفاع عن حقوق مهدرة لـ "نصف المجتمع" لا يعني إهدار حق "كل المجتمع" في سيادة القانون
  3. لا تعيين المرأة قاضية هو الحل لمشكلات العدالة ولا عدم تعيينها هو ما سيحول القضاء عن إستكمال إعادة حقوقها المهدرة لها.