Wednesday, August 2, 2017

حقوق الاسكندرية والعريني وبداية المصارحة


تتجلى أزمات التعليم الجامعى وسيادة القانون ومهنية الإعلام على أشدها في مواسم إعلان نتائج الإمتحانات في كليات الحقوق، وخير مثال على ذلك هو ما أعتبرته جريدة الوطن خبراً يستحق النشر ويتعلق بالأستاذ الدكتور فريد العريني وبنتيجة الامتحان في مادة القانون البحري والجوي في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية. فقد نشرت الجريدة أن طلاب الدفعة رسبوا في الامتحان بسبب فرقعة بالونة خلال إحدى المحاضرات، وقامت بنشر مقطع صوتي لما جرى. وأهتم الاستاذ معتز الدمرداش بالموضوع واستضاف على الهاتف احد الطلاب الراسبين، كما تواصل هاتفياً  مع الأستاذ الدكتور فريد العريني واعقبه اتصال هاتفي مع الأستاذ الدكتور طلعت دويدار عميد الكلية 
الدكتور العريني من شيوخ أساتذة القانون وهو قامة وقيمة علمية ومن الأساتذة القلائل الذين يصرون على تصحيح اوراق الإجابة بنفسه في المواد التي يدرسها بدلاً من أن يعهد بها إلي غيره. وغالباً ما يعهد استاذ المادة بتصحيح أوراق الإجابة في كليات الحقوق إلي غيره من القانويين المؤهلين علمياً والمشتغلين بالتدريس او القضاء اوالقانون بصفة عامة. ومرجع ذلك هو ضخامة عدد اوراق الإجابة (آلاف من الطلاب) وضآلة العائد المادي المستحق للمصحح (أقل من نصف جنيه لكل ورقة وفقاً لما قرره قانون الجامعات ولائحته منذ السبعينات). من الناحية العملية، ما يحصل عليه من يقوم بالتصحيح ينفقه على تغيير نظارته الطبية لعلاج ما ضعف من نظره بعد انتهاء عملية مرهقة من التصحيح تحت ضغط زمني لضيق الوقت وتحت ضغط نفسي لتواضع قدرات الطلاب غير المؤهلين أصلا لدراسة القانون 
رغم ما يبذله الأستاذ من مجهود في المحاضرات، إلا أن إجابات اغلب الطلاب غالباً ما تصيب الأستاذ بالإكتئاب ويحس بضياع الوقت مرتين: كل الوقت الذي قضاه في المحاضرات في تبسيط المعلومة كي تصل إلي اكبر عدد ممكن من الطلاب غير المؤهلين لدراسة القانون، وكل الوقت الذي يقضيه في قراءة إجابات لا يمكن أن يكون من كتبها طالب قانون لديه حد أدنى من القدرات. وقيمة هذا الوقت الضائع هو خسارة لمصر من عدة نواح: فلا الأستاذ قضاه مع الطلاب المؤهلين ليرتفع بقدراتهم، ولا هو قضاه مع نفسه ليطور من ابحاثه، ولا الطلاب غير المؤهلين استثمروه في مجال دراسي أقل صعوبة وأكثر ملائمة لقدراتهم التي حباهم الله بها وميزهم بها عن أقرانهم من القانونيين
الأصل أن متوسط معدل النجاح في امتحان مادة من مواد القانون هو 25-35% من الطلاب. لكن وفقاً للسياسات الجامعية الحالية التي تهتم بإتاحة أعداد كبيرة من الأماكن للمقبولين بالجامعات كل عام، يتم رفع هذه النسبة إلي 45-70% من خلال عدة آليات، ويخرج إلي السوق القانوني كل عام عدد ضخم من الحاصلين على درجة علمية في القانون رغم أن ثلثهم -تقريباً- في الحقيقة غير مؤهلين وغير قابلين أصلا لإكتساب الحد الأدنى من المهارات القانونية اللازمة، مما يؤثر بالسلب على كفاءة المنتج القانوني وعلى الأداء القانوني في مؤسسات الدولة خاصة المحاكم وعلى سيادة القانون في المجتمع المصري
 كان على جريدة الوطن ان تقوم بدورها في تقصي جوانب الموضوع بأكمله بدلا من عمل فرقعة إعلامية وإيهام الطلاب بأمل غير حقيقي، وكان على الجامعات أن تصارح كل طالب بإمكانياته الحقيقية وتعيد توجيهه نحو ما ينفعه ويستثمر فيه قدراته التي تميزه عن غيره بدلاً من ضياع اربع سنوات أو أكثر من عمره. والله أعلم