Sunday, April 4, 2010

مقال: إعتلال صحة التقاضي


-->
طالعت مؤخراً بحثاً بعنوان "إعتلال صحة التقاضي في مصر" لكاتبه الأستاذ الدكتور أحمد محمد حشيش أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة طنطا. يقدم الكاتب موضوعه موضحاً تأييده لأهمية ترتيب الاتجاهات الحديثة للتنظيم القضائي الحديث بمراعاة عدة فئات من المتقاضين تتعلق مصالحها به. لكنه يركز في بحثه علي جانب يراه لم يلق الاهمية التي يستحقها بعد. فيري أن علماء القانون قد تناولوا الاتجاهات الحديثة للتنظيم القضائي من عدة ابعاد، فتناولوها من منظور وظيفي للقضاء (اي من حيث جهاته ومحاكمه التي أزدادت مؤخراً بمحاكم الأسرة والمحاكم الإقتصادية)، وتناولوها من منظور شخصي للقضاء (اي من حيث الهيئة القضائية واعوانها الذين ازدادوا مؤخراً بلجان التوفيق ولجان تسوية المنازعات وهيئات التحضير الاقتصادية والخبراء الإقتصاديين). ويرمي الكاتب في بحثه الي تناول الاتجاهات الحديثة للتنظيم القضائي من منظور المتقاضين جميعهم، بإعتبارهم اصحاب "حق التقاضي"، ولحاجة التقاضي بصفه عامة (لا التقاضي الاسري وحده او التقاضي الاقتصادي وحده) الي تحديث معاصر لعلاجه من بعض اوجه الإختلال، ولحمايه اصحابه من الكثير من اوجه المعاناه.
ويري الكاتب ان العلم القانوني العربي قد تناول "حق التقاضي" مستخدماً أدوات القانون الدستوري معتبراً إياه حقاً عاماً او حرية عامة او رخصة عامة، لذا يدعو الي الخروج من هذه النظرة التقليدية وبحث الموضوع بحثاً علمياً متخصصاً بإستخدام ادوات القانون الإجرائي. ويدعو كذلك الي بحث الموضوع من منظور عربي اصيل، يعتمد علي علم القانون المقارن بغية التعلم من أخطاء النظم القانونية المقارنة وليس مجرد النقل عنها. لذا فإنه يبحث عن الجذور الأولي لحق التقاضي، لا في النظام القانوني الفرنسي وحده، ولا في النظام القانوني اللاتيني وحده، ولا حتي في التاريخ الفقهي للمسلمين وحده، بل في الجذور الأولي لكل ذلك: في القانون الإلهي، معتمداً علي "الدستور الإلهي المعاصر (القرآن) ولائحته التنفيذيه (السنه)".
وعبر تناوله لطبيعة ونطاق حق التقاضي، يري الكاتب أن نشأة حق الطعن يمكن رده الي عصر يوسف عليه السلام رغم غلبة الإجراءات القضائية الشفهية في هذا العصر، ويري أن حق الطعن الجنائي اسبق في الوجود تاريخياً من حق الطعن غير الجنائي. ويري كذلك أن " حق الدعوي يختلف عن حق التقاضي الذي يتسع مضمونه لأكثر من دعوي واحدة، لكنه لا يتسع لأكثر من دعويين متعاقبتبن زمنياً، وبالتالي فالأصل ان التقاضي علي مرحلتين بالأقل وبالأكثر".
ويري ان إختزال حق الطعن له مظاهر عديدة في النظام القانوني المصري الحالي، ويعده "بدعة فرنسية الاصل استوردتها مصر من خلال القوانين المختلطة ... ووتوراثتها بعد ذلك قوانين المرافعات المدنية والتجارية والإجراءات الجنائية المتعاقبة، ثم تنامت في مصر في سبعينات القرن الماضي". لكن "منذ عام 2008 وبمناسبة صدور قانون المحاكم الإقتصادية (120-2008)، اتجه المشرع المصري الي العدول عن تلك البدعة الفرنسية، وبالتالي لم يأخذ المشرع بها بشأن احكام المحاكم الإقتصادية (سواء الأحكام الجنائية او غير الجنائية، وسواء الاحكام الجنائية في مواد الجنح او في مواد الجنايات ...)".
ويري أن "هذا الإتجاه محمود للغايه، ولو ان المشرع لم يأخذ به بعد إلا في التقاضي امام المحاكم الإقتصادية، بإعتبارها جهة قضاء فرعية ثالثة مستحدثة داخل جهة المحاكم، إنما ينبغي تعميمه بالنسبة للتقاضي امام المحاكم المدنية والتجارية وكذا امام المحاكم الجنائية (حتي فيما يتعلق بدعوي الجنايات)". بل يري ايضاً تعميمه بالنسبة للأحكام والقرارات الصادرة في المسائل الدستورية ، حتي ولو لم توجد دوائر إستئنافيه في نظيراتها من المحاكم العليا.