Sunday, April 11, 2010

صدي مجتمعي للإجتهاد القضائي


-->
اطلق حكم قضائي صدر مؤخراً حوار مجتمعي بناء بعد ان وجد صدي له في محافل عدة، ولقي اهتماماً يستحقه من المجتمع الاهلي ، واتمني ان يلقي اهتماماً مماثلاً من المجتمع الرسمي ومجتمع الاعمال في مصر. الحكم صدر عن محكمة القضاء الإداري برئاسة القاضي عادل فرغلي، وأكد الإلتزام الرسمي بوضع حد أدني لأجور جميع العاملين بالدولة.

القضاء الإداري هو جزء من مجلس الدولة المصري. ومجلس الدولة المصري هو قاضي دعاوي السلطة التنفيذية وصاحب رأي قانوني في اعمالها إفتاء وتشريعاً. ولا ينبغي ان يقال ان الحكم الأخير قد تجاوز نطاق العمل القضائي ليدخل الي نطاق العمل التنفيذي، فالفصل الصحيح بين السلطات لا يعني ان تعيش كل منهم منعزلة عن غيرها، بل ان تدير كل منهم امورها الفنية المتخصصة وفق ما تراه يناسب رأسمالها البشري والمادي والسياسي. اما ما لا يمكن الفصل فيه بين السلطات، هو اشتراكها جميعاً في تنفيذ الأجندة الوطنية للتنمية التي وضع الدستور مبادئها العامة، وتلتزم كل سلطة من سلطات المجتمع الرسمي الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بوضع هذه الأجندة موضع التنفيذ بغير عرقلة سواء من المجتمع الأهلي، او مجتمع الاعمال، او حتي باقي اجنحة المجتمع الرسمي.

ولكل سلطة من سلطات المجتمع الرسمي أداة دستورية عليها الإجتهاد في إستعمالها لتقوم بالعبء الملقي علي عاتقها. وفقاً للتوزيع الدستوري لرأس المال السياسي الوطني، تملك السلطة التشريعية قوة النص التشريعي، وتملك السلطة التنفيذية قوة القرار الإداري، وتملك السلطة القضائية قوة الحكم القضائي. والحكم الأخير هو بمثابة إجتهاد قضائي محمود له أساس في العلم القانوني المعاصر، وينبغي الإعتناء به وتشجيعه لا محاولة إختزاله وإستئصاله من الجهاز القضائي المصري، وبالتالي من العقل القانوني المصري. مع ذلك، ينبغي ان تلتزم كل سلطة الحذر عند إستعمالها للأداة الدستورية الموكلة إليها، ففارق كبير بين دعوي قضائية يرمي صاحبها الي تنمية حقيقية وفصلها قاضيها بمنطق قضائي اسسه علي نصوص قانونية ووثائق رسمية وبحوث علمية، ودعوي اخري ينقصها ما سبق، فتضر قاضيها أكثر ما تضر صاحبها. وما يسري علي الحكم القضائي، يسري كذلك علي النص التشريعي والعمل الإداري. أتمني أن تقف سلطات المجتمع الرسمي وراء عمل رسمي نتج عن احد اجنحتها، وان تتبني تنفيذه وفق معايير ملائمة معقولة ومقبولة تضيف الي سيادة القانون ولا تنتقص من هيبته.
مواقع ذات صلة:

Tuesday, April 6, 2010

صدي مجتمعي للإجتهاد الأكاديمي

-->
خلقت إحدي التوصيات الصادرة عن المؤتمر العلمي الأخير لحقوق الإسكندرية حوار مجتمعي فعال بعد ان وجدت صدي لها في عدة مؤسسات قانونية مصرية: مجلس الشعب ونادي القضاة ونقابة المحامين بالإسكندرية. كانت حقوق الإسكندرية قد اوصت بإقرار مبدأ التقاضي علي درجتين في الجنايات، وذلك في ختام فعاليات مؤتمرها الأخير "الإتجاهات التشريعية الحديثة في التنظيم القضائي" المنعقد في الفترة 10-11 مارس 2010. يذكر أن المؤتمر قد شهد تناول عدة اوراق بحثية تعرضت لهذه المسألة. فتحت عنوان " التقاضي علي درجتين في الجنايات"، تعرض الاستاذ الدكتور بشير سعد زغلول لهذه المسألة، وتحت عنوان " التقاضي علي درجتين في الجنايات ضرورة يوجبها القانون ويفرضها الواقع" ناقش القاضي الدكتور خيري الكباش اهميتها العملية، و تحت عنوان "إعتلال صحة التقاضي في مصر" ناقش الأستاذ الدكتور أحمد حشيش الأصول الأولي للمبدأ في ظل القانون الإلهي. وقد انتهي المؤتمر الي دعوة المشرع المصري لتبني مبدأ التقاضي علي درجتين في الجنايات (التوصية السادسة عشر من "التوصيات الصادرة عن مؤتمر حقوق الإسكندرية العلمي: الاتجاهات الحديثة في التنظيم القضائي").
في الوقت نفسه، دعي الاستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الي استحداث درجة ثانية في الجنايات للطعن امام محكمة الجنايات بدلاً من قصرها علي النقض فقط. وجاءت دعوة الدكتور سرور خلال اجتماع لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب لمناقشة مشروع قانون الإتجار بالبشر.
وكانت الدراسة التي اعدها القاضي الدكتور خيري الكباش موضع نقاش لاحق شهده مؤتمر نادي القضاة بالتعاون مع برنامج العدالة والحرية بمؤسسة الجيل الجديد والمنعقد 20 مارس 2010، بمشاركة الأستاذ الدكتور فتوح الشاذلي استاذ القانون بحقوق الإسكندرية والقاضي عدلي حسين محافظ القليوبية والقاضي احمد الزند رئيس نادي القضاة و القاضي المحمدي قنصوة والدكتور ايهاب الخراط والاستاذ مصطفي النبراوي .وانتهي المؤتمر الي تقديم توصية لمجلس الشعب ومجلس القضاء الأعلي ووزارة العدل، بتعديل قانون الإجراءات الجنائية في شأن التقاضي علي درجتين بالجنايات.
من ناحية ثالثة، اعلن عبد العزيز الدريني عضو نقابة المحامين بالإسكندرية عن تقدم النقابة بمشروع قانون جديد، في إطار التوصية التي اصدرها المؤتمر العلمي لحقوق الإسكندرية بأن يكون التقاضي في الجنايات علي درجتين لإعتبارات العدالة والمصلحة العامة. وأشار الدريني الي "ان النقابة الفرعية للمحامين بالأسكندرية، قد قررت تشكيل لجنة قانونية لدراسة الوضع القانوني وإعداد مشروع قانون يقدم لمجلس الشعب ليعرض في دورته الحالية، وتم توجيه الدعوة للمشاركة في هذه اللجنة لعدد كبير من خبراء القانون بالإسكندرية ومنهم الأستاذ الدكتور عوض محمد عوض استاذ القانون الجنائي بالإسكندرية والقاضي احمد مهني والاستاذ سمير حافظ والقاضي خيري الكباش والدكتور بشير سعد زغلول.

Sunday, April 4, 2010

مقال: إعتلال صحة التقاضي


-->
طالعت مؤخراً بحثاً بعنوان "إعتلال صحة التقاضي في مصر" لكاتبه الأستاذ الدكتور أحمد محمد حشيش أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة طنطا. يقدم الكاتب موضوعه موضحاً تأييده لأهمية ترتيب الاتجاهات الحديثة للتنظيم القضائي الحديث بمراعاة عدة فئات من المتقاضين تتعلق مصالحها به. لكنه يركز في بحثه علي جانب يراه لم يلق الاهمية التي يستحقها بعد. فيري أن علماء القانون قد تناولوا الاتجاهات الحديثة للتنظيم القضائي من عدة ابعاد، فتناولوها من منظور وظيفي للقضاء (اي من حيث جهاته ومحاكمه التي أزدادت مؤخراً بمحاكم الأسرة والمحاكم الإقتصادية)، وتناولوها من منظور شخصي للقضاء (اي من حيث الهيئة القضائية واعوانها الذين ازدادوا مؤخراً بلجان التوفيق ولجان تسوية المنازعات وهيئات التحضير الاقتصادية والخبراء الإقتصاديين). ويرمي الكاتب في بحثه الي تناول الاتجاهات الحديثة للتنظيم القضائي من منظور المتقاضين جميعهم، بإعتبارهم اصحاب "حق التقاضي"، ولحاجة التقاضي بصفه عامة (لا التقاضي الاسري وحده او التقاضي الاقتصادي وحده) الي تحديث معاصر لعلاجه من بعض اوجه الإختلال، ولحمايه اصحابه من الكثير من اوجه المعاناه.
ويري الكاتب ان العلم القانوني العربي قد تناول "حق التقاضي" مستخدماً أدوات القانون الدستوري معتبراً إياه حقاً عاماً او حرية عامة او رخصة عامة، لذا يدعو الي الخروج من هذه النظرة التقليدية وبحث الموضوع بحثاً علمياً متخصصاً بإستخدام ادوات القانون الإجرائي. ويدعو كذلك الي بحث الموضوع من منظور عربي اصيل، يعتمد علي علم القانون المقارن بغية التعلم من أخطاء النظم القانونية المقارنة وليس مجرد النقل عنها. لذا فإنه يبحث عن الجذور الأولي لحق التقاضي، لا في النظام القانوني الفرنسي وحده، ولا في النظام القانوني اللاتيني وحده، ولا حتي في التاريخ الفقهي للمسلمين وحده، بل في الجذور الأولي لكل ذلك: في القانون الإلهي، معتمداً علي "الدستور الإلهي المعاصر (القرآن) ولائحته التنفيذيه (السنه)".
وعبر تناوله لطبيعة ونطاق حق التقاضي، يري الكاتب أن نشأة حق الطعن يمكن رده الي عصر يوسف عليه السلام رغم غلبة الإجراءات القضائية الشفهية في هذا العصر، ويري أن حق الطعن الجنائي اسبق في الوجود تاريخياً من حق الطعن غير الجنائي. ويري كذلك أن " حق الدعوي يختلف عن حق التقاضي الذي يتسع مضمونه لأكثر من دعوي واحدة، لكنه لا يتسع لأكثر من دعويين متعاقبتبن زمنياً، وبالتالي فالأصل ان التقاضي علي مرحلتين بالأقل وبالأكثر".
ويري ان إختزال حق الطعن له مظاهر عديدة في النظام القانوني المصري الحالي، ويعده "بدعة فرنسية الاصل استوردتها مصر من خلال القوانين المختلطة ... ووتوراثتها بعد ذلك قوانين المرافعات المدنية والتجارية والإجراءات الجنائية المتعاقبة، ثم تنامت في مصر في سبعينات القرن الماضي". لكن "منذ عام 2008 وبمناسبة صدور قانون المحاكم الإقتصادية (120-2008)، اتجه المشرع المصري الي العدول عن تلك البدعة الفرنسية، وبالتالي لم يأخذ المشرع بها بشأن احكام المحاكم الإقتصادية (سواء الأحكام الجنائية او غير الجنائية، وسواء الاحكام الجنائية في مواد الجنح او في مواد الجنايات ...)".
ويري أن "هذا الإتجاه محمود للغايه، ولو ان المشرع لم يأخذ به بعد إلا في التقاضي امام المحاكم الإقتصادية، بإعتبارها جهة قضاء فرعية ثالثة مستحدثة داخل جهة المحاكم، إنما ينبغي تعميمه بالنسبة للتقاضي امام المحاكم المدنية والتجارية وكذا امام المحاكم الجنائية (حتي فيما يتعلق بدعوي الجنايات)". بل يري ايضاً تعميمه بالنسبة للأحكام والقرارات الصادرة في المسائل الدستورية ، حتي ولو لم توجد دوائر إستئنافيه في نظيراتها من المحاكم العليا.

Saturday, April 3, 2010

مجلس الشيوخ وتغيير المؤسسة البطيئة

-->
أستضاف معهد بوب دول للسياسة العامة فعاليات مؤتمر "مجلس الشيوخ الأمريكي وتغيير المؤسسة البطيئة" في 25-26 مارس 2010. تناول الخطاب الافتتاحي للمؤتمر موضوع السياسة الخارجية لمجلس الشيوخ الامريكي، لتبدأ وقائع جلسات ثلاثة للمؤتمر: الجلسة الاولي عن مجلس الشيوخ وتحليل الأداء المهني لاعضاءه من 1960- 2010، والثانية عن الأحزاب وإجراءات عرقلة التشريعات لحسم الخلافات بشأنها، والثالثة عن السياسات العامة ومعايير الموافقة علي الترشيحات الرئاسية لتولي المناصب العليا.

تناول المتحدثون ثلاثة حزم تشريعية كموضوعات بحثية للمقارنة فيما بينها: حزمة قوانين الإصلاح المالي، وحزمة قوانين الإصلاح الصحي، وحزمة قوانين الإصلاح البيئي. وكان اللافت للإنتباه اجماع اغلب المتحدثين علي ان اغلب السياسات العامة التي تم التوصل اليها وصكها في هذه القوانين تعكس ان مجلس الكونجرس الامريكي مازال يحكم العمل التشريعي من قاعدة شعبية وسطية، يحتل الحزبين الديمقراطي والجمهوري مقعدين متجاورين فيها. ورغم شدة الخلاف بين الحزبين –خاصة حول السياسة العامة للإصلاح الصحي- إلا أنهما جدالهما ظل محكوماً بإتفاق علي السياسة العامة للضمان الإجتماعي (ومن صوره الرعاية الصحية) والسياسة العامة للكفاءة الإقتصادية (ومن صورها إدارة خدمات طبية بصورة فعالة ومربحة). ويبقي الخلاف بين الحزبين حول التوصل الي صيغة وسط تضمن رعاية صحية لأكبر قاعدة شعبية ممكنة عبر تشجيع القطاع الخاص علي الإستثمار فيه بشكل ربحي غير مبالغ فيه بدلاً من تحميل الحكومة الفيدرالية اعباء تقديمها بكلفة أعلي وكفاءة أقل من القطاع الخاص.

تناول المؤتمر جوانب شيقة في تاريخ مجلس الشيوخ، مثل تاريخ الحركات التصحيحية لإختلالات مجتمعية، كمعالجة حالا التمييز السلبي ضد المرأة او الزنوج بتشريعات مؤقتة للتمييز الإيجابي لصالحهما، ومثل محاولة قادة الحزبين الديموقراطي والجمهوري ترسيخ تقاليد واعراف برلمانية وصكها في اللائحة الداخلية لمجلس الشيوخ من أجل تقليل اثر الخلافات السياسية علي جدوي وكفاءة العملية التشريعية، كالمكانة الادبية لزعيمي الأغلبية والأقلية في المجلس، وقدرتهما علي مراعاة وحدة الصف الحزبي، واتفاقهما علي عدم مفاجأة اي منهما للآخر بحركات حزبية غير متوقعة تسعي لكسب سياسي قصير المدي يضر بأهداف العمل البرلماني علي المدي البعيد.