Saturday, December 5, 2009

أزمة صناعة القانون 2-2

إن ظهر القانون الي الوجود بعد موازنة المشرع بين طموحات شعبية تحلق في الآفاق وبين واقعية حكومية تمشي علي الأرض، انتهت أزمة صياغة القانون لتبدأ ازمة تنفيذه. ولا شك أن الجانب الاكبر من أزمة صناعة القانون تتمثل في نفاذه لا صياغته. لدينا من القوانين المكتوبة ما قد يدلل -عند دراسته في المستقبل البعيد- علي سيادة قانون لا يعززها الواقع الحالي. الفجوة إذن هي بين القانون المكتوب والقانون المنطوق (او النافذ علي الارض فعلاً).


هذه الإزدواجية بين القانون علي الورق والقانون علي الألسنة لا يمكن حلها إلا بمد جسر بين ما في العقول وما في القلوب. وهذه هي وظيفة الاديان كأساس للإصلاح الإجتماعي. للأسف، فإن دور الدين في المجتمع المصري قد تم تجاذبه بين قوي الإصلاح الإجتماعي وقوي الإصلاح السياسي. وما بين تسييس الأديان وتديين السياسة، ظهرت النداءات لتجديد الخطاب الديني لإعادة الامور الي نصابها. فالمصلح الإجتماعي يدعو لصلاح القلوب بمنطق الإقناع لا بسلطة الحكم. والمصلح السياسي يدعو لصلاح العقول بالولاء للإجماع الوطني لا الولاء للفرقة العقائدية –حتي ولو كانت الأغلبية.


إن أستقر دور الدين في المجتمع، أنسدت الفجوة بين القانون المكتوب، والقانون النافذ في المجتمع. الوازع الديني-والرقابة الذاتية- علي إحترام القانون هو الاقوي، وستظل كذلك في المجتمع المصري الذي رفع الدين- منذ أيام الفراعنة الي الآن- الي مكانة متميزة في القلوب والعقول معاً. أكثر لحظات التاريخ المصري صدقاً- ثورة 1919-ً كانت تعبيراً عن أقوي دور لعبه الدين الإلهي في نسج مجتمع قوي اقترب فيها عقله من قلبه لدرجة الإتحاد. وأكثر إنجازات الفقه القانوني ثراءاً، تلك التي عكف أصحابها علي قراءة رسائل القانون الإلهي (او القانون الطبيعي عند فقهاء عصر النهضة أو قانون الحضارة عند فقهاء الرومان) بغير تفريط ولا إفراط، فنظرت الي القانون كعلم إنساني مقارن، وكتعبير عن ثقافة وحضارة، وكأداة للإصلاح والإجتهاد.