Sunday, November 22, 2009

أزمة صناعة القانون1-2

مازال جوهر المشكلة المصرية يتلخص في معضلة تنفيذ القانون. الرئيس مبارك رسم للبرلمان المصري أجنده عمله خلال الدورة البرلمانية المقبلة لتتناول موضوعات حيوية وضرورية لكنها لم تتناول جذور المشكلة. ازمة صناعة القانون في مصر يمكن تحليلها الي أزمه في صياغته وأزمة في تنفيذه. عند صياغه القانون، يسعي المشرع الي التقريب بين الإرادة السياسية للحكومة، والإرادة الشعبية للمحكوميين. ثلاثة ملاحظات مهمة هنا.


الاولي، ان المشرع هنا -وعلي غير الشائع- ليس البرلمان وحده، فالنسبة المطلوبة دستوريا من العمال والفلاحين في مجلس الشعب كانت لصالح التمثيل السياسي لفئتين من الشعب علي حساب الجودة الفنية لصياغة القوانين. لذا، فهناك أجهزة أخري بجانب لجان البرلمان تساعد بدور حيوي في صناعته، مثل قسم الفتوي والتشريع بمجلس الدولة، ولجان إعداد القوانين بالوزارات المختلفة، وأهمها وزارة العدل. النسبة المطلوبة دستورياً هي بمثابة إرث عن فترة تاريخية، سعت فيها الدولة المصرية الي تمييز إيجابي لفئتين من فئات الشعب بالنظر لحقوق أهدرت في تلك الفترة. التمييز الإيجابي نظرية قانونية تعترف بها النظم القانونية المختلفة. النظام الامريكي الانجلوسكسوني مازال يطبقها في خصوص إستعادة حقوق الامريكيين ذوي الاصول الافريقية، بل واللاتينية ايضاً. أصبح مجلس الشوري المصري مشاركاً في صنع القرار البرلماني المصري بإعتباره ( الغرفة الثانية للبرلمان) بعد فترة قام فيها بدور مستشار بإعتباره (الغرفة الأدني للبرلمان). المركز الجديد لمجلس الشوري –بما يضمه من قانونيين) يمثل إضافة لعملية صياغة التشريع من الناحية الفنية. علي أن التحديث الأخير- وإن عالج مشكلة فنيات التشريع بإعتباره الوظيفة الأولي للبرلمان- لم يعالج مشكلة فنيات الرقابة علي أداء الحكومة بإعتبارها الوظيفة الأخطر للبرلمان، وهو ما ينقل الحوار الي الملاحظة الثانية.


الثانية، ان الإرادة السياسية للحكومة، وإن كانت واضحة الدلالة في اغلب الأوقات، إلا انها أحياناً تضطرب وتشتد الحاجة ان تحسم أمرها وتحسن التعبير عن مكنونها كي لا تختل الأمور وتتداخل المسائل. وليس بأكثر دلالة علي ذلك من تضارب التصريحات بشأن بعض المسائل الحيوية مثل الصكوك الشعبية، وتجاذب الوزارات سلطة الإشراف علي هيئة سلامة الغذاء الجاري الإعداد لإنشائها. في مثل هذه الأحوال -وغيرها- تبرز أهمية القنوات الشرعية للتواصل بين الإرادة السياسية والإرادة الشعبية، والتي يفترض أن يقوم بها البرلمان بصفته نائباً عن قوى المجتمع الأهلي. غير أن الأمر قد يؤول إلي عجز كلاهما - الاصيل والنائب- عن أداء مهمته، وهو ما ينقل الحوار الي النقطة الثالثة.


الثالثة، أن الإرادة الشعبية للمحكوميين، تجد لها دائماً من يعبر عنها. مازالت قوي المجتمع الأهلي في أطوار نشأتها الأولي، ومازالت الأحزاب تبحث عن حرفيتها السياسية بعيداً عن الإغراءات الحكومية، ومازالت النقابات تبحث عن الحرفية المهنية بعيدأ عن البطولات السياسية. لكن رغم كل هذا، تجد الإرادة الشعبية دائماً منفذاً لها، كصوت شخصية عامة لها ثقلها، أو حيوية وزير له مصداقيته، أو حكمة رئيس له رؤيته. ومع هذا، لا مجال لإنكار أهمية التمثيل البرلماني بإعتباره المنفذ الاول لأي تعبير عن الإرادة الشعبية. المركز الجديد لمجلس الشوري قد يعالج مشكلة فنية في صياغة التشريع لكنه لم يحس أمر مشكلة فنية أخري هي كفاءة الرقابة خلال عملية صنع القرار البرلماني في عصر عملته هي الحرفية المهنية ولغته هي التكنولوجيا.


فإن ظهر القانون الي الوجود بعد موازنة المشرع بين طموحات شعبية تحلق في الآفاق وبين واقعية حكومية تمشي علي الأرض، انتهت أزمة صياغة القانون لتبدأ ازمة تنفيذه. ولا شك لدي أن الجانب الاكبر من أزمة صناعة القانون تتمثل في نفاذه لا صياغته. لدينا من القوانين المكتوبة ما قد يدلل -عند دراسته في المستقبل- علي صنعه قانونية لا يعززها الواقع الحالي. الفجوة إذن هي بين القانون المكتوب والقانون المنطوق (او النافذ علي الارض فعلاً). وللحديث بقية!