Friday, October 16, 2009

محتوي كتاب ج2: الدولة و القانون الإلهي


-->
الدولة
في ضوء مبدأ سمو القانون الإلهي
أ.د. أحمد محمد احمد حشيش[1]
الجزء الثاني
الإلتزام بنطاق الشوري
الإلتزام بوسيلة الشوري
الإلتزام بقرار الشوري
النشأة الأولي للبرلمان
النشاة الآخرة للبرلمان
عصر اللابرلمان
المبحث الثالث

52- عرض وتقسيم :
المقصود بنظام الشورى، بيان ضماناتها القانونية. فالالتزام بأوليات الدولة قد تمخض عن التزام بالشورى، أى التزام بنطاقها، والتزام بوسيلتها، والتزام بقرارها. لذا تتوزع الدراسة فى هذا المبحث على ثلاثة مطالب، كالتالى:
المطلب الأول : الالتزام بنطاق الشورى.
المطلب الثانى : الالتزام بوسيلة الشورى.
المطلب الثالث : الالتزام بقرار الشورى.
المطلب الأول
الالتزام بنطاق الشورى
الفرع الأول

53- طبيعة الشورى :
أصل الدولة الشعب، الذى يجب بالتالى أن يدير بنفسه شئون نفسه، حتى لو كانت الدولة موجودة، وبما يترتب على ذلك من آثار أخصها ما يلى:
1- الشورى هى فكرة إدارية أصلاً، ولو أنها فكرة إدارة أصيلة originaire وعليا suprême ، أى أعلى – حتى – من الدولة، وبالتالى فهى لا تلغى ضرورة الدولة ولزومها، إنما هى قيد على سلطة الدولة.
2- والشورى تعنى أن الشعب بنفسه يدير شئون نفسه، حتى لو كانت الدولة موجودة. لأن الدولة، وإن كانت شخصاً personne، لكنها ليست شخصاً حقيقياً، إنما هى شخص حكماً moral فحسب، بينما الشعب أفراد، أى أشخاص حقيقيون، وبالتالى فوجود الدولة لا يلغى وجودهم، ولا يلغى – حتى – ضرورة أن يديروا بأنفسهم شئون أنفسهم.
وبعبارة أخرى، الشعب وحدة قانونية حقيقية، بينما الدولة وحدة قانونية حكماً فحسب، ولا تلغى – بالتالى – وجود الشعب، لأنها موجودة لمعاونته فحسب.
3- والدولة شخص عام public، لكنها ليست سلطة «حكم» governe. لأن هذا الشخص هو شخص تنفيذى فحسب، أى يعاون الشعب بطريق تنفيذ ما تسفر عنه الشورى من قرارات أصيلة وعليا. وبذا، ليس للدولة سوى سلطة التنفيذ التى اشتهرت تسميتها بـ «السلطة التنفيذية».
والدولة بهذا ضرورية ولازمة للشعب، لكى تُنفذ قراراته الأصيلة والعليا، أى المتعلقة مباشرة بالارتقاء الحضارى، أو – بالأحرى – متعلقة بالتقدم progress الذى هو دور الإنسان عامة فى الأرض، وبالتالى دور الشعب.
54- حدود الشورى :
الأصل أن نطاق الشورى يقتصر على شئون الشعب، أى أمور الناس عامة، مصداقاً لقوله تعالى بشأن ملكة سبأ: )قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ(([2]). وقوله تعالى: )..وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ..(([3])، وقوله تعالى:).. وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ ..(([4]). فالمقصود بـ «أمر» و «أمرهم» هو أمور الناس، بمعنى شئون الشعب عامة.
والأصل أن نطاق الشورى يقتصر على أمور الناس فى الدنيا فحسب، أى أمور دنياهم. ومبنى ذلك، أن الشعب هو الأعلم بتلك الأمور على اعتبار أنها أموره، وبالتالى فهو أعلم بها من سواه، وأعلم بها – حتى – من الدولة والملك نفسه، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [أنتم أعلم بأمور دنياكم]([5]).
وبذا، فإن نطاق الشورى يقتصر على أمور الشعب الدنيوية، دون أموره الأخروية، بل – حتى – دون شئون القانون الإلهى فى الأرض، أى البرلمان والقضاء، على اعتبار أنهما سلطتا حكم، وبالتالى من أملاك الله تعالى وحده، مصداقاً لقوله تعالى: )إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ(([6]). فالشعب وأموره شئ، والقانون الإلهى وأموره شئ آخر مختلف تماماً.
الأصل – إذن – أن الهيئة البرلمانية شأنها شأن الهيئة القضائية، تخرج عن نطاق الشورى (أى الديموقراطية)، وبالتالى فأعضاء هذه الهيئة أو تلك لا يختارون بطريق انتخابهم من قبل الناس، إنما يختارون بطريق الإصطفاء وفقاً لشروط موضوعية دقيقة، وغاية فى الدقة.
ولا سند هناك للمغايرة فى هذا الصدد بين الهيئة البرلمانية والهيئة القضائية، وذلك بصرف النظر عن موقف الدساتير الوضعية المعاصرة. لأنها فى دول العالم أجمع تجرى على مبدأ: الهيئة القضائية تخرج عن نطاق الديموقراطية، ولا تتكون – إذن – بطريق انتخاب أعضائها بواسطة الناس إلا فى سويسرا ونصف الولايات الأمريكية حالياً، أى أن موقفهم استثنائى وشاذ ولا مبرر له قانوناً. لكن هذه الدساتير ما زالت تجرى على أن الهيئة البرلمانية تدخل فى نطاق مبدأ الديموقراطية.
ونطاق الشورى يشمل أمور الشعب عامة، سواء ما يخص تكوين الهيئة التنفيذية للدولة، أو ما يخص غيرها من شئون الشعب، وذلك يتحقق عملاً بالانتخاب election الذى هو – بالتالى – على نوعين، أحدهما الانتخاب الشخصى، والآخر هو الانتخاب الموضوعى.
الفرع الثانى

55- تعـــريف :
وهى الشورى فيما يخص تكوين الهيئة التنفيذية للدولة، وبالأخص منصب الرئاسة، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: :).. وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ ..(([7]).
وهذا النوع من الشورى قد اشتهرت تسمتيه بـ «الانتخاب الشخصى» plébiclité، واختصاراً «الانتخاب» فحسب. ويكون دور الناخب اختيار شخص أو أشخاص من بين المرشحين([8]).
56- فى عصر النبوة :
عصر النبوة (610 – 632م) لم يكن عصر دولة، ولا عصر ملك أو رئيس، وبالتالى لم تكن هناك حاجة أى شورى شخصية.
لذا لم تظهر هذه الصورة للشورى فى الجزيرة العربية، إلا بعد وفاة الرسول. وكان أول ظهور لها بمناسبة انتخاب أول رئيس لأول دولة نشأت فى الجزيرة العربية بعد نزول القرآن الكريم. وقد حدث ذلك، حتى قبل دفن الرسول الكريم. وكان المرشحان هما: سعد بن عبادة زعيم الخزرج، وأبو بكر الصديق رضى الله عنه.
57- قاعدة الأولوية :
وطوال عصر الدولة الراشدة، كان الاختيار بين المرشحين سواء بالنسبة للناخبين أو بالنسبة للمرشحين، محكوماً بقاعدة فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن).
وهى قاعدة: الأولوية، سواء بالنسبة للسابقين الأولين على غيرهم، أو للمهاجرين على غيرهم – حتى – على الأنصار، مصداقاً لقوله تعالى:)وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(([9]).
58- فكرة أهل الشورى :
فكانت الأولوية للناخبين من السابقين الأولين من المهاجرين على غيرهم، فاشتهرت بالتالى تسميتهم بـ «أهل الشورى»، بمعنى من لهم أولوية فى الانتخاب على غيرهم من الناخبين.
بهذا كان للناخبين آنذاك نظاماً خاصاً، يرتبط ويتقيد بوجود السابقين الأولين، ارتباطاً خاصاً ومؤقتاً بطبعه، بما يترتب على ذلك من آثار أخصها ما يلى:
أ - أن الشورى الشخصية آنذاك لم تكن «تتم – حسب المصطلحات الحديثة – على درجتين: تختار الأمة مندوبيها، وهؤلاء يختارون الخليفة»([10])، إنما كانت تتم على درجة واحدة، لكن على مرحلتين متعاقبتين.
ب – وأن الشورى الشخصية آنذاك لم تكن تفتقر إلى «معايير محددة للمقصود بأهل الشورى»(2)، إنما كانت هناك قاعدة فى الدستور الإلهى (القرآن) تنظم ضمناً أهل الشورى.
ج – نظام أهل الشورى غير قابل للقياس عليه(3) فى أى عصر بعد عصر السابقين الأولين. ولا يجوز تشبيهه بنظام «الجمعية التأسيسية حسب المصطلحات الدستورية الحديثة»(4)، ولا تقزيمه إلى مجرد نظام ترشيح للخليفة(5)، أو إلى نظام «العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم»(6) فى أى عصر بعد عصر السابقين الأولين. لأن نظام أهل الشورى هو نظام خاص، ومؤقت بزمن وجود السابقين الأولين.
59- الخليفة : اللاملك :
وكانت الأولوية للمرشحين من المهاجرين على غيرهم، حتى على الأنصار(7)، وبالتالى كانت الرئاسة تباعاً للمهاجرين: أبو بكر، فعمر، فعثمان، فعلى، رضى الله عنهم. غير أن هذه الأولوية الخاصة، غير قابلة للقياس عليها، أو استخلاص شرط: أن يكون الرئيس قرشياً – لأن هذا القياس فاسد، فضلاً عن أن هذا الشرط هو شرط قبلى أصلاً.
وعملاً بذات القاعدة الإلهية، زكى عمر وأبو عبيدة بن الجراح أبا بكر للرئاسة أمام أهل الشورى فى سقيفة بنى ساعدة. ثم زكى أبو بكر حال حضرته الوفاة عمراً للرئاسة، ثم زكى عمر حال حضرته الوفاة ستة نفر، اختير منهم عثمان، وبعد مقتله اختير علىَّ وكان منهم([11]).
إذن، لا يجب أن نساير النظرة إلى هذا النظام، وكأنه «صورة بدائية لطريقة انتخاب رئيس الجمهورية فى العصر الحديث»([12]) ولو أنه «كان .... مناسب للأوضاع السياسية والاجتماعية التى سادت فى ذلك الحين»([13]). أو كأنه لم تكن به «ضوابط محددة ولا أسلوباً محكماً لكيفية الترشيح للخلافة ولا طريقة الانتخاب»(4).
لأن هذا النظام لم يكن نظاماً لاختيار رئيس جمهورية فى العصر الحديث، أى ملك حقيقة King ولو لم يكن ملكاً بالنص فى الدستور.
إنما كان نظام اختيار اللاملك non-king رئيساً للدولة، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : [الخلافة بعدى فى أمتى ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك]. فالمستفاد من هذا الحديث من الوجهة العلمية/التاريخية/القانونية، هو أن عصر الخلافة الراشدة لم يكن عصر ملك، ولا – حتى – عصر ملك حقيقة ولو لم يوجد نص، إنما كان عصر اللاملك، ولو لم تستمر مدته أكثر من ثلاثين سنة.
60- الالتزام بمركز اللاملك :
ومن أسف أنه قد فات الكثيرين حتى من الفقهاء والمشرعين الدستوريين العرب، طبيعة مركز اللاملك وحقيقة رئاسة اللاملك، وضرورة الالتزام بهما فى الدساتير الوضعية فى العالم العربى والإسلامى بوجه خاص، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر]([14]).
ومبنى هذا الالتزام الوارد فى اللائحة التنفيذية (السنة) للدستور الإلهى (القرآن)، هو أن الخلافة الراشدة تمثل آخر وأحدث وأمثل مرحلة من مراحل تطور رئاسة الدولة، التى تطورت من دولة برئاسة ملك إلى دولة برئاسة نصف ملك فى ظل نظام نسونة الرئاسة إلى دولة برئاسة اللاملك.
ولن يغنى عن هذا النظام بالبداهة أى نظام رئاسة دولة، مقتبس فى الدساتير العربية من الدساتير الغربية، التى ما زالت تقوم على التقليد الملكى الوثنى القديم الذى مفاده أن أصل الدولة الملك. لذا فإن الدساتير الغربية لا تعرف إلا دولة برئاسة ملك، أو دولة برئاسة رئيس هو ملك حقيقة ولو لم يكن ملكاً بالنص، أو دولة برئاسة ملك أو رئيس يملك ولا يحكم كما فى إنجلترا وإسرائيل مثلاً.
الفرع الثالث

61- تعريف :
وهى الشورى فيما تختص الدولة بتنفيذه من شئون الشعب، أى اختيار موضوع أو أكثر من بين الموضوعات المقترحة بشأن شئون الشعب، مصداقاً لقوله تعالى: )..وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ..(([15])، وقوله تعالى بشأن بقليس :)قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ( ([16]).
وهذه الصورة للشورى قد اشتهرت تسمتيها فى الأدبيات المعاصرة بـ«الاستفتاء»referendum،أى الانتخاب الموضوعى([17]).
لكن لا يجوز أن يكون التشريع الوضعى محلاً لاستفتاء([18])، لا فى صورة استفتاء دستورى ref. constituant، ولا فى صورة استفتاء تشريعى ref. Legilatif. لأن التشريع ليس من شئون الناس، إنما هو من شئون «القانون» الذى هو من أملاك الله تعالى، مصداقاً لقوله سبحانه: ) إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ( ([19]).
كما لا يجوز – حتى – الاستفتاء على شخص لشغل منصب الرئاسة، بل إن هذا الاستفتاء الذى ابتدعه نابليون لنفسه لرئاسة الدولة الفرنسية، يُنظر إليه وكأنه وسيلة من الوسائل التى يلجأ إليها كستار يخفى وراءه نظاماً ديكتاتورياً([20]).
62- فى عصر النبوة :
الشورى الموضوعية هى الأسبق فى الوجود تاريخياً من الشورى الشخصية. إذ كانت موجودة – حتى – فى مملكة سبأ قديماً. وكانت هذه الصورة موجودة أيضاً فى عصر النبوة، رغم أن هذا العصر لم يكن عصر دولة، إنما كان عصر تعليم بواسطة الرسول باعتباره معلماً مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [إنما أنا لكم بمنزلة الوالد، أعلمكم .......]([21]). فكان صلى الله عليه وسلم معلماً – حتى – للشورى الموضوعية:
أ - فثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد شاور المسلمين بشأن الخروج لملاقاة العدو فى غزوة أحد، أم البقاء فى المدينة للدفاع عنها كما كان يرى عليه السلام. ونزولاً على رأى الأغلبية بضرورة الخروج، اتخذ عليه السلام أهبته للقتال. فلما تردد البعض خشية أن يكونوا قد أكرهوه على الخروج قال لهم: [ما ينبغى لنبى إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه]([22]).
ب – وثابت أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد شاور المسلمين بشأن رد سبى هوازن بعد حنين كما كان يرى عليه السلام، أو عدم ردهم(4).
63- موقف الدساتير الوضعية :
الشورى الموضوعية هى الأكثر أهمية لما تنطوى عليه من «مداومة» الشعب بنفسه على إدارة شئون نفسه، وذلك خلافاً للشورى الشخصية التى هى – بطبعها – دورية متجددة كل فترة زمنية، وبالتالى فمداومتها متقطعة.
لكن الملاحظ أن الدساتير الوضعية المعاصرة قد انصرفت إلى تنظيم الشورى الشخصية، وحرمت الشعب من ممارسة الشورى الموضوعية، وأسندت موضوعاتها إلى «نواب» عن الشعب، يمارسونها كأنهم أوصياء عليه باسم الديموقراطية النيابية.
والحقيقة أن الشورى – الشخصية أو الموضوعية – لا تقبل الإنابة فيها، حتى قيل([23]) أن الفقهاء المسلمين لم يعرفوا فكرة التمثيل representation حيث ينوب عن الأمة ممثلون لها يمارسون نيابة عنها الشورى.
أما تبرير هذه النيابة بمقولة «استحالة ممارسة كل فرد فى الأمة أعمال السيادة فيها»(2)، فإنه مردود قانوناً. إذ الأصل أن كل فرد له جزء من حق الشورى (أى السيادة)، ومسئول عنه، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : [كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... وكلكم راع ومسئول عن رعيته](3). فكل فرد هو جزء من الشعب، وله – بالتالى – جزء من حق الشعب فى الشورى. ومسئول – إذن – عن ممارسته، مسئولية شخصية ومباشرة.
والواقع أن الشورى (الديموقراطية) بصورتها المرسومة فى الدساتير الوضعية المعاصرة، تفتقر افتقاراً تاماً إلى الكمال. فلا هى الشورى الكاملة، أى بدون نيابة سواء فى الشورى الشخصية أو فى الشورى الموضوعية، إنما هى كاملة فى الشورى الشخصية فحسب. ولا هى – حتى – الشورى النيابية الكاملة، أى بالنيابة سواء فى الشورى الشخصية أو الشورى الموضوعية، إنما هى نيابية كاملة فى الشورى الموضوعية فحسب.
كل ما هناك أن هذه الدساتير قد استبدلت ببعض وصاية الملك على الشعب، وصاية بعض النواب عليه بشأن الموضوعات التى رفعت عنها الوصاية الملكية، إنما الشعب وشئونه تحت الوصاية فى الحالتين، وليس أكثر.
ويصعُب فى مصر – خاصة – حيث أكثر من نصف نواب الشعب من العمال والفلاحين، أن نقبل تبرير وصاية النواب على تلك الشئون الشعبية، بمقولة: «مع تطور الدولة ... وتعقد مشاكلها واصطباغها بصبغة فنية، ليس من السهل على غير المتخصصين فيها معالجتها أو تكريس الوقت الكافى لدراستها، لم يعد باستطاعة هيئة الناخبين حتى .... أن تتخذ كافة القرارات الهامة. لذلك أفل نجم الديموقراطية المباشرة ...»([24])، أى الديموقراطية (الشورى) الكاملة.
المطلب الثانى
الالتزام بوسيلة الشورى
الفرع الأول
فكرة وسيلة الشورى
الأداة القانونية لإعمال الشورى منذ نشأتها الأولى فى اليمن قديماً، هى: التصويت voting، إنما ليس كل تصويت هو إعمال للشورى، ولو أن كل إعمال للشورى هو تصويت.
فالتصويت فى الشورى هو تصويت رسمى، أى بناء على دعوة رسمية لإجراء الشورى، مصداقاً لقوله تعالى بشأن ملكة سباً:)قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ( ([25])، ومصداقاً – بالتالى – لقول عمر رضى الله عنه: «من بايع أميراً من غير مشورة المسلمين، فلا بيعة له، ولا بيعة للذى بايعه»([26]). فالمستفاد من ذلك من الوجهة العلمية/التاريخية/ القانونية، هو ما يلى:
1- أن وسيلة الشورى هى التصويت الرسمى فحسب، لاغيره. بهذا، فإن الورقة الانتخابية بعد التصويت فيها، هى ورقة رسمية بالمعنى الدقيق.
2- وهذا التصويت يفترض وجود دعوة رسمية وعامة إلى الشورى. فلا تكفى أن تكون دعوة رسمية ما لم تكن عامة، وإلا فالتصويت معدوم مصداقاً لقول الخليفة عمر. كما لا تكفى أن تكون دعوة عامة، ما لم تكن رسمية، كدعوة معاوية أهل الشام والعراق إلى الشورى بشأن مبايعته. فإن التصويت المبنى عليها باطل، وما يبنى عليه باطل، كرفع المصاحف من جانب معاوية وأنصاره وهم على شفا الهزيمة فى صفين، مصداقاً «لما نقله السيوطى عن حسن البصرى وهو من التابعين أنه قال: أفسد أمر هذه الأمة اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف .... ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة»([27]).
3- والدعوة إلى الشورى، هى دعوى إلى أداء مهمة عامة mission public مؤقتة. بهذا فإن التصويت، لا هو أداء لوظيفة([28])، ولا هو أداء لخدمة عامة دائمة(3)، ولا هو أداء لحق(4) بالمعنى الدقيق، بل هو بطبعه أداء لمهمة عامة مؤقتة، ولو أنها دورية ومتجددة كل فترة زمنية تبعاً للحاجة إلى الشورى ويجب أن تكون الدعوة صادرة ممن له أن يدعو إلى إجراء الشورى، وأن توجه إلى من لهم حق الشورى، أى الناخبين. وقد مر شكل الدعوة بتطور تاريخى.
فقديما كانت الدعوة شفهية، سواء فى عصر بلقيس فى سبأ، أو فى عصر الخلافة الراشدة. وحالياً هذه الدعوة مكتوبة ، ومعلنة.
65- شكل التصويت :
أول وأقدم تصويت بإطلاق، هو التصويت الشفهى العلنى فى المواجهة، سواء فى الشورى الموضوعية منذ مملكة سبأ، وفى جمعية الشعب بأثينا، وفى عصر النبوة، وفى عصر الراشدين، أو فى الشورى الشخصية بدءاً من عصر الخلافة الراشدة.
لكن هذا التصويت فى الشورى الشخصية وحدها، قد اشتهرت تسميته فى العالم العربى بـ «البيعة». إما قياساً على «بيعتى العقبة»([29]) رغم أنهما لم تكونا تصويتاً بالمعنى الدقيق، إنما كانتا عهدين. وإما قياساً على «البيع الحقيقى»([30]) حيث «كان من عادة العرب إذا تبايع اثنان صفق أحدهما بيده على يد صاحبه»([31])، رغم أن البيع ليس تصويتاً بالمرة. وهكذا فإن هذه التسمية مبنية على أحد قياسين فاسدين.
ورغم أن التصويت فى الشورى الموضوعية لا يختلف فى شئ عن التصويت فى الشورى الشخصية، إنما احتفظت الأدبيات العربية بلفظ «البيعة» للتعبير عن التصويت الأخير وحده، واستمر ذلك الوضع زمناً طويلاً، بل إلى الآن فى السعودية مثلاً. أما ما ترتب على هذا الوضع الغريب من آثار فقهية أغرب، فإنها تتمثل فيما يلى:
أ - ظل الفقهاء ينظرون إلى البيعة، وكأنها جزء من نظام الرئاسة (الخلافة)([32])، وليست جزءاً من نظام الشورى، ولو أن العكس هو الصحيح.
ب – وظل الفقهاء ينظرون إلى البيعة، وكأنها عهد أو عقد([33])، أشبه بالبيع(3)، لأنه عقد حقيقى(4)، موضوعة الخلافة(5)، ويقوم – بالتالى – على التراضى والاختيار(6)، ويفترض من وجود طرفين موجب وقابل(7)، ومجلس للعقد. وهذا العقد هو عقد خاص، فيخضع بالتالى للقواعد العامة للعقد، فضلاً عن قواعده الخاصة، التى بدورها ترتب عليه آثاراً خاصة، أهمها(8) التزام الناخبين بالسمع والطاعة والنصرة للخليفة، والتزام الخليفة بالقيام بواجباته وعلى رأسها حراسة الدنيا والدين.
جـ - وظل الفقهاء ينظرون إلى البيعة لولى العهد، وكأنها جائزة، سواء اعتبرت تعاقداً على أمر مستقبلى، أو اعتبرت وعداً بالتعاقد مستقبلاً، ولو أنها فى الحالة الأخيرة تستلزم بيعة نهائية عند تولى ولى العهد الخلافة فعلاً(9).
وأخطر الآثار هو آخرها الذى بشأنه يقول حسن البصرى وهو من التابعين: «أفسد أمر هذه الأمة إثنان : ....... والمغيرة بن شعبة حين أشار على معاوية بالبيعة ليزيد. ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة»([34]).
ورغم أن هذه الأفكار استمرت منذ العصر الأموى حتى سقوط الخلافة العثمانية (661-1924)، ومازالت تتردد فى بعض المؤلفات المعاصرة، لكنها أفكار فاسدة. فالحقيقة أن التصويت فى الشورى الشخصية لا يختلف عن التصويت فى الشورى الموضوعية، لأن التصويت هو التصويت. وقد ترتب على فسادها أن «نظام الخلافة ... أصبح – بصورته التى رسمها فقهاء المسلمين – موضعه اليوم فى متحف آثار أنظمة الحكم»([35]).
حالياً، لم يعد التصويت شفهياً علنياً فى المواجهة، إنما أصبح التصويت سرياً ومكتوباً وفى غير مواجهة، سواء التصويت فى الشورى الشخصية (الانتخاب) أو - حتى – التصويت فى الشورى الموضوعية (أى الاستفتاء)، وذلك فى كافة بقاع العالم. كما أصبح لا يلزم – حتى – التصويت فى الشورى الشخصية فى كافة أقاليم الدولة فى وقت واحد معاً، إنما يجوز أن يجرى هذا التصويت فى أكثر من يوم أو أيام. ولم يعد التصويت يجرى فى دور العبادة ولا فى قصور الملكية، إنما أصبح يجرى فى أماكن معينة خصيصاً له.
والتصويت «السلبى» هو فكرة حديثة نشأت مع الشكل الحديث للتصويت، ولم تكن موجودة فى ظل الشكل القديم للتصويت حيث لم يكن أمام الناخب فى الشورى الشخصية سوى التصويت الإيجابى (البيعة) أو عدم التصويت مطلقاً .. حالياً أصبح للناخب الخيار بين التصويت الإيجابى والتصويت السلبى، سواء فى الشورى الشخصية أو فى الشورى الموضوعية، أما الامتناع عن التصويت مطلقاً، فهو إخلال بواجب، وله – بالتالى – عقوبته.
الفرع الثانى

66- فكرة القاعدة الشعبية :
وإن كانت الشورى تعنى أن الشعب بنفسه يدير شئون نفسه بطريق التصويت، لكن ليس معنى هذا بالبداهة أن أشخاص التصويت هم كل الشعب.
فالأصل أن أشخاص التصويت هم جزء – فحسب – من كامل الشعب. وتمييزاً لهم اشتهرت تسميتهم فى الأدبيات المعاصرة بـ «الناخبين» تارة ، و «الشعب السياسى»([36]) تارة أخرى و «القاعدة الشعبية» تارة ثالثة، ولو أن التسمية الأخيرة هى أفضلهم، لأنها أكثرهم توافقاً مع مبدأ: أصل الدولة الشعب، وبالتالى فأصل الشورى هم القاعدة الشعبية.
وهم قاعدة للشورى عامة (الانتخاب والاستفتاء)، لا للشورى الشخصية وحدها. وقاعدة للتصويت فحسب، لا للتصويت والترشيح إلا فى الشورى الشخصية فحسب، حيث لا يجوز الترشيح إلا لمن له حق التصويت أصلاً، فيشترط – بالتالى – فى المرشح أن يكون مقيداً فى جداول الانتخاب.
67- الاقتصاد فى القاعدة الشعبية :
الأصل أن القاعدة الشعبية هى قاعدة للتصويت الجدى، لا للتصويت أياً كان، ولا للتصويت الهزلى. وهم بهذا قاعدة نسبية عددياً، ويتناسب عددها عكسياً مع الجدية وطردياً مع الهزلية فى التصويت.
فالتقليل أو الزيادة عن الحد فى أشخاص التصويت، يتناسب تناسباً عكسياً مع جديته، وطردياً مع هزليته، وهو الأمر الذى يقتضى توفيقاً بين أشخاص التصويت وجديته، أى يقتضى الاقتصاد فى أشخاص التصويت.
لكن شهد القرن الماضى اتجاه التشريعات الوضعية نحو التوسع فى القاعدة الشعبية، على حساب مبدأ: ضرورة الاقتصاد فى أشخاص التصويت، وذلك بزيادة عددهم زيادة مبالغ فيها، اعتقاداً بأن هذه الزيادة دليل على تنامى الديموقراطية. ورغم أن هذا الاعتقاد خاطئ، لأن المبالغة فى هذه الزيادة دليل على هزلية الديموقراطية لا دليل على تناميها، فإنه قد أجيزت الصلاحية للتصويت لمن هم دون سن الرشد، وللنسوة، ولمن لا يجيدون مجرد القراءة والبحثة مثلاً.
68- ظاهرة الامتناع عن التصويت :
بصيرورة التصويت هزلياً نتيجة التوسع فى القاعدة الشعبية، انصرف عنه الكثيرون إرادياً، فتنامت تباعاً ظاهرة الامتناع عن التصويت مطلقاً، حتى فى مصر – مثلاً – حيث يُعاقب كل متخلف عن التصويت بغرامة لا تجاوز عشرين جنيهاً.
ومؤخراً تصدى بعض فقه الدين لتلك الظاهرة، ناظراً إلى التصويت وكأنه «شهادة» يأثم قلب من يكتمها.
ورغم أن هذا الرأى بمثابة تحول عن تكييف التصويت بـ «التبعية»، فإن المأخوذ عليه هو اختلاف التصويت اختلافاً تاماً عن الشهادة، التى هى فى الأصل مأجورة مصداقاً لقوله تعالى:)ولا يضار كاتب ولا شهيد(، وتتم أمام القضاء حتى اشتهرت تسميتها الشهادة القضائية. أما التصويت، فهو – بحسب الأصل – غير مأجور، ويتم خارج مجلس القضاء. هذا، ولو أن التصويت شأنه شأن الشهادة هو أداء لمهمة عامة mission public مؤقتة.
والأصل أن عقوبة الامتناع عن التصويت تتناسب طردياً مع جديته، وعكسياً مع هزليته. وفى عصر الراشدين كان الامتناع عن التصويت (البيعة) فى الشورى الشخصية، بمثابة إخلال بواجب، لكنه واجب بمعنى الواجب فى القانون الإلهى مصداقاً لقوله تعالى:)وأمرهم شورى بينهم( ، وقوله)وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ( ([37]).
وكان هذا الإخلال جريمة، بل – حتى – جناية، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : [من خرج عن الجماعة أو فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه]([38]).
ويروى أنه لما «تخلف عن بيعة أبى بكر جماعة من بنى هاشم والزبير وعتبة ابن أبى لهب وخالد بن سعد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسى وأبو ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبى بن كعب .... كذلك أبو سفيان من بنى أمية. بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى على ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضى الله عنهما. وقال له: إن أبو عليك فقاتلهم. فأقبل عمر بشئ من نار، فلقيته فاطمة الزهراء فقالت إلى أين يا ابن الخطاب. أجئت لتحرق دارنا؟. قال : نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة.....»([39]).
والرواية كافية للدلالة بذاتها على مدى جدية التصويت، ومدى جسامة الامتناع الجماعى عنه فى دولة الراشدين، ومدى استخفاف التشريع الوضعى فى مصر – مثلاً – بهذا الامتناع حالياً، ولو أن هذا الامتناع «أحد مظاهر السلبية التى تقوض أركان أى تنظيم. وللسلبية أسبابها التى يجب البحث عنها وعلاجها»([40])، إنما لا «يمكن القول بأن ... الامتناع عن التصويت أمر معروف ومشروع ... ومعناه قبول ما ترتضيه أغلبية المدلين بأصواتهم»([41]).
الفرع الثالث

69- فكرة الأحزاب :
الأمر الجوهرى فى التصويت هو موضوعيته ورشده. لذا فإن دور الأحزاب([42]) التى اشتهرت تسميتها تجوزاً فى الأدبيات المعاصرة بـ «الأحزاب السياسية» parties politiques، هو: معاونة القاعدة الشعبية كى يكون تصويتها موضوعياً ورشيداً، وإلا فلا حاجة إلى تلك الأحزاب أصلاً، أى لا ضرورة ولا لزوم لها.
على أن هذا الدور أسبق فى الوجود تاريخياً من فكرة الأحزاب، فكان يباشره فى عصر الخلافة الراشدة «أهل الشورى» باعتبارهم وحدة واحدة، أى قبل نشأة أى أحزاب.
لكن هذه الوحدة لم تلبث أن تجزأت إلى حزبين كبيرين، وذلك بمناسبة الشورى الشخصية بعد عصر عثمان رضى الله عنه، وبسببها بالذات، وبصرف النظر عما زعمه كل حزب من الحزبين. فأحدهما تمسك بضرورة القصاص من قتلة عثمان، بينما الآخر تمسك بأن الجرم السياسى لم يكن قتل عثمان فحسب، إنما أيضاً فعل عثمان ذاته فى الخلافة مما أدى إلى مقتله.
وقد ساعد على نشأة هذين الحزبين آنذاك، أن الخليفة عثمان – وعلى عكس سابقيه – لم تتح له قبل موته فرصة الدعوة رسمياً إلى الشورى بعد موته بشأن الخليفة القادم، وهو الأمر الذى كان مثار اضطراب آنذاك:
- إذ تولى الثوار بأنفسهم الدعوة إلى الشورى، لكن دعوتهم رفضت على أساس انعدام صفتهم بشأنها([43]).
- وتولى علىَّ الدعوى فى المدينة حيث جرى ترشيحه وتلقيه البيعة.
- وتولى معاوية الدعوة ذاتها فى دمشق حيث رشح نفسه وتلقى البيعة، رغم أن هذا أو ذاك لم تكن له صفة رسمية تخوله الدعوة إلى شورى، فضلاً عن أن دمشق لم تكن آنذاك هى عاصمة الدولة.
ولا ريب أن فكرة وجود أكثر من حزب واحد فى ذاك العصر، كانت فكرة حديثة وتقدمية وسبقت عصرها بأكثر من ألف سنة، لكنها كانت غريبة آنذاك، أى كانت غير مألوفة أصلاً، وبالتالى لم يكن بالوسع تقبل فكرة الحزب الآخر، وجرى تفسير الأمر تفسيراً قبلياً بحتاً، على تقدير أن الأمر مجرد انقسام قرشى بحت إلى حزبين، هما: حزب آل هاشم وحزب آل أمية([44])، الذى لم يكن حزباً عادياً آنذاك.
فالحزب الأخير هو أول من ابتدع فكرة أن دور القاعدة الشعبية، هو معاونة القيادة الحزبية على «تولى السلطة فى الدولة». ومازالت هذه الفكرة هى جوهر تعريف الحزب([45]) والأحزاب([46]) فى الأدبيات المتداولة حتى الآن.
لذا كان من برنامجه الاستعانة بالخديعة، والاستعانة بالمال لتجميع الأنصار([47])، والاستعانة بالسلاح فى مواجهة الحزب الآخر ولو أدى الأمر إلى حرب أهلية كما حدث فى موقعة «الجمل» ثم موقعة «صفين». والاستعانة به فى القضاء على الحزب الآخر وأنصاره، وإنشاء الملكية بما يترتب عليها من توارث العرش ... وهكذا.
وثابت تاريخياً، أن فكرة وجود أكثر من حزب واحد لم تحظ بإقرار تشريعى وضعى بها، إلا فى وقت حديث للغاية، ولأول مرة فى الولايات المتحدة الأمريكية. أما قبل ذلك، فقد افتقد التصويت موضوعيته ورشده، سواء فى الشرق طوال عصر آل أمية وما بعده (661-1924)، أو فى الغرب الذى لم يحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية إلا منذ أقل من قرن.
وبهذه الكيفية وحدها، يجب علينا فى الشرق أن نؤرخ لفكرة الحزب، ووجود أكثر من حزب، ودور الحزب، أى معاونة القاعدة الشعبية كى يكون تصويتها موضوعياً ورشيداً، وهو الأمر الذى يقتضى أن يكون الحزب ذاته موضوعياً ورشيداً، وإلا فلا حاجة إليه ولو كان حزباً قديماً.
70- ضمانات جوهر التصويت :
الأمر الجوهرى فى التصويت هو موضوعيته ورشده. وهما يفترضان، حريته وتجرده وأمانته، مصداقاً لقول أبى بكر بشأن تبرير رضائه مسبقاً عن التصويت لعمر بن الخطاب: «....فإنى والله ما ألوت من جهد الرأى، ولا وليت ذا قرابة، وإنى قد استخلفت عمر بن الخطاب.....»([48]). «اللهم إنى لم أرد بذلك إلا صلاحهم. وخفت عليهم الفتنة. فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم. وقد حضرنى من أمرى ما حضر. فأخلفنى فيهم. فهم عبادك ونواصيهم بيدك. أصلح لهم واليهم واجعله من خلفائك الراشدين»(2).
وهذا القول ليس توجيهاً فحسب للدعاية الانتخابية الموضوعية الرشيدة. إنما توجيه أيضاً للتصويت الموضوعى الرشيد، بل توجيه كذلك للتصويت القائم على حرية الناخب وتجرده وأمانته:
أ - وكان الناخب فى عصر الخلافة الراشدة أمام أحد موقفين فى الشورى الشخصية خاصة: إما التصويت الإيجابى (أى البيعة). وإما الامتناع مطلقاً عن التصويت، وهذا كان بمثابة جرم.
ففى ظل الشكل القديم للتصويت، لم تكن فكرة التصويت السلبى معروفة، ولا كانت متاحة للناخب. فكانت حرية الناخب بهذا منقوصة من جانب، كما كان الناخب ذاته فى وضع حرج من جانب آخر، رغم أن المبدأ هو: وجوب رفع الحرج عامة.
ومع ظهور الشكل الحديث للتصويت ظهرت لأول مرة فكرة التصويت السلبى، وأصبحت متاحة للناخب، فصار أمام أحد موقفين فى الشورى عامة هما: إما التصويت الإيجابى، وإما التصويت السلبى، الذى انفصل مستقلاً بذاته عن فكرة الامتناع مطلقاً عن التصويت، فظلت الأخيرة بمثابة إخلال بواجب حتى الآن.
بهذا ففكرة الشكل الحديث للتصويت (أى السرية والبحثة وفى غير مواجهة)، لا تقوم فحسب على حرية الناخب وحدها، إنما تقوم أيضاً على رفع كل حرج عنه.
ب – والأصل فى التصويت منذ عصر النبوة، هو عدم استسلامه أمام عرض الدنيا لدرجة إغفال الآخرة، مصداقاً لقوله تعالى بشأن التصويت فى موضوع أسارى بدر : ) تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الاَخِرَةَ(([49]).
فالمستفاد من النص من الوجهة العلمية/التاريخية/القانونية، هو أن جوهر التصويت إرادة شخصية، لكن تعلوهـا إرادة الله. إذن جوهر التصويت ليس إرادة شخصية مطلقة، إنما إرادة مقيدة أصلاً بإرادة الله التى توجب التجرد فى التصويت، أى التجرد عن المصالح الشخصية والأهواء والنزوات والإغراءات وغيرها من عرض الدنيا.
بهذا، فالتجرد مفترض ضرورى ولازم للتصويت بموضعية ورشد.
جـ - والأصل أن الناخب فى التصويت ليس مخيراً بين إحسانه أو عدم إحسانه. لأن التصويت عمل، وكل عمل يخضع لقاعدة : وجوب إحسانه، مصداقاً لقوله تعالى: )إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ(([50])، وقوله صلى الله عليه وسلم : [وإن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يُحسن]([51]).
والمستفاد من ذلك من الوجهة العلمية/التاريخية/القانونية، أن على الناخب أن يؤدى التصويت كأنه يرى الله، فإن لم يكن يراه، فإن الله يراه، أى أن على الناخب أداء التصويت بأمانة.
وهكذا فضمانات موضوعية التصويت ورشده، هى حرية الناخب وتجرده وأمانته. وهى ضمانات جوهرية فى التصويت. ومعنى هذا بالبداهة، أن على الناخبين فى العالم العربى والإسلامى خاصة ألا يتبعوا التحزبات التقليدية الموروثة من قديم([52])، التى لا تعمل إلا للتحزب ذاته، ولو أنها تتحزب باسم الدعوة أو باسم الدين، خاصة أن هذه التحزبات القديمة، ليست أحزاباً بالمعنى الدقيق.
فالأصل أن الحزب، لا هو فكرة دينية أصلاً، ولا هو – حتى – موضوع من الموضوعات الدينية([53]). والدين، لا هو فكرة حزبية، ولا هو موضوع من الموضوعات الحزبية([54])، وذلك مصداقاً لقوله تعالى:)أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ وَلاَ تَتَفَرّقُواْ فِيهِ( ([55])، وقوله تعالى)أَلاَ لِلّهِ الدّينُ الْخَالِصُ( ([56]).
ومن أسف أنه قد فات الكثيرين حتى من الإسلاميين أنفسهم، أن الدين موضوع من موضوعات القانون الإلهى (القرآن والسنة)، لكنه لا يستنفد وحده تلك الموضوعات التى يجب – بالتالى – أن نفسرها تفسيراً علمياً/تاريخياً/قانونياً، لا تفسيراً دينياً، ولا – حتى – تفسيراً لغوياً بحتاً.
المطلب الثالث
الالتزام بقرار الشورى
الفرع الأول

71- قرار القاعدة الشعبية :
هذا القرار هو العنصر الموضوعى فى قرار الشورى، الذى يتكون من عنصرين أحدهما موضوعى والآخر شكلى.
والعبرة فى قرار القاعدة الشعبية، هى بالإجماع الشعبى على أمر من أمور الشعب، وبصرف النظر عما إذا كان هذا الإجماع إجماعاً حقيقياً أم إجماعاً حكمياً فحسب، وبصرف النظر – أيضاً – عما إذا كان موضوع هذا الإجماع أمر شخصى أو أمر موضوعى من أمور الشعب :
1- وهو بهذا قرار شعبى. لأن موضوعه أمر من أمور الشعب بأسره، وللشعب بأسره، ولو أنه قرار القاعدة الشعبية وحدها دون غيرها من أفراد الشعب.
وهو قرار شعبى أصيل originaire . لأن القاعدة الشعبية اتخذته أصالة عن نفسها، لا نيابة عن الشعب بأسره، ولا – حتى – أصالة عن نفسها ونيابة عن باقى الشعب.
2- وهو أيضاً إجماع، أى ليس قرار أقلية ولو كانت هذه الأقلية قد أجمعت عليه، بل – حتى – لو لم تسفر الشورى إلا عن قرارين أقلية، مصداقاً لما روى بشأن الشورى فى موضوع رد سبى هوازن إلى وفدها. فثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من المسلمين الرأى فى الموضوع، فلما وافق البعض دون البعض على الرد، قال لهم: [إنا لا ندرى من أذن منكم فى ذلك ممن لم يأذن. فارجعوا حتى يرفع الينا عرفاؤكم أمركم]([57]).
فالقاعدة : أن قرار الأقلية لا يعتد به قانوناً، أى ساقط، وبالتالى فإن التشبث به يعد جرماً مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: [من خرج عن الجماعة أو فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه]([58]).
وهذا الجرم جسيم فى الشورى، مصداقاً لقول عمر رضى الله عنه للمقداد بن الأسود: «إذا وضعتمونى فى حفرتى فإجماع هؤلاء الرهط فى بيت حتى يختاروا رجلاً منهم. فإذا اجتمع خمسة ورضوا رجلاً، وأبى واحد فأشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان، فاضرب رؤسهما. فإن رضى ثلاثة رجلاً منهم، وثلاثة رجلاً منهم، فحكِّموا عبد الله بن عمر. فأى الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم. فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف. واقلتوا الباقين إذا رغبوا عما اجتمع عليه الناس»([59]).
لكن لا يلزم الإجماع الحقيقى، أى إجماع الكافة فى القاعدة الشعبية. إنما يكفى الإجماع الحكمى، أى إجماع الأغلبية، ولو أن إجماعها ليس إجماعاً حقيقياً، لكنه إجماع على أى الأحوال. ويكفى فى إجماع الأغلبية، إجماع أكثر من نصف عدد الناخبين، ولو كانوا أكثر بواحد على الأقل.
فاشتراط الإجماع الحقيقى فى الشورى، بمثابة إلزام بمستحيل، ويهدد – بالتالى – وجود نظام الشورى، لاستحالة تحققها عملاً.
3- وهو قرار فى شأن من شئون الارتقاء الحضارى للشعب، أى فى شأن تقدمه، وليس قراراً فى شأن تخلفه، وإلا فهو قرار بضلالة، ويكون بالتالى قراراً معدوماً، أى كأن لم يكن قانوناً، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [لا تجتمع أمتى على ضلالة]([60])، أى أن إجماع القاعدة الشعبية على ضلالة هو أمر محظور قانوناً، ولو كان هذا الإجماع إجماعاً حقيقياً.
72- إعلان القرار :
إعلان قرار القاعدة الشعبية هو العنصر الآخر فى قرار الشورى. فهو العنصر الشكلى. وهو عنصر ضرورى ولازم لوجود قرار الشورى.
لذا فإن إعلان قرار القاعدة الشعبية واجب بمعنى الواجب فى اللائحة التنفيذية (السنة) للدستور الإلهى (القرآن)، مصداقاً لما روى بشأن إعلان قرار التصويت فى موضوع أسارى بدر.
فالثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس وقال: [ما قولكم فى هذين الرجلين؟. إن مثلهما كمثل أخوة لهما كانوا. من قبلها قال نوح: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً). وقال موسى: (ربنا إطمس على أموالهم وأشدد على قلوبهم) وقال عيسى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). وقال إبراهيم: (فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم). إن الله سبحانه ليُشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة. ويُلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن. وإن يكن منكم عيلة فلا ينقلب أحد منكم إلا بفداء أو ضربة عنق)([61]).
والمستفاد من هذا الحديث من الوجهة العلمية/التاريخية/ القانونية، هو أن إعلان قرار القاعدة الشعبية واجب بمعنى الواجب فى القانون الإلهى. لأنه ضرورى ولازم لوجود قرار الشورى وبالتالى نفاذه. وأن هذا الإعلان هو قرار قائم بذاته autonomie.
لذا ظل هذا الإعلان واجباً حتى فى عصر الخلفاء الراشدين، بل – حتى – لو كان قرار القاعدة الشعبية بشأن الشورى الشخصية، مصداقاً لقول أبى بكر رضى الله عنه فى أول خطبة له بعد بيعته: «يا أيها الناس إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم .......»([62]).
ومازال هذا الإعلان واجباً حتى الآن، ولو أن قراره لم يعد يصدر من رئاسة الدولة مباشرة، إنما من وزير الداخلية. واشتهرت تسمية هذا القرار بـ «قرار إعلان النتيجة» أى نتيجة الانتخاب أو الاستفتاء على حسب الأحوال.
وفى عصر الراشدين، كان قرار الإعلان يصدر فى «المدينة»، أى فى عاصمة الدولة آنذاك. ومازال هذا القرار يصدر – حالياً – فى عواصم الدول.
الفرع الثانى

73- قوته الملزمة :
قرار الشورى هو قرار ملزم([63])، أى له قوة ملزمة force obligatoire، وذلك بصرف النظر عن الرأى المخالف الذى ينظر إلى الشورى وكأنها «المشورة»([64])، أى كأنها مجرد استشارة. لكن هذا الرأى يخلط بين نظامين مختلفين تماماً عن بعضهما. فلا الشورى مجرد مشورة، ولا المشورة هى الشورى.
والنطاق الشخصى لقوته الملزمة، لا يقتصر على الملك أو الرئيس وحده([65]) دون أعونه أو دون الدولة، ولا يقتصر على الأغلبية التى كونت الإجماع دون باقى أفراد الشعب، إنما يشمل هؤلاء جميعاً.
والخليفة عمر رضى الله عنه يؤكد على هذه القاعدة صراحة، فيما قرره بمناسبة قرار الشورى فى موضوع خروجه أو عدم خروجه على رأس الجيش المتوجه آنذاك إلى العراق، وبيان التزامه كخليفة بقرار الأغلبية، وذلك بقوله :
«وكذلك يحق على المسلمين أن يكونوا وأمرهم شورى بين ذوى الرأى منهم (أى القاعدة الشعبية). فالناس تبع لمن قام بهذا الأمر. ما اجتمعوا عليه ورضوا به لزم الناس وكانوا فيه تبعاً لهم»([66]).
فالمستفاد من ذلك من الوجهة العلمية/التاريخية/القانونية، هو أن قرار الشورى له قوة ملزمة يشمل نطاقها الخليفة وبالتالى الدولة، والشعب بأسره، وبصرف النظر عمن كان منهم فى الإجماع ومن لم يكن فيه. فهذا الإجماع يلزم الجميع وعليهم اتباعه.
74- قوته التنفيذية :
وقرار الشورى له – أيضاً – قوة تنفيذية force éxécutoire، أى هو قرار واجب التنفيذ. والنطاق الشخصى لهذا يشمل ما يلى:
1- فالرئيس عليه واجب التنفيذ، مصداقاً لقوله تعالى:)وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ(([67])، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم حين سئل عن «العزم»: [هو مشاورة أهل الرأى ثم اتباعهم]([68]).
وثابت، بشأن قرار الشورى فى موضوع الخروج أو عدم الخروج لملاقاة العدو فى أُحد أنه «نزل الرسول على رأى الأغلبية الذى حبذ الخروج لملاقاة الأعداء قبل وصولهم إلى المدينة ... ونهض عازماً. واتخذ أهبته للقتال. فلما تردد البعض ... قال لهم: [ما كان لنبى إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه([69]).
2- والشعب عليه واجب التنفيذ، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم فى إعلان قرار الشورى بشأن موضوع أسارى بدر: [... وإن يكن منكم عيلة فلا ينقلب أحد منكم إلا بفداء أو ضربة عنق]([70]).
3- وغير هؤلاء ممن يمتد إليهم قرار الشورى، عليه واجب التنفيذ، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب وكان من أسارى بدر: [إفد نفسك وابنى أخيك عقيل بن أبى طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبه من عمر. فقال: يارسول الله إنى كنت مسلماً ولكن القوم استكرهونى فقال صلى الله عليه وسلم: أعلم بإسلامك فإن كان ما قلت فإن الله سبحانه يجزيك]([71]).
وثابت أن العباس فدى نفسه بمائة أوقية وفدى كل واحد من ابنى أخيه وحليفه بأربعين أوقية.
على أن فكرة القوة التنفيذية لقرار الشورى لها أهميتها فى مواجهة الرأى الذى ينكر إلزامية هذا القرار. لأن القاعدة: أنه ما من عمل قانونى له قوة تنفيذية، إلا وله قوة ملزمة، ولو أنه ليس لكل ما له قوة ملزمة قوة تنفيذية.
الفرع الثالث

75- ثلاث خصائص :
فهو – أولاً – قرار إدارة غير عادية. لأنه القرار الذى بموجبه يدير الشعب بنفسه شئون نفسه. وهو بهذا قرار إدارة، لكنها ليست إدارة عادية، إنما إدارة غير عادية، بمعنى إدارة فوق العادية، لأنها الإدارة الأصيلة originaire العليا supreme.
أما المقصود بالإدارة العادية، فهى الإدارة التنفيذية التى تتولاها الدولة باعتبارها مجرد سلطة تنفيذية يرأسها الملك أو الرئيس على حسب الأحوال، وبصرف النظر عن تسميته فى الدساتير الوضعية المعاصرة.
وهو – ثانياً – قرار رسمى authèntique. لأنه جماع تصويت رسمى، سواء على المستوى الفردى أو على المستوى الجماعى. فالتصويت أداء لمهمة عامة mission public، ولها – بالتالى – طابعها الرسمى، ولو أنها مهمة مؤقتة لكنها متجددة لأنها تمارس متقطعة، أى كلما دعت الحاجة إلى الشورى. وهى مهمة غير مأجورة مالياً، بمعنى أنها تمارس بدون مقابل مالى. لكن إحسانها مأجور عند الله، مصداقاً لقوله تعالى:)إِنّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً(([72]).
وهو – ثالثاً – قرار نهائى، أى موجود ومحقق الوجود certain بذاته، بمعنى إن تحقق وجوده أو نفاذه لا يتوقف على أى أمر آخر لاحق عليه. لأنه قرار الشعب الذى هو أصل الدولة، والذى لا وصاية لأحد عليه.
76- حكمة نظام الشورى :
نظام الشورى له حكمته، التى هى حظر الوصاية على الشعب. فالمبدأ: لا وصاية مطلقاً على الشعب وهذا المبدأ واحد من مبادئ القانون الإلهى.
فالدستور الإلهى المعاصر (القرآن) يمنع أن يكون الشعب تحت وصاية أحد، ولو – حتى – وصاية خاتم الرسل، مصداقاً لقوله تعالى:)فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ . لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ( ([73]). ولا – حتى – تحت وصاية دينية من خاتم الرسل، مصداقاً لقوله تعالى:)لّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ( ([74])، وقوله تعالى:)ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ( ([75]).
ومن باب أولى ، لا وصاية على الشعب فى أموره الدنيوية، حتى من جانب خاتم الرسل، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: [أنتم أعلم بأمور دنياكم].
وعملاً بذات المبدأ، يقول أبو بكر فى أول خطبة له بعد بيعته: (يا أيها الناس فإنى قد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينونى. وإن أسأت فقوِّمُونى. الصدق أمانة والكذب خيانة ... أطيعونى ما أطعت الله ورسوله. فإن عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لى عليكم. فإنى متبع ولست مبتدعاً».
وبعده يقول الخليفة عمر: «ألا إن رأيتم فىَّ إعوجاجاً فقومونى». فرد عليه واحد : «والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا». فيعقب عليه قائلاً: «الحمد لله الذى أوجد فى المسلمين من يقوَّم عمر بحد السيف». ولما استنكر واحد مقولة زميله، قال له: «إتق الله». فقال عمر: «نعم ما قال. لا خير فيكم إن لم تقولوها. ولا خير فينا إذا لم نسمعها».
المبحث الرابع

77- عرض وتقسيم:
استحدث الإنجليز لفظ: «البرلمان» Parliament، قبل أن يصبح – حتى – فرنسياً Parlement غداة ثورة 1789، فغربياً بعد ذلك، ثم ذاع وانتشر خارج الغرب. وهو – فى أى حال – اختصار لعبارة «البرلمان النيابى» حالياً، ويدل على الهيئة التشريعية.
وليس معنى هذا بالبداهة أن فكرة الهيئة التشريعية فكرة حديثة حداثة البرلمان فى إنجلترا فى أعقاب ثورة 1688م ضد الملك وليم الثالث، ولا أنها فكرة غربية أصلاً، ولا أن القانون الإلهى يخلو من فكرة الهيئة التشريعية ويخلو – بالتالى – من نظام أمثل idealist للبرلمان، ولا أن النظام الأمثل للبرلمان هو نظام البرلمان النيابى.
بل إن العكس هو الصحيح بإطلاق، وذلك بصرف النظر عن أى تمجيد لفكرة البرلمان الغربى فى مؤلفات الدستورى المقارن، ذلك التمجيد الذى ما يلبث أن يصطدم أولاً بعقم البحث عن نظام أمثل لانتخاب أعضاء البرلمان([76])، ويصطدم ثانياً بعقم الترجيح بين البرلمان المفرد والبرلمان المزدوج من الوجهة الأفقية([77]). ويصطدم ثالثاً بتنامى ظاهرة الطعون الصحيحة يبطلان عضوية النواب فى البرلمان فى مصر مثلاً.
لذا فإن الدراسة فى هذا البحث لا تهتم إلا بالبحث عن النظام الأمثل للبرلمان. وهى تتوزع على المطالب الثلاثة التالية:
المطلب الأول- النشأة الأولى للبرلمان.
المطلب الثانى- النشأة الآخرة للبرلمان.
المطلب الثالث- عصر اللا برلمان.
المطلب الأول
النشأة الأولى للبرلمان
الفرع الأول

78- أمة تشريعية:
علم البرلمان (الهيئة التشريعية) هو علم قائم بذاته، ولم يعرف قط لإنسان قبل إبراهيم عليه السلام، الذى هو أول من تلقاه مباشرة ضمن ما تلقاه من علم science من ربه تعالى، مصداقاً لقوله سبحانه بلسان إبراهيم إلى أبيه: )يَأَبَتِ إِنّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ....(([78]).
لذا، فرغم أن إبراهيم كان فرداً واحداً لا أكثر، لكنه عليه السلام كان هيئة تشريعية كاملة، مصداقاً لقوله تعالى: )إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمّةً .....( ([79]).
فالمستفاد من هذا النص من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية، هو أن إبراهيم عليه السلام كان فى عصره «أمة تشريعية»، أى هيئة تشريعية، تلك التى اشتهرت تسميتها بعد هذا العصر بآلاف السنين بـ«البرلمان».
فلفظ «أمة» فى الآية الكريمة، ليس لفظاً لغوياً فحسب، وإلا ما يئس اللغويون فى بحثهم عن معناه اللغوى البحت، وما استعانوا فى شأنه بفلسفة اللغة العربية، وما صرفوه بالتالى إلى معنى فلسفى لغوى هو: «الكمال الشخصى»([80])، الذى توافر فى الأنبياء والمرسلين كما توافر فى خاتمهم صلى الله عليه وسلم، دون أن يصف القرآن أى واحد منهم بلفظ أمه، سوى إبراهيم عليه السلام.
وبهذا، فأكثر غوامض التأريخ للبرلمان فى الدستور الإلهى المعاصر القرآن، خلقها المترجمون العرب، بترجمتهم لغة القرآن العربية إلى لغة عربية أبسط، تلك الترجمة التى اشتهرت تسميتها تقليدياً بـ«التفسير». لأن هؤلاء نظروا إلى لفظ أمه فى الآية 120 من سورة النحل، وكأنه مجرد لفظ لغوى فحسب.
بينما لفظ أمة فى الآية الكريمة، هو واحد من اصطلاحات الدستور الإلهى المعاصر، أى هو اصطلاح قانونى أصلاً، وله – بالتالى – مفهومه الاصطلاحى، أى مفهومه العلمى/ التاريخى/ القانونى.
79- نظيره الاصطلاحى:
رغم أن لفظ «أمه» قد تكرر ذكره فى آيات قرآنية كثيرة، إنما ليس لاصطلاح أمه فى الآية 120 من سورة النحل ثمة نظير مطابق له تماماً فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، سوى اصطلاح «أمه» فى الآية 104 من سورة آل عمران، حيث قوله تعالى: )وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .... (.
فلفظ أمه فى الآية الأخيرة، ليس لفظاً لغوياً فحسب، ولا يمكن – بالتالى – صرفه إلى معناه اللغوى القروسطى الشائع حتى الآن، أى: جماعة أيا كانت تُنصب نفسها بنفسها وصية على الآخرين باسم الدعوة الدينية، وذلك لمجرد أن كل عضو فيها آنس فى نفسه امتيازاً ثقافياً دينياً، وبصرف النظر – حتى – عن وجود هذا الامتياز أو تلك الثقافة فى الحقيقة. ومن أسف، أنه من رحم هذا المفهوم القروسطى، خرجت قديماً ومازالت تخرج حتى الآن، جماعات يشار إليها فى الأدبيات المعاصرة بجماعات «الإسلام الراديكالى» تارة «والإسلام السياسى»([81]) تارة أخرى.
إنما لفظ أمه فى الآية 104 من سورة آل عمران، هو واحد من اصطلاحات الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، أى هو اصطلاح قانونى أصلاً، وله – بالتالى – مفهومه الاصطلاحى.
80- المفهوم الاصطلاحى:
ليس لاصطلاح (...منكم أمه....) فى الآية 104 من سورة آل عمران، ثمة مرادف علمى/ تاريخى/ قانونى/ فى الدستور الإلهى المعاصر، سوى اصطلاح (...أولى الأمر منكم...) فى الآية 59 من سورة النساء، حيث قوله تعالى: ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ.....(.
فالاصطلاحان بمعنى واحد، وهما معاً بمعنى الهيئة التشريعية، باعتبارها هيئة أولى الأمر والنهى القانونيين، أى البرلمان.
فعبارة (أولى الأمر منكم....) ليست عبارة لغوية فحسب، ولا مفردها «ولى الأمر» الذى خلت منه تماماً نصوص الدستور الإلهى المعاصر([82])، ولا معناها ولى الأمر وأعوانه([83])، ولا أولياء الأمور المتعاقبين أى الخلفاء(3)، ولا ولاة الأمور(4)..... إلى آخر المعانى القروسطية التى ألصقت بهذا الاصطلاح القانونى.
81- هوية البرلمان الإبراهيمى:
إذن، أول وأقدم برلمان فى التاريخ الإنسانى هو البرلمان الإبراهيمى. وقد نشأ هذا البرلمان فى الشرق قديماً، لا فى الغرب. وكانت هيئته عربية خالصة، لأن إبراهيم عليه السلام، كان عربياً([84])، وكانت ملامحه بالتالى – عربية، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم.......»([85]) يعنى نفسه.
وكانت لفقه الرسمية هى اللغة العربية. لأن إبراهيم كان يتكلم العربية([86])، ولو أنها ليست اللغة العربية الحالية(4)، أى ليست اللغة العربية «المبينة» التى هى أصل لغة القرآن الكريم، إنما كانت اللغة العربية «غير المبينة» التى كانت لغة الأقوام التى عاشت فى الشرق قديماً، ولو أنها لغة عربية على أى الأحوال.
الفرع الثانى

82- تمهيد:
سن البرلمان الإبراهيمى حزمة من التشريعات. ولا يتسع المقام لحصرها، ونختار – بالتالى – منها ما يلى:
1- تسمية قانونية للموحدين
83- اصطلاح: المسلمون:
سن البرلمان الإبراهيمى تشريعاً بشأن التسمية القانونية للموحدين بالله، فسماهم المسلمين، مصداقاً لقوله تعالى بشأن إبراهيم عليه السلام: ).... هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـَذَا ....(([87]).
وهذه التسمية الاصطلاحية موجودة منذ زمن إبراهيم عليه السلام، مصداقاً لقوله تعالى على لسان إبراهيم: رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيّتِنَآ أُمّةً مّسْلِمَةً لّكَ ... (([88]). كما أن هذه التسمية الاصطلاحية ذاتها موجودة – حتى – فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، مصداقاً لقوله تعالى فى الآية 78 من سورة الحج )... وفى هذا ....(، أى فى هذا القرآن.
84- الدور القانونى للاصطلاح:
وفقاً لهذا الاصطلاح، فإن الإنسان عبر تاريخه على نوعين من الوجهة الدينية. لأن الدين réligion ذاته على نوعين، مصداقاً لقوله تعالى: )قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ~ .... لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ(([89]). فالمستفاد من هذا النص من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية، هو أن الدين على نوعين أثنين لا ثالث لهما، وهما:
أ - دين الكفر، أى غير الإسلام. وهو بهذا دين محظور فى القانون الإلهى، مصداقاً لقوله تعالى: )وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ(([90]).
ب – دين التوحيد، أى الإسلام. وهو الدين الإلهى، مصداقاً لقوله تعالى: ) إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (([91]).
ومجال الحرية الدينية تقتصر على الخيار بين هذين النوعين من الدين، مصداقاً لقوله تعالى فى الآية 29 من سورة الكهف: )وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ....(.
85- وحدة الدين الإلهى:
والدين الإلهى (الإسلام) واحد عبر التاريخ الإنسانى. فقد كان نوح – وبالتالى أتباعه – مسلماً، مصداقاً لقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: )وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(([92]).
وكان إبراهيم عليه السلام مسلماً، مصداقاً لقوله تعالى بشأن إبراهيم: ).... وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مّسْلِماً (([93]).
وكان يعقوب (إسرائيل) وأولاده مسلمين، مصداقاً لقوله تعالى بشأنهم: ) قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـَهَكَ وَإِلَـَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(([94]).
وكان سليمان عليه السلام مسلماً، مصداقاً لقوله تعالى على لسان سليمان: )وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنّا مُسْلِمِينَ (([95]).
وكان عيسى والحواريون مسلمين، مصداقاً لقوله تعالى بشأنهم: )فَلَمّآ أَحَسّ عِيسَىَ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيَ إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ(([96]).
وكان خاتم الرسل وأتباعه مسلمين، مصداقاً لقوله تعالى بشأنهم: )قُلْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىَ وَعِيسَىَ وَالنّبِيّونَ مِن رّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(([97]).
86- تنامى الدين الإلهى:
والدين الإلهى (الإسلام)، وإن كان واحداً، لكنه كان يتنامى عبر التاريخ الإنسانى، حتى كمل وتم وحاز رضاء الله تعالى على يد خاتم الرسل فى مطلع ثلاثينيات القرن السابع الميلادى، مصداقاً لقوله تعالى: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً(([98]).
وبدهى أن أول الدين الإلهى النهائى هو خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، مصداقاً لقوله تعالى بشأنه: ) قُلْ إِنّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوّلَ مَنْ أَسْلَمَ (([99])، وقوله: )وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوّلَ الْمُسْلِمِينَ(([100])، وقوله: )وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ (([101]).
وما قبل الدين الإلهى النهائى (الإسلام) من إسلام، فإنه إسلام، ويظل إسلاماً مادام قائماً على التوحيد بالله، مصداقاً لقوله سبحانه: )قُلْ يَأَهْلَ البحث تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ(([102]).
لكن ما قبل الدين الإلهى النهائى (الإسلام) من إسلام، لم يعد ديناً إلهياً كاملاً وتاماً وحائزاً لرضاء الله تعالى، إنما أصبح مجرد ملل فحسب، مصداقاً لقوله تعالى: )مّلّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ .... (([103])، وقولـه: ) وَلَنْ تَرْضَىَ عَنكَ الْيَهُودُ .... حَتّىَ تَتّبِعَ مِلّتَهُمْ (([104])، وقولـه: )وَلَنْ تَرْضَىَ عَنكَ ..... وَلاَ النّصَارَىَ حَتّىَ تَتّبِعَ مِلّتَهُمْ((2).
87- الوزن النسبى للدين الإلهى:
وبدهى أن الدين الإلهى النهائى يختلف عما سبقه من ملل إسلامية، من حيث الوزن القانونى النسبى، أى نسبة بعضهما إلى بعض قانوناً.
فنسبة الدين الإلهى النهائى إلى ما سبقه من ملل، هى نسبة الواحد الصحيح إلى النصف، مصداقاً لقول خاتم الرسل: «عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين»(3)، وقوله: «أهل الجنة، عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم»(4). فالمستفاد من النصين من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية، أن الوزن القانونى النسبى للدين الإلهى (الإسلام) النهائى ضعف ما سبقه من ملل إسلامية عبر التاريخ الإنسانى.
2- الاقتران بأكثر من زوجة
88- التشريع:
جواز اقتران الرجل بأكثر من زوجه معاً، هو تشريع لم يكن معروفاً قط قبل إبراهيم عليه السلام، الذى هو أول من سنة، وقام بنفسه بتطبيقه، فاقترن بزوجتين معاً، هما سارة وهاجر.
وكان اقترانه عليه السلام بهما معاً، على وجه المساواة بينهما، وعلى وجه المساواة – بالتالى – بين ولديهما منه، وذلك بصرف النظر عن أى اختلاف بين هاتين الزوجتين قبل الزواج. فبعد اقترانه بهما، لا اختلاف هناك بين الحرة والأمة، ولا بين القريبة وغير القريبة، ولا بين البابلية والقبطية (المصرية)، ولا بين الشابة والعجوز، ولا بين الولود والعقيم.
89- مبنى التشريع:
ومبنى هذا التشريع، هو صلاحية الرجل للاقتران بأكثر من زوجة، وذلك على خلاف المرأة التى تفتقر تماماً إلى مثل هذه الصلاحية، نظراً لاختلاف الرجل عن المرأة، سواء من حيث الطبيعة القانونية، أو – حتى – من حيث الوزن القانونى النسبى، مصداقاً لقوله تعالى: )وللرجال عليهن درجة(.
ولا غنى لأى مجتمع عن هذا التشريع الذى حظى بتقنين تفصيلى له قديماً، فى المواد 144 – 146 و 170 من الألواح الطينية التى تنسب إلى الملك السادس من الأسرة البابلية الأولى، أى فى قانون حمورابى Hammorabi (1728 – 1686 ق.م)، وذلك بعد عصر إبراهيم بمئات السنين.
فما من مجتمع إلا وفيه النساء أكثر من الرجال من الوجهة العددية.
90- موقف الأنبياء :
وقد ظل هذا التشريع معمولاً به من جانب الأنبياء والمرسلين بعد إبراهيم عليه السلام، سواء يعقوب (إسرائيل) أو موسى أو داود أو سليمان أو محمد عليهم جميعاً السلام.
ولم يأت عيسى عليه السلام بأى نظام مخالف لهذا التشريع الإبراهيمى، ولو أن عيسى ذاته لم يقترن – حتى – بزوجة واحدة، لأنه مسيح.
ولأنه لا مسيح إلا عيسى، فقد خضع عيسى وحدة للنظام القانونى للمسيح، أى الممسوح من الأب ومن بغاء الأم، مصداقاً لقوله تعالى على لسان مريم )قَالَتْ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً(([105]). وكذا الممسوح من الابن، وبالتالى لم يتزوج عيسى عليه السلام مطلقاً.
ولكيلا يظُن أحد أن عيسى عليه السلام قد استحدث نظاماً فى الزواج، ولا – حتى – نظام البتولية أو الرهبانية، فإن خاتم الرسل بدوره قد خضع لنظام قانونى خاص بزواجه، واستثناء – حتى – على قاعدة: لا يجوز للرجل أن يقترن بأكثر من أربع زوجات، فأقترن صلى الله عليه وسلم بعد موت زوجته الأولى بتسع زوجات تباعاً، واجتمعوا معاً تحته عليه الصلاة والسلام.
بهذا، كما لا دخل لإرادة عيسى عليه السلام فى عدم اقترانه – حتى – بزوجة واحدة، فإنه لا دخل لإرادة خاتم الرسل فى اقترانه بأكثر من أربع زوجات معاً، لأن الأمر فى الحالتين يتعلق بنظام قانونى إلهى، ولو أنه نظام خاص واستثنائى، فلا يقاس عليه ولا يتوسع فى تفسيره ولا يضاف إليه بطريق الاجتهاد، وذلك بصرف النظر طبعاً عن أى تخرصات فارغة فى هذا الشأن من جانب المستشرقين أو غيرهم([106]).
3- الطلاق والزواج بعد الطلاق
91- التشريع:
إجازة طلاق الرجل لزوجته، وإجازة اقتران المطلق أو المطلقة – على حسب الأحوال – بزوج آخر بعد الطلاق، هو تشريع لم يكن معروفاً قبل إبراهيم عليه السلام الذى هو أول من سنه.
فثابت أن إبراهيم عليه السلام لم يطلق أى واحدة من زوجتيه، إنما حال زيارته الأولى لابنه إسماعيل عليه السلام، ترك له رسالة شفهية لدى زوجته الأولى يأمره فيها بتغيير هذه الزوجة، وذلك فى عبارته المأثورة والمتداولة تباعاً فى كتب التراث، وهى: (غير عتبة بابك).
وثابت أيضاً، أن إسماعيل عليه السلام قد طلق زوجته الأولى، واقترن بأخرى بعد الطلاق.
92- بعد إبراهيم:
ظل هذا التشريع نافذاً بعد عصر إبراهيم عليه السلام. ورغم أن اليهود كانوا يسرفون فى الطلاق، ولو لأتفه الأسباب([107])، لكن عيسى عليه السلام لم يأت بأى نظام مخالف للتشريع الإبراهيمى، وبالتالى لم يمنع الطلاق، ولم يمنع زواج المطلق أو المطلقة بعد وقوع الطلاق، إنما فقط منع التعسف فى الطلاق.
وجاء خاتم الرسل بقاعدة: الطلاق استثناء، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن أبغض الحلال عند الله الطلاق»، وبالتالى لا يجوز القياس عليه ولا التوسع فى تفسيره ولا الإضافة إليه بالاجتهاد، إنما يجب التضييق منه، عملاً بالقاعدة العامة فى شأن كل استثناء. لذا كانت القاعدة: لا يجوز الطلاق لأكثر من ثلاث مرات، مصداقاً لقوله تعالى: )الطّلاَقُ مَرّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ(([108]).
4- القرابة بين الزوجين
93- التشريع:
تحريم زواج الرجل بأخته، هو تشريع لم يكن معروفاً قبل إبراهيم عليه السلام. فهذا الزواج كان واجباً وجوباً استثنائياً تفرضه حالة الضرورة فى عصر آدم عليه السلام([109])، ثم صار جائزاً جوازاً استثنائياً بعد عصر آدم، لكنه أصبح محظوراً حظراً مطلقاً بتشريع سنة إبراهيم عليه السلام.
إنما بقيت درجة القرابة بين الزوجين على أصلها التاريخى، أى قرابة من الدرجة الثانية، ولو أنها لم تعد قرابة حقيقية، إنما أصبحت قرابة حكمية فحسب.
فثابت أن إبراهيم عليه السلام حال نزوله وزوجته سارة بمصر، و(.... بينما هو يسير فى أرض جبار من الجبابرة، إذ نزل منزلاً. فأتى الجبار، فقيل له: إنه قد نزل ها هنا رجل معه امرأة من أحسن الناس. فأرسل إليه فسأله عنها فقال: إنها أختى. فلما رجع إليها قال: إن هذا سألنى عنك فقلت إنك أختى. وإنه ليس اليوم مسلم غيرى وغيرك، وإنك أختى، فلا تكذبينى عنده .....)([110]).
وثابت أيضاً أن سارة زوجته لم تكن أخته حقيقة، مصداقاً لقول خاتم الرسل: «لم يكذب إلا... قوله لسارة: إنها أختى»([111]). لكنها كانت زوجته، أى أخته حكماً، لا حقيقة.
94- بعد إبراهيم:
وقاعدة أن الزوجية قرابة حكمية من الدرجة الثانية، مازالت قاعدة نافذة حتى الآن. وهى تفسر توارث الزوجان بعضهما لبعض، ووفقاً لقاعدة: للذكر مثل خط الأنثيين، وعلى حسب وجود الولد أو عدمه. فالزوج يرث ½ تركة زوجته إن لم يكن لها ولد، و ¼ ما تركته إن كان لها ولد، بينما الزوجة ترث الربع فى الحالة الأولى، والثمن فى الحالة الثانية.
كما أن هذه القاعدة تفسر وصف اتفاق الزواج بالميثاق الغليظ، مصداقاً لقوله تعالى: ).. وَقَدْ أَفْضَىَ بَعْضُكُمْ إِلَىَ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقاً غَلِيظاً(([112]). فهذا الميثاق يختلف عن غيره من الاتفاقات، لكونه يشمل ثلاثة اتفاقات معاً، هى: أ – اتفاق على تكوين أسرة جديدة قائمة بذاتها، تبدأ بقرابة حكمية من الدرجة الثانية بين رجل وامرأة، وتكون القوامة فيها للرجل على المرأة. ب – واتفاق على حل النكاح بينهما وعلى وجه التخصيص. جـ - واتفاق (أو اشتراط) لمصلحة الأغيار وهم الأولاد.
5- أصل الطب الوقاية
95- التشريع:
وجوب أن يكون أصل الطب medecine هو الطب الوقائى ولو بالجراحة، هو تشريع لم يكن معروفاً قبل إبراهيم عليه السلام، الذى هو أول من تلقاه مباشرة ضمن ما تلقاه من علم Science من ربه.
والأصل فى الطب الوقائى، هو أن الإنسان طبيب نفسه وقائياً، وذلك تشريع تلقاه إبراهيم من ربه، وطبقه بالفعل، مصداقاً لقوله تعالى: )وَإِذِ ابْتَلَىَ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ(([113]).
فالمستفاد من هذا النص من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية، هو أن إبراهيم أتم لنفسه بنفسه الطب الوقائى آنذاك، وهم لما روى عن ابن عباس:«خمس فى الرأس، وخمس فى الجسد، فى الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والسواك، والاستنشاق، وفرق الرأس. وفى الجسد: تقليم الأظافر، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء»([114]).
وهذا التشريع سارى على الذكور والإناث، لما هو ثابت من أن هاجر قد ختنت آنذاك([115]). وخاتم الرسل لم يستحدث واجب الاختتان على الذكور والإناث، ولا استحدث إعفاء الإناث من الختان، إنما استحدث واجب الخاتنة فى أن تقتصر فى عملية ختانهن، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «أشمى ولا تنهكى، فإنه أحسن للوجه وأرضى للزوج».
وينبغى أن يؤرخ للجراحة chirurgia فى الشرق قديماً، منذ عصر إبراهيم عليه السلام، الذى ختن نفسه بنفسه، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة»([116]).
الفرع الثالث

96- البرلمان بالإصطفاء:
الأصل فى البرلمان هو البرلمان غير النيابى، أى البرلمان الذى لا يتكون بطريق الانتخاب بواسطة الناس، إنما يتكون بطريق الاصطفاء وفقاً لشروط دقيقة وبالغة الدقة، مصداقاً لقوله تعالى بشأن إبراهيم عليه السلام: ) وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا...(([117]).
بهذا، فالبرلمان – شأنه شأن القضاء – يخرج عن نطاق مبدأ الشورى (الديمقراطية)، الذى يقتصر نطاقه على الدولة بمعناها الدقيق، أى السلطة التنفيذية فحسب.
وكما أن الهيئة القضائية فى جميع دول العالم حالياً (عدا سويسرا ونصف الولايات الأمريكية)، لا تتكون بطريق الانتخاب بواسطة الناس إنما تتكون بطريق الاصطفاء، فإنه يجب ألا تتكون الهيئة البرلمانية بطريق الانتخاب بواسطة الناس، أى يجب أن تتكون بطريق الاصطفاء.
وهكذا، فالبرلمان النيابى ليس هو النظام الأمثل للبرلمان، وبصرف النظر عن مدى انتشار فكرة البرلمان الغربى فى العالم المعاصر. فيكفى أزمة البحث عن طريق أمثل لانتخاب أعضاء البرلمان النيابى.
97- البرلمان الرجالى:
الأصل فى البرلمان هو البرلمان الرجالى، أى البرلمان الذى يتكون من الرجال وحدهم، لا من الرجال والنساء معاً، ولا من النساء وحدهن.
بهذا، فالأصل أن الهيئة البرلمانية – شأنها شأن الهيئة القضائية – هى هيئة تستعصى على النسوة، أى لا يجوز نسونة الهيئة القضائية كلياً أو جزئياً، ولا يجوز أيضاً نسونة الهيئة البرلمانية كلياً أو جزئياً.
ومبنى هذا المبدأ، هو اختلاف الذكر عن الأنثى والأنثى عن الذكر، مصداقاً لقوله تعالى: )وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالاُنْثَىَ(([118]). وبذا، لا يستوى الرجل والمرأة قانوناً، سواء من حيث الطبيعة القانونية اجتماعياً واسرياً، مصداقاً لقوله تعالى: )وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ(([119]). أو من حيث الوزن القانونى النسبى، أى نسبة بعضهما إلى بعض قانوناً، مصداقاً لقوله تعالى: )لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الاُنْثَيَيْنِ(([120])، وقوله تعالى: )فَإِن لّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ(([121]). أو من حيث علاقتهما القانونية بعضهما ببعض – حتى – الأسرية، مصداقاً لقوله تعالى: )وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ(([122])، وقوله تعالى: )الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَآءِ(([123]).
إذن لا يجوز مطلقاً نسونة الأعمال العامة، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولو أوهم امرأة»([124]). بل إن هذا الحظر المطلق كان موجوداً – حتى – لدى الرومان القدماء، بمقولتهم الشهيرة فى الرايجست DIG., L.22, Dereg. Jurv: «ليس للنساء ولاية الأعمال العامة»([125]) Abomnibus officiis civilibus velpublicis remontae. .
لكن هذا الحظر أسبق فى الوجود تاريخياً من روما القديمة، وراسخ فى القانون الإلهى منذ عصر سليمان عليه السلام، الذى هو أول من طبقه فعلاً، وطبقه – حتى – على عرش بلقيس التى حرمها سليمان منه، أى منعها من تقلده، مصداقاً لقوله تعالى بشأن سليمان: )قَالَ يَأَيّهَا الْمَلاُ أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَ عِفْرِيتٌ مّن الْجِنّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مّقَامِكَ وَإِنّي عَلَيْهِ لَقَوِيّ أَمِينٌ. قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ البحث أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـَذَا مِن فَضْلِ رَبّي...(([126]).
إذن لا يجوز نسونة الهيئة القضائية كلياً أو جزئياً فى مصر، كما لا يجوز نسونة الهيئة البرلمانية كلياً أو جزئياً فى مصر، وذلك بصرف النظر عن المادة 11 من الدستور المصرى الحالى، وتقضى بأن: «تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى المجتمع ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية».
فهذا النص الدستورى يستأهل بجدارة صرف النظر عنه مطلقاً، وذلك لأسباب ثلاثة:
1- إن صدر هذا النص يتناقض تماماً مع المبادئ السالفة فى القانون الإلهى، ويتناقض بالتالى مع نص المادة 2 من الدستور ذاته، والتى تقضى بأن «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع». وبدهى أن المادة 2 مقدمه على المادة 11 من الدستور.
2- وصدر هذا النص يتناقض مع عجزه الذى يقيد أى استحداث فى مركز المرأة قانوناً، بشرط واضح وصريح، هو «دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية» على النحو السالف بيانه لهذه الأحكام.
3- والميدان البرلمانى شأنه الميدان القضائى، ليس وارداً فى نص المادة 11 من الدستور، ويستعصى بطبعه على الانطواء تحت عبارة «ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية»، وذلك حتى على فرض أن هذه العبارة ليست غامضة، وليست من قبيل الصياغة السيئة.
98- استقلال البرلمان:
الأصل أن البرلمان تابع مباشرة للقانون الإلهى، وخاضع تماماً لله تعالى، مصداقاً لقوله سبحانه بشأن البرلمان الإبراهيمى: )إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً....(([127]).
والأصل أن البرلمان تابع للقانون الإلهى وحده، أى ليس تابعاً للقانون الإلهى والدولة معاً. والبرلمان خاضع لله تعالى وحده، أى ليس خاضعاً لله تعالى والدولة معاً، مصداقاً لقوله سبحانه بشأن البرلمان الإبراهيمى: )إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمّةً .... وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(([128]).
إذن الأصل فى البرلمان هو استقلاله، واستقلاله المطلق، سواء عن الدولة أو – حتى – عن الشعب أى الناخبين، ولو كانت الدولة ملكية على نحو ما كانت عليه الدولة L'état فى عصر إبراهيم عليه السلام، مصداقاً لقوله تعالى: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ... (([129]).
وبذا، فهناك أفكار غريبة تماماً على النمط الإبراهيمى للبرلمان، مثل: فكرة حـل dissolution البرلمان. أو تأقيت البرلمان. أو احتلال السلطـة التنفيذيـة لبعـض مقاعـد البرلمان. أو اعتراض الملك (أو الرئيس) على التشريعات التى سنها البرلمان. أو قيام الملك (أو الرئيس) منفرداً بالتشريع بدلاً من البرلمان، ولو بزعم حالة الضرورة أو وجود التفويض...الخ.
ومبنى ما تقدم، أن سلطة البرلمان وسلطة القضاء فى الأرض هما سلطتا حكم قانونى بالمعنى الدقيق والأصل أن هذا الحكم من أملاك الله تعالى وحدة، مصداقاً لقوله سبحانه: )إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ(([130]). وبهذا، ليس صحيحاً على الإطلاق، إن للدولة ثلاث سلطات (تشريعية، قضائية، تنفيذية)، ولا أن سلطة البرلمان أو سلطة القضاء من سلطات الدولة، ولا أن للملك (أو الرئيس)، أن يسن منفرداً أى تشريع ولو تحت مسمى مرسوم بقانون، وذلك بصرف النظر طبعاً عما هو شائع فى المؤلفات والدساتير الوضعية فى الغرب وما يحذو حذوها من مؤلفات ودساتير وضعية خارج الغرب.
99- الالتزام بمبادئ البرلمان:
الالتزام بمبادئ البرلمان الإبراهيمى وبتشريعاته، هو قاعدة مقننة فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، مصداقاً لقوله تعالى: )وَمَن يَرْغَبُ عَن مّلّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ(([131]). فالمستفاد من هذا النص من الوجهة العلمية/ التاريخية/ القانونية، هو أن مبادئ البرلمان الإبراهيمى هى مبادئ عامة وأبدية، أى نافذة حتى قيام الساعة.
المطلب الثانى
النشأة الآخرة للبرلمان
الفرع الأول

100- أحكامه:
فى عصر خاتم الرسل قنن الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، مبدأ: وجوب البرلمان الجماعى، وذلك فى الآية 104 من سورة آل عمران، حيث قوله تعالى: )وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ(.
وهذا البرلمان الجماعى يخضع للمبادئ العامة للبرلمان الإبراهيمى، الذى يعد المثل الأعلى L'idéal التاريخى للبرلمانات بوجه عام، وبالتالى لا يجوز الخروج على مبادئه فى أى عصر من العصور.
وبذا، يجب تكوين البرلمان الجماعى بطريق الاصطفاء، وتكوينه من الرجال وحدهم، كما يجب أن يكون مستقلاً بإطلاقه عن الدولة والناخبين، وخاضعاً للقانون الإلهى وبالتالى لله وحده.
كما قنن الدستور الإلهى المعاصر مبدأ: تعدد البرلمانات الجماعية تبعاً لتعدد الأقاليم (الأوطان)، لكى يسن كل واحد منها التشريع الوضعى الوطنى، أى «المنسك» الإقليمى، مصداقاً لقوله تعالى: )لّكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ ....(([132]).
لكن أوجب الدستور الإلهى المعاصر أن يصدر هذا المنسك (التشريع الوضعى)، باسم الله، مصداقاً لقوله تعالى: ) وَلِكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ(([133]).
وأيضاً قنن الدستور الإلهى المعاصر تزويد هذا المنسك (عمل البرلمان الجماعى) بقوة الطاعة الإلهية، مصداقاً لقوله تعالى: )...أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ ...(([134]).
لكن استلزم الدستور الإلهى لذاك التزويد بقوة الطاعة الإلهية، ألا يتعارض المنسك (أى عمل البرلمان الجماعى) مع القانون الإلهى الحقيقى، أى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن) ولائحته التنفيذية (السنة)، مصداقاً لقوله تعالى: )... فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(([135]).
فالأصل أن المنسك (أى التشريع الوضعى) جزء لا يتجزأ من القانون الإلهى، أى هو قانون إلهى، ولو أنه ليس قانوناً إليهاً حقيقياً réelle، إنما هو قانون إلهى حكماً فحسب، لكنه قانون إلهى على أى الأحوال، ولو أنه عمل إنسانى أصلاً، أى عمل برلمان جماعى.
101- اصطلاح منسك:
لفظ «منسك» سواء فى الآية 34 أو فى الآية 67 من سورة الحج، ليس لفظاً لغوياً فحسب، وإلا ما يئس اللغويون فى بحثهم عن معناه اللغوى البحت، وما استعانوا بالتكهن الذى أفضى إلى اضطراب شديد فى هذا الصدد.
فمثلاً يقول ابن كثير: «ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله ... و.... ابن عباس قال: عيداً. وقال عكرمة: ذبحاً. وقال زيد بن اسلم.... إنها مكة....»([136]) «....قال ابن جرير يعنى نبى الله. وأصل المنسك فى كلام العرب هو الموضع الذى يعتاده الإنسان ويتردد إليه إما لخير أو شر... وإن كان المراد لكل أمة جعلنا منسكاً جعلاً قدرياً.... قال ههنا وهم ناسكوه، أى فاعلوه، فالضمير عائد على هؤلاء... إنما يفعلون هذا عن قدر الله وإرادته...»(2).
لكن لفظ المنسك هو واحد من اصطلاحات الدستور الإلهى المعاصر، أى هو اصطلاح قانونى أصلاً، وله – بالتالى – مفهومه الاصطلاحى، أى مفهومه العلمى/ التاريخى/ القانونى. واصطلاحياً، المنسك هو العمل التشريعى الإنسانى الذى اشتهرت تسميته بقانون الإنسان، أو القانون الوضعى، أو التشريع الوضعى.
فالأصل أن القانون الإلهى يتكون – من الوجهة الشكلية – من ثلاثة أجزاء متدرجة فى درجات ثلاث يعلو بعضها بعضاً، أعلاها الشرعة، وأوسطها المنهاج، وأدناها المنسك:
1- والشرعة، هى كتاب نزل على رسول بعثه الله تعالى، وبالتالى فهى الدستور الإلهى وجزء – بالتالى – من القانون الإلهى، مصداقاً لقوله تعالى: ) لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ...(([137]).
2- والمنهاج، هو التطبيق الأمثل للدستور الإلهى من قبل الرسول ذاته، وبالتالى فهو «الحكمة»، أى اللائحة التنفيـذية لذاك الدستور الإلهى، وبالتالى جزء لا يتجزأ من القـانون الإلهى، مصداقاً لقوله تعالى: ) لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ ... وَمِنْهَاجاً((3).
3- والمنسك، هو اللائحة الفرعية للقانون الإلهى وبالتالى جزء لا يتجزأ من القانون الإلهى، ولو أنها عمل إنسانى أصلاً، بل – حتى – عمل إقليمى بحت، مصداقاً لقوله تعالى: ) لّكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ ....(.
وآخر الشرع الإلهية قد اختصت وحدها بلفظ «شريعة»، على اعتبار أنها أحدث الدساتير الإلهية، وبالتالى فهى الدستور الإلهى واجب النفاذ وحده عملاً بمبدأ القانون الأحدث يلغى الأقدم ويصبح نافذاً وحده، مصداقاً لقوله تعالى: ) ثُمّ جَعَلْنَاكَ عَلَىَ شَرِيعَةٍ مّنَ الأمْرِ فَاتّبِعْهَا وَلاَ تَتّبِعْ أَهْوَآءَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ((3).
وآخر منهاج قد اختص بلفظ «الحكمة»، مصداقاً لقوله تعالى: )هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ البحث وَالْحِكْمَةَ(([138])، كما اختص بلفظ «السنة»، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى كتاب الله وسنتى».
الفرع الثانى

102- فى عصر النبوة:
طوال عصر النبوة (610 – 632م)، لم تكن هناك ثمة حاجة إلى البرلمان، نظراً لوجود الرسول وتوالى سنته تباعاً، التى هى وحى يوحى، مصداقاً لقوله تعالى: ) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىَ. إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَىَ(([139]).
بل كانت الحاجة آنذاك إلى اللائحة التنفيذية للدستور إلهى المعاصر (القرآن)، أى السنة المحمدية، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من القانون الإلهى، وبالتالى فهى مزودة بقوة الطاعة الإلهية، مصداقاً لقوله تعالى: )وَمَآ آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ(([140])، وقوله أيضاً: )مّنْ يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ(([141])، وقول خاتم الرسل: «من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله....»([142]).
103- تعلم المداولة البرلمانية:
كما كانت هناك حاجة إلى تعلم المداولة البرلمانية، تمهيداً لعصر ما بعد النبوة ونشأة أول برلمان جماعى، لكن تعلمها فى عصر النبوة حيث الرسول (ص) معلماً، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «....إنما بعثنى معلماً ميسراً»([143]).
لذا كان الرسول (ص) معلماً – حتى – للعمل البرلمانى باعتباره قراراً يتخذ بعد مداولة قانونية، رغم أن البرلمان الجماعى لم يكن قد نشأ بعد – حتى – فى الجزيرة العربية. وكان موضوع أسارى بدر الكبرى، مناسبة لهذا الدرس الأول والأخير فى هذا الشأن، ومناسبة لتقنين بعض أحكام المداولة البرلمانية:
1- فالقاعدة: أن القرار بالإجماع، ولو لم يكن إجماعاً حقيقياً، فيكفى الإجماع الحكمى، أى إجماع الأغلبية، بل – حتى – ولو لم يكن إجماعاً صائباً.
وفى شأن هذه المداولة التاريخية يقول ابن عباس: «حدثنى عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: لما كان يوم بدر جئ بالأسارى. فقال رسول الله (ص) لأبى بكر وعمر: (ما ترون فى هؤلاء الأسارى؟). فقال أبو بكر: يا نبى الله، هم بنو العم والعشيرة فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله (ص): (ما ترى يا ابن الخطاب؟). قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذى رأى أبو بكر. ولكنى أرى أن تمكنا. فنضرب أعناقهم. فتمكن علياً من عقيل – وهو أخوه – فيضرب عنقه. وتمكنى من فلان – قريب لعمر – فاضرب عنقه. فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده. فهوى رسول الله (ص) ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت....»([144]).
2- والقاعدة: لا عبرة برأى الأقلية، ولو كان رأياً صائباً. إذ الأصل فى الإجماع هو الإجماع الصائب، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع أمتى على ضلالة»([145]).
لذا لا يكفى رأى الأقلية مطلقاً، مصداقاً لما رواه «سعيد بن المسيب عن على رضى الله عنه قال: قلت يا رسول الله، الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن، ولم تمض فيه منك سنة؟. قال: (اجمعوا له العالمين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأى واحد)»([146]).
3- والأصل فى المداولة البرلمانية هو أن الأولوية لإرادة الآخرة، لا لعرض الدنيا، وإلا فإن المداولة باطلة، وما تسفر عنه من قرار هو خطأ جسيم، ويستوجب – بالتالى – العقاب الإلهى على المتسببين فيه جميعاً، مصداقاً لقوله تعالى: )مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىَ حَتّىَ يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الاَخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لّوْلاَ كِتَابٌ مّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. فَكُلُواْ مِمّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيّباً(([147]).
ويستطرد عمر رضى الله عنه فيما رواه فى هذا الشأن ذاته، فيقول: «....فلما كان الغد جئت. فإذا رسول الله (ص) وأبو بكر قاعدان يبكيان. قلت يا رسول الله، أخبرنى من أى شئ تبكى أنت وصاحبك. فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله (ص): (أبكى للذى عرض على أصحابى من أخذهم الغداء. لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة – شجرة قريبة من رسول الله – وأنزل الله عز وجل: ما كان لنبى.......)».
والقاعدة أنه لا عقاب على الأقلية التى لم تتسبب فى خطأ القرار البرلمانى، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد: «لو نزل العذاب ما أفلت منه إلا عمر»([148]).
لذا، يشترط فى عضو البرلمان ليس فقط أن يكون متجرداً عن عرض الدنيا، إنما أيضاً أن يكون ملتزماً بإرادة الآخرة، بل كذلك أن يعمل لمصلحة القانون الإلهى وحدها.
الفرع الثالث

104- أول دولة فى الجزيرة العربية:
لم تنشأ أى دولة فى الجزيرة العربية فى ظل الدستور الإلهى المعاصر (القرآن) ولائحته التنفيذية (السنة)، إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل – حتى – قبل دفنه. وقد نشأت هذه الدولة الأولى بتنصيب أول رئيس منتخب لها، وتعاقب عليها أبو بكر، فعمر، فعثمان، فعلى، وامتد عمرها ثلاثون سنة لا أكثر، هو عصر دولة «اللاملك» non – king، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «الخلافة بعدى فى أمتى ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك».
وكانت عاصمة هذه الدولة هى «المدينة»، ويقطنها الصحابة، بمركزهم المقنن فى الدستور الإلهى المعاصر، مصداقاً لقوله تعالى: )وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(([149]).
105- برلمان الصحابة:
ولم ينشأ أى برلمان جماعى فى العالم بأسره، إلا بعد نشأة أول دولة فى الجزيرة العربية، أى بعد وفاة الرسول.
وكان للصحابة – بحكم مركزهم المقنن – الأولوية فى عضوية أول برلمان جماعى، فاشتهرت تسمية هؤلاء الأعضاء بـ«أهل الحل والعقد»، كما اشتهرت تسمية عملهم البرلمانى (أى التشريعى) بـ«إجماع أهل المدينة» تارة، «وإجماع الصحابة» تارة أخرى، واختصاراً «الإجماع» الذى رفض الإمامان أحمد ومالك رفضاً مطلقاً الاعتراف بأى إجماع عداه، بل – حتى – فى شأن ما عداه من إجماع قال الإمام أحمد قولته المشهورة: «من ادعى الإجماع فهو كاذب»([150]).
وللحاجة إلى البرلمان الجماعى، وحاجة البرلمان الجماعى الأول إلى وجود الصحابة باعتبارهم أعضاء فيه، فالثابت أن أبو بكر ثم عمر منعا خروج الصحابة من المدينة – حيث مقر هذا البرلمان – إلا بإذن.
على أن وجود الخليفة فى البرلمان كان واجباً عليه، وكان وجوده بالتالى فى البرلمان وجوداً حقيقياً، لا مجرد وجود حكمى فحسب، ولم يكن له – من ثم – أن يحل البرلمان مطلقاً، ولا له حتى الاعتراض – بعد ذلك – على التشريعات التى يسنها هذا البرلمان.
106- تشريعات برلمان الصحابة:
وأشهر تشريعات برلمان الصحابة، تشريع بشأن دور الجيش فى الحفاظ على أركان الدين الإلهى (الإسلام)، فكانت حروب الردة. وتشريع بشأن دور الجيش فى الدفاع الشرعى إلى ما لا نهاية عن الدولة الوليدة ضد الدول المعادية (الفرس. والروم) المحتلة للأقاليم المجاورة. وتشريع بكتابة الدستور الإلهى المعاصر (القرآن)، كتابة رسمية، واحدة وموحدة فى الأمصار، فكان المصحف العثمانى. وتشريع بحظر توارث الخلافة، بأى طريق كان. وتشريع بتوريث الجدة السدس، وبتحريم التزوج بها، وبتحريم الجمع بين المرآة وعمتها أو خالتها. وتشريع بحظر قسمة الأراضى المفتوحة عنوة. وتشريع بحجب الأب لبنى الأعيان، وتشريع يعدد جلدات شارب الخمر.... وهكذا.
لكن ما زالت فكرة برلمان الصحابة (هيئة الإجماع) فكرة غامضة – حتى – بالنسبة للمؤرخين المحدثين، لأنها استعصت على تكييفهم لها من زاوية المفاهيم الغربية.
فمثلاً يقال: «إن الإجماع بهذه الصورة لا يتشابه لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون مع أى من النظم المعروفة فى الفقه الأوربى المعاصر. فهو ليس قراراً صادراً من مجلس نيابى. لأن المجلس النيابى لا يقتصر تكوينه على المجتهدين. وهو ليس حكماً صادراً من مجمع دينى لأن المجتهدين ليسوا رجال كهنوت، إذ لا كهنوت فى الإسلام. وهو ليس استفتاءً شعبياً، لأن إبداء الرأى يقتصر على المجتهدين، ولا عبرة برأى عامة الناس سواء كان موافقاً لرأى المجتهدين أو مخالفاً»([151]).
وأيضاً ما زالت «طبيعة» الإجماع فى برلمان الصحابة، مسألة غامضة – حتى – بالنسبة للفقهاء الشرعيين المحدثين، لأنهم يسايرون النظرة القروسطية إلى هذه الطبيعة وكأنها مجرد طبيعة عقدية، وبالتالى فإن هذا الإجماع ليس أكثر من «اتفاق»([152])، ولا يلزم – حتى – أن يكون صريحاً([153]).
إنما الحقيقة أن برلمان الصحابة (هيئة الإجماع)، هو برلمان جماعى على النمط الشرقى، لا على النمط الغربى. وعلى النمط الإبراهيمى، لا على النمط الإنجليزى، أى ليس برلماناً نيابياً. وما سنة هذا البرلمان من أعمال، هى تشريعات بالمعنى الدقيق، ولو اشتهرت تسميتها فى الأدبيات العربية القروسطية بـ«الإجماع»، لكنها «منسك» بحسب الاصطلاح القانونى فى الدستور الإلهى المعاصر (القرآن). وبهذا فهيئة الإجماع هى هيئة تشريعية، أى هيئة برلمانية بالمعنى الدقيق([154]).
المطلب الثالث
عصر اللابرلمان
107- تقسيم:
عصر اللابرلمان، هو عصر الاستغناء عن البرلمان، ولو أن هذا الاستغناء على نوعين: استغناء مطلق، واستغناء نسبى، وبالتالى تتوزع الدراسة فى هذا المطلب على الفرعين التاليين:
الفرع الأول

108- عصر آل أمية وما بعدهم:
عام 661م بدأت دولة آل أمية، التى استهلت عصرها بتغيير العاصمة، فاستبدلت بالمدينة حيث يوجد الصحابة، عاصمة أخرى هى «دمشق» حيث لا يوجد صحابة تكفى لتكوين برلمان. وكان ذلك إيذاناً بميلاد فكرة الاستغناء مطلقاً عن برلمان الصحابة، وعن أى برلمان بوجه عام.
واستعيض عن فكرة البرلمان بفكرة المجلس الاستشارى. إذ «فى العهد الأموى كان الأعضاء البارزون من الأسرة الأموية يكونون مجلساً للخليفة يشير عليه فيما يعرضه عليهم من أمور. وفى العصر العباسى ظهر نوع من تنظيم الشورى. فقد أسس المأمون مجلساً يضم ممثلين عن طوائف المجتمع يبدى الرأى فيم يعرض عليه. وحذا الخلفاء اللاحقون حذوه. كما أحاط أمراء الولايات الذين استقلوا بها أنفسهم بمجلس شورى على غرار مجلس الخليفة. وفى عهد الدولة العثمانية أنشئ الديوان الهمايونى الذى يضم كبار رجال الدولة مدنيين وعسكريين وبعض العلماء وبعض الأعيان، وكان بمثابة مجلس استشارى للسلطان. وعلى غراره أنشئ ديوان الوالى فى الولايات المختلفة»([155]).
109- موقف الفقهاء:
إستمرأ الخلفاء (أو الملوك العرب) الواحد تلو الآخر، حالة الاستغناء مطلقاً عن البرلمان، فأصبحت أمراً واقعاً وراسخاً، وفى ظله ولد الفقهاء الأوائل تباعاً، فلم يفكروا – حتى – فى مدى شرعيته. فولد أبو ضيفة (70 – 150 هـ)، فمالك (95 – 179 هـ)، فزفر (110 – 158 هـ)، فأبو يوسف(113 – 182 هـ)، فأسد الفرات(145 – 213 هـ)، فالشافعى(150 – 204 هـ)، فابن حنبل(164 – 241 هـ)، فابن تيمية (661 – 728 هـ)، فابن القيم(691 – 751 هـ) ...... وهكذا.
وإستمرأ الفقهاء بدورهم النظر إلى برلمان الصحابة، وكأنه مجرد أكاديمية من المجتهدين، الذين يمكن الاستعاضة عنهم بهؤلاء الفقهاء، كما يمكن بالتالى الاستعاضة عن دورهم التشريعى بالعمل الفقهى، ولو أن الصراع لم يلبث أن احتدم بين هؤلاء الفقهاء حول المذهب الفقهى الأحق بالحلول محل تلك الأكاديمية.
110- سلطة البرلمان:
آلت سلطة البرلمان إلى الخلفاء الواحد تلو الآخر، على امتداد أكثر من ألف ومائتين وخمسون سنة (661 – 1924م)، على زعم أن الخليفة هو «ولى الأمر» التى تجب طاعته بعد الله ورسوله وفقاً للآية 59 من سورة النساء([156])، رغم أن هذه الآية توجب طاعة «أولى الأمر منكم»، لا مجرد «ولى الأمر».
وطوال هذا العصر كان الخليفة يسن بنفسه بعض التشريعات، ويحيل فى تنظيم باقى الأمر إلى مذهب – يختاره بهواه – من المذاهب الفقهية.
وبهذا كان هذا العصر كله هو عصر التشريع «الحكمى»، لا التشريع الحقيقى. فلا الخليفة برلمان، ولا المذهب الفقهى صادر عن برلمان، ولا هما معاً يغنيان عن التشريع الحقيقى، ولا عن البرلمان الجماعى الذى أوجب الدستور الإلهى المعاصر (القرآن) وجوده.
وبعبارة أخرى هذا العصر بأسرة هو عصر اغتصاب سلطة البرلمان، بما ترتب على ذلك من آثار أخصها جمود التشريع فى العالم العربى والإسلامى، وتخلف علم القانون (الفقه)([157]). ولما ظهرت آثار هذا الجمود والتخلف واضحة، اضطرت الدول العربية تباعاً إلى استنساخ البرلمان النيابى الغربى، اعتقاداً بأن القانون الإلهى يخلو تماماً من نظام أمثل للبرلمان.
ورغم أن هذه الدول لم تفعل شيئاً أكثر من أنها انتقلت من عصر الاستغناء المطلق عن البرلمان، إلى عصر الاستغناء النسبى عنه، وهو الأمر الذى تحقق فى أوربا فى نهاية القرن السابع عشر الميلادى، إلا أن فكرة الاستغناء المطلق عن البرلمان لم تعدم من يدافع عنها حالياً فى مصر، على زعم أن فكرة البرلمان هى فكرة غير شرعية أصلاً.
فيقال مثلاً: «أن لفظ الشارع لا يطلق إلا على الله تعالى، أو على رسوله (ص) باعتباره مبلغاً عنه»([158]). «وإذا كان رسول الله (ص) قد أطلق عليه اسم الشارع – فى بعض عبارات العلماء – فما كان ذلك إلا تجوزاً.... وإذا لم يكن للنبى (ص) سلطة التشريع، لم يكن – من باب أولى – لمن جاء بعده.... إنشاء الأحكام الشرعية»(2).
وهذه المدرسة تكافح للاستغناء مطلقاً عن البرلمان، بالأكاديمية (الفقه) الشرعية وإجماعها، ولو أن هذه الأكاديمية ليست برلماناً، وإجماعها يعد أمراً مستحيلاً، لكنها ما زالت تشرح التشريع الفقهى القديم وحده، وكأن عصر الخلافة لم ينقض بعد، وكأن هذا التشريع لم يكن تشريعاً حكمياً فحسب، وكأن هذا التشريع الحكمى لم يكن استثناء – حتى – فى عصر الخلافة الأموية وما بعدها.
الفرع الثانى

111- فى أوربا:
استنسخ الملك الأوربى فكرة المجلس الاستشارى للخليفة (الملك) العربى. ففى بريطانيا مثلاً، بعد أن غزاها وليم الفاتح William the comyeror فى أواخر القرن الحادى عشر الميلادى، وأصبح ملكاً عليها، أحاط نفسه بجماعة استشارية أطلق عليها اسم البرلمان أو المجلس الكبير magnum concilium.
ولما جاءت الصحوة ضد الملكيات فى أوربا، وبدأت فى بريطانيا، بثورة عام 1688م، كان من مطالبها وجود برلمان حقيقى له سلطة تشريعية، وأثمرت تلك الثورة عن «قانون الحقوق» الذى وقعه الملك وليم الثالث وزوجته، مما بعث الروح التشريعية فى البرلمان الإنجليزى لأول مرة.
على أن هذا البرلمان قام على فكرة توفيقية، بين أقصى ما يمكن إقناع ملك بالتنازل عنه طواعية من سلطته، وأقصى ما يمكن لمعارضيه انتزاعه عنوة من تلك السلطة عينها. وبهذا، فلا سلطة الملك المطلقة انتفت تماماً، ولا سلطة هذا البرلمان اكتملت تماماً، إنما صار الأمر بين ذلك قواماً فنشأت فكرة البرلمان النيابى.
112- أسس البرلمان الغربى:
نشأ البرلمان النيابى على فكرة توفيقية تضم ثلاثة أسس، كالتالى:
1- أن الملك موجود فى البرلمان The king in parliament، ولو لم يوجد فيه حقيقة، فيكفى أن يوجد فيه حكماً فحسب، ولو أنه موجود فيه على أى الأحوال. لذا فهو الذى يدعو البرلمان للانعقاد، وله الاعتراض على ما يسنه من تشريعات، وله أن يعين أعواناً له فى البرلمان، ولو أن البرلمان بالانتخاب أصلاً.
2- والبرلمان يتكون دورياً بالانتخاب، إنما لا مانع من وجود مجلسين للبرلمان، أحدهما للعموم house of commons، والآخر للخصوص house of lords، كما لا مانع – حتى – من أن يحتل بعض أعضاء السلطة التنفيذية مقاعد فى البرلمان بطريق الانتخاب، وبالأخص الوزراء.
3- والبرلمان غير دائم، إنما هو مؤقت، وبالتالى يتجدد دورياً، ولو أن الملكية دائمة وليست مؤقتة، وبالتالى يحق للملك حل البرلمان، إنما لا يحق للبرلمان حل الملكية، ولا – حتى – حل السلطة التنفيذية.
113- مثالب البرلمان الغربى:
وبهذا، فالبرلمان النيابى ابن اعتبارات تاريخية بريطانية، وملقى فى حضن الدولة وبالتالى فى قبضة الملك، ويتنافس المرشحون على مقاعده ولو بالمال أو بالاحتيال أو بغيرهما على حسب الأحوال. وعبثاً يحاول الفقهاء منذ ذاك التاريخ حتى الآن، حل الغاز فى فكرة البرلمان النيابى، وبالأخص:
أ - معيار الترجيح بين المجلس المفرد والمجلس المزدوج([159]).
ب – النظام الأمثل idéalist لانتخاب أعضاء البرلمان([160]).
ج – مركز عضو البرلمان([161])، فلا هو نائب عن ناخبيه ولو أنهم انتخبوه وبالتالى لا يحق لهم عزله، إنما هو نائب عن الأمة بأسرها ولو أنها لم تنتخبه وبالتالى لا يحق لها عزله، أى هو فى كل الأحوال نائب لا يقبل العزل من قبل الناس، ولا – حتى – من قبل الحكومة.
114- البرلمان الحكمى:
إذن مازال العالم فى عصر اللابرلمان، رغم انتشار البرلمان الغربى، سواء فى الغرب أو خارجه. لأن البرلمان ليس موجوداً حقيقة، إنما موجود حكماً فحسب، أى هو موجود وغير موجود فى نفس الوقت.
فالأصل فى البرلمان هو البرلمان الإبراهيمى، الذى لا هو نيابى، ولا هو مختلط من الرجال والنساء، ولا هو تابع للدولة وخاضع لها. أما الاعتقاد بأن الدستور الإلهى المعاصر يخلو من نظام أمثل للبرلمان، فإنه اعتقاد غير جائز أصلاً، مصداقاً لقوله تعالى: )مّا فَرّطْنَا فِي البحث مِن شَيْءٍ(([162])، وقوله تعالى: )وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ البحث تِبْيَاناً لّكُلّ شَيْءٍ(([163]).


[1] أستاذ القانون- وكيل كلية الحقوق جامعة طنطا (سابقاً)- محام لدي المحاكم العليا المصرية
([2]) سورة: النمل - الآية: 32.
([3]) سورة: آل عمران - الآية: 159.
([4]) سورة: الشورى - الآية: 38.
([5]) رواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الفضائل.
([6]) سورة: الأنعام - الآية: 57.
([7]) سورة: الشورى - الآية: 38.
([8]) عبد الحميد متولى : السابق – ص 159 وحاشية رقم 1.
([9]) سورة: التوبة - الآية: 100.
([10]-2) قارن: صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 33 و ص 114 و ص 107 على التوالى.
(3) قارن: ماجد راغب الحلو: السابق – ص 363 – 379.
(4-6) قارن : صوفى حسن أبو طالب : السابق – ص 105 و ص 114 وص 115 على التوالى.
(7) أنظر تفاصيل الحوار الذى دار فى سقيفة بنى ساعدة بشأن هذه الأولوية، معروضة فى : ماجد راغب الحلو: السابق – ص 171 – 172.
([11]) قارن تأصيلاً آخر فى : ماجد راغب الحلو: السابق – ص 169-182.
([12]) قارن : ماجد راغب الحلو : السابق – ص 170.
([13]-4) قارن : صوفى حسن أبو طالب : السابق – ص 107.
([14]) الألبانى: السابق – ص 254 أرقام 1142 ، 1143، 1144.
([15]) سورة: آل عمران - الآية: 159.
([16]) سورة: النمل - الآية: 32.
([17]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 157 – 159.
([18]) قارن: عبد الحميد متولى: السابق – ص 155.
([19]) سورة: الأنعام - الآية: 57.
([20]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 156 فى الحاشية.
([21]) الألبانى : السابق – ص 463 رقم 2346.
([22]-4) ماجد راغب الحلو: السابق - ص 248 و ص 349 على التوالى.
([23]-2) صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 111.
(3) رواه البخارى فى صحيحه/كتاب الجمعة/باب الجمعة فى القرى والمدن.
([24]) قارن: ماجد راغب الحلو: السابق – ص 214.
([25]) سورة: النمل - الآية: 32.
([26]) محمد يوسف الكاندهلى: حياة الصحابة – جـ2 – ص 110 مشار إليه فى ماجد راغب الحلو: السابق – ص 164 حاشية رقم 4.
([27]) صوفى حسن أبو طالب : السابق – ص108 والمراجع المشار إليها فى حاشية رقم 1.
([28]-4) قارن: عبد الحميد متولى: السابق – ص 113 – 114.
([29]) قرب : ماجد راغب الحلو: السابق – ص 163 حاشية رقم 1.
([30]) صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 114 والمراجع المشار إليها فى حاشية رقم 1 و 2 و 3.
([31]) صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 114 حاشية 1 نقلاً عن القلقشندى.
([32]) صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص113 – 114.
([33]-7) أنظر بالتفصيل : صوفى حسن أبو طالب: السابق – الإشارة السابقة.
(8) صوفى حسن أبو طالب : السابق – ص 117 – 119.
(9) صوفى حسن أبو طالب : السابق – ص 106.
([34]) صوفى حسن أبو طالب : السابق – ص 107-108.
([35]) عبد الحميد متولى : السابق – ص 27.
([36]) محسن خليل : السابق – ص 46.
([37]) سورة: القصص - الآية: 77.
([38]) أخرجه أحد 5/165، ورواه أبو داود والحاكم.
([39]) ماجد راغب الحلو: السابق – ص 172 فى الحاشية والمرجع المشار إليه فى نهايتها.
([40]) ماجد راغب الحلو: السابق – ص 599.
([41]) قارن : ماجد راغب الحلو: السابق – الإشارة السابقة.
([42]) قارن : عبد الحميد متولى: السابق – ص 110-113، ماجد راغب الحلو: السابق – ص 292-306.
([43]) ماجد راغب الحلو: السابق – ص 173.
([44]) إبراهيم الإبيارى: معاوية – الرجل الذى أنشأ دولة – أعلام العرب – ع6 – ص 11.
([45]) عبد الحميد متولى: السابق – ص 111.
([46]) ماجد راغب الحلو: السابق – ص 292.
([47]) أبو الأعلى المودودى : السابق – ص 399.
([48]-2) مشار إليه فى ماجد راغب الحلو: السابق – ص 180.
([49]) سورة الأنفال: الآية: 67.
([50]) سورة: النحل - الآية: 90.
([51]) الألبانى : السابق – ص 384 رقم 1891.
([52]) أنظر تفصيلاً: صوفى حسن أبو طالب: السابق – ص 74 – 93.
([53]) قارن : فكرة الأحزاب الإسلامية: ماجد راغب الحلو: السابق- ص199 وما بعدها.
([54]) نفس المعنى: مصطفى الشكعة إسلام بلا مذاهب – 2005 القاهرة.
([55]) سورة: الشورى - الآية: 13.
([56]) سورة: الزمر - الآية: 3.
([57]) ابن كثير: البداية والنهاية – جـ4 – ص 352 – 354، وقارن النظر إلى هذا الحديث وكأنه دليل شرعية النيابة فى ممارسة شئون الحكم: ماجد راغب الحلو: السابق – ص 94 – 95.
([58]) أخرجه أحمد 5/165 – ورواه أبو داود والحاكم.
([59]) محمد فاروق النبهان: نظام الحكم فى الإسلام – 1974 – ص 502.
([60]) أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير.
([61]) الماوردى : السابق – ص 46.
([62]) المودودى : السابق – ص 399.
([63]) ماجد راغب الحلو: السابق – ص 382 – 383.
([64]) انظر مثلاً : ماجد راغب الحلو: السابق – ص 380 – 383، عبد الحميد متولى: السابق – ص 161 – 163.
([65]) قارن : ماجد راغب الحلو: الإشارة السابقة.
([66]) مشار إليه فى ماجد راغب الحلو: السابق – ص 383.
([67]) سورة: آل عمران - الآية: 159.
([68]) ابن كثير: تفسير القرآن – جـ1 – ص 420.
([69]) ماجد راغب الحلو: السابق – ص 347.
([70]) الماوردى : الإشارة السابقة.
([71]) الماوردى : الإشارة السابقة.
([72]) سورة: الكهف - الآية: 30.
([73]) سورة: الغاشية - الآية: 21 – 22.
([74]) سورة: البقرة - الآية: 272.
([75]) سورة: النحل - الآية: 125.
([76]) أنظر: عبد الحميد متولى: السابق – ص 114 – 130، محسن خليل: السابق – ص 156 – 175.
([77]) أنظر مثلاً: ربيع أنور فتح الباب: الظروف الخاص بنشأة نظام ازدواج الهيئة التشريعية – نظام المجلسين – فى النظم الديمقراطية الحديثة – ط2 – 2002 القاهرة.
([78]) آية 43/ مريم.
([79]) آية 120/ النحل.
([80]) قارن: محمد متولى الشعراوى: السابق – ص 101، حيث يقول:«ومعنى (كان أمه)، قالوا أنه لا يوجد فرد يحتوى على خصال الكمال ومواهب الفضل كلها. لأن مواهب الفضل وخصال الكمال أكبر من أن يحتويها فرد. لكن المجموع يحتويها. فهذا شجاع وقوى البنية. وهذا ذكى. وهذا نظره قوى. وهذا سمعه مرهف. وهذا قوى الذاكرة. وهذه كلها وغيرها مواهب متفرقة، ولا يستطيع فرد أن يجمع كل هذه المواهب. فكل فرد يمكن أن يكون فيه لمسة موهبة. وكذلك كل كمال موزع فى خلق كثيرين. إلا أن إبراهيم عليه السلام فقد كان وحده أمه. فكأنه أخذ المواهب والكمالات الموجودة فى أمة كاملة».
([81]) محمد سعيد العشماوى، الإسلام السياسى، سينا للنشر، 1987 القاهرة.
([82]) عبد الحميد متولى، مبادئ نظام الحكم فى الإسلام، 1974 إسكندرية- ص48.
([83]-4) قارن: صدفى حسن أبو طالب، السابق، ص234 – 243.
([84]) باس محمود العقاد، إبراهيم أبو الأنبياء، دار الهلال، ص131.
([85]) ابن كثير، قصص...مشار إليه، ص146.
([86]-4) عباس محمود العقاد، الإشارة السابقة.
([87]) آية 78/ الحج.
([88]) آية 128/ البقرة.
([89]) آية 1 و 6 من سورة الكافرون.
([90]) آية 85/ آل عمران.
([91]) آية 19/ آل عمران.
([92]) آية 72/ يونس.
([93]) آية 67/ آل عمران.
([94]) آية 133/ البقرة.
([95]) آية 42/ النمل.
([96]) آية 52/ آل عمران.
([97]) آية 84/ آل عمران.
([98]) آية 3/ المائدة.
([99]) آية 14/ الأنعام.
([100]) آية 12/ الزمر.
([101]) آية 163/ الأنعام.
([102]) آية 64/ آل عمران.
([103]) 78/ الحج.
([104]-2) آية 120/ البقرة.
(3) الألبانى، السابق، ص743، رقم 4015.
(4) الألبانى، السابق، ص495، رقم 2526.
([105]) آية 20/ مريم.
([106]) أنظر تفصيلاً: عبد الصبور مرزوق، تعدد زوجات النبى محمد - مقالة منشورة فى حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين – إصدار المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 2002 القاهرة، ص353 – 368.
([107]) السيد سابق، فقه السنة، جـ2، دار التراث بالقاهرة، ص155.
([108]) آية 229/ البقرة.
([109]) أبن كثير: السابق - ص40.
([110]) جزء من حديث نبوى رواه أبو هريرة، ابن كثير، السابق، ص117.
([111]) ابن كثير، الإشارة السابقة.
([112]) آية 21/ النساء.
([113]) آية 124/ البقرة.
([114]) ابن كثير، السابق، ص145.
([115]) ابن قيم الجوزية، تحفة المورود بأحكام المولود، خرجه أحمد بن شعبان، مكتبة الصفا، 2005، ص114.
([116]) ابن كثير، السابق، ص148.
([117]) آية 130/ البقرة.
([118]) آية 36/ آل عمران.
([119]) 228/ البقرة.
([120]) آية 11/ النساء.
([121]) آية 282/ البقرة.
([122]) آية 228/ البقرة.
([123]) آية 34/ النساء.
([124]) الألبانى، السابق، ص928، رقم 5225.
([125]) عبد العزيز فهمى، قواعد وآثار فقهية رومانية، 1947 القاهرة، ص147 رقم 1.
([126]) آية 38 – 40/ النمل.
([127]) آية 120/ النحل.
([128]) آية 120/ النحل.
([129]) آية 258/ البقرة.
([130]) آية 57/ الأنعام.
([131]) آية 130/ البقرة.
([132]) آية 67/ الحج.
([133]) آية 34/ الحج.
([134]) آية 59/ النساء.
([135]) آية 59/ النساء.
([136]-2) أنظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، جـ3، ص227، ص241 على التوالى.
([137]-2) آية 48/ المائدة.
(3) آية 18/ الجاثية.
([138]) آية 2/ الجمعة.
([139]) آية 3 ، 4/ النجم.
([140]) آية 7/ الحشر.
([141]) آية 80/ النساء.
([142]) أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد 109.
([143]) الألبانى، السابق، ص731 رقم 1806.
([144]) صحيح مسلم 2/ ص84 و 85.
([145]) رواه أحمد والطبرانى فى الكبير.
([146]) أعلام الموقعين 1/53 و 54.
([147]) آية 67 – 69/ الأنفال.
([148]) مسند أحمد 1/2244.
([149]) آية 100/ التوبة.
([150]) أنظر تفصيلاً: عبد الفتاح حسينى الشيخ، الإجماع مصدر ثالث من مصادر التشريع الإسلامى – ط- 1979، ص68 – 70 و ص254 – 261 على التوالى.
([151]) صوفى حسن أبو طالب، السابق، ص142.
([152]) أنظر تفصيلاً: عبد الفتاح حسينى الشيخ، السابق، ص11 – 53.
([153]) أنظر تفصيلاً: عبد الفتاح حسينى الشيخ، السابق، ص131 – 156.
([154]) قارن: عبد الفتاح حسينى الشيخ، السابق، ص157 – 194.
([155]) صوفى حسن أبو طالب، السابق، ص34.
([156]) أنظر تفصيلاً: صوفى حسن أبو طالب، السابق، ص234 – 243.
([157]) صوفى حسن أبو طالب، السابق، ص23.
([158]-2) محمد أحمد سراج وأحمد فراج حسين، تاريخ الفقه الإسلامى، 1999، إسكندرية، ص7 وص48 على التوالى.
([159]) عبد الحميد متولى، السابق، ص101 – 110.
([160]) عبد الحميد متولى، السابق، ص114 – 130.
([161]) عبد الحميد متولى، السابق، ص147 – 151.
([162]) آية 38/ الأنعام.
([163]) آية 89/ النحل.