Monday, May 18, 2015

ابن القاضى

حسنا فعل وزير العدل بالإستقالة لكن لا قيمة لها فى تغيير سياسة شبه رسمية وغير معلنة. نعم هى سياسة مؤسسية وليست زلة لسان. سياسة عدم احترام الكفاءة. سياسة رفض شخص نعلم كفاءته ثم نختلق اى عذر لنبرر لانفسنا فعلتنا. نترك ما هو يقينى قطعى الثبوت والدلالة امامنا ونتفنن فى إختراع الحجج. نبرع  دائما فى إثاره الشك والريبة لنرجح ما هو ظنى الثبوت والدلالة أمامنا. القاعدة ان اليقين لا يزول إلا بيقين مثله. فى حالتنا يزول اليقين بالظن والشك بدون دراسات او إحصائيات معتبرة (وكيف نحصل أصلا على دراسات معتبرة بدون تقارير الأداء والتفتيش الدوري ولجان تقييم الصلاحية التى تعتبرها بعض المؤسسات من مسائل الأمن الوطنى.. ربما أمنها الوطنى). نضع الثقه فى غير محلها. فعلناها صراحة فى الخمسينيات والستينيات وكانت بلوتنا مشابهة.. رجحنا صراحة اهل الثقة على حساب اهل الخبرة وأفترضنا صراحة أن إجتماع الثقة والخبرة معا عملة نادرة الوجود.. واصبحت سياسة تتبناها عدة مؤسسات فى الدولة وعانينا شرورها وظلمنا انفسنا لعقود. الان تحول هذا المنطق الأعوج الى آفة اجتماعية اصابت العقل المصرى فى مقتل.. آفة عقلية اصابت المؤسسة المفترض فيها اقتلاع الظلم من جذوره المجتمعية.. مؤسسة القضاء

احقاقا للحق ليس القضاء هو المؤسسة الوحيدة المصابه بهذه الآفه.. هى سياسة شبه رسميه متجذرة ونجم عنها سياسة أشد فسادا من الأولى .. توريث المناصب فى المؤسسات بطرق مباشرة وغير مباشرة.. نبدأ بالتحرى عن تاريخ الشخص (وهو نظام معقول وله مبرراته ومطبق دوليا) وننتهى بإشتراط أن يكون الشخص من "بيئة إجتماعية مناسبة" (تذكر انتحار عبد الحميد شتا كما ترويها بالمصرى اليوم). الفهم المطاطى للشرط الأخير فاق التصور.. وصل الأمر ببعض المؤسسات لتفضيل أبناء  أعضاء المؤسسه على حساب غيرهم.. وتتطور الى حد ان اصبح وجه من اوجه العلاقات المؤسسية بين اجهزة الدولة. مجاملة مؤسسة لمؤسسة أخرى فى تعيينات الأبناء والعكس  أى انتقام مؤسسة من مؤسسة أخرى على اساس المعاملة بالمثل. هذا حدث فعلا وليس مبالغة. هل هذه طريقة عمل مؤسسة ام عزبة خاصة؟ لا علاج جذرى لها ولا مفر من علاج تدريجي. السؤال هو كيف نعالجها تدريجيا بواسطة مؤسسة هى ذاتها بحاجة لعلاج. القضاء مربط الفرس لكن باب النجار مخلع كما يقال

مرة اخرى، احقاقا للحق، ليست كل الاجهزة القضائية سواء فى المعاناة من هذه الآفة. مجلس الدولة، لعدة اسباب، اخف ضررا من جهات اخرى. من سنوات عدة، لجأ اثنين ممن لم يعينوا فى مناصب قضائية تقدموا للطعن فى رفضهما وصدر حكمين مختلفين من دائرتين بالمحكمة الإدارية العليا (أعلى محكمة بمجلس الدولة) كلاهما تناول شرط البيئة الإجتماعية المناسبة كشرط للتعيين ودور تقرير التحريات الامنيه. الحكم الاول قرر انه لا يجوز استبعاد الشخص بناء عليه والحكم الثانى قرر انه يجوز استبعاده. ويبدو ان عند توحيد المبادئ بين الدوائر كانت الغلبة للرأى القائل بجواز استبعاد الشخص. لاحظ أن اساس المشكله يتعلق بشرط "البيئة الإجتماعية المناسبة" وليس الكفاءة العلمية. الكفاءة العلمية تتحدد بناء على التقديرالعلمى الذى يحصل عليه الشخص بناء على تراكم مجهوده خلال اربع سنوات يدرس فيها متوسط اربعون مادة ويقيمه فيها عدد مماثل من اساتذه القانون تحت مظلة مؤسسة علمية هى الجامعة. أمر محمود أن القضاء يشترط حصول الشخص على تقدير (جيد) او أعلى بعدما سمح لفتره غير قصيرة بتقدير (مقبول). وأتمنى أن يبقى هذا الشرط حال إنشاء أكاديمية القضاء فى المستقبل (تابع حوار مساعد وزير العدل عنها بالمصرى اليوم)


من مقال نجاد البرعى القضاة والقانون
المسألة قضية امن قومى كما لمح الكاتب محمد الحضرى بمقاله بجريدة المشهد. اهل القانون من الدول العربية ممن تابعوا بعض المحاكمات خلال السنوات الأخيرة، خاصة محاكمة الرئيس السابق مرسى، يسألون: ماذا يحدث لمهنية وحرفية القضاء المصرى؟ الامر من الخطورة ان اوحى لمن يقرأ المشهد المصرى من الخارج مروجا ان القضاء المصري يفكر طبقيا (كما كتب خالد الكوطيط فى تقريره عن قضاء مصر على محك أسئلة التوريث) وهو مستقل طالما يدافع عن مصالحه الخاصة (كما صرحت لويزا لوفلك بمقالها عن القضاء فى عهد السيسي). اخيرا، ما قرره مجلس القضاء الأعلى من عدة أشهر من قبول دفعة قاضيات لأول مرة فى تاريخ القضاء المصرى ومخاطبة جهتين قضائيتين لتلقى الرغبات منهما يدعو للسؤال: هل الباب مفتوح لأهل القانون اصحاب الكفاءة ام زيتنا فى دقيقنا واللى نعرفه احسن من اللى منعرفوش. لعلنا نتعلم مما يتكرر من وقت لآخر من تزايد التوتر بين أهل القضاء وأهل المحاماة قبل أن يستفحل الامر ويتشكك المواطن ان القضاة لا يطبقون القانون على أنفسهم كما اوضح نجاد البرعى فى مقاله عن القضاة والقانون بجريدة الشروق

المحكمة الدستورية العليا قادرة على تهذيب اغصن المشكلة تدريجيا الى ان يمكننا اقتلاع الجذور فى المستقبل. هى قادرة ان رغبت وان عرض عليها الامر