Friday, August 26, 2011

كتاب جديد: مشكلات النظام الدستوري المصري


طالعت مؤخرا كتاب "مشكلات النظام الدستوري المصري" (دار النهضة العربية 2012) لمؤلفه الدكتور احمد حشيش، استاذ القانون بكلية الحقوق جامعة طنطا. يمثل الكتاب حلقة جديدة، يستكمل بها المؤلف سلسلة من الابحاث التي تستعرض مشكلة معاصرة من زاوية تطبيقية للمبدأ الذي صكه، وهو "سمو القانون الإلهي".

في إطار دعوته في مقدمه كتابه الي "مشروع عربي موحد للدستور الوضعي في الدول العربية، دون افتئات على استقلالها عن بعضها" (صـ5ـ)، يسلط المؤلف الضوء على ثلاثة مشكلات دستورية تعرقل ازدهار النظام الدستوري المصري، و هي "لا تختلف ولا تنفصل عن نظيراتها في الانظمة الدستورية الوطنية الاخرى في العالم العربي" (صـ5ـ). وهذه المشكلات هي:
"أ- التخلف الدستوري، سواء في الصناعة الدستورية العربية، او في منهج المؤلفات الدستورية العربية...
ب- عدم الإقتداء في وضع الدساتير العربية، بأول دستور وضعي للدولة العربية الأولى التي قامت عقب وفاة الرسول، اي دستور دولة الخلافة الرشيدة...
ج-انصراف الدراسات الدستورية العربية، عن البحث في ذلك الدستور الوضعي العربي الاول ذاته، لا لشئ إلا لأنه لم يكن دستورا مكتوبا، إنما كان دستورا عرفيا بالمعنى الفقهي الدستوري لهذا المصطلح حاليا... وإن كان اقدم من أشهر دستور عرفي حاليا وهو الدستور البريطاني.." (صـ5&6)

افرد الكاتب ثلاثة ابواب تتناول ثلاثة موضوعات اساسية، يراها "تجب ان تتخذ كأساساً علمياً لتبويب اي دستور وضعي" (صـ7ـ)، وهي نظام الدولة، ونظام القانون، ونظام الجزاء الدستوري. إلا انه قبل تناولها، يفرد باباً مستقلا يتناول فيه اسباب التخلف الدستوري العربي.

فيتعرض لتخلف"صناعة" الدساتير العربية، سواء ما يخص فيها مؤسسة الرئاسة (تداولها وهويتها)، او ما يتعلق فيها بالإستغناء عن نظام البرلمان، او ما يخص ظاهرة استنساخ الدساتير الاجنبية. ثم يتناول كذلك تخلف "منهج" المؤلفات الدستورية العربية، سواء لتأثرها بمنهج "الادب السياسي"، وما لحقه من تأثيرات "سلطانية" او "شعبوية" ادت لغموض العديد من الاصطلاحات وتداخلها، او لإحتفائها المبالغ فيه بمنهج "التفسير"، بما ادى اليه من الإتكال على العلوم المساعدة للقانون على حساب العلم القانوني ذاته. ثم يدعو الي تحديث المنهج القانوني وإثراءه بـ "علم التأويل" او بعلم "الرشد القانوني". اخيرا، يستعرض المؤلف اختراق تيارات "الثقافة الإنفصالية" للعقل العربي، مستعرضا اقدم صور هذه الثقافة الإنفصالية التي ظهرت في مستهل الخلافة الراشدة، وكذلك في ختامها. ثم متناولا ثلاثة طوائف تمثل تيارات الثقافة الإنفصالية: التيار العلماني، والتيار السلفي، والتيار الاوسط و"هى طائفة قائمة بذاتها. فلا هى تضم أبناء الأرض «الغربية» التى نشأ منها الإنسان تلقائياً وحيواناً، أى التيار العلمانى. ولا هى تضم أبناء السماء، أى التيار السلفى بأنواعه. إنما هى تضم أبناء «الأثير» المعلق بين السماء والأرض، أى التيار «الهوائى»، الذى يتعامل بمنهج الخيال العلمى" (صـ71-).
يتبع---

Friday, August 19, 2011

اقتصاديات ادارة البناء الدستوري


الادارة السياسية للمرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر الآن هي ما سيحدد شكل الجمهورية المصرية الثانية. بغض النظر عن عمق الاختلافات في الرؤى، من المهم الا تؤدي الادارة السياسية لها الي افساد الود اللازم لدفع قوى المجتمع المصري نحو بداية قوية للجمهورية الثانية. ولذلك، ينبغي ان تتسلح تلك الادارة الرشيدة بالحكمة بدلا من ان تدع الامور تسير على نحو عشوائي.

المقصود بإقتصاديات ادارة البناء الدستوري هو حساب الكلفة والمنفعة لتعظيم الفرص والامكانيات وتقليل المخاطر السياسية خلال هذه الفترة الانتقالية. وللإيجاز، هناك مسألة ينبغي الاقتصاد في ادارتها، بدون تفريط ولا افراط، وهي المتعلقة بفض النزاع السياسى الجاري حول الدستور المصري.
ربما نختلف على القيمة السياسية لدستور 1971. صحيح ان بعض مواده تم التلاعب بها ومثلت -خاصة ما تعلق منها بالترشح للرئاسة- خطرا على جوهر "الجمهورية المصرية"، لكن اغلب مواده كانت تجسيدا لكفاح اجيال سبقتنا ومازالت تراثاً دستورياً مصرياً تسلمناه من اجيال سبقتنا وعلينا تسليمه للاجيال التي تلينا. على هدى من هذه المواد، قضى القضاء الدستوري –رغم مناورات النظام السابق لعرقلته- بعودة احزاب سياسية الي الوجود وببطلان تشكيل البرلمان لثلاثه دورات متتالية، وغيرها من الاحكام التي جسدت كفاح قوى وطنية منها قوى مازالت بيننا الآن. بالتالي، لا شك ان لهذا الدستور قيمة اقتصادية، تجسد ما استثمرته عدة اجيال مصرية من جهد ووقت ومال لصياغة مواده وشرحها وتفسيرها والتقاضي على اساسها. هذه القيمة الاقتصادية تم اهدارها على عجل في مناسبة اعجز عن فهمها.

سقط النظام السابق... رأى البعض تعديل الدستور... اعترض البعض على ترقيعه ودعى الي دستور جديد... تم استفتاء الشعب اما ان يقبل تعديل 9 مواد ليستمر دستور 71 او يرفض تعديلها ليدفن دستور 71... على نحو غير مفهوم تم دفن دستور 71 رغم ان نتيجة الاستفتاء كانت الموافقه على تعديل المواد التسعة...ربما رأى البعض ان هذا الحل فيه ارضاء للطرفين من خلال اعلان دستوري جديد به اغلب مواد دستور 71... الحقيقة ان هذا الحل خلق فريقا ثالثا بدأ يقارن بين ثلاثة وثائق دستورية: دستور 71، ومواد الاستفتاء، والاعلان الدستوري الجديد، وبدأ يجتهد في قراءة ما وراء الاختلافات فيما بينها . واصبح علينا التقريب بين ثلاثة فرق- او اكثر- بدلا من التقريب بين فريقين... هذا العبء الاضافى هو قيمة اقتصادية مهدرة كان يمكننا الحفاظ عليها منذ البداية. نفس الامر يتكرر الآن. امر محمود ان بعض القوى السياسية توحد صفوفها لتقدم رؤيتها في وثائق سياسية. لكن من سيتولى المهمة الاخطر وهي التوفيق بحكمة بين هذة الوثائق السياسية ليخرج علينا بالحد الاقصى المتفق عليه (او القاسم المشترك الاكبر)، ويحصر ما اختلفوا بشأنه ويبت في الحد الادنى الواجب حسمه الآن في ضوء احتياجنا الي قيمته الآن لا لاحقا. السؤال الاهم اذن: من الحكم الذي ترتضي اغلب الاطراف الالتجاء اليه وتحترم نزاهة رأيه؟

على مدار السبعة اشهر الماضية، بذل المجلس العسكري جهدا محمودا لتسليم السلطة الي حكومة منتخبة، الا ان اصراره على ان يتحمل وحده جانب كبير من هذا الجهد ادى لاستهلاكه جانب كبير من رصيده السياسي لدى قوى مجتمعية عديدة (اغلبها محسوب على التيار اليبرالي). في المقابل، بدأت الحكومة الحالية برئاسة د. عصام شرف في تولي زمام بعض المسائل التي تتطلب تفهما سياسيا اكثر من تطلبها حسما عسكريا. الا ان البادي ان اهتمامها المحمود بالوثائق السياسية الصادرة عن بعض القوى السياسية يستهلك رصيدها السياسي لدى قوى مجتمعية اخرى (اغلبها محسوب على التيار الديني).

حسم الامر لن يكون بتبادل الادوار بين المجلس العسكري والحكومة الانتقالية، فهذا مضيعة للوقت، وباب لتحول النزاع من خلاف حول الافكار الي توتر بين الاشخاص والقوى المجتمعية. الخيار الافضل هو الاحتكام الي مؤسسة مستقلة تقف على مسافة واحدة من جميع الاطراف، يعرض عليها كل طرف حجته، وتحسم النزاع بحكمة يخرج معها كلا من الفريقين فائزا win-win solution. في رأي المتواضع، هذه المؤسسة هي المحكمة الدستورية العليا. نعم النزاع سياسي، لكن لابد ان يكون المنبر قضائي. جوهر عمل القضاء هو فض المنازعات، ايا كانت طبيعتها، حتى ولو كانت سياسية. وليس ادل على ذلك من التقاضي حول بناء مفاعلات نووية امام المحكمة الدستورية الايطالية، وارسال قوات عسكرية الي ليبيا امام المحكمة العليا الالمانية. اتمنى ان تكون المحكمة الدستورية العليا المصرية مستعدة، وان يحافظ قضاتها وقضاة مصر واهل سيادة القانون على رأسمالها الوطني.

Friday, August 12, 2011

رسائل قصيرة: البنك والسفيرة والقضاء


بمناسبة خبر عن وزارة التعاون الدولي: انتهاء من ابرام اتفاقيات منحة لا ترد وقروض من البنك الدولي
1- ما المقصود تحديدا بعبارة "انتهت وزارة التعاون الدولي من الاجراءات الدستورية الخاصة بهذه الاتفاقيات التي تم توقيعها مع البنك الدولي في نوفمبر الماضي" والتي وردت بالبيان الصحفي للوزارة في 10 اغسطس 2011
2- ما الجهة التي تراقب الادارة الرشيدة لاموال المنحة والقروض ومن يرأسها والي من يتقدم بتقاريره الدورية وهل يتيحها لاطلاع من يهمه امرها؟
3- ما مدى نجاح هذه الجهة في رقابة الادارة الرشيدة لاموال المعونات الاجنبيه (خاصة من الاتحاد الاوروبي) في الفترة الماضية؟


بمناسبة خبر عن السفيرة الامريكية الجديدة: رغم موقف المجلس العسكري من تمويل منظمات غير حكومية- السفيرة مستعدة للحديث مباشرة مع الشباب عن العلاقات الامريكية مع مصر
1- ما حيثيات الاختيار الامريكي لها خاصة في ظل انتهائها للتو من الخدمة الدبلوماسية في باكستان بتاريخها الملئ بالتوتر سواء بين قادة الجيش فيما بينهم او بينهم وبين المؤسسات الدستورية؟
2- ما الجهة التي تشاورت معها الحكومة الامريكية قبل ارسال سفيرتها والتي قدمت اليها السفيرة الجديدة اوراق اعتمادها عند وصولها؟ وما الجهة المسئولة عن متابعة نزاهة العمل الدبلوماسي الاجنبي بصفة عامة؟
3- ما ظروف الزيارة الاخيرة لمدير المخابرات المصرية الجديد الي واشنطن؟


بمناسبة خبر عن الازمة القضائية حول مراجعة قانون السلطة القضائية بين اللجنة المشكلة وبعض نوادي القضاة
1- لم لا يعد كل فريق توصياته واقتراحاته ليتحول الحوار الي حجج في الموضوع وليس توتر بين اشخاص؟
2- لم يدور اغلب الحوار العام حول الالقاب والرواتب دون الالتفات الي الاختلالات الجوهرية في هيكل القضاء؟
3- هل القضاء مستعد للضبط الوقائي والعلاجي المقترن بالحملة الموسعة ضد الخارجين على القانون في سيناء بدلا من اتاحة الفرصة للفتن وتصوير ما يحدث انه عمليات قتل غير قضائية؟

Friday, August 5, 2011

ازمة العدالة الجنائية في مصر


العدالة الجنائية في مصر تواجه ازمة سببها فجوة بين ما هي عليه الآن وما ينبغي أن تكون عليه! هناك دعوات متزايدة للإستغناء كلية عن مؤسسات العدالة الجنائية واللجوء الي محاكمات ثورية بل ولا مانع لدى البعض من محاكمات عسكرية لرموز النظام السابق. ولا مفر ان حل هذه المعضلة يكمن بيد القائمين على امر مؤسسات العدالة في مصر، وعليهم عبء كبير لتنظيم امور بيتهم من الداخل.
وبشكل عام، فإن وزارة العدل المصرية امامها الكثير لتفعله. لكن الاهم، ان تتواصل مع المواطن المصري ليعلم فيما تنفق اموال الضرائب التي يسددها. ولعله من الغريب ان وزارة العدل المصرية تعد -تقريبا- الوحيدة من ضمن وزارات العدل العربية ومن ضمن الوزارات المصرية التي لا تملك موقع الكتروني يتابع المواطن نشاطها من خلاله، وتتابع الوزارة اهتمامات وتطلعات المواطن عبره. يقيناً، هناك العديد من المهتمين بأعمال مؤسسات العدالة في مصر، سواء كانت اعمال وطنية تنشر في الجريدة الرسمية او الوقائع المصرية، او دولية مثل اتفاقيات التعاون القضائي وتسليم المجرمين.

وهناك العديد من النماذج الناجحة لمواقع وزارات العدل العربية، وابرزها في لبنان والامارات والاردن. لكن الاهم ان يستجيب موقع وزارة العدل المصرية لإهتمامات المجتمع المصري خلال الفترة الحالية. لذا، اتمنى ان يشتمل الموقع الالكتروني لوزارة العدل المصرية
1- اخبار وزارة العدل خاصة جهودها بخصوص التعاون القضائي الدولى وتسليم المجرمين مع الدول ذات الاهمية (مثل بريطنيا الملاذ الآمن لعدد من المطلوبين قضائيا في مصر).
2- اخبار وزارة العدل ودورها في اعادة هيكلة المنظومة الامنية في مصر واستعدادها للاشراف على قطاعات ظلت لفترة طويلة خاضعة لاشراف وزارة الداخلية رغم عدم ارتباطها بجوهر عمل مؤسسة الامن الداخلي.
3- اخبار وزارة العدل ودورها في اعداد مشروعات لقوانين لعلاج عدة ظواهر تتنامى حاليا، خاصة فيما يخص عمليات اتلاف الادلة واخفاء الاموال المتحصلة من جرائم واعاقة مؤسسات العدالة والبلاغات الكيدية التي ترهق جهات تنفيذ القانون (كان من الاولى ان ينشغل القائمون على امور العدالة في مصر تكثيف جهودهم لسن قوانين تشتمل على جرائم اجرائية تحترم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ويمكن من خلالها معاقبة رموز النظام السابق على ما يرتكبوه الان من اتلاف ادلة وتضليل جهات العدالة بدلا من محاولة ارهاق نصوص عفا عليها الزمن مثل تلك التي اتى بها قانون الغدر بما يثيره من شبهة المخالفة الدستورية لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات).
4- التغطية الوثائقية للمحاكمات التي تهم الرأي العام المصري، سواء فيما يخص سير التحقيقات، ومذكرات الاتهام ومذكرات الدفاع، وكذلك النصوص القانونية التي تتم المحاكمات لشبهة مخالفتها، كيلا ترتفع توقعات الرأي العام عما هو ممكن في المحاكمات الحالية.
5- التغطية التسجيلية للمحاكمات التي تهم الرأي العام، بإعتبارها جزءا من التراث القانوني المصري، ومادة ثرية لمحاولات إصلاح اي ثغرات اوعوار يشوب النظام القانوني المصري.
6- دليل للإخطارات الرسمية التي تتلقاها وزارةالعدل، وابرزها من
a. المرشحين للإنتخابات (الرئاسية او البرلمانية او المحلية) فيما يخص سيرتهم الذاتية، واجنداتهم الانتخابية، واقرارات الذمة المالية، ومدى التزامهم بنزاهة الحملات الانتخابية بدون تضليل او غش او تجاوز حدود الانفاق الانتخابي.
b. المنظمات المدنية ذات النشاط السياسي فيما يخص تكوينها وبرنامجها واعلانها عن مصادر تمويلها واوجه انفاقها تفصيلا.
c. المنظمات المدنية ذات النشاط الاهلي فيما يخص تكوينها وانشطتها وافصاحها عن مصادر تمويلها واوجه انفاقها تفصيلا.
d. المنظمات المدنية ذات النشاط الاقتصادي فيما يخص تكوينها وانشطتها ومواردها واوجه انفاقها تفصيلا.
7- بإعتبار وزارة العدل همزة الوصل بين القضاء واعوانه في السلطة التنفيذية، يهتم العديد بجهود الوزارة التي تقوم بها لرفع كفاءة هؤلاء الاعوان (خاصة هيئات الرقابة والخبرة والادلة ومكافحة الفساد)
8- بإعتبار وزارة العدل عونا للقضاء في اشرافه على تشكيل السلطة التشريعية، يهتم العديد بجهود الوزارة فيما يخص الاجراءات الوقائية والعلاجية لمنع الغش الانتخابي ورفع كفاءة الضبط القضائي ازاء شراء الاصوات عينا ونقدا وصحة الاعلانات الانتخابية ونزاهة الحملات الانتخابية واعاقة العملية الانتخابية.
9- بإعتبار وزارة العدل همزة الوصل بين الاذرع الثلاثة لمؤسسة العدالة الجنائية، يهتم العديد بجهود الوزارة لرفع كفاءة والتنسيق بين:
a. الذراع الاستقصائية: التي تتولى تحري وتحقيق ادعاءات لها سند من الواقع.
b. الذراع الاتهامية: التي تتولى ترجمة هذه الادعاءات الي ادلة لها سند من القانون.
c. الذراع القضائية: التي تتولى الفصل بالبراءة او الادانة بغير انكار للعدالة ولا ارهاق للقانون.