Thursday, December 24, 2009

عن الفساد: العلانية مكافحة مجانية

جوهر إزدهار الفساد هو السرية، وجوهر مكافحته هو العلانية. والعلانية ركن ركين لا تقوم لمكافحة الفساد قائمة بدونه. والعلانية هي المنهج الذي اتبعته أكثر الجهود الوطنية لمكافحة الفساد نجاحاً في العالم، واعني بها جهود مكافحة الفساد بهونج كونج. تلك الجهود التي بدأت عام 1974، والتي أرجع الكثير من المعلقين نجاحها الي أمور ثلاثة:

الاول: إعتمادها لإسترتيجية بعيدة المدي لمكافحة الفساد في هونج كونج

الثاني: إعتماد تلك الإسترايجية علي العلانية كمبدأ راسخ لا تحيد عنه

الثالث: إعتماد تلك العلانية علي العامة نجم عنه أفضل إستخدام للموارد وأفضل جدوي للإستراتيجية


تجدر الإشارة الي ان تجربة هونج كونج في المكافحة الجادة للفساد قدبدأت عام 1974، وذلك بإنشاء الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد في هونج كونج (ICAC). بعد معاناة لعقود طويلة مع الفساد، نشأت اللجنة وتسلحت بإلتزام ودعم حكومي، وسلطات قانونية كافية، وإستراتيجية متكاملة ذات أبعاد ثلاثة تعتمد علي الردع العلاجي (بكشف الفساد والعقاب عليه)، و علي المنع الوقائي (بإقامة أنظمة رقابة فعالة)، وعلي التوعية المجتمعية (بتغيير تسامح العامة تجاه الممارسات الفاسدة). وقد أمتدت سلطات الهيئة لمكافحة الفساد في كل من المجتمع الحكومي والقطاع الخاص.


وقد تمتعت الهيئة بثلاثة أذرع: واحدة لممارسة سلطتها الضبطية، والثانية لممارسة سلطتها الرقابية، والثالثة لتنمية علاقاتها العامة مع الجمهور. وتعتبر الهيئة سر نجاحها هو إعتمادها المكثف علي الذراع الثالثة (العلاقات العامة) لتحسين ممارستها لسلطتها الضبطية والرقابية. فلم تقتصر علاقاتها مع الجمهور علي إعداد ورش العمل والندوات العامة وجلسات التثقيف لتغيير سلوكه نحو الممارسات الفاسدة، بل امتد الامر الي إستطلاع آراءه بشأن حسن أدائها وإلتزامها بإنجاز مهامها وفق الجدول الزمني الذي التزمت به، بل وأيضا فتحها الباب امامه للتطوع والتدرب لدي الهيئة التي استفادت بدورها من خبراتهم الإدارية ومهاراتهم التكنولوجية.

Monday, December 14, 2009

العمل الاهلي: من الطوارئ لأمن القانون

دور العمل الاهلي في مصر لم يكن ثابتاً علي مدار تاريخ مصر الحديثة. في فترات التبعية، أقترب العمل الاهلي في مصر من العمل الوطني بدرجة كبيرة -بلغت احياناً حد التطابق- فقامت مجموعات اهلية بدور علمي مثل تأسيس جامعات وطنية، كما قامت بعضها كذلك بدور سياسي، فأحتضنت نقابة مهنية هي نقابة المحامين قضية الإستقلال الوطني. واحياناً، قامت بعضها بدور عسكري، بالهجوم علي معسكرات المحتل الاجنبي. اختلف الامر عقب الاستقلال الوطني، فقد أصبح مستقبل العمل الاهلي في حرفيته المهنية.


هناك عدة مؤسسات تسعي الي ترسيخ مفهوم الدولة القانونية، لكنها بحاجة الي اعتناء ورعاية مجتمعية كي تصقل الوطنية والحرفية المهنية التي تتمتع بها تلك المؤسسات التي تشكل جوهر استمرار واستقرار الدولة بإعتبارها اساس البيروقراطية المصرية. ولأن أولي مقومات الدولة هي امنها الخارجي والداخلي، كانت أولي مؤسسات البيروقراطية المصرية، هي الجيش. وبعد ان ساهم جيش مصر بحصته في العمل الوطني- بإعلانه قيام الجمهورية- عكف علي التخصص في العمل العسكري. بذلك، تأكدت هوية طليعة مؤسسات البيروقراطية المصرية: جيش وطني ومهني محترف، وأولي سمات إحترافه أن خص نفسه بمهام الامن الخارجي، وترك مهام الامن الداخلي لمن يختص بها.


وحملت المؤسسات السيادية في مصر علي عاتقها مهمة الأمن الداخلي، و علي رأسهما مؤسسات العدالة والشرطة، تتولي الاولي تحقيق الأمن "بقوة القانون" كقاعدة عامة، وتتولي الثانية تحقيق الأمن "بقوة السلاح" لطارئ او لضرورة. وفي الوقت الراهن- ونحن علي أعتاب إلغاء حالة الطوارئ الممتدة علي مدار اكثر من ثلاثين عاماً، والإنتقال من مرحلة أمن السلاح إلي مرحلة امن القانون- جاز لنا ان نحتفي بمؤسستي الامن القانوني والامن الشرطي وهما علي أعتاب مرحلة جديدة من الوطنية والحرفية المهنية. ولعل أبرز سمات الإحتراف، هو تمييز الامن العلاجي عن الامن الوقائي.


فإن صدق ما سبق، حملت أجنحة المجتمع الرئيسية (المجتمع الرسمي والمجتمع الاهلي ومجتمع الاعمال) الحفاظ علي الوفاق الوطني في سعيها للإستمرار وللإستقرار والازدهار عبر مؤسسات تنمية رسمية وأهلية وأقتصادية، تنجز العمل المطلوب، وتحسن من ادائها، وتتم محاسبتها علي مدي نجاحها. كل هذا لا يتم إلا عبر ولاء وطني وحرفية مهنية عالية ينبغي ان تتحلي بها مؤسسات المجتمع الرسمي والاهلي والاعمال.

Saturday, December 5, 2009

أزمة صناعة القانون 2-2

إن ظهر القانون الي الوجود بعد موازنة المشرع بين طموحات شعبية تحلق في الآفاق وبين واقعية حكومية تمشي علي الأرض، انتهت أزمة صياغة القانون لتبدأ ازمة تنفيذه. ولا شك أن الجانب الاكبر من أزمة صناعة القانون تتمثل في نفاذه لا صياغته. لدينا من القوانين المكتوبة ما قد يدلل -عند دراسته في المستقبل البعيد- علي سيادة قانون لا يعززها الواقع الحالي. الفجوة إذن هي بين القانون المكتوب والقانون المنطوق (او النافذ علي الارض فعلاً).


هذه الإزدواجية بين القانون علي الورق والقانون علي الألسنة لا يمكن حلها إلا بمد جسر بين ما في العقول وما في القلوب. وهذه هي وظيفة الاديان كأساس للإصلاح الإجتماعي. للأسف، فإن دور الدين في المجتمع المصري قد تم تجاذبه بين قوي الإصلاح الإجتماعي وقوي الإصلاح السياسي. وما بين تسييس الأديان وتديين السياسة، ظهرت النداءات لتجديد الخطاب الديني لإعادة الامور الي نصابها. فالمصلح الإجتماعي يدعو لصلاح القلوب بمنطق الإقناع لا بسلطة الحكم. والمصلح السياسي يدعو لصلاح العقول بالولاء للإجماع الوطني لا الولاء للفرقة العقائدية –حتي ولو كانت الأغلبية.


إن أستقر دور الدين في المجتمع، أنسدت الفجوة بين القانون المكتوب، والقانون النافذ في المجتمع. الوازع الديني-والرقابة الذاتية- علي إحترام القانون هو الاقوي، وستظل كذلك في المجتمع المصري الذي رفع الدين- منذ أيام الفراعنة الي الآن- الي مكانة متميزة في القلوب والعقول معاً. أكثر لحظات التاريخ المصري صدقاً- ثورة 1919-ً كانت تعبيراً عن أقوي دور لعبه الدين الإلهي في نسج مجتمع قوي اقترب فيها عقله من قلبه لدرجة الإتحاد. وأكثر إنجازات الفقه القانوني ثراءاً، تلك التي عكف أصحابها علي قراءة رسائل القانون الإلهي (او القانون الطبيعي عند فقهاء عصر النهضة أو قانون الحضارة عند فقهاء الرومان) بغير تفريط ولا إفراط، فنظرت الي القانون كعلم إنساني مقارن، وكتعبير عن ثقافة وحضارة، وكأداة للإصلاح والإجتهاد.