Tuesday, October 31, 2017

السنهوري وانحراف التشريع عن المبادئ العليا للقانون


البحث المتعمق في ازمة صناعة القانون التي نعانيها في مصر حالياً تكشف عن بعض حالات انحراف التشريع. انحراف التشريع هو مصلح مختصر لمفهوم" انحراف استعمال السلطة التشريعية" الذي تناوله الفقه العلامة السنهوري في مجلة مجلس الدولة عدد 3 لسنة 1953. في هذا المقال، اوضح السنهوري ان الاصل في سلطة المشرع في التشريع انها سلطة تقديرية وانها في احوال معينة هي سلطة محددة وفقاً لما يحدده الدستور، وبالتالي فإن العوار الذي يصيب التشريع في الحالة الاولى (حالة السلطة التقديرية للمشرع) له نطاق اوسع من العوار الذي قد يصيب التشريع في الحالة الثانية (حالة السلطة المحددة للمشرع). والعوار في الحالة الاولى يطلق عليه "انحراف التشريع عن غايته" وفي الحالة الثانية يطلق عليه "مخالفة التشريع للدستور". وفي الحاليتن فإن الجزاء المقرر هو البطلان. مقال السنهوري يمثل حجر الاساس في تمييز "الانحراف" عن "المخالفة" وهو ما استمر جانب كبير من الفقه المصري في الاسترشاد به

واضيف من جانبي، ان في الحاليتن يتم الرجوع الي الدستور 

فبينما في الحالة الثانية يتم الرجوع مباشرة الي نص الدستور الذي يحدد نطاق محدد لسلطة المشرع (سلطة محددة للمشرع)، يتم في الحالة الاولى الرجوع الي "روح الدستور اي الروح التي تهيمن على الدستور" لنتعرف على الغايات والمبادئ العليا التي تحكم صناعة القانون، وتحكم اشخاص القانون ومنهم الدولة في حد ذاتها، والتي ينبثق منها السلطات الحاكمة ومنها السلطة التشريعية ومنها ايضا السلطة التنفيذية (وفرعها الاول هو رئيس الجمهورية وفرعها الثاني هو الإدارة -ولا اقول الادارة المركزية- وفرعها الثالث هو الادارة المحلية ). ومنها ايضا السلطة القضائية، وكذلك المحكمة الدستورية العليا التي لم يدرجها الدستور تحت العنوان الخاص . بالسلطة القضائية. والمقصود بروح الدستور او الروح المهيمنة على الدستور هو ببساطة فكرة العدل او العدالة حتى ولو كانت نسبية

واوضح الدكتور نور فرحات ايضاً ان
علي أن أبرز المحاولات المعاصرة في تأكيد سمو العدل علي التشريع تتمثل في الجهد الفقهي البارز الذي بذله العلامة الفرنسي دوجي الذي يقول في عبارة بليغة كلما تقدمت بي السن وزدت دراسة للقانون وتعمقا فيه ازددت اقتناعا بأن القانون لم تخلقه الدولة‏,‏ بل هو شيء خارج عنها‏,‏ وبأن فكرة القانون مستقلة كل الاستقلال عن فكرة الدولة‏,‏ وبأن القاعدة القانونية تفرض طاعتها علي الدولة كما تفرض طاعتها علي الافراد ويخرج دوجي من ذلك بنتيجة مؤداها أن الدولة تخضع لقاعدة قانونية أعلي منها‏,‏ لاتملك لها خلقا ولا تستطيع لها خرقا‏

وما نقله الدكتور نور فرحات عن العلامة الفرنسي دوجي يستدعي الي الذهن نقاط عديدة اهمها تأثير الحضارة العربية الاسلامية على الفكر الاوروبي واقتباس الاوروبيين افكار حضارية - ومنها افكار قانونية كالصكوك مثلا- انتجها العرب والمسلمون، وهو ما يتضح من مطالعة الفيلم الوثائقي امبراطورية الايمان (باللغة الانجليزية)، والمقالات ذات الصلة بتأثير القانون الاسلامي على القانون الانجليزي مثل

Islam and Islamic Law in European Legal History  by Richard Potz  

اخيراً، لمن يريد الاطلاع على موضوعات ذات صلة بفكرة روح الدستور او المبادئ العليا للدستور، يمكن قراءة مؤلفات الدكتور احمد حشيش ومنها  "نحو تطوير الثقافة القانونية" – دار النهضة العربية – 2015