Thursday, July 14, 2011

محاكمة كيسي انتوني عن مقتل طفلتها

اسدل الستار منذ ايام على احد القضايا الجنائية الشهيرة التي انشغل بها الرأي العام الامريكي ووسائل الاعلام على مدار الشهور الثلاثة الماضية. قضية اتهام كيسي انتوني بقتل طفتها ذات العامين والكذب على سلطات تنفيذ القانون بدأت ببلاغ الي الشرطة المحلية بإحدى المدن بولاية فلوريدا قدمته والدة المتهمة (جدة الطفلة) بأن الطفلة مفقودة منذ شهر، واستمرت الشرطة في البحث عنها الي ان تم العثور عليها في احد مقالب القمامه، ملفوفة في عدة اكياس قمامة، وعلى فمها شريط لاصق. وبناء على تحريات الشرطة وتحقيقات جهة الادعاء، اصدرت النيابة قرار اتهام كيسي انتوني على اساس ارتكاب سبعة جرائم، ثلاثة بخصوص جريمة القتل واربعة بخصوص الكذب على سلطات تنفيذ القانون.

انعقدت المحكمة، وتشكلت هيئة محلفين لتبت في معقولية قيام المتهمة بإتيان الافعال الاجرامية المنسوبة اليها "بدون اي شك معقول" without a reasonable doubt. وتشكل فريق من النيابة يرأسه مدعي عام امريكي هو من اوائل من استخدموا DNA في الاثبات الجنائي. واسست النيابة ادلة اثبات الاتهام على ادلة ظرفية circumstantial evidence حيث لم تتوصل التحقيقات الي ادلة مباشرة تربط الام بأفعال قتل محددة. وامتدت الادلة الظرفية الي:
1- الحياة الاجتماعية الصاخبة التي يزعم الادعاء ان الام ارادت التفرغ لها بقتل طفلتها
2- كذب الام المتكرر خلال ادلائها بأقوالها امام الشرطة في عدة مواقف مختلفة
3- وجود شهود –منهم والدي المتهمة- على انبعاث رائحة كريهة من سيارة المتهمة خلال فترة زمنية معينة
4- شهادة والدي المتهمة على دفنهم حيواناتهم الاليفة النافقة بإستخدام اكياس القمامة والشريط اللاصق.
5- شهادة احد جيران المتهمة بإستعارتها جاروف حفر خلال فترة غياب الطفلة.

واسس دفاع المتهمة ادلة نفي الاتهام على توضيح "الشك المعقول" الذي يشوب الادلة التي ساقتها النيابة، وبناء عليه لا يجوز لهيئة المحلفين ادانة المتهمة، حيث ان قرينة البراءة لا تزول بالشك والتخمين بل بالجزم واليقين. لذلك اوضحت هيئة الدفاع عن المتهمة ان:
1- النيابة لم تقم بإظهار الدافع وراء ارتكاب الجريمة (الدافع ليس من اركان الجريمة لكن له دور هام لربط الادلة الظرفية بعضها ببعض)
2- الطبيب الشرعي لم يستطع ان يحدد بدقة سبب وفاة الطفلة، وبالتالي فإن تقريره التشريحي لم ينفي زعم الام ان الطفلة ربما تكون قد غرقت في حمام السباحة الملحق بالمنزل.
3- قيام جدة الطفلة بتغيير جزء من شهادتها يعزز رواية المتهمة بإحتمال وجود دور للجدة في اخفاء اثار غرق الطفلة.
4- قيام جد الطفلة (شرطي متقاعد) بمحاولة مساعدة جهات التحقيق واستدراج ابنته (المتهمة) في الحديث اثناء زيارته لها في السجن عزز من رواية المتهمه ان له دور في اخفاء اثار غرق الطفلة.
5- نشأة المتهمة في ظروف اسرية غير صحية أدى بها لارتكاب اخطاء عديدة مثل الكذب المتكرر وغيره، لا يعني بالضرورة قتلها ابنتها.

واسدلت هيئة المحلفين الستار على هذه القضية بإصدارها القرار بعدم إدانه المتهمة بجرائم القتل وادانتها بجرائم تضليل سلطات تنفيذ القانون. رغم ان النتيجه صدمت المجتمع الامريكي الي حد ما، الا ان هناك ملاحظات لا ينبغي تجاهلها:
1- استمرت التغطية الاعلامية للقضية (بث حي مباشر) من داخل قاعة المحكمة على مدار شهرين ولم تتوقف حتى في الاوقات الحرجة التي امر القاضي فيها هيئة المحلفين بمغادرة القاعة كيلا يتأثر قرارهم بإنتقاداته لتجاوزات هيئتي الادعاء والدفاع، وقامت التغطية الاعلامية بدور تعليمي وتثقيفي عال المستوى، لكن الاهم هو تهيئة الرأي العام الامريكي للمعضلة التي ستواجهها هيئة المحلفين عند اتخاذها القرار.
2- اتفقت هيئتي الادعاء والدفاع منذ البداية على جدول تنظيمي لسير المحاكمة، عززه القاضي بموافقته عليه، منعا لضياع الوقت والجهد في امور هامشية، وكيلا تنفق اموال دافعي الضرائب فيما لا يفيد.
3- وضع القاضي منذ البداية قواعد صارمة تحظر اي اخلال بالجلسة قولا او فعلا او حتى ايماء بتعبيرات الوجه facial expressions. وبالفعل في احد المواقف، قام القاضي بتعليق القضية الرئيسية لمحاكمة شاب ارتكب اشارة مهينة بيده نحو ممثل النيابة، واصدر عليه حكما يدينه ويعاقبه بالحبس لمدة سته ايام وبالغرامة 400 دولار، موضحا في حيثيات حكمه اثر خطأ الشاب على الاخلال بسير المحاكمة واهدار اموال دافعي الضرائب.
4- صدور قرار هيئة المحلفين بعدم إدانة المتهمة جنائيا في جريمة القتل لم يكن نهاية المطاف، فقد تمت ادانتها بأربع جرائم تضليل سلطات تنفيذ القانون عن اربعة روايات مختلفة (تشدد القاضي بإعتبارها اربع جرائم مستقلة ورفض اعتبارها جريمة واحدة رغم اتصالها جميعا بالتحقيق في اختفاء الطفلة)، ووهناك عدة دعاوي مدنية ضد المتهمة، واحدة من الشرطة المحلية تطالب فيه بتعويض عما انفقته لتتبع الروايات الكاذبة التي اطلقتها المتهمة، واخرى من مصلحة الضرائب الامريكية تطالب فيه بمستحقاتها عما تحصلت عليه المتهمة من ظهورها على شبكات اعلامية، وثالثة من احدي المنظمات المجتمعية للعثور على المفقودين غير الهادفة للربح حيث خصصت جانبا من مواردها لمساعدة المتهمة في العثور على طفلتها.
5- عقب صدور حكم المحكمة، بدأت عدة حملات اهلية برعاية اعضاء في الكونجرس الامريكي لمعالجة عدة مشاكل كشفت عنها هذه القضية، فيدعو البعض لتمرير قانون يجرم عدم ابلاغ الوالدين عن اختفاء الطفل خلال مدة معينة، ويدعو البعض لتمرير قانون ينظم افصاح هيئة المحلفين عن مجريات مداولاتهم.