Sunday, February 6, 2011

المحكمة الدستورية قاضي السياسات

بعيدا عن السياسة واهلها
بعيدا عن الضغوط وويلاتها

يمكن تحليل المسألة المصرية الحالية الي العناصر الاساسية التالية

لدينا دولة ولها سيادة وزعها الشعب –الذي هو مصدر السلطات- في دستوره على سبع مؤسسات
هذه المؤسسات هي الامينة على السيادة الوطنية، ان تخلت عن جزء منها، خانت الامانة
الباب الخامس من الدستور اسمه نظام الحكم، اتى مباشرة بعد الباب الرابع واسمه سيادة القانون باعتباره اساس الحكم
تلك الاعمدة السبعة للحكم في مصر اربعة منها وطنية محايدة وثلاثة منها حزبية سياسية
المؤسسات الاربعة الوطنية هي ثابتة لتحافظ على اساس الدولــــة:
وهي القوات المسلحة، والمحكمة الدستورية العليا، والقضاء والشرطة ويفترض انها محايدة غير سياسية
ولذلك يمكن لنا فهم الحكمة من وراء منع اهل تلك المؤسسات الاربعة من الادلاء بأصواتهم في الانتخابات
والمؤسسات الثلاثة السياسية او الحزبية يفترض انها متغيرة بتغير احتياجات وسياسات الدولة:
وهي رئيس الدولة، والحكومة، والبرلمان ويتغير الاشخاص فيها بانتقال سلمي بناء على الاصوات الانتخابية
لنلاحظ ان عناصر الاستقرار اربعة وعناصر التغيير ثلاثة
لكن في حقيقة الامر هناك مؤسسة تمزج بين التغيير والاستقرار هي المحكمة الدستورية العليا
فدور المحاكم الدستورية في اي دولة ان تكون قناة اتصال بين الرغبات الشعبية والسياسات الرسمية
فحيثما يرغب الشعب في التغيير تجتهد المحكمة لتقرأ السياسات الرسمية المحافظة بروح عادلة
وحيثما يعارض الشعب التغيير تجتهد المحكمة لتقرأ السياسات الرسمية التقدمية بروح عادلة
لتخرج في الحالتين بحلول توفيقية ترضي الطرفين وتحافظ على سيادة الدولة وقوة القانون
الا ان الدور الاهم لها هو فض المنازعات السياسية لوأد الفتن الوطنية في الاوقات الانتخابية
وحكم المحكمة العليا الامريكية عقب الانتخابات الرئاسية الامريكية بين آل جور وجورج بوش خير مثال
هذا هو جوهر الإجتهاد القضائي

لدينا شعب من عدة اجيال وعدة طوائف وفئات بعضه ينتمي لتجمعات سياسية واغلبه مستقل عنها
التحرك الوطني يوم 25 يناير حتى جمعة الغضب شهد ما يسمى بتحالف الوان الطيف
كان الحد الادنى المتفق عليه بينهم انهم غاضبون ويريدون حل البرلمان واحترام القضاء واصلاح الشرطة
واثبت الغاضبون عمليا ان الشرطة ابن ضال
وانه آن الاوان ان يتولى امرها شرفائها ليعيدوا لها رشدها واستقلالها كمؤسسة محايدة غير سياسية
هم كسبوا تعاطف وتأييد الرأي العام المصري والعربي والعالمي
والاهم انهم كسبوا تعاطف وتأييد مؤسسة اخرى وطنية محايدة غير سياسية
فاعلن الجيـــش صراحة ان مطالبهم مشروعـــة

ما بعد جمعة الغضب حتى جمعة الرحيل امر مختلف وغضب من نوع آخر
فالدعوة الى حل البرلمان واحترام القضاء واصلاح الشرطة مختلفة عن الدعوة الى سقوط نظام ورحيله
الدعوة الاولى رد فعل على تحقيقات واحكام قضائية بعد اعادة فرز اصوات انتخابية
اما الدعوة الثانية فهي رد فعل جموع شعبية شريفة لكن غير واضح قوتها التصويتية في انتخابات نزيهة

لكي تدفع بنظام الي الرحيل لابد ان تكون مستعدا بنظام يحل محله
ولكي يحل نظام محل نظام لابد ان يكون ذلك بقوة القانون
وقوة القانون تعني حساب القوة التصويتية في انتخابات نزيهة تحت اشراف القضاء
الاستغناء عن قوة القانون بقوة الصراخ او قوة السلاح له ثمن نعرفه وعشناه السنوات الماضية

ليس من حق اي تجمع سياسي ان يستميل اليه اي من المؤسسات الوطنية غير السياسية الحزبية
ما حدث في الماضي ان تجمعا سياسيا استمال اليه الشرطة وجرى ما جرى
تخلت الشرطة عن حيادها وتخلت عن هويتها كمؤسسة وطنية محايدة غير سياسية
وحاولت المحكمة الدستورية العليا اصلاح الامر بطريقة غير مباشرة
وبإقرارها مبدأ قاض لكل صندوق انتخابي، حاولت الدستورية ان تعيد للإنتخابات نزاهتها
ورغم هذا، نجح هذا التجمع السياسي في ازاحة القضاء عن الاشراف على العملية الانتخابية
واشار عليه البعض للإلتفاف حول تقاليد قضائية راسخة تسير عليها المحكمة منذ عصرها الذهبي
وكانت نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة هي نواة الحركة الوطنية 25 يناير
وتأكد لمصر: افراد ومؤسسات ان هناك عدد لا يستهان به من الغاضبون القادرون

لا يحق لأحد في مصر او في الخارج
ان يضغط على اي مؤسسة وطنية محايدة غير سياسية لتتخلى عن حيادها
وعلى مؤسسات مصر التي ائتمنها الشعب على سيادته ان تحفظ هذه الامانة
وعليها ان تقف مع الجيش ولا تتركه عرضه لضغط وطني اواجنبي "يتعاطف" مع طلبات شعبية
فليس من حق اي كان ان يخير الجيش بين خيارين كلاهما خاطئ ويضعنا جميعا كدولة ذات سيادة في مأزق
واي فائدة ناجمة عن الحلول السريعة السهلة لا تقارن بالاضرار الناجمة على المدى الطويل

الازمة المصرية الحالية هي ازمة سياسية
لنحافظ عليها ازمة وطنية ونقف امام تدويلها
لنقف خلف حركة يناير الوطنية ونحافظ عليها حركة اصلاحية بعيدا عن الاجندات السياسية الحزبية
لنحافظ على مؤسساتنا الوطنية محايدة غير سياسية بعيدا عن الضغوط الاجنبية والوطنية
لنحافظ على جيش مصر ونعيد اليه درعه وسيفه واستعداده لحروب قادمة حول الماء والغذاء

الحاصل الآن ان لدينا ثلاثة مؤسسات وطنية محايدة
هي الجيش والمحكمة الدستورية العليا والقضاء
وثلاثة مؤسسات وطنية سياسية حزبية
هى رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان
ولدينا مؤسسة وطنية ضلت عن حيادها وجرى ما جرى
وهي الشرطة
آمل ان تقف الدستورية العليا والقضاء بجانب الجيش وليستعيدوا الشرطة بجانبهم
ولتراقب المؤسسات الاربعة انتقالا سلميا مشرفا للسلطة في المؤسسات الثلاثة السياسية الاخرى

المحكمة الدستورية العليا المصرية ليست كغيرها من هيئات القضاء
بل هي بنص الدستور هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها
وهي بروح الدستور احد الاعمدة السبعة التي تنبني عليها الدولة المصرية
(رئيس الدولة- البرلمان- الحكومة التنفيذية- القضاء- المحكمة الدستورية العليا- القوات المسلحة- الشرطة)
وحكمة كونها مستقلة قائمة بذاتها ان عملها القضائي يمس صميم السياسات المصرية لكنه ليس عمل سياسي
لذلك يمكن فهم احكامها السابقة بحل البرلمان المصري اكثر من مرة واعادة اجراء الانتخابات
صحيح ان اهلها ليسوا اهل سياسة ولنحمد لله انهم ليسوا كذلك
فرأسمالها هو وطنيتها وحيادها ومصداقيتها
وقضاتها هم قضاة سياسات يزنون اللفظ والمعنى وليسوا قضاة ساسة يتلاعبون بالالفاظ والمعان
ويقيني انها مازالت محتفظة بتقاليدها الراسخة وعصرها الذهبي ليس ببعيد
واملى ان يقبلها الجميع حكما نزيها وويمد لها العون لتعديل الدستور او لصياغته من جديد
فإن لم يكن الآن، فمتى؟