Monday, August 30, 2010

مسجد مركز التجارة العالمي


يحتدم النقاش حالياً في الولايات المتحدة الامريكية بشأن بناء مركز قرطبة الإسلامي لخدمة المجتمع بمدينة نيويورك الامريكية. وبصفة عامة، فإن بناء المراكز الدينية الرامية الي خدمة مجتمعاتها المحيطة بها هو احد السنن الحميدة في الثقافة الأمريكية، إلا أن المشروع الأخير تجاوز غيره بالنظر الي الجدل الدائر حوله. وبصفة خاصة، فإن اهتمام وسائل الاعلام بالجدل حوله لم يخلو من شوائب زادت الخلاف عمقاً بدلاً من أن تخفف منه. فعلى سبيل المثال، أدى تسويق القضية إعلامياً تحت مسمى "مسجد مركز التجارة العالمي إلي اختزال المشروع في مجرد بناء مسجد، رغم أن المكان المخصص للصلاة يمثل طابقاً من طوابق متعددة يتكون منها المشروع بأكمله. وقد أدى هذا بدوره الي تصوير موقع المشروع بإعتباره ملاصقاً لموقع مركز التجارة العالمي الذي تعرض لأحداث 11 سبتمبر الأليمة، رغم ان المشروع علي مسافة ليست هينة من موقع مركز التجارة العالمي السابق.
كعادة المجتمع الامريكي، نشط العديد من أساتذة القانون لتخفيف حدة الخلاف، ولبناء توافق وطني حول المسألة. ووسعى البعض الي رد القضية الي اصولها القانونية وتحييد الحساسيات المجتمعية التي اقحمها البعض لإعتبارات سياسية إنتخابية بحتة. وقد بلغت تلك الحساسيات ذروتها بإنتقاد معارضي اوباما لموقفه من المسألة، والذي عبر عنه خلال حفل الإفطار الرمضاني السنوي الذي يستضيفه البيت الأبيض. ويتلخص موقف اوباما في أهمية الحفاظ علي الحرية الدينية لكل من ينتمي للارض الامريكية، سواء بالميلاد او بالهجرة، حيث أن هذا هو ما نشده المؤسسون الاوائل للأمة الأمريكية. وأعلن أنه كمواطن وكرئيس يؤمن بحق المسلمين -مثلهم مثل غيرهم- في ممارسة ما يؤمنون به، ووبالتالي حقهم في بناء مكان للعبادة ومركز لخدمة المجتمع علي الارض المملوكة ملكية خاصة في مانهاتن (لاحظ ان الملكية العامة لا يجوز ان تخصص لغرض ديني في ظل النص الدستوري الامريكي الذي يفصل الدين عن الدولة).
ولم يتوانى المعارضون لاوباما في حشد الاسانيد والحجج لكسب الرأي العام الأمريكي. فأعلن بعضهم انه لا يعارض بناء المسجد في حد ذاته، وانما يعترض علي بناءه في هذا المكان، بالقرب من مركز التجارة العالمي . وأستند هؤلاء الي بعض مؤشرات قياس الرأي العام الأمريكي للتدليل على ما يثيره الامر من حساسية مجتمعيه، لينتهوا الي دعوتهم القائمين على المشروع لإختيار موقعاً آخر له. ومن ناحية أخرى، لم يتردد فريق آخر في التعبير عن نزعته العدوانية المتسترة بالدين، فدعا احدهم الى حرق القرآن الكريم تزامناً مع قدوم 11 سبتمبر، وهو ما لقى الإستهجان من العديد من قادة الرأي في المجتمع الأمريكي. ودعا فريق ثالث الى تعليق بناء المركز الإسلامي علي سماح السعودية ببناء كنيسة او معبد في مكة، وهو ما انتقده بعض رجال القانون لرفضهم تعليق نفاذ الحريات الدينية التي يكفلها الدستور الامريكي علي امر سياسي لا شأن له بالنص الدستوري. الشيق في الأمر هو إستشهاد أحدهم بنص الدستور المصري (المادة 40)، بإعتبارها نموذج معتدل لتعزيز سيادة القانون جنباً الى جنب مع الحرية الدينية في إحدى أكبر دول الشرق الاوسط ذات الأغلبية المسلمة. تنص المادة المشار اليها على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا فرق بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أواللغة أوالدين أو العقيدة." خلاصة القول، احترام القانون –نصاً وروحاً وممارسة- لحقوق الأقليات في العالم الإسلامي اصبح له اثره المباشر في احترام حقوق الأقليات المسلمة في العالم، وربما سيكون له اثر تفاوضي في ظل محاولة إسرائيل دفع الأقليات العربية للهجرة منها.